الصوم رؤية من خلال القرآن

عبداللطيف سعيد في السبت ٢٨ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

الأخوة الأعزاء كل عام وأنتم بخير لقد انتهى شهر رمضان الكريم هذا العام وقد خلف العديد من القضايا داخل كل مسلم وكان علينا نحن القرآنيين أن يكون لنا النصيب الأكبر من النقاش والاجتهاد والحوار ومساهمة منى فى النقاش أطرح عليكم اجتهادا لى فى آيات الصوم والمذكورة فى سورة البقرة والتى تخص صيام رمضان وآثرت أن يكون هذا بعد انتهاء شهر رمضان لكى تكون هناك فرصة لنا جميعا أن نجتهد ونبحث فى هذا الموضوع حتى يأتى رمضان القادم وألا يكون عملنا من قبيل المناسبات . ولنقرأ معا هذه الآيات :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تختا نون أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) البقرة)

1ـ ففي الآية رقم 183 يقول الله سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
أي أن الله كتب علينا الصوم كما كتبه على الذين من قبلنا وذلك لهدف أسمى وهو الوصول إلى تقوى الله سبحانه وتعالى .
وفى الآية التالية يقول ربى سبحانه وتعالى(أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184).
ففي هذه الآية الكريمة يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن الذي نصومه أيام معدودات فقط وذكر ربى سبحانه وتعالى حالتين فقط للإفطار وهما :
الحالة الأولى هي في حالة المرض أو السفر ففي هذه الحالة على المسلم عندما يزول عنه سبب الإفطار بأن يشفيه الله من المرض أو أن يصل إلى المكان الذي يسافر إليه، عليه أن ينفذ قول الله سبحانه وتعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ).
الحالة الثانية وقد عبر ربى سبحانه وتعالى عنها بقوله (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ولفظ يطيقونه في هذه الآية الكريمة يحوى إعجازا علميا حيث أننا نقول أن هذا الجهاز مثلا طاقته 220 فولت فإذا وصل الجهاز إلى هذه الدرجة فإنه عرضة لأن يحدث به انفجار لذلك عليك أن تعطيه 219 فقط .
وهذا ما نفهمه من الآية الكريمة حيث أن الله سبحانه وتعالى اختار لفظ يطيقونه للتدليل على أنها الدرجة الأخيرة في التحمل وما بعدها يكون فيه خطورة ومعناه أن هذه الحالة مستمرة كأن يدخل الإنسان مثلا في مرض مستمر لا يشفى منه أو أن يدخل في مرحلة الشيخوخة والتي لا يرجى فيها تغير الحالة وبذلك لا يستطيع تنفيذ قوله سبحانه وتعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) لذلك فإن الله الرحيم بعباده لم يفرض عليه القضاء وإنما فرض عليه الفدية فقال (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )أي أن عليه فدية وهى أن يطعم مسكين مقابل إفطاره أي أن يطعمه ثلاثون يوما.
وتختتم الآية بقوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون) للتدليل على أن الصوم هو الأفضل وهذا يتنافى مع القاعدة الفقهية التي تقول( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه).
ونأتي للآية التالية حيث يقول ربى سبحانه وتعالى ( . شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون َ185) ففي هذه الآية الكريمة حدد الله سبحانه وتعالى الأيام المعدودات التي ذكرت في الآية السابقة رقم (184) بأنها شهر ، وفى آية رقم 185 عدة حقائق وهى :
1 ـ أن شهر رمضان أنزل فيه القرآن .
2ـ وأن القرآن هدى للناس وبه بينات من الهدى والفرقان حيث أن القرآن يحتوى على آيات يهتدي بها البشر إلى ما يرضاه الله وعلى آيات بينات أيضا تحوى فرقانا بين الحق والباطل
3ـ (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) حيث أن شهادة الشهر هنا بمعنى المعايشة وأن ينتفي عنه سبب الإفطار المذكور في قوله تعالى( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) المذكور فى الآية السابقة وهم الذين لا يستطيعون الصوم مطلقا ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ذكرفى الآية 185 (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) ولم يذكر (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ونستخلص مما سبق أن مشاهدة الشهر معناها الذي يستطيع الصوم أو الذي تعتريه ظروف طارئة تجعله يفطر وعندما تنتهي هذه الظروف يكون عليه عدة من أيام أخر.
4 ـ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) أي أن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر وعلينا أن نكمل عدة الشهر إذا أفطرنا عدة أيام من الشهر أو حتى أفطرنا الشهر كله وذلك بسبب المرض أوالسفر وذلك بعد انتهاء الشهر طبعا كما ذكر في هذه الآية.

ثم تأتى الآية التالية وهى( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ..
وهذه الآية تعتبر فاصلا بين آيات جميعها يتكلم عن الصوم وهذه الآية تقصر السؤال على الله سبحانه وتعالى فقط وتمنع سؤال غيره ..
وتأتى بعد ذلك آية( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تختا نون أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187) البقرة)
.ونستخلص من هذه الآية الكريمة :
1ـ (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تختا نون أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُم..) ونلاحظ في هذه الآية الكريمة ملمحين أساسيين وهما :
الأول هو (أُحِلَّ لَكُمْ ..) أي أنه حلال لنا ، ومعنى هذا أنه كان محرما قبل ذلك على الأمم السابقة وجاءت بقية الحيثيات جميعها توضح أسباب هذا التخفيف من الله سبحانه وتعالى .
والثاني هو أن العلاقة مع الزوجة حلال في ليلة الصيام أي أنها محرمة في نهار رمضان والليل له بداية وهو تغلب الليل على النهار وهو بداية من المغرب وله نهاية وهو طلوع الفجر وهو يعتبر في نفس الوقت بداية النهار ونتذكر هنا قوله تعالى(ذلك بإن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل )الحج 61 أي أن الليل والنهار متداخلين والفاصل بينهما لا يتعدى( الفمتوثانية) فعند انتهاء الليل يكون النهار وعند انتهاء النهار يكون الليل ..
2ـْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل) في هذا الجزء من الآية الكريمة يحدد الله سبحانه وتعالى حدود الوقت الذي يحل لنا أن نأكل فيه ونشرب وهو بداية من الليل أي تغلب الليل على النهار وهو عند المغرب إلى الوقت الذي حدد فيه الله سبحانه وتعالى أن نمتنع عن الأكل والشرب وهو (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ..) وهذا مقياس من الله سبحانه وتعالى أن نضع خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود وعندما يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر في هذا الوقت نمتنع عن الأكل والشرب أما العلاقة مع الزوجة فحكمها موجود في الفقرة السابقة فهي من بداية الليل (المغرب) إلى الفجر أما الأكل والشرب فهو من بداية الليل (المغرب) إلى أن يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
والجدير بالذكر أنا هناك أبحاثا قام بها العديد من القرآنيين على المقياس القرآني (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) نرجوا منهم أن يعطونا نتيجة بحثهم لكي تعم الفائدة إن شاء الله ..
3ـ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا..) في هذه الفقرة من الآية الكريمة توضح أن العلاقة بالزوجة محرمة أثناء الاعتكاف بالمساجد .
4ـ(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون..)أي أن الله هو الذي يبين آياته للناس أي ما عليك إلا أن تقرأ الآيات وسوف يبينها الله سبحانه وتعالى وهذا موضوع آخر يطول شرحه ...
وفى النهاية أرجو من الله أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع وأن يأخذ قدرا من النقاش وأن يعذر بعضنا بعضا في حالة الاختلاف وأرجو من الله أن يجعلنا من جنوده المدافعين عن كتابه الكريم وأن يظهر على يدينا تمام القرآن وكماله وكفايته ..
أرجوا من أخواني القرآنيين أن يرتفع نقاشنا إلى مستوى القرآن الكريم وأن نعطى المثل والقدوة للآخرين ..




اجمالي القراءات 15123