المَلَكان والرئيسُ الأمريكيُّ يُدَوّنون أعمالَك!

محمد عبد المجيد في الإثنين ٢٧ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أوسلو في 5 أكتوبر 2008

العم سام سينافس المَلَكيّن دونما حاجة لأنْ يكون عن اليمين وعن الشمال قعيد!
بعد سبع سنواتٍ من حرب الرئيس الأمريكي ضد ما سمّاه الارهاب ، توصّل الأمريكيون إلى اتفاقٍ مع الاتحاد الأوروبي يسمح بالحصول على المعلومات الشخصية لكل فرد في أي مكان يشير إليه جهاز الاستخبارات الأمريكية.
وحيث أن النرويجَ عضوٌ في المنظومة الاقتصادية الأوروبية فهي ملتزمة وِفقاً للاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بالانصياع لاتفاقات أمنية ومالية وعسكرية يجريها الاتحادُ مع القوى الأخرى.
الآن يمكنك أن تقوم بتحويل مبلغ من المال من حسابك في دبي أو الرياض أو جنيف أو الدوحة إلى بنك وستمنستر أو البنك الهولندي العربي أو شركة استضافة لموقعك على الانترنيت أو لشراء أدوية من السويد أو لدفع نفقات علاج والدتك في باريس.
ولكن لا تنس أنَّ كلَّ حركةٍ انتقل بها المبلغُ من مكانٍ إلى آخر سقطت المعلوماتُ عنها في كمبيوتر سَيّد العالم حتى لو اشترى مسؤولٌ فلسطيني كبيرٌ ملابسَ داخلية باهظة التكاليفِ لزوجته أو عشيقته من أحد بيوتات الأزياء في تل أبيب.
700 جهة تراقبك في النرويج وتستطيع أن تُحصي أنفاسك وتعرف ما في جيبك، وتتنبأ بمشترواتك صباح يوم السبت، أو بالمواقع التي تقوم بزيارتها على النت، أو بمكالماتك الهاتفية.
هل تتذكر عندما قامت السلطات العراقية في عهد صدام حسين باعتقال مواطن استخدم كلمة ( لاسلكي ) في حديث هاتفي بريء؟
هذا المواطن محظوظ لأنه لم يعش عهد ما بعد سقوط البرجين التوأمين وبامكان جهاز الرقابة الأمريكي أن ْيدخل على ( السويفت ) الموجود في بلجيكا والذي يحصي انتقال الأموال لأكثر من ثمانية آلاف مؤسسة مالية تغطي تقريبا 200 دولة وكل مصارفها وحسابات عملائها!
هنا في النرويج وبلمسة إصبعٍ رقيقةٍ يصحبك عالَمُ الديجيتال إلى سجنك الأكبر، فالمعلومات تتدفق من كل صوب وحدب، من طبيب الأسنان، ومن عملك حيث تم تحويل مرتبك، ومن سائق التاكسي الذي دفعت له كرديت، ومن شركة السفريات التي تحتفظ بالمعلومات عنك خمسة أشهر، ومن الخطوط الجوية التي تبعث قبل وصولك إلى الجهة المتوجه إليها بكل المعلومات عنك، ومن روشتة الدواء التي تستخدمه، ومن أكثر مواقع النت زيارة، ومن كاميرات المراقبة لسيارتك في أي مكان.
جاء حين من الوقت رفضت سفارةُ واشنطون في العاصمة النرويجية منح تأشيرات دخول لكل المشتركين في صحيفة ( كلاس كامبن ) الشيوعية ، فقد تم تسريب أسمائهم إلى السفارة الأمريكية.
أما الآن وبعد عقد الاتفاقية ستكون عارياً كما ولدتك أمُّك، فالسلطات النرويجية مضطرة ٌلأنْ تستجيب لطلبِ السفارةِ الأمريكيةِ بمدّها بكل المعلومات عنك حتى لو حجزتَ تذكرةً لزيارة ديزني لاند مع زوجتك وأولادك في مكتب سفريات هندي وعلى الخطوط الجوية المجرية!
إذا سقطتَ مرةً واحدةً فإنَّ صحيفةَ سوابقِك ستجعلك تتمنى أنْ تحتضنك حفرةٌ ضيقةٌ لا يتعرف عليها الحانوتي لو عاد إليها مرة أخرى.
كل ما فعلته في حياتك ولو كنت متخفياً وأنت في ملهى ليلي في لندن، أو حجزت تذكرة ًفي قطار متهالك من كراتشي إلى بيشاور، أو دخلت على مواقع إنترنت إباحية في غرفتك حيث تظن أن الشيطان الأكبر، كما يسميهم جيراننا على الضفة الأخرى من شط العرب، غافلون عنك.
كل ما تفعله حتى لو عبثت أصابعك بالكي بورد في لوبي الفندق الذي تقيم فيه، أو تغيير الكود، أو الرأي الذي كتبتَه في منتدى إسلامي على النت وقلت َفيه بأنك لم تحزن على ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، وحتى اللقاء المصادفة الذي جمعَك على مقهى في روتردام مع مصري ويمني كانا يحاربان في كابول، سيخرجه له سيّدُ البيت الأبيض يوم قيامتك الأرضية، ويوم تُعرض أعمالك على السي آي إي!
سيدهشك أنَّ أرشيفاً كاملا لقراصنة ِالبحرِ على الساحل الصومالي يقرأه الآن عسكريون لا يعرفون الفارق بين الصومال وإثيوبيا، أو بين مقديشيو ونواكشوط. إنها ليست فيس بوك حيث تكتشف زميلا لك كان يجاورك في الصف الثالث الإبتدائي بمدرسة قاسم أمين، وليس تقريراً صادراً عن المخابرات الأردنية أو السورية أو التونسية باشتراكك في تظاهرة في بروكسل ضد أنظمة الحكم فيها، وليست معلومات خطفها هاكرز من جهازك ووقعت في أيدي أمن الدولة ببلدك، لكنها حسابٌ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.
حسابٌ لا يسجّل فقط ما تنطق، لكنه يدخل إلى قفصك الصدري، وهو يتعرف على بصمتك في جواز سفرِك ولدى مرورك في المطار، واسمك المستعار في كل المنتديات فضلا عن IP لحاسوبك.
الحادي عشر من سبتمبر كان يومَ جحيمٍ لم يعرف صانعوه أنهم عجّلوا في غضبٍ لم يحسبوا حسابَه، ولم يفكروا في قياس درجتيه الدنيا والقصوى.
يحدثونك عن النصر الاسلامي، وأنَّ الأمريكيين بدأوا يتعرفون على خاتمة الديانات السماوية، وأنَّ هناك عشرات الآلاف من المواقع الدينية تحارب بضراوة الصليبية الحاقدة، وأنَّ رايةَ النصرِ سترتفع فوق كلِّ شبرٍ من الكرة ِالأرضيةِ وربما الكواكب التي لم يكتشفها العلمُ بعد.
إنهم كاذبون فهي معركة فرضَتها علينا أجندةٌ متخلفةٌ ووجدتها أجندةٌ منحازةٌ فرصةً تاريخيةً للقضاءِ على الخطرِ الأخضر.
وحتى لو انتصرت طالبان المتخلفة المدعومةُ من القاعدةِ الارهابيةِ على قوات الاحتلال القاسية فإننا مهزومون كارازياً، ومهزومون ظواهرياًً!
هذا غيضٌ من فيضٍ ستشهد الأيامُ أن َّالقوةَ والدينَ في أيدي المتشددين والمتعصبين، كالمالِ والسلاحِ في أيدي القوى الاستعمارية الطامعة في نفطنا وخيراتنا و .. حفظ أمْنِ إسرائيل.يمكنك أن ْتكتب الآن، باللغة العربيةِ أو الصينيةِ أو المنغوليةِ أو الكتالانية ِأو السواحيليةِ أو الفارسيةِ، ولن يمر وقتٌ طويلٌ حتى تقع كلماتُك بلغةٍ إنجليزيةٍ في جهازٍ ضخمٍ كاخطبوط يَمُدُّ أذرعَه في يونيون دي بنك سويس، ووكالة ناسا الفضائية، وموقع إيرث جوجل، ومضخة البنزين التي شحنت بها تنك سيارتك ودفعت كريديت لشاب بنغالي داخل المحطة. إنها الحرب العالمية الثالثة التي لن يصّدقك أحدٌ لو قلتَ بأنها اشتعلتْ فعلا بعد سقوط البرجين ولم يتم الاعلانُ عنها بعد!

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com

اجمالي القراءات 9558