فقـــــــــــه التطـــــــــــرف

منيرة حسين في الجمعة ٠٩ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كان ــ و لا يزال ــ مدرساً نابهاً ومنشغلاً بالدين، وكانت له صولاته وجولاته على المنابر، وله مئات المستمعين وعشرات "الأخوة" وكان منتظراً له أن يكون صاحب دور ، لولا أن حدث له حادث جلل ، قلما يحدث للأغلبية المشتغلين بالدعوة الدينية،حدث أن استعمل عقله!!
• باختصار وجد فجوة هائلة بين القرآن الكريم وبين جانب كبير من الأحاديث المنسوبة للرسول عليه السلام ، وتلك الأحاديث هى عدته وسلاحه على المنابر وفي الندوات والمحافل ، وبعد طول تفكير أيقن أن الأجدى له وللإسلام وللمسلمين أن يتبينوا هذا الإشكال وأن يشتغلوا بهذه المعضلة ، وبدأ بنفسه فتنازل طائعا مختاراً عن لحيته وأنصاره ومريديه ومستمعيه واعتكف عنهم في بيته قارئاً دارساً يصلي بأهل بيته ويتدارس معهم كتاب الله يصححون به الكثير مما يرونه مخالفاً للقرآن الكريم.
• وانزعج إخوانه السابقون من ذلك التطور "الهدام" و "أقبلوا إليه يزفون" ناقشهم بالقرآن وأثبت لهم بالبرهان فانصرفوا عنه عاجزين ناقمين..
• وبدأت حربهم ضده ،فأشعلوها شائعات على المنابر وعلى ألسنة الناس تتهمه بإنكار السنة والعداء للنبي عليه السلام، ثم تطورت تلك الحرب واتخذت مساراً خبيثاً لتحطيم أعصابه وأعصاب أسرته،إذ تتوالى عليه المكالمات التليفونية والهمسات والنصائح والمقابلات وكلها تنذره بأن اعتقاله بات وشيكاً بسبب أفكاره وأنهم قد يقبضون عليه اليوم أو غداً .
• ثم بعد هذه الحرب النفسية بدأ إخوانه السابقون يعدون له بعض اللجان لتقوم بمحاكمته واستتابته ليرجع عن تلك الأفكار وإلا أصبح مرتداً حلال الدم !!
• وانتقلت حياته إلى جحيم !! زوجته المريضة بالقلب أصبحت في حال يرثى لها ، وأولاده تتعلق عيونهم بالباب هلعاً وخوفاً إذا دق على الباب طارق يتوقعون القبض على أبيهم أو مجئ من ينفذ فيه حد الردة !!
• وهذه قصة حقيقة أعرف بطلها وقد جاءني شاكياً من حال الأخوة الأعداء وما فعلوه به وبأهل بيته من حرب لم يرقبوا فيها "إلاً ولا ذمة" و " لا عهدا ولا مروءة" ، مع أنه لم يفعل لهم شيئاً اللهم إلا أنه اعتكف عنهم ولزم بيته وانصرف لحاله..
وقلت له: لا داعي لأن تنزعج من موضوع القبض عليك ، فعليك أن تحمد الله تعالى على أنك تعيش في دولة مدنية ـ أو كما يقولون ـ دولة علمانية، لأن دستورها ـ الذي يعتبرونه آثماً ـ يضمن لك ولغيرك حرية العقيدة والفكر ، أما دولتهم التي يعملون من أجلها فالإكراه في الدين هو دستورها الحقيقي .!!
وقلت له: ثم لا تخشى أيضاً من الاعتقال طبقاً لقانون الطوارئ سيئ السمعة، ما دمت منشغلا بنفسك معتكفاً في بيتك ، بل إنهم أولى الناس بأن ينالهم قانون الطوارئ لأنهم يقتحمون عليك خلوتك وعزلتك وحقك في أن تكون آمناً على نفسك وأولادك وبيتك وعقيدتك !!
*وقلت له : إن ما فعله "الأخوة الأعداء " معك إنما يعبر بصدق عن " فقه التطرف الذي يناقض الإسلام جملة وتفصيلاً
فالتطرف الديني يقوم على عنصر الإكراه في الدين وإلزام الغير بمعتقدات الأغلبية حتى لو كانت ضالة ولذا يتردد على ألسنتهم ألفاظ خاصة مثل الاستتابة والتكفير وحد الردة المزعوم وإباحة الدم.. وهم يعيشون في كنف دولة علمانية يتهمونها بالكفر ولكنهم لا يترددون في الاستعانة بها ضدك لأنك اعتزلتهم وتركتهم ، إنهم يستعيرون عصا السلطة لإرهابك ، وكل ذنبك أنك أعرضت عنهم ، وحين "جاءوك يجادلونك" أفحمتهم في الحجة ، ولأنهم يجهلون الإسلام الذي يريدون أن يحكمونا به ، ولأنهم لم يستطيعوا الصمود أمام حجتك القرآنية فلم يجدوا أمامهم إلا إرهابك بتلك الحرب الرخيصة لتخضع وتنهار فإذا جاءتك لجنة الاستتابة عدت لهم صاغراً"
وقلت له : وهم يفعلون ذلك بك، وقد كنت "زعيماً لهم" فماذا يفعلون مع الآخرين، وهم يفعلون ذلك بك وهم لا يملكون سلطة ولا يحكمون دولة فكيف بهم إذا أقاموا دولتهم الدينية ـ والتي لا شأن للإسلام بها ـ واقتحموا بمحاكم التفتيش بيوت الناس وعقولهم وقلوبهم يتهمونهم بالكفر والمروق والوقوع في حد الرد المزعوم ؟؟
وقلت له: إن فقه الدعوة الإسلامية الحقة يقوم على أساس حرية الاعتقاد وعدم الإكراه في الدين "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" والله تعالى يقول للنبي عليه السلام " ولو شاء ربك لآمن من الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟"
والله تعالى ترك الناس أحراراً يختارون الإيمان أو الكفر ، وعلى أساس اختيارهم سيحاسبهم الله تعالى يوم القيامة " قل آمنوا به أو لا تؤمنوا" . " وقل :الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
والذي يدعو للحق عليه أن يتمسك بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادل بالتي هى أحسن ، ثم في النهاية يترك خصمه في العقيدة وشأنه منتظراً حكم الله تعالى يوم الدين .. فبهذا تنطق عشرات الآيات القرآنية الكريمة .. أما التطرف فهو إرهاب فكري وإلزام قسري ولجوء للعنف فيما لا مجال للعنف فيه ، ثم يتمسحون بالإسلام والإسلام منهم برئ ، ولو وصلوا إلى الحكم ـ لا قدر الله ـ لأضاعوا الإسلام والمسلمين ..
ثم قلت لنفسي : من ينصف الإسلام من هؤلاء المسلمين ؟ .

اجمالي القراءات 10958