إن الحيوان لفي الدار الآخرة

يحي فوزي نشاشبي في الأحد ٢٨ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحيوان لفي الدار الآخرة

(( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون )) سورة المنافقون – (10+11).

إن الأمر الخاص بالإنفاق يظهر أنه يخبئ وراءه شيئا كثيرا وثقيلا ومصيريا.
وعندما نتصور موقف ذلك الإنسان الذي يفاجئه الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب.
وعندما نتصور ذلك الموقف العظيم الصعب ، ونتصور كيف تختصر في عين ذلك الشخص كل الأماني فتصبح أغلى أمنيته هي أن يستجيب الله لطلبه الصادر حقا من أعماق الأعماق وهو يقول لله العلي الكبير: يا رب إن طلبي هو أن تزيح عني هذا الموت الذي يقف أمامي محدقا ومصرا ، وأن تؤخره عني أو تؤخرني عنه ولو لفترة قصيرة فقط .
وعند التمعن فإننا نتصور حتما أن ذلك المخلوق لم يصدر منه ذلك الطلب الغالي المصيري إلا لأنه يكون قد رأى ما رأى وعرف ما عرف .
وعند تصور هذا المشهد العظيم وتدبره مليا ، قد يوافقني بعضهم أو جلهم أن الإنسان كل إنسان أمام أية كارثة كالحريق أو الفيضان أو الزلزال وما إلى ذلك ، عندما يواجه هذا الشخص مثل هذه المواقف التي لا تترك أمامه متسعا من الوقت اللهم إلا بضعة دقائق نعم لا يسع المرء في مثل هذه المواقف إلا التفكير في النجاة بنفسه وفي إنقاذ ما يمكن له أن يكون خف وزنه وغلا ثمنه ، وهنا يتدخل قانون ومنطق النسبية فلا تكون الكلمة الأولى والأخيرة إلا للأهم .
ولنرجع إلى الأهم في موضوعنا وهو ذلك الإنسان الذي أدركه الموت ، فمن المفهوم والراجح أنه لم يقل قولته المشهورة : ((رب لولا أخرتني إلى أجل قريب )) إلا لأنه يكون حتما رأى وعرف ووعى وتيقن واطلع على ما اطلع ، ويكون حتما اطلع بالخصوص على أثر عمل من الأعمال الصالحة في الحياة الدنيا وما تفعله وحجم رصيدها في الدار الآخرة ألا وهو عمل الإنفاق مما يرزقه الرزاق .
ويكون هذا الإنسان الميت قد هضم حتما أكثر من ذي قبل وأكثر من أي مخلوق حي على وجه البسيطة وزن وثقل وصلاح فعل الإنفاق وحجم ودرجة الجزاء الأوفى الذي خصصه الله الكريم لفعل الصدقة وللدرجة العليا الراقية التي يكون مرفوعا إليها الفاعل .
وعليه ، ولأمر ما لم يفكر ذلك الإنسان عندما وجد نفسه وجها لوجه أمام الموت المحدق فيه ، نعم لأمر ما لم يفكر ذلك المخلوق في أن يستثمر تلك الدقائق القليلة التي كان يشحذها ويطمع فيها وكان مادا يدبه متسولها من العلي العظيم الذي لن يؤخر نفسا إذا جاء أجلها ، لم يفكر ذلك الإنسان في أن يستغلها للسجود لخالقه سجدة نصوح أو لركعتن اثنتين طويلتين أو لتسبيح ما ، بل كل ما فكر فيه بعد أن رأى وسمع ووعى هو أن يستدرك ما فاته مما فرطه فيه هو عمل صالح ليس كأي عمل صالح آخر لما يمتاز به من وفرة المردود وسرعته ووفرة الربح وهو طامع في أن ذلك وحده ولا غير مما يرجح الكفة لصالحه وبما قد يزحزحه من النار وهو فعل الصدقة ، وكيف لا وهو الواقف وأمامه الموت وهو القائل : (( رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )).


ونحن – وقبل تواجدنا في ذلك الموقف – ألا يحق لنا أن نستثمر وبصفة إيجابية ذكية فطنة ذلك التصريح الذي صرحه ذلك الإنسان ؟
ألا يكون فعل الإنفاق بمثابة مؤشر يهدي إلى موقع معدن من أثمن المعادن في الحيوان في الدار الآخرة ؟
ولعل مراجعة الآيات التالية تزيد للموضوع أهمية وهي :
(( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم .)) 20- سورة المزمل.

(( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون))
سورة العنكبوت – رقم 64-

اجمالي القراءات 13574