القرآن الكريم كما أعرفه

احمد شعبان في الثلاثاء ٢٣ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في أي بحث علمي جاد لابد من عمل تعريف إجرائي لموضرع ألبحث .
ومجال بحوثنا جميعا من داخل القرآن الكريم ، وعليه فمن المفترض وجود رؤية كتعريف لدى كل من يبحث في هذا ألكتاب .
ولكن المشكلة أن معظم الباحثين لم يلتفتوا لهذا الأمر ، لذا سار كل منهم في اتجاه مغاير لاتجاهات الآخرين ، وتلاشى وجود الأساس المعرفي الذي يمكن الاتكاء عليه للتعامل مع هذا الكتاب ، وأصبح البحث يتم فيه كل حسب فهمه دون رؤية موضوعية لنطقه ومحتواه، فازدادت رقعة الاختلاف ، والذي يكرس له البغاة منا .
وأعتقد فى عدم وجود الأمل لدينا في أن يكون لنا بهذا الكتاب وجود إلا بالاتفاق حول تعريف موحد لهذا الكتاب وتصور لشبكة العلاقات فيه مع حتمية العمل على إظهار هذا التعريف والعمل به ليكون جهدنا على أساس موضوعي وليس ذاتي كما يزعم ويبنى على أساسه دعاة إنكار الأديان والإله واليوم الآخر .
فمن ينظر إلى ساحة العمل الإسلامي يجد أن حجمها كبير جدا وكثيف حتى أصبح لا يرى منه شيئا ذا بال بسبب الظلال الكثيفة التي أنتجتها الفوضى الفكرية التي نعيشها ، لذا لا نجد له ملامح ، وبمرور الزمن يزداد كثافة وتزيد عتمته ، الظروف المحيطة بكل منا تدفعه دفعا إلى الفساد إلا من رحم ربي .
لا تقل لي بسبب حاكم أو محكوم أو ديني أو علماني ، ولكن قل لي عن الصالح والطالح في كل من الفئات السابقة ، المشكلة في فساد المجتمعات العربية بعامة داخل كل الفئات.
والمسلمون القدامى قد اختلفوا ونتيجة هذا الاختلاف إنتاج فكري مختلف ( ليس متنوع ) ، والاختلاف هو الثبات عند هذا الإنتاج وعدم تطويره ليتكامل ، وإذا ما ألقينا عليه الضوء ممثلا في من يحاولون تجديد الفكر الديني فسنجد أن هذا الضوء يتلاشى داخل هذه الضبابية ، ويزداد الاختلاف تفاقما ، وهذا جميعه بسبب عدم وجود منهج علمي يلتزم به ، وعلميا لا يخترق هذه الضبابية سوى الليزر ( النور ) .
من هنا لابد من البحث عن النور في القرآن الكريم حتى تنقشع هذه الضبابية المعتمة ، وهذا النور هو الأساس العلمي الواجب تكوين معارفنا بناء عليه -
إن كل الأديان تدعوا إلى التوحيد حول لا إله إلا الله بالاختيار الحر ، وبينت القيم الواجب التمثل بها ، وجعل الإنسان حرا في كل ما يعمل ، وداخل كل جماعة تنظيم بما ارتأته هذه الجماعة كفيلا بالحفاظ على هذا النظام .
ومن هنا أتذكر قول الله عز وجل ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
وعليه يبقى السؤال الأكثر أهمية وإلحاحا هو : كيف نغير ما بأنفسنا ؟ هذا هو مربط الفرس .
الدكتور دويكات يعرض الآن لرؤية أحد الكتاب ( النيلي ) حول التعريف بالمادة الأساسية التي نكتب بها جميعا ألا وهى ( القرآن الكريم ) من حيث النطق والمعنى تحت عنوان " النظام القرآني " .
وقد تلاحظ أن العديد من الكتاب تجاهل الاشتراك في الحوار كناقد لرؤية النيلي سواء بالرفض مع إبداء الأسباب أو القبول مع محاولة تقديم إضافات ، رغم أن هذا الأمر يعني الجميع .
ومن جانب آخر حين الكتابة حول موضوع يترك المعقبون الموضوع الأساسي، ويتمسكون بجزئية يستغرقنا فيها الحوار وننتهي دون بحث الموضوع الأصلي .
وحين الإعلان على أن تكون كل الكتابات لابد وأن تعتمد على القرآن الكريم دون المرويات ( شروط النشر ) ، نجد من يعجز عن الرد بالقرآن فيقدم الرد من المرويات
من هذه الملاحظات يتأكد لنا أننا نتعامل مع القرآن الكريم بصورة تراثية نفسية ( ذاتية ) غير منضبطة علميا .
لذا كانت النتيجة الحتمية لما نحن عليه عدم الجدوى مما نكتب .
ولأن معلوماتنا أغزر وأوسع من سابقينا وفي ظل هذا الاختلاف ، لذا كان لزاما أن يزداد العقد انفراطا مما كان عليه ، عكس المفروض من التلاحم والتكامل فيما بيننا شريطة وجود الأساس المعرفي المتفق عليه ، حتى نقدم رؤية موحدة موضوعية تكون لنا انطلاقة لتقديم كل ما هو مفيد للإنسانية .
وبالنظر إلى تجربة الغرب المسيحي عندما وجدوا لديهم هذا الحال قرروا أن يعتبروا دينهم ذاتي وكل منهم له الحق بأن يؤمن بالله حسب رؤيته وأخلوا الساحة للجهد البشري الحر كي يتفاعل .
هنا لابد وأن نسائل أنفسنا ، هل نعمل مثلما فعل بعض أصحاب الديانات السابقة ، ونعتبر ديننا أيضا ذاتي ونتجه بجهدنا البشري لكي يتكامل مع باقي الجهود الإنسانية وما نتج عنها من أمراض وفساد مثلما نتج عنها من تطوير وهذا ما يطالب به كم كبير وخصوصا من مثقفي هذه المجتمعات لما يرونه من ارتباكنا بالدين .
وهذا ما فعلته الكثير من دولنا الإسلامية ، وخاصة وأن الفساد والارتباك الفكري لدينا أكثر كثيرا مما لدى غيرنا
ولكن ماذا عن الإسلام كإسلام ممثلا في القرآن الكريم ، هل هو مثل الأديان السابقة ممثلة في كتبها حين النظر بموضوعية وبعيدا عن الإطالة نجد أن هذا الكتاب لفظا ومعنى من عند الله جل جلاله ، وهذه هى الميزة التي يمتاز بها هذا الكتاب عن الكتب السابقة ، وتعهد الله بحفظه منذ إنزاله وحتى قيام الساعة .
والله سبحانه وتعالى قد وصف ذاته بكل المثل العليا ( الأسماء الحسنى ) " ولله المثل الأعلى " .
ومن أهم المثل العليا التي نعيشها هي المنهجية العلمية ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ....
وعليه يجب أن نتعامل مع هذا الكتاب بهذه المنهجية ولا غيرها .
وعند هذه النقطة تذكرت موضوع الحوار والاختيار الذي أطلقه الدكتور منصور مشكورا .
ومن الجدير بالذكر أن أسرد في عجالة معرفتي بالدكتور منصور .
بدأت بقراءتي لمقال بجريدة الأهرام للدكتور يحيى الرخاوي بعنوان الإيمانية يبحث فيه موضوعيا عن مخرج لأزماتنا في الفكر الديني ، فحاولت مقابلة الدكتور الرخاوي وقابلته ، فأشار على أن أقرأ للدكتور منصور وأهداني خمسة أعداد من مجلة الإنسان والتطور التي يصدرها ، وقرأت للدكتور منصور خمس دراسات تربوا كل منها على العشرين صفحة ، فانبهرت بها لأني وجدتها كتبت جميعا بموضوعية لم أقرأ مثلها في كل ما وقع تحت يدي حتى ذلك الحين .
وقابلت الدكتور منصور وعرضت عليه فكرة النور والليزر ، فسجلها في جدول الندوات .
ومن يومها وأنا دائم حضور ندوات مركز ابن خلدون ( الرواق ) ، وجاء ميعاد ندوتي .
وبعد العرض أبدى الدكتور منصور انبهاره بالفكرة وتندر على علماء الأزهر بها ، وكان من الحضور من كتاب هذا الموقع الدكتور عثمان والأستاذ عساكر والأساتذة شريف ومحمد منصور ، ومن العاملين بمركز ابن خلدون الآن كل ممن زالوا على قيد الحياة ، لأن هذا المركز الذي أنشأه الدكتور سعد الدين إبراهيم عبارة عن واحة فكرية ، يجد فيها كل من يدخلها ذاته ، وقد يجد المساعدة في تنمية قدراته وتحقيق ذاته . ومن هنا كان الدكتور منصور هو نجم هذه الواحة لذا كان عن جدارة أحد امتدادات مركز ابن خلدون حيث أنشأ هذا الموقع وأيضا المركز العالمي للقرآن ، وحتى عمل بيت الحرية ممثلة في الأستاذ شريف منصور هو امتداد أيضا لمركز ابن خلدون لأن كل من الأستاذين شريف ومحمد تم بناء قدراتهم بمركز ابن خلدون ، وباعتباري ممن يمثلون مركز ابن خلدون ورغم غيبة الدكتور سعد عن المركز إلا أن إدارته الممثلة في المهندس احمد رزق شقيق الدكتور سعد قد تركني ليكون الموقع أحد مكونات ضفيرتي الفكرية كي أساهم بجهدي الفكري على هذا الموقع في إطار إصلاح الفكر الديني لأن المركز يأمل في ازدهار هذا الموقع باعتباره واحة فكرية داخل المركز العالمي للقرآن وبيت الحرية ليكونو المنارة التي تنير حياة أمتنا والعالم أجمع،.
أردت أن أقول من خلال هذه المعرفة بأن الامتداد يعبر عن تكامل ويؤدي إلى نجاح ، وما علينا سوى أن نجعل هذا النجاح مباركا / منظما / متسقا حتى ينتج نجاحات أخرى
من هذا المنطلق نعود إلى مسألة الحوار والاختيار .
ونحن الآن في مرحلة الحوار ، وعليه يجب أن نسائل أنفسنا إلى متى ستستمر هذه المرحلة ؟
وما دمنا قد قررنا مرحلة للحوار وأخرى للاختيار فلابد وأن يكون لقرارنا هذا منطق ، فمثلا سنبقى في مرحلة الحوار حتى نجد ما نختاره فتبدأ مرحلة الاختيار .
ولكن هل هناك جدوى من الانتظار ، وخاصة في وجود العديد من المسلمين الذين فقدوا الأمل في الإصلاح ، ولم يجدوا أمامهم إلا تحقيق مصالحهم دون النظر للصالح العام ، وحين الحديث عن الإصلاح تجد من يفاجئك بالقول لقد انتظرنا 14 قرنا هل ننتظر أخرى .
وأتساءل لما لا نبدأ بالمنهجية العلمية ولو على هامش أعمالنا ؟
لما لا نحاول التطبيق العملي لآية النور حتى يكون برهانا ساطعا للكافة على موضوعية القرآن الكريم ؟ .
وخصوصا وأنا اعتبر كل من على هذا الموقع وزواره وغيرهم سفراء للقرآن الكريم .
ولا ينتقصا سوى توحيد الجهد لتقديم هذا الكتاب بصورة غير مختلفة .
وأعتقد أن المناقشة حول هذا الموضوع ستكون مثمرة بإذن الله تعالى .
وفقنا الله سبحانه وتعالى لما يحبه ويرضاه جميعا لما يحبه ويرضاه .

اجمالي القراءات 19797