تمهيد ضروري:
بداية أنا من الذين يؤمنون أن الحرام حرام في ذاته، لأن الله حرمه، وأنه لا يدور في فلك النفع والضرر، إذ أن الحرام ما هو مقطوع بحرمته من الله، توصلنا للحكمة أو لم نصل، عرفنا مراد الله أو لم نعرف، فليس الحرام عندي كون الشيء ضاراً أو نافعاً.
ومن اللازم أن أنوه أن التشريعات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بظروفها الزمكانية إن صح التعبير، وتقبل المجتمع، وفاعليته، ونموه ،ونضجه، وتطوره وو الخ. فما كان في المدينة لم يكن قط يصلح لمكة، فلم يكن حكم االطلاق مرتان بمكة مثلاً، ولم تكن لأحكام المواريث شأن يعني مجتمع أفراده قلائل يسحقون بمكة، وهكذا . أما عن حسم توقيت هذه الصلاحية، وهذا التقبل، وتلك الفعالية، وذاك النمو والنضج ، أي حسم تلك التفاعلات جميعاً،في تشريع الهي(1)، أمر يرجع لله وحده، فهو الذي يعلم متى يصدر الحكم ، وأمره تعالى ليس عبثاً.
أما عن فهمي للآيات:
الآية الأولى قال تعالى:
(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما اكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) البقرة آية 219
هنا سألوا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر وماذا ينفقون(2)، ولما كان محمد عليه الصلاة والسلام لا يشرع من تلقاء نفسه، وكان ينتظر أمر السماء، وكانت الخمر مما يشرب ، إما حلالاً بحسب أصل الأشياء، ولم يصدر بها حكماً بتحريم، أو كانت حراماً في ملة إبراهيم ابتداء، لكن طال على الناس الأمد، فقست قلوبهم وبدلت، وهذا شأن آخر ، ولما كان القرآن تنزيلاً على مكث، ولم ينزل دفعة واحدة، ، انتظر الرسول أمر الله تعالى في السؤال، فكان الجواب، أن الخمر والميسر فيهما إثم كبير ( وزر، ذنب، ضرر، جرم) أياً كان،وفيهما أيضاً منافع للناس ( لذة الشرب، اللعب، التجارة، الربح وو ) هنا لم يكن ثمة حكم ، الجواب هنا وصف للحال، ولفت للنظر، لم يغير شيئاً ، بل وجه التفكير فقط للنظر والمقارنة (وختمت الآية لعلكم تتتفكرون ) .
لم يحن بعد معاد الحكم.
الآية الثانية وبيان الحكم:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (91) المائدة
النقطة الأولى:
• الخطاب للمؤمنين.
• الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان/ وأياً كان معنى الرجس -كي لا ندخل في خلاف معاني- فلا أخالك تقول أن الشيطان يأمر بخير وينهى عن منكر، فهو عمل على أقل تقدير خبيث.
• فاجتنبوه أي فانتهوا عنه واتركوه ولا تفعلوه ، وإلا فما دلالة لعلكم تفلحون ... بمفهوم المخالفة أن من يقع في عمل الشيطان هالك لا محالة..
• الشيطان يريد أن يوقع الضغينة والعداوة بيننا ويصدنا على الصلاة في ماذا في الخمر والميسر ... فهل ننتهي ... ؟؟!!!!!!!
الجواب لا يارب الآيات غير واضحة الدلالة على التحريم بل فيها إشكالية اجتنبوه ... رغم أنها عمل من أعمال الشيطان وتوقع العداوة والبغضاء وتصد عن الصلاة، وختمت ب لعلكم تفلحون، وهل انتم منتهون، إلا أننا يا رب مازلنا حيارى ...
أما أمور مثل التخدير والتداوي ووو، فهي أمور مختلفة تماماً عن صلب التحريم، إذ هي أمور عارضة من باب الاضطرار يحاسب الإنسان عليها أمام الله كل حسب حجته، وكل شيء في الدنيا يخضع لمعيار المنافع والضرر فالقنبلة النووية التي ألقيت على اليابان كان فيها إثم كبير ومنافع لأمريكا... وإثمها كان أكبر من نفعها..
أما بخصوص عين الشيء واستخدامه كالسكين واستخدامه مثلا، قلنا هناك أشياء لا تقبل التبعيض ، منها الخمر والميسر والأزلام والأنصاب فهي محرمة في ذاتها، تماما كلحم الخنزير بالتأكيد له نفع فقد يكون شهياً ،وقد يسمن ويغني من جوع، لكن عينه هي المحرمة، فكيف بالله عليك نبعض الميسر فنأخذ منه منافعه ونترك آثامه... بصدق أريد أن أجد جواباً، فالأمر يشمله بضرورة الاجتناب والانتهاء ولكي نكون من المفلحين..
والله تعالى أعلم
هامش(1) في التشريعات الأرضية يحدث ذلك أيضاً حين يستدعي تدخل المشرع ( الجرائم الالكترونية).
(2) سيقتصر تناولنا على الخمر والميسر فقط.