معركة النقاب الخاسرة ..

عمرو اسماعيل في الجمعة ٢٠ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

كما هي عادتنا في البحث عن المعارك الخاسرة .. ثم الصراخ بأعلي الصوت بعد ذلك ونحن نخسر المعركة .. لقد انتصرنا .. ها نحن بدأنا معركة خاسرة أخري حول النقاب ..
أقمنا الدنيا صراخا علي منع الحجاب في فرنسا في المدارس الحكومية .. وفي النهاية خسرنا المعركة.. وتم إقرار القانون هناك.. وخلعت البنات المسلمات اللاتي تذهبن الي المدارس العامة حجابهن .. قانون منع الرموز الدينية في المدارس العامة الفرنسية التي تمولها الحكومة من أموال دافعي الضرائب تم إقراره .. لأن فرنسا دولة علمانية بنص الدستور هناك وهي ليست دولة عربية والقوانين التي تصدرها المجالس التشريعية يجب أن تحترم .. واضطر جميع مسلمي فرنسا أن يوافقوا علي أن تذهب بناتهم الي المدارس الحكومية بدون حجاب .. ولم نري عددا كبيرا يرفض تلك المدارس .. أو أن الطائرات القادمة الي الشرق الأوسط امتلأت عن آخرها بالعائدين المسلمين الي بلاد الشرق الأوسط ليشاطروننا شظف العيش والقهر السياسي .. لقد اضطرت العائلات المسلمة في فرنسا أن تبعث ببناتها الي المدارس بدون حجاب كما كان الحال دائما قبل سنوات قليلة .. قبل انتشار موجات التشدد الديني في الشرق ثم بين المهاجرين الي الغرب بحثا عن حياة أفضل وهربا من اضطهاد الحكومات ..
تماما مثلما حدث في معركة الرسوم الكاريكاتورية .. وبعد مظاهرات صاخبة وحرق كام علم وإحراق عدة سفارات أظهرتنا أننا شعوب فعلا تعشق العنف .. (كما يتهمنا الغرب) .. مازالت السفارات الدنماركية في كل بلادنا مفتوحة والسفير في مكانه والمنتجات الدنماركية تملآ المحلات بعد تقديم الوكلاء لها في بلادنا بيانات خايبة قدمت فيه اعتذارا لم تقدمه الحكومة الدنماركية أو الصحافة هناك .. انتصر مفهوم حرية التعبير وعدم تدخل الحكومة فيما تنشره الصحافة .. تلك الحرية التي دفع فيها الغرب الكثير من دماء أبنائه منذ مائتي عام والتي لا يمكن أن يتخلي عنها ... حرية التعبير محترمة هناك ومهما صرخنا فلن نستطيع تغيير ذلك .. تلك الحرية التي سمحت لكتاب مثل دافنشي كود أن يكون أكثر الكتب مبيعا ... رغم أنه يقول رأيا يناقض كل أساسيات المسيحية .. ولم يستطيع أحد أن يمنع تحويل هذا الكتاب الي فيلم سينمائي أو يمنع عرض الفيلم .. والمضحك المبكي أنه تم منع عرضه في بلادنا .. كل ما قام به المعارضون للكتاب والفيلم وهو أقسي ما يستطيعونه هو الطلب ممن يعترض عليه بمقاطعته .. ولم يتم حرق دور السينما التي تعرض الفيلم .. والنتيجة أن فقد الفيلم الوهج الذي صاحب بداية عرضه .. عكس ما فعلنا مع الرسوم الكاريكاتورية .. ازداد انتشارها ... وازداد الفضول علي رؤيتها بل ونشرتها بعض الصحف في بلادنا لأنها تعرف أن نشرها سيزيد توزيع هذه الصحف حتي لو كانت الحجة هي نشرها للرد عليها .. ألم نتعلم أن التجاهل هو أفضل رد علي أي إساءات لديننا .. لأن تسليط الضوء عليها يزيدها انتشارا .. تماما مثلما حدث مع سلمان رشدي وروايته الخايبة ..
ونفس الشيء تكرر مع تصريحات البابا .. هاجت الدنيا ولم تقعد بالصراخ و البرامج التليفزيونية والمظاهرات التي تطالب البابا بالاعتذار وأخري تطالب بفتح روما أو تبشر به .. وقتلت راهبة بريئه ليس لها أي ذنب في الصومال ولم يشفع لها خدمتها لشعب الصومال سنين طويلة .. لم يقدم البابا الاعتذار ورد ردا ديبلوماسيا أعلن فيه أنه يحترم المسلمين ويأسف لعدم فهمهم محاضرته !!! ثم تأتي المأساة أو الملهاة بعد ذلك في الرسالة التي كتبها 38 عالما مسلما الي البابا يقبلون فيه اعتذاره الذي لم يقدمه أصلا .. ويوضحون فيها أن الاسلام لم ينتشر بالعنف .. وأن الفتوحات الاسلامية كانت لأسباب سياسية وليست دينية !!! .. ألبس هذا مايقوله الكثير من المسلمين في بلادنا وأنا منهم فتقوم الدنيا وتقعد عليهم ويتم اتهامهم في دينهم .. ولأنصار التكفير أقول ... هاهم 38 عالما من علماء المسلمين يقولون ما نقوله من بينهم مفتي الديار المصرية .. فأين أنتم ..
ثم ثظهر معركة أخري ليس لها أي معني اسمها النقاب ليس في بريطانيا فقط علي يد جاك سترو بل وفي مصر أيضا وبلاد عربية أخري .. وهي معركة خاسرة لأنصار النقاب بكل المقاييس .. ليس فقط لأن النقاب ليس واجبا دينيا .. بعكس الحجاب .. وهناك فرق بينهما .. ولكن لأسباب أمنية و اجتماعية في المقام الأول ..
هوية التحقيق الشخصية في كل العالم الآن بها صورة الوجه مكشوفا .. ويجب مطابقتها مع الشخص الحقيقي ... من حق أي امرأة أن تلبس الحجاب بل والنقاب فهذا حق لا ينازعها فيه أحد .. ولكن ليس من حقها ألا تكشف وجهها إذا طلب منها ذلك للتحقق من شخصيتها ... في الشارع إذا اشتبه فيها رجل أمن ... أو في أماكن العمل أو الدراسة .. في المدارس والجامعات قبل دخولها هذه الأماكن وأثناء تأديتها للإمتحانات .. وخاصة قبل دخولها أي مكان كل المتواجدين فيه من النساء .. المرأة المنقبة في الحقيقة هي امرأة ملثمة .. والعرف والواقع يقول أن من يخفي وجهة هو من يريد أن يخفي هويته الشخصية .. ألا يخفي سارق البنك وجهه ؟..
وجاك سترو في الحقيقة محق .. فمن الصعب التواصل الإنساني والحضاري مع إنسانه تخفي وجهها وانفعالاتها .. لا يستطيع المريض ان يتواصل مع طبيبة أو ممرضة منقبة والعكس صحيح.. ولا التلميذ في الفصل مع مدرسته المنقبة ولا العكس صحيح .. ولا المواطن الذي يتعامل مع موظفة حكومية تخفي معالم وجهها وانفعالاته ولا العكس صحيح .. الأمر ليس له أي علاقة بالفتنة .. أي فتنة ممكن أن تسببها وجه امرأة مهما كان جمالها في عصر الفضائيات والفيديو كليب .. بل الأمر له علاقة بالتواصل الإنساني الشريف .. حتي بين امرأتين إحداهما منقبة والأخري تخفي انفعالاتها يصبح التواصل الإنساني صعبا .. هل يقبل الرجال التعامل مع رجل ملثم ..
بالعكس أنا أحرض الرجال الشرفاء أن يمنعوا أي امرأة منقبة من الدخول الي بيوتهم والتعامل مع نسائهم قبل التأكد من هويتها عبر رؤية وجهها ... التأكد علي الأقل أنها امرأة .. وأن تمنع أي امرأة منقبة في بلد مثل مصر مثلا من قيادة السيارات حتي لا تكون وسيلة يتهرب بها ارهابي او مجرم من الملاحقة الأمنية ..
المعركة الحقيقية التي يحتاجها العالم العربي والاسلامي والجهاد الحقيقي .. هي معركة التنمية الاقتضادية .. معركة التحول الديمقراطي في بلادنا .. معركة الحرية .. أن يكون العربي والمسلم والمسلمة قدوة .. قدوة في العمل و الانتاج والأخلاق وأن يجبر الحاكم والمسئول علي احترامه وإعطائه حقوقه كمواطن .. أن نتحول من رعايا الي مواطنين .. نحن نحتاج الي أن يكون الآلاف منا مثل محمد يونس البنجلاديشي الذي حصل علي جائزةنوبل عبر خدمته للفقراء .. ليس عبر التصدق عليهم .. ولكن عبر تشجيعهم عن طريق القروض الميسرة علي العمل والانتاج ..
المعركة الحقيقية في بلادنا ليست معارك النقاب والحجاب والرسوم الدنماركية وتصريحات البابا ... بل معركة العمل والانتاج والتحرر من نير الديكتاتورية والاستبداد والاحتلال .. عندها سيضطر العالم كله الي احترامنا ولن تصبح اي رسوم كاريكاتورية أو تصريحات بابوية لها أي تأثير علينا او علي الآخرين .. لأننتا حينها سيكون عندنا ثقة في النفس وسيكون عند الآخرين ثقة في قدراتنا ..
لماذا لا نتعلم من الصين .. بل وحتي كوريا الشمالية بعد الجنوبية .. لقد استطاعوا أن يجبروا العالم علي احترامهم كدول وشعوب .. فمتي نفعل ذلك ؟

عمرو اسماعيل
اجمالي القراءات 11714