الدين السّنى والتشريع بما لم يأذن به الله جل وعلا.

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢١ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة:
1 ـ فى مقال (الحلال والحرام في تشريع الطعام فى الإسلام) استقصينا ـ في ايجازـ معظم آيات القرآن الكريم في ما يخص الحلال والحرام في الطعام والشراب ، وخرجنا منها بالحقائق التالية:(1) الحلال هو الطيبات والحرام هو الخبائث (2) الحلال هو الأصل والحرام هو الاستثناء(3)لا يجوز تحريم الحلال(4)تحريم الحلال يعتبر شركا بالله واعتداء علي حقه سبحانه وتعالي في التشريع .
وفى مقال ( فقه التحريم فى تشريع القرآن الكريم ) خلصنا الى إن هناك جانبا محظورا على البشر التدخل فيه ، وهو مجال التحريم والتحليل المنصوص عليه فى القرآن الكريم ، وأن هناك جانبا آخر أذن الله تعالى للبشر التشريع فيه وهو العرف والمعروف و الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ويتضمن ذلك (المباح ) الذى يستلزم التنظيم ، وعرضنا بايجاز الى مستوى التقنين و التطبيق فى إطار المعروف الذى يعنى :العدل كقيمة عليا مطلقة وكأساس فى التقنين والتطبيق بما يناسب حركة المجتمع واحوال الأفراد، والى جانب العدل هناك أيضا التيسير ومراعاة الحقوق وعلى راسها حرية الفرد. وقلنا إن التقنين أو التشريع المأذون به للبشر يمتد الى التفصيلات التشريعية القرآنية التى تحتكم الى العرف بالاضافة الى المجال الواسع من المباح الذى ينظم علاقات الأفراد وحقوقهم ، بما يعنى أن المجال الأوسع فى الشريعة الاسلامية هو للبشر فى التشريع فى ضوء العدل والتيسير. وهذا ما يتفق مع طبيعة الدولة الاسلامية المدنية العلمانية ؛ يضيق فيها دائرة التشريع الالهى غير المأذون فيه للبشر ليقتصر على مجالات محدودة فى الحلال والحرام بينما يتسع التشريع للبشر فى المباح، لذا اشرنا سريعا الى الدولة الاسلامية وقيامها على الديمقراطية المباشرة وحقوق الانسان .
وقد سبق لنا ان كتبنا بالعربية والانجليزية عن الديمقراطية الاسلامية المباشرة وآلية تطبيقها ، وأكدنا وجودها فى دولة النبى محمد عليه السلام المدنية فى(المدينة)،ثم وجودها الان فى بعض النظم الغربية التى تأخذ بالديمقراطية المباشرة كما فى سويسراوبعض مناطق النمسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ، مع سيادة الديمقراطية النيابية التمثيلية التى هى خطوة فى الوصول للديمقراطية المباشرة .كما كتبنا فى التناقض بين دولة الاسلام العلمانية ودولة الاخوان المسلمين الدينية ، وأن هذا التناقض يعنى أن هناك طريقا شاقا لاصلاح المسلمين وتعليمهم الديمقراطية وثقافة حقوق الانسان من داخل القرآن الكريم الذى هجروه من قرون، لذا لا بد من الاحتكام اليه فيما تقوله أديان المسلمين الأرضية، وذلك هو جهادنا السلمى أملا فى إنقاذ المسلمين من وضع سىء قد يتطور الى حروب أهلية .
2 ـ ومتابعة لما نفعله فى مناقشة التشريع السنى وتناقضه مع القرآن الكريم فاننا فى هذه المقالة البحثية الثالثة نتوقف مع اقتحام الدين السنى للمنطقة المحظورة بالتشريع فيما لم يأذنه به الله تعالى ، ومناهجهم فى التعامل مع القرآن الكريم ،ونشير بايجاز كيف أفسدوا مفهوم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر نظريا وعمليا . ونقرر من البداية إن ذلك التشريع السنى الذى اعتدى على تشريع الاسلام والقرآن كان تعبيرا عن دولة دينية هى الدولة العباسية التى اختطفت اسم الاسلام لتسترق به رقاب العباد ، فظلمت الاسلام قبل أن تظلم المسلمين. وكان ممكنا في العصر الحديث أن يتطور العرب والمسلمون بالأخذ عن الغرب ، وهذا ما سارت فيه مصر منذ عهد محمد على ثم الخديوى اسماعيل ، ولكن قيام الدولة السعودية على أشد أنواع الفقه السنى تشددا وتزمتا وتعصبا وتخلفا أرجع المسلمين الى الخلف تحت عباءة الوهابية ، خصوصا وقد أنشأ السعوديون حركة الاخوان المسلمين التى نشرت الدين الوهابى الجديد فيماوراء البحار فانتهى بالمسلمين الى الحضيض . ( راجع مقال : شجرة الاخوان المسلمين زرعها السعوديون فى مصر فى عهد عبد العزيز ـ وراجع كتابنا المنشور على موقعنا : جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية ). ونعتذر عن الالحاح على الرجوع الى ما كتبناه من قبل حتى لا نضطر لتكرار ما قيل من قبل ، وخصوصا ونحن نكتب فى موضوعات مترابطة ومتداخلة ومتشابكة.
3 ـ ولنبدأ الموضوع من أصله العقيدى ، فان كان التحريم فى الاسلام له أصول وجذور عقيدية اسلامية فكذلك البغى والاعتداء على حق الله تعالى فى التشريع له أصول عقيدية شركية ، وهذه الجزور العقيدية هى سبب الزيغ عن الدين الالهى الواحد والتفرق وظهور الأديان الأرضية على أنقاض الدين السماوى الواحد.
أولا : البغى على كتاب الله هو أساس التفرق والاختلاف و التناقض مع كتاب الله تعالى :
1 ـ يقول الله جل وعلا : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) هذا هو التشهد الحقيقى فى الصلاة ، وهو الشهادة بالاسلام التى لا مجال فيها لذكر إسم بشر مع اسم الله تعالى ،لأن الاسلام ـ فى معناه العقيدى والقلبى ـ هو الاستسلام لله تعالى وحده ، والخضوع فى الدين والدنيا له وحده. والاسلام هو الدين عند الله تعالى والذى نزلت به كل الرسالات السماوية بمختلف اللغات الى ان نطقت الرسالة الخاتمة باللغة العربية فى القرآن الكريم . لذا تقول الاية التالية ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).أى إن الدين عند الله تعالى هو الاسلام ، وبهذا نزل (الكتاب ) على أهل الكتاب ،والمفروض أن يجتمعوا عليه ، ولكن فريقا منهم وقع فى البغى أى الاعتداء على (الكتاب ) الذى هو العلم،فاختلفوا،فكان منهم من تمسك بالحق الذى جاء فى الكتاب والعلم الالهى فيه ، بينما وقع آخرون فى الكفر بآيات الله جل وعلا. وبعد نزول القرآن الكريم آخر رسالة الاهية فى الدين الاسلامى أمر الله تعالى خاتم الأنبياء ـ عليهم جميعا السلام ـ أن يعلن لأهل الكتاب إسلامه إن هم جاءوه يجادلونه،وأن يدعوهم الى الاسلام ، وبذلك يكون قد أدى مهمته عليه السلام ، فليس عليه سوى البلاغ ، يقول تعالى فى الاية التالية : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )( آل عمران 18 : 20 ) .
(الْعِلْمُ ) فى قوله تعالى (مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) مقصود به هنا الكتاب السماوى ، والدليل هو تلك الآية الكريمة الحاكمة الى تتحدث عن البشر عموما و ( الكتاب ) عموما والنبيين جميعا والتفرق الذى يحدث دائما بعد نزول الكتاب أو البينات أو (العلم)، يقول جل وعلا : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( البقرة 213) يقول تعالى هنا (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) وهو يساوى تماما قوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)(آل عمران 19)، فالعلم المقصود هنا عو الكتاب السماوى ، والبغى حدث من البشر على (العلم ) الالهى أو الكتاب الالهى . ولأن الكتاب السماوى (علم ) فان الله جل وعلا يأمر خاتم الأنبياء بأن ( يعلم ) أنه لا اله إلاّ الله:(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) ( محمد 19 )، ويتحدى الذين اعتدوا على حق الله جل وعلا فى التحريم و التحليل بسؤالهم : هل لديهم (علم ) بهذا أى دليل من كتاب سماوى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين) ( الأنعام 148 : 149 ) فهنا وصف لهم بالشرك (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) مع التحدى لهم بالاتيان بدليل من كتاب سماوى ( قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) وخارج العلم الالهى لا يوجد سوى الظن والكذب ، يقول تعالى ( إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ ) أما الحجة البالغة فهى فى كتاب الله جل وعلا (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ).
وهناك أدلة قرآنية كثيرة على وصف القرآن الكريم بالعلم منها (تعلم ) الرسول محمد عليه السلام هذا (العلم) بنزول الوحى عليه خلال جبريل : (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) ( النجم 4: 5 )، وجاءت تفصيلات الكتاب على (علم ) : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )( الأعراف 52 ) ويقول تعالى للنبى محمد عليه السلام محذرا من اتباع أهواء أهل الكتاب بعد أن آتاه الله تعالى (العلم ) أى القرآن الكريم (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ) ( البقرة 120، 145 )، وعن جدالهم معه عليه السلام قال له ربه جل وعلا يصف القرآن بالعلم (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ( آل عمران 61 ) .
ولا داعى للتوسع فيها حتى لا نخرج عن موضوعنا .ولكن نبقى مع حقيقة قرآنية هى أن عادة البشر أنهم يبغون على العلم الالهى أى الكتاب الالهى فيتفرقون ويختلفون ، فيتمسك بعضهم بالحق ويتمسك الاخرون بالباطل ، ونعيد قراءة الاية الكريمة الحاكمة فى موضوعنا مع دعوة لمزيد من التدبر فيها ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( البقرة 213)
فالدين واحد هو الاسلام ، وبه نزلت الرسائل السماوية بلغات مختلفة وبشرائع ذات أساس واحد ، ولكن يحدث دائما بغى واعتداء البشر على العلم الالهى او الكتاب الالهى ، وهذا هو معنى قوله تعالى على عموم الشرع الالهى المستقى من الدين الالهى الواحد : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (الشورى 13 : 14 ).
وحدث نفس الشىء مع بنى اسرائيل وقد تعددت فيهم الرسل والرسالات بسبب ذلك تكرار ذلك البغى منهم على العلم الالهى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (الجاثية 16 : 17 ) . وفى مقال سابق أشرنا الى ما وقع فيه بنواسرائيل من تحريم الحلال ، ورد القرآن الكريم عليهم ( الأنعام 146 ـ ) ( النحل ـ 118 ، 124).
وقبل ان نترك هذه التفصيلة نضع الايات الى جانب بعضها وهى تؤكد عادة البشر فى البغى والاعتداء على علم الله تعالى أى كتاب الله تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ).
2 ـ ويسفر هذا البغى عن اختلاف وشقاق وانقسام ، فيتمسك البعض بالحق ،بينما تصمم الأغلبية على الباطل ، ولهذا يقول جل وعلا لخاتم الأنبياء محذرا من تلك الأغلبية التى تشكل معظم أهل الأرض ،فلو اتبعهم النبى محمد نفسه لأضلوه لأنهم يتبعون الظن ويهرفون بغير علم ـ أى يخرصون ويكذبون : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (الأنعام 116 ) ، ويحذره ربه جل وعلا من الاعجاب من كثرة الخبيث فلن يستوى الطيب و الخبيث مهما تكاثر الخبيث : (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( المائدة 100).
ومع كثرة المضلين والضالين فانه تبقى دائما أقلية تتبع الحق والعلم الالهى لتكون أمة واحدة مع كل الأنبياء مهما اختلف الزمان والمكان لأنهم جميعا ابتعوا الدين الحق والعلم الالهى ولم يبغوا عليه ، هذا بينما تتفرق الأغلبية الى أحزاب وتتفرع الى أديان أرضية لا تلبث هى الأخرى أن يتفرع عنها فرق ومذاهب وطوائف . ذلك هو موجز تاريخ التدين البشرى وتعامل البشر مع كتاب الله تعالى ودينه الحق الواحد : أقلية تمثل (الأمة ) المؤمنة مع كل الأنبياء مع اختلاف الزمان والمكان ،وأغلبية تبغى على كل رسالة سماوية ، وتتفرق وتتفرع وتتكاثر وتنتشر .
ويلاحظ أنه بعد أن قصّ الله عزوجل قصص بعض الأنبياء قال : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ)(الأنبياء 92 : 93 ) فاالمؤمنون حقا هم مع الأنبياء جميعا (أمة واحدة ) لهم رب واحد يعبدونه وحده ويقدسونه وحده ، أما الآخرون فقد تقطع بينهم أمرهم ،والجميع الى الله جل وعلا يوم القيامة راجعون.
وتكررهذا فى سورة ( المؤمنون ) بعد أن قصّ الله تعالى قصص بعض الأنبياء قال : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) ( المؤمنون 51 ـ ). ونلاحظ هنا أن قضية تحريم الطيبات كانت مشكلة مزمنة من قديم الأزل ، (هل تتذكر قصة آدم والشجرة المحرمة ؟) فهنا نجد الخطاب الالهى جاء لكل الرسل عليهم السلام بالأكل من الطيبات ( بغض النظر عما حرمته الأديان الأرضية من تلك الطيبات ) مع العمل الصالح ، وأنهم جميعا ـ مع اختلاف الزمان والمكان و اللغات والمجتمعات ـ أمة واحدة تخلص القلب والعبادة للرب الواحد جل وعلا وتتقيه ، ولكن مقابل تلك الأمة الواحدة من الأنبياء و المؤمنين المتقين توجد أغلبية يتقطع أمرها بينها وتتفرق الى فرق وطوائف ومذاهب وملل ونحل وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون. ويوم القيامة ستجتمع هذه الأمة مع الأنبياء رفيقا واحدا فقد أطاعوا الرسالة السماوية ،أو (أطاعوا الله ورسوله ) : (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ) ( النساء 69 )
3 ـ هل ما حدث للسابقين قبل نزول القرآن لن يحدث لنا ؟ بالطبع لا بد أن يحدث ، وقد حدث ، والايات السابقة جاءت لنا للتحذير و التذكير ولتكون حجة علينا يوم القيامة.
ونظرا لخطورة الأمر فان الله تعالى يؤكد على نفس الموضوع بطرق مختلفة :
* ـ صيغة الأمر والنهى الحازمة :يقول تعالى لخاتم الأنبياء ولكل فرد فينا : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) ( الروم 30 : 32 ) ،الأوامر هنا : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) والنهى عن الشرك وملمحه وهو التفرق فى الدين : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) وهنا ربط صريح ومؤكد بين الوقوع فى الشرك والتفرق فى الدين.
* ـ وضع الحل الوحيد وهو الاتباع لكتاب الله جل وعلا فقط ، وتأتى صياغة الحل بنفس الطريقة بالأمر و النهى :أى اتبعوا و لا تتبعوا شأن كل ما يخص العقيدة الاسلامية ، عن الحل وهو اتباع كتاب الله تعالى ، يقول تعالى فى الوصية العاشرة من الوصايا العشر فى القرآن الكريم : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الأنعام 153)
* ـ إعلان براءة النبى الرسول محمد عليه السلام براءته من أولئك الذين فرقوا دينهم وحولوه الى ملل ونحل وطوائف ومذاهب :(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) (الأنعام : 159 ). وهى لمحة موجهة من رب العزة لأولئك الذين تفرقوا فى الدين بعد موت خاتم الأنبياء عليه وعليهم السلام ، فقد عمل كل منهم على تعزيز دينه الأرضى باحاديث ينسبها كذبا للرسول محمد عليه السلام. هنا إعلان براءة مسبق منهم جميعا ، وقد نزل فى مكة مبكرا.. وسبحان من كان القرآن الكريم كلامه ..!!
وقتها كان النبى محمد عليه السلام فى مكة لا يعرف إنه سيأتى الوقت الذى سيهاجر الى المدينة ، ولا يعلم أنه سيقيم فيها دولة اسلامية تمارس الشورى بأن يحكم المسلمون أنفسهم بانفسهم فى حياته ووجوده المادى بينهم ، ولم يكن يعلم أنهم سيتفرقون بمجرد موته، فقد تركهم دون أن يعين حاكما عليهم نظرا لعدم وجود حاكم فى الشورى الاسلامية ، ولم يكن يعلم أنهم سيتحايلون على ذلك بتعيين حاكم تحت لقب خليفة ، ثم سيعصون أوامر الله تعالى بالاعتداء على أمم شعوب لم تعتد عليهم ، ولم يكن عليه السلام يعلم أنهم سيقاتلون بسبب تلك الثروات التى نهبوها من تلك الأمم ، وأن تنازعهم السياسى سيسفر عن قيام حكم استبدادى ، وأن تتحول الخلافات السياسية الى تفرق فى الدين ، ثم تشييد وتدوين أديان أرضية على حطام ما تبقى من الاسلام. ولولا أن الله تعالى تعهد بحفظ الكتاب السماوى الخاتم ، والعلم الالهى الخالد لوصل البغى الى تحريف فعلى لألفاظ القرآن الكريم ، مع أنهم حرفوا معانيه وأولوها وأبطلوا تشريعاته بزعم النسخ ـ مع ان النسخ يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء ـ ثم كانت وسيلتهم الكبرى فى البغى وهى الكذب على النبى محمد بعد موته،مع أنهم يقرأون حقيقة قرآنية تكررت فى آيات قرآنية عديدة لتؤكد أن أظلم الناس هو من يكذّب بآيات الله جل وعلا ويفترى على الله تعالى كذبا.
حدث الخلاف السياسى وتحول الى الفتنة الكبرى فى عصر الخلفاء ( الراشدين ) وأسفر عن استبداد عسكرى فى الدولة الأموية ، وانتهى بتأسيس دولة دينية فى العصر العباسى، الذى تم فيه تدوين أديان المسلمين الأرضية الكبرى الثلاث وهى السنة و التشيع والتصوف. وقد تخصص منها دين السّنة بالتركيز على التشريع ، ولذلك فنحن نركز عليه هنا فى موضوع البغى والاعتداء على حق الله جل وعلا وحده فى التشريع فيما لم يأذن به الله جل وعلا للبشر.
ثانيا : منهجية التشريع السنى فى البغى والاعتداء على حق الله تعالى فى التشريع :
قلنا إن التشريع الخاص بالله تعالى هو جزء من عقيدة (لا اله الا الله ) وأن الاعتداء على حق الله تعالى فى التشريع ـ فى مجال التحريم والتحليل ـ يعتبره رب العزة شركا . ولذلك فان منهجية القرآن الكريم هى استعمال نفس الأساليب اللغوية فيما يخص العقيدة أو ( لا اله إلا الله ) ليكون الاعتداء على التشريع اعتداءا وبغيا على الوهية الخالق جل وعلا.
وأساليب القرآن الحكيم فى تقريرعقائد الاسلام والتشريع الخاص بالله تعالى وغير المأذون فيه للبشر ـ يمكن تقسيمها فى ثلاثة أساليب رئيسة ، وهى : (1)القصر والحصر (2)الجمع والمنع والاثبات والاستبعاد(3 )الأمر والنهى . فكيف اعتدى التشريع السنى على هذه المنهجية القرآنية (الحصرية) ؟
1 ـ القصر والحصر:
أساليب القصر و الحصر متنوعة أهمها النفى والاستثناء كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) ( محمد 19 )، أى لا يوجد اله سوى الله ، ولايعلم الغيب سوى الله :(قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ) (النمل 65 )، وليس هناك من ولى ولا شفيع سوى الله : (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) ( السجدة 4).
وعلى نفس النسق جاء تشريع تحريم قتل النفس البريئة . فالله تعالى جعلها قاعدة تشريعية على نسق ( لا اله إلا الله ) وكررها فى القرآن ثلاث مرات ليتعظ بها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، قال فى الوصايا العشر فى سورة الأنعام ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الأنعام 151).وقال فى سورة الإسراء ضمن وصايا أخرى ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فّي الْقَتْلِ إِنّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ (الإسراء 33). أى أن الله جعل لأهل القتيل المظلوم سلطاناً يتمكنون به من قتل القاتل وأخذ الدية منه، ويحذر أهل القتيل من الإسراف فى القتل، أى قتل شخص آخر غير القاتل، أو تعذيب القاتل عند قتله أو التمثيل به..ويقول تعالى فى سورة الفرقان فى حديثه عن صفات "عباد الرحمن" ﴿وَالّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلَـَهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً﴾ (الفرقان 68).
ويلاحظ أن التعبير القرآنى جاء بصيغة واحدة فى تلك القاعدة القرآنية ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالحَقّ﴾، ﴿وَلاَ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ﴾.ومعناه أن الله تعالى حرم قتل النفس، وتلك هى القاعدة الأساسية، والاستثناء الوحيد هو القصاص الذى نزل فى كلام الله الحق الذى لا ريب فيه والذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذى هو تنزيل من حكيم حميد..!!
يقول تعالى عن القرآن ﴿وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقّ نَزَلَ﴾ (الإسراء 105). فالحق الذى نستطيع به الاستثناء من القاعدة القائلة ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالحَقّ﴾ هو كلام الله تعالى الحق فى القرآن الحق الذى نزل بالحق أى هو القصاص، ومن يناقض القرآن فهو باطل وافتراء يبرأ منه الله ورسوله، وإذا تعلق ذلك الافتراء بقتل الناس بدون وجه حق فهو الفساد فى الأرض والله تعالى لا يحب الفساد..
بدأ التشريع السنى باختراع حد الردة وحد الرجم وتأصيل ذلك بأحاديث تبغى على قاعدة (وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ ) وتستحل قتل النفس خارج القصاص. ثم أضافوا قتل تارك الصلاة ، ثم توسعت دائرة القتل فأفتى بعضهم بأن للامام أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين . وبهذا البغى أصبح قتل الحاكم المستبد لأى انسان حقا شرعيا له وفق الدين السنى ..بل أصبح من حق المتطلعين للسلطة و الساعين لها باسم الشريعة السنية وتطبيقها أن يفتوا بكفر من يناقشهم ، وتكون تلك الفتوى أمرا واجبا بقتله طبقا لشريعتهم السنية.
وتلاحقنا فتاوى التكفير واستحلال دمائنا منذ أن بدأنا مناقشة الدين السنى الأرضى وتشريعاته الدموية.
2 ـ الجمع والمنع والاثبات والاستبعاد :
بمعنى جمع المحرمات داخل سور واحد ومنع تحريم ما هو خارج ذلك السور، أو إثبات حكم شىء و استبعاد ما بعده ، وهو تنويع فى مفهوم القصر والحصر ، كقوله تعالى (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ) ( يونس 32 ) أى فالحق هو الله تعالى وحده وما عداه فهو ضلال. وكقوله تعالى عن القرآن الكريم (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) ( الأعراف 185 ، المرسلات 50 )( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) ( الجاثية 6 ):أى فالحديث الوحيد الذى تؤمن به ليس حديث البخارى ومسلم وأحمد وابن فلان وابن علان.. ولكنه فقط حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم .
بهذا الاسلوب العقيدى (الجمع والمنع والاثبات والاستبعاد ) جاء تشريع المحرمات فى الطعام وفى الزواج بالنساء.
فى المحرمات من الطعام :
يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( البقرة 172 :173 ) فهنا وضع المحرمات فى الطعام داخل سور ، وجعل ما هو خارج السور طيبات ممنوعا تحريمها . ويقول تعالى فى استفهام تقريرى يؤكد على تلك المحرمات فقط دون غيرها : (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( الأنعام 145 ) ويقول بتفصيل أكثر(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) ( المائدة 3 )
وفى منع تحريم ما هو خارج السور ـ أى تحريم الطيبات التى أحلها الله تعالى يقول الله تعالى للمؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ) ( المائدة 87 :88 ) ويقول باستنكار وتحذير :(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ ) ( يونس 95 :60 ) ويتكرر ذلك جميعا فى قوله تعالى :(فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( النحل 114 ـ ) . ومما سبق نستنتج الحقائق التالية:(1) الحلال هو الطيبات والحرام هو الخبائث (2) الحلال هو الأصل والحرام هو الاستثناء(3)لا يجوز تحريم الحلال(4)تحريم الحلال يعتبر شركا بالله واعتداء علي حقه سبحانه وتعالي في التشريع.

فما الذى فعله أرباب الدين السّنى فى البغى على تشريع الله تعالى فى الطعام ؟

تخصص الشافعى مبكرا بتقنين وفلسفة التشريع السنى الباغى على علم الله تعالى وكتابه وشرعه .
يقول تحت عنوان ( تَفْرِيعُ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ ) ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } فَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) إحْلَالَهَا دُونَ مَا سِوَاهَا ، وَاحْتَمَلَ إحْلَالَهَا بِغَيْرِ حَظْرِ مَا سِوَاهَا . وَاحْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَقَوْلُهُ { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } وَمَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ، أَنْ يَكُونَ أَبَاحَ كُلَّ مَأْكُولٍ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ فِي كِتَابِهِ نَصًّا ، وَاحْتَمَلَ كُلَّ مَأْكُولٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ بِعَيْنِهِ نَصًّا أَوْ تَحْرِيمُهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْرُمُ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَتَحْلِيلُ الْكِتَابِ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ إنَّمَا حَرُمَ بِالْكِتَابِ فِي الْوَجْهَيْنِ . فَلَمَّا احْتَمَلَ أَمْرَ هَذِهِ الْمَعَانِي ، كَانَ أَوْلَاهَا بِنَا ، الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةٍ تُعْرِبُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي اجْتِمَاعِهِمْ أَنْ يَجْهَلُوا لِلَّهِ حَرَامًا وَلَا حَلَالًا إنَّمَا يُمْكِنُ فِي بَعْضِهِمْ ، وَأَمَّا فِي عَامَّتِهِمْ فَلَا ، وَقَدْ وَضَعْنَا هَذَا مَوَاضِعَهُ عَلَى التَّصْنِيفِ ):

هنا نوجز منهجية الشافعى فى البغى على التشريع الالهى فى موضوع الطعام فى الآتى :
1 ـ إعتبار آيات القرآن الكريم احتمالية الدلالة وليست قطعية الدلالة ، وهو يستشهد ببعضها ويقول متأففا (وَمَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ).
2 ـ أعتبار الأحاديث التى زيفوها على لسان النبى محمد عليه السلام هى المرجعية التى على حد قوله (سُنَّةٍ تُعْرِبُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ ) وأضاف اليها الاجماع : (أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ). ومن خلال الاجماع أضاف مرجعية أخرى ، وهى تحريم ما لا تاكله العرب فقال ( مَا يَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ مَا لَا تَأْكُلُ الْعَرَبُ /218 ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : أَصْلُ التَّحْرِيمِ ، نَصُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ، أَوْ جُمْلَةُ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } الْآيَةَ . وَإِنَّمَا تَكُونُ الطَّيِّبَاتُ وَالْخَبَائِثُ عِنْدَ الْآكِلِينَ كَانُوا لَهَا ، وَهُمْ الْعَرَبُ الَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ هَذَا ، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ مِنْ خَبِيثِ الْمَآكِلِ مَا لَا يَكْرَهُهَا غَيْرُهُمْ . )
هنا يضيف الشافعى ملمحا آخر من منهجه فى البغى على التشريع القرآنى وهو تغيير المصطلح القرآنى ، فالطيبات فى مصطلح القرآن هى كل الحلال خارج نطاق المحرمات ، وقد جعلها هنا ما تستطيبه العرب ، وقبل ذلك كان أخطر تغيير فى مصطلحات القرآن وهو أساس منهج الشافعى وأئمة الدين السنى ، وهو مصطلح الرسول ، فقد جعلوه الأحاديث التى يفترونها ، والتى سموها السنة. وبالتالى فكل حديث يخترعونه هو (السنة والشرع و الرسول )،وطاعته هى طاعة الرسول. وبالتالى فان الرسول هنا هو تلك الأحاديث هى التى تحرم الخبائث التى يكرهها العرب ويحل الطيبات التى يستطيبها العرب.
بعدها دخل الشافعى فى تفصيلات مثل (تَحْرِيمُ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ) و (مَا يَحِلُّ مِنْ الطَّائِرِ وَيَحْرُمُ ) و (أَكْلُ الضَّبّ ) (.أَكْلُ لُحُومِ الْخَيْلِ ) (أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) . ومع أنه زعم (الاجماع ) من مصادر التشريع عنده فانه أرهق نفسه بالرد على مخالفيه فى الرأى ، أى انه لم يكن هناك إجماع على ما يقول ، بالاضافة الى أن أحاديث شيخه مالك تمتلىء بالآراء المتعارضة .
فى المحرمات فى الزواج :
المحرمات فى الزواج جاءت فى نص قرآنى جامع مانع فى قوله تعالى ﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ (النساء 22: 24)
فالمحرمات هنا بالنص القرآنى كالآتى "الأم" "البنت" الأخت" "العمة" "الخالة" "بنت الأخ" "بنت الأخت" "الأم من الرضاعة" "الأخت من الرضاعة" "أم الزوجة" "بنت الزوجة التى دخل بها زوجها" "زوجة الابن من الصلب" "أخت الزوجة فى وجود الزوجة على ذمة زوجها وفى عصمته" ثم "المرأة المتزوجة بزوج آخر إلا إذا فسخ عقد زواجها بملك اليمين" فهنا خمس عشرة امرأة محرمة فى الزواج عندما نضيف "زوجة الأب".
وقد حرص القرآن الكريم على توضيح التفصيلات والاستثناءات والمحترزات لتتضح الصورة كاملة، فأجازعلى سبيل الاستثناء أنواع الزواج الباطل الذى كان موجوداً قبل نزول الآية وأقره بصفة مؤقتة ولكن حرم أن ينشأ بعد تلك الحالات الموجودة حالات أخرى، ففى تحريم زواج أرملة الأب أو طليقة الأب قال تعالى ﴿ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف﴾ وفى تحريم الجمع بين الأختين فى الزواج قال تعالى ﴿وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف﴾ ومع أنها كانت حالات فردية معدودة وقت نزول القرآن إلا أن القرآن الكريم الذى فصل كل شىء تفصيلاً والذى نزل تبياناً لكل شىء أفسح لها مجالاً للتوضيح طالما يستدعى الأمر ذلك.
وأوضح القرآن بأفصح بيان معنى البنت الربيبة بالتفصيل ﴿وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم﴾.
وأوضح معنى زوجة الابن المحرمة ﴿وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم﴾ أى لابد أن يكون الابن من صلب أبيه وليس ابناً بالتبنى ولذلك أمر الله تعالى أن يطلق زيد بن حارثة- الذى تبناه النبى- زوجته زينب بنت جحش ليتزوجها النبى فيما بعد.
وأوضح حرمة الزواج من المرأة المتزوجة التى لا تزال فى عصمة زوجها إلا إذا فقدت حريتها وأصبحت مملوكة وحينئذ ينفسخ عقد زواجها وبعد انتهاء عدتها يمكن لها الزواج ﴿والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم﴾.
وبعد أن حصر القرآن المحرمات وفصّل القول فيهن تفصيلاً قال تعالى ﴿كتاب الله عليكم﴾ أى أن تحريم هؤلاء النسوة مكتوب ومفروض عليكم، فهنا حكم جامع مفصل بالتحريم، وبعده قال تعالى ﴿وأحل لكم ما وراء ذلكم﴾ أى أنه من بعد المحرمات المنصوص عليهن فى الآيات الثلاث فكل النساء أمامكم حلال للزواج الشرعى ولسن محرمات بأى حال.
ومعناه أن القرآن الكريم أحاط النساء المحرمات بسور تشريعى جامع مانع، وما بعد ذلك السور فكل النساء حلال للزواج.
وبمعنى أدق فلا يجوز هنا أن نجتهد الا فى تطبيق هذا النص كما هو خصوصا وهو نص تشريعى جامع مانع لا يجوز الاضافة له او الحذف منه حتى لا نعتدى على تشريع الله، ولكن الفقهاء أعملوا القياس فحرموا الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قياسا على حرمة الجمع بين المرأة وأختها، وحرموا الخالة والعمة من الرضاع قياساً على تحريم الأم من الرضاع والأخت من الرضاع، ثم صاغوا فى ذلك أحاديث هى أشبه بمتون الفقه وأحكام الفقهاء فقالوا "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وقالوا "لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها".
وهنا يقع التناقص مع كتاب الله..
فإذا أراد رجل أن يتزوج عمة زوجته أجاز له القرآن ذلك لأن عمة الزوجة ليست من المحرمات فى نص القرآن ولأنها تدخل فى الحلال من النساء للزواج ضمن قوله تعالى ﴿وأحل لكم ما وراء ذلكم﴾ ولكن الفقه السّنى يجعل ذلك الحلال القرآنى حراماً.
وإذا أراد رجل أن يتزوج خالته من الرضاع أحلها له القرآن وحرمها عليه الفقه..!! وذلك يعنى بوضوح أنهم يحرمون ما أحل الله وينسبون ذلك للرسول ، والرسول عليه السلام برىء من ذلك..
إن النساء كلهن حلال للزواج ماعدا المنصوص عليهن بالتحديد والتعريف الدقيق ولكنهم لم يكتفوا بذلك التحديد الجامع المانع فأضافوا محرمات أخريات بغيا واعتداءا على قوله تعالى ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾.
3 ـ الأمر والنهى
بنفس الاسلوب الحصرى القصرى يأتى اسلوب الأمر بشىء و النهى عما عداه كقوله جل وعلا :(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ) ( الأنعام 153) أى أمر باتباع القرآن وحده ، ونهى عن اتباع غيره ، ويتكرر ذلك فى قوله تعالى : (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ) ( الأعراف 3 ) أى إتباع القرآن وعدم أتباع غيره .
على نفس النسق يقول جل وعلا فى تشريع القتال : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) فهنا أمر: ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) وهنا أيضا نهى عن نقيضه : (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
وقد قلنا أن الأمر التشريعى بالصوم يخضع للقواعد التشريعية فى التيسير والتخفيف ، ثم يخضع تنفيذ القواعد للتقوى وهى المقصد الأساس والهدف . ولكن الدين السّنى تلاعب بها وأورد المسلمين مود التهلكة .

فقد جاء تشريع القتال فى سورة البقرة (الايات 190 : 194 )، يقول تعالى فى بدايته : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) هنا تجد الأمر التشريعى (وَقَاتِلُواْ ) يخضع للقاعدة التشريعية ، وهى أن يكون القتال فى سبيل الله جل وعلا أى أن يكون دفاعا عن النفس ،اى قتالا لمن يبدأ بقتالنا ، وليس اعتداءا على من من لم يعتد علينا ، وتأتى الآية الكريمة تربط الأمر التشريعى سريعا بالقاعدة التشريعية فتقول (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) ثم تأتى التفصيلات فى الآيات التالية ومنها ما يؤكد رد العدوان بالمثل كقوله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )
ثم يأتى المقصد التشريعى وهو الأعلى والحاكم فى التشريع ، وهنا فالمقصد التشريعى من القتال الدفاعى هو منع الفتنة فى الدين ، والفتنة ـ فى التعامل بين البشر ـ تعنى فى مصطلح القرآن الكريم الاكراه فى الدين ،او استعمال القوة لحمل الناس على اتباع عقيدة معينة ، يقول تعالى عن مشركى قريش (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )( البقرة 217 ). وهذا محرم فى الاسلام (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ( البقرة 256 ) ،لأن الهدف هو أن تتوفر الحرية الكاملة لكل انسان ليختار ما يشاء من عقائد ليكون مسئولا عن اختياره الحر يوم القيامة ، وحتى لا تكون له حجة يوم الدين . ولذلك لا بد أن يكون الدين لله تعالى يحكم فيه يوم القيامة بعد أن يكون كل انسان قد اختار بحرية ما يريد ويكون مسئولا عن اختياره. ومن هنا نفهم قوله تعالى فى المقصد التشريعى من القتال ضد المشركين الذين اعتادوا إكراه الناس فى دينهم (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ).
فإن انتهوا عن تسلطهم واعتدائهم فلا مجال لقتالهم (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .
وهذا المقصد الخاص فى تشريع القتال (أى منع الفتنة فى الدين ) يؤكده المقصد العام وهو التقوى، لذا تأتى الآيات مذيلة بالتقوى فى التشريع الاسلامى ، ونجدها هنا فى قوله تعالى(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ).
فماالذى فعله الدين السنى فى درجات التشريع الاسلامى فى القتال ؟
قام بالتركيز على الأوامر وتطرف فيها وأهمل القواعد والمقاصد .
فى موضوع القتال إقتصر على الأمر (وَقَاتِلُواْ) متناسيا قوله تعالى (فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) . وبالتالى أصبح القتال ليس فى سبيل الله ولكن فى سبيل الدنيا باحتلال بلاد الآخرين وارغامهم على دخول الدين وسلب أموالهم واغتصاب نسائهم واسترقاق ذريتهم تحت مصطلحات السبى والغنائم والجهاد ، وهذا ما فعله الصحابة فيما يسمى بالفتوحات (الاسلامية ) حيث قاموا بالاعتداء على من لم يعتد عليهم بحجة (تخييرهم) بين ثلاث (الاسلام أو الجزية أو الحرب ) هو إكراه وبلطجة وابتزاز واعتداء ، والله جل وعلا لا يحب المعتدين. ولهذا انتهت الفتوحات بالتنازع على الغنائم والفتنة الكبرى و الحروب الأهلية؛ ذلك النفق الذى دخله المسلمون ولم يخرجوا منه ، ولن يخرجوا منه الا بابتعادهم عن أديانهم الأرضية التى نشأت لتسوغ ثقافة الاعتداء والفتنة الكبرى.
إغفال قاعدة (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) تجعل القتال فى الفتوحات العربية قتالا فى سبيل الشيطان ، حيث لا وجود لاحتمال ثالث هنا ،فإما أن تقاتل دفاعا عن النفس فيكون قتالا مشروعا وفى سبيل الله جل وعلا الذى لا يحب الظالمين والمعتدين ، وإما أن يكون للاعتداء على الغير ظلما وعدوانا ، أى فى سبيل الشيطان ، وهذا التحديد الصارم جاء فى قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ)( النساء 76 ) وطبعا لا تسأل عن التقوى هنا ..


ثالثا :: الدين السنى وتضييع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر :


1 ـ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو البوابة التى يدخل بها المسلمون الى المجال الأوسع المأذون فيه للتشريع البشرى فى ضوء المقاصد التشريعية فى الاسلام وهى العدل و التيسير وحفظ الحقوق وعلى راسها حرية الفكر و المعتقد . وقد تحول هذا الى ضياع تام على المستوى النظرى الفكرى التاصيلى وعلى المستوى السياسى و التطبيقى .
وذلك موضوع سيأتى تفصيله فى بحث مستقل نوجز هنا عناوينه :

2 ـ فالبحث يتتبع بالتحليل المستوى النظرى في التأصيل الفقهي والسني للامر بالمعروف والنهي عن المنكر بدءا بما أورده أبو الحسن الاشعري :ت 330هـ .في كتابه (مقالات الاسلاميين واختلاف المصليين )، ثم الماوردي:(ابو الحسن علي بن محمد ت 450 ) فى كتابه ( الاحكام السلطانية) وأبو حامد الغزالى ت 505في كتابه ( إحياء علوم الدين ) ثم مناقشة رأى ابن تيمية ت 728 هـ فى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في رسالته عن الحسبة ،و سطور رسالاته الاخري ومنها ( السياسه الشرعيه في أصلاح الراعي والرعية ). ثم ما تردد بين ثنايا كتابات الفقه الوعظي خصوصا المتأخر منها زمنا ، والتى تؤصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر طبقا للتشريع السنى فى احتجاج على القيم الصوفية بعدم الاعتراض والسلبية و التسليم والسكون والخنوع .
ثم على المستوى التطبيقى فالبحث يتتبعه بالتحليل التاريخى فى وظيفة الحسبة الرسمية أى المحتسب الذى تعينه الدولة ، ثم الحسبة التطوعية التى بدا بها الفقهاء الحنابلة على هامش محنة ( خلق القرآن ) واختراع حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره..) والذى صار دستور الاضطرابات التى أقامها الحنابلة حين سيطروا على الشارع العباسى من القرن الثالث الى القرن السادس. ثم كان هذا الحديث أساس محنة ابن تيمية فى حركته ضد الصوفية في رجب 705 هـ ثم سبّب هذا الحديث ما رددته المصادر التاريخية سنة 875 هـ فيما يعرف بكائنة البقاعي وابن الفارض ،حين أعلن الفقيه البقاعي الحنبلي تكفير الولى الصوفي المشهور ابن الفارض المتوفي سنة 632 هـ والذي كان ولا يزال وليا مقدسا .
وبعد كائنة البقاعي التي هزت الركود المملوكى وقتها عاد الركود أشد فكتم أنفاس المسلمين فى العصر العثمانى واستمر خانقا الى أن ظهرت الحركة الوهابية لتطبق ـ بالحديد والنار ـ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تحت شعار ( الدم الدم .. الهدم الهدم ) طبقا لتحالف الفقيه ابن عبد الوهاب مع الامير محمد بن سعود فى الدرعية 1158 / 1745 .
ومن وقتها والى الآن سفكت الوهابية دماء ملايين الأبرياء تحت شعار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتطبيق الشريعة(السنية)التى تقف ضد الاصلاح السلمى وتعتبر الديمقراطية وحقوق الانسان رجسا من عمل الشيطان.

3 ـ والمصلحون ـ من أهل القرآن ـ هم أول من بدأ مواجهة الوهابية من داخل الاسلام ، ومع النجاح الذى يحققونه إلا أن الطريق لا يزال شاقا وعسيرا ، ليس فقط بسبب النفوذ السعودى ودولاراته ، ولكن لأن ما تم بناؤه بالتراكم الثقافى المتستر بالدين يحتاج فى إزالته الى تراكم اصلاحى . ولهذا يدعو القرآنيون الى اصلاح سلمى تشريعى ديمقراطى ، يقرر الديمقراطية التمثيلية النيابية ـ خطوة نحو الديمقراطية الاسلامية الأصيلة المباشرة ـ واصلاح جذرى فى التعليم مع إلغاء كل القوانين التى تصادر حقوق الانسان. ومما يعزز الأمل بالانتصار أننا نعيش ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان ، وأن وسائل الاتصال قد حجمت من سيطرة المستبدين على الاعلام والفكر.
لقد عانت أوربا والغرب قرونا من النضال منذ الماجنا كارتا الى القضاء مؤخرا على آخر معاقل الاستبداد النازى ثم الشيوعى .. ولا تزال بقايا الاستبداد الشمولى فى بلاد العرب والمسلمين معززة بفكر أديان أرضية ..فلا بد من نقاش تلك الأديان الأرضية من داخل الاسلام الذى تزعم الانتماء اليه ، خصوصا وأن القرآن الكريم هو الذى يرد عليهم فى بغيهم على الله تعالى فى شرعه ، وفى بغيهم على الناس بالاستبداد والاستعباد ..

اجمالي القراءات 20672