البغاء ليس دعارة وليس زنا

احمد شعبان في السبت ٠١ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يقول المولى عز وجل :
" ولا تكرهو فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ".33 النور .

حين النظر إلى فهم السلف لهذه الآية الكريمة نجد أن هذا الفهم بني على أساس يقول أن لفظ البغاء يعني الزنا بأجر " دعارة " ، وعليه فقد جرى تفسيرهم لهذه الآية " هروبا " حول قصص لإماء يعملن بالزنا لصالح أسيادهن ثم تمنعن فأوذين فنزلت هذه الآية ( كسبب للنزول ) .
هكذا ببساطة وكأن المسألة هى عملية الإكراه من عدمة لفعل شيء مشروع ، وحين التطرق إلى " إن أردن تحصنا " جاء الجواب غير مفهوم حيث قالوا : ( إن أردن تحصنا ) " هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له " ، وأنا لا أدري معنى هذه العبارة والتي يقرون فيها بعدم فهمهم للاية الكريمة ، وتركوا المسألة عند ذلك الحد .
ولم ينظروا إلى الوجوب الحتمي لتداعيات المعنى الذي تبنوه لكلمة البغاء ، والذي لم يستطيعوا قوله صراحة أنه امر بالدعارة .
إن عدم الإكراه في هذه الحالة هو السماح للزنا بأجر شرعا .
والإكراه يأتي في حالة عدم إبداء رغبتها في الزواج ، فتمارس هذا العمل ولو كرها .
وقد تم التعتيم على هذا الجانب الواضح حتى لا تستفحل المشكلة أمام الكافة .
هل هذا هو مفهوم تفسيرهم ؟ ،
أم يوجد فهم آخر ؟.
ومن الملاحظ أن هذه الآية لا تقرأ إلا إضطرارا حين قراءة " المصحف المرتل ، .
أليس هذا نوع من الإخفاء الذي إتبع من بعض أهل الكتاب ؟ .
والنتيجة منذ الوهلة الأولى وحسب ما قدمه السلف من تفسير ، وخاصة وأن الخطاب موجه لنا كمسلمين لابد وأن يتهم الإسلام بأنه دين يأمر بالدعارة والزنا ، علاوة على الاتهامات العديدة الموجهة ضد الإسلام ولم نستطع لها دفعا ،
وهذه مشكلات كبيرة يتم التعتيم عليها منا جميعا لعدم القدرة على إيجاد مخرج بسبب المناهج العشوائية التي نعمل بها ونصر عليها
هذا هو إنتاج السلف ، ومن يسيرعلى دربه لن يجد غيره ، فهل هذا ما نريد ؟ .
ام لا يصح ولا يليق السكوت بأن نخرج رؤوسنا من تحت الرمال ( ظلمات النقل ) ونواجه أنفسنا وما بين ايدينا بصراحة ووضوح ( نور الفكر ) .




ولكن حين التعامل بالمناهج العلمية نجد شيئا آخر تماما ، نجد عدم وجود مشكلة أصلا إلا في مناهجنا الخاطئة .
وبداية العمل : تجميع كل الآيات التي ورد فيها جذر بغى نجد وروده في 66 موضع بالكلمات الآتية :
بغي ، بغت ، بغوا ، أبغي ، أبغيكم ، تبغ ، تبغوا ، تبغونها ، تبغي ، تبغ ، نبغي ، يبغون ، يبغونكم ، يبغونها ، يبغي ، يبغيان ، بُغِىَ ، أبتغي ، تبتغوا ، تبتغون ، تبتغي ، نبتغي ، يبتغِ ، يبتغون ، أبتغ ، ابتغوا ، ينبغي ، البغي ، بَغْيًا ، بغيكم ، بغيهم ، باغِ ، بَغِيًا ، البغاء ، ابتغاء ، ابتغاؤكم .
وفي وجود فرضية تقول : أن اللفظ القرآني له معنى واحد محدد بدقة ، والتي قد تم تحقيقها مع ألفاظ قرآنية عديدة .
بل ومع إفتراض أن الحرف في القرآن له معنى واحد أيضا كما الحروف المقطعة في أوائل بعض السور، وتم إثبات ذلك مع بعض الحروف التي تم تناولها بالدراسة .
وبعيدا عن الإطالة فبعد مجاهدات عديدة تم إستقراري مبدئيا - وأقول مبدئيا لأن ما أقدمه يجب أن ينظر إليه على أنه نتائج خشنة تحتاج إلى صقل عن طريق حضراتكم من خلال المجاهدة النقدية – تم استقراري على إفتراض أن :
حرف الباء يشير إلى التبعية .
وحرف الغين يشير إلى تفعيل الهوى " غواية " .
وحرف الياء يشير إلى الاستدعاء .
فيمكن القول أن :
كلمة الغي تعني استدعاء تفعيل الهوى " الترغيب بما تهوى الأنفس " .
وكلمة البغي فعل لتحقيق هوى سواء بالحق أو الباطل .
وعليه فكلمة البغاء تعني عملية تحقيق مطالب تصادف هوى .
وبالعودة إلى الآية الكريمة نجد أن كلمة البغاء تعني تحقيق المطالب لسيدها بصفة عامة ومنها مضاجعته هو " وهذا حلال شرعا " وليس مضاجعة أحد آخر كما في كتب التفسير " وذاك حرام " ، وفي حالة إبداء رغبتها في الزواج فلا يحق لسيدها أن يكرهها على تحقيق مطالبه النابعة عن هواه والتي منها مضاجعتها .
وقد توجد غضاضة حول كلمة الإكراه ، فالإكراه هنا إكراه على الحقوق ( حقوقه المالك عليها ) وهذا هو مثل حالنا جميعا مكرهون على تأدية الحقوق لأصحابها .
وبذلك يستقيم المعنى منهجيا مع التوجه الإسلامي العام الداعي إلى الطهارة والعفة والنقاء وكافة مكارم الاخلاق ، وبذلك لا مشكلة
لذا نجد دائما أن الاختلاف يجيء نتيجة التوظيف السيء للعلم والبينات " إتباع الهوى " .
وهذا يؤكد من ناحية أخرى على جانب في غاية الأهمية وهو :
أن القرآن الكريم به جوانب غامضة على التراثيين بالخصوص .
فوقفوا أمامها بمحاولات التوفيق والذي قد لا يسعفهم في أحيان فيقومون بعمليات التلفيق حتى تستقيم المعاني قدر إمكانهم وهذا جل ما استطاعوا عمله.
ولكن يبقى الأهم وهو النص القرآني ، فرغما عما تسبب لهم في الحيرة والتي كان من الممكن أن يتناولوا فيها النص بالتغيير إلى ما يحقق مبتغاهم ، وهذا أسهل منطقيا حين تقديمه إلا أنهم لم يستطعوا ذلك وعليه لم يفعلوه .
وهذا دليل قوي بحفظ الله جل جلاله لهذا الكتاب .
وصل إلينا بكل مافيه من تناقضات ظاهرة صادمة للسلف نتيجة الفهم الخاطيء ولم يستطيعوا تغيير النص .
ولا أخفيكم سرا حين القول بأن هذا هو نبع الرِيٍ لإيماني بهذا الكتاب " الموضوعية ، العلمية ، المنطقية ، النقدية" ( ماضي ، حاضر ، علوم مستقبلية ) .
فها هى دعوتي إلى حضراتكم تفعيل الرؤية النقدية لهذا الكتاب دون خوف عليه كما فعل السلف فهو من رب العالمين .
" ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى أحسن " .
الدعوة تستوجب " الحكمة " أولا ، والتي لا يخرج معناها عما تعنيه " الرؤية النقدية " .
ولأن هذا الكتاب حكيم فيجب أن ننظر إليه أولا بالحكمة وليس بالنقل ، وبالتالي نقدمه بالحكمة " والله يهدي من يشاء " وبذلك نكون قد قمنا بالعمل الذي يسرنا الله لأجله .
أم سيظل الإصرار قائما على أن اللفظ له أكثر من معنى ؟ !!!! .

اجمالي القراءات 213989