الاصلاح السياسي والديني
الاصلاح السياسي والديني

زهير قوطرش في الأحد ٠٥ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً



الاصلاح السياسي و الاصلاح الديني.

من خلال متابعتي للنقاشات التي دارت بين الأخوة من على هذا الموقع الكريم،وأخص مواضيع الإصلاح السياسي ،والإصلاح الديني. .فقد لمست أن بعض الأخوة ينادون بالاصلاح السياسي قبل الاصلاح الديني.....والبعض يعتبر أن أولوية الاصلاح الديني هي المدخل للاصلاح السياسي . والبعض يعتبر وأنا منهم ان الاصلاح السياسي والاصلاح الديني يجب ان يسيرا بخطين متوازين.ذلك أنه لايمكن تحديث الخطاب الديني من دون الشروع في أصلاح سياسي شامل ،يشيد دع&CcCcedil;ئم الدولة الديمقراطية ،التي تؤمن بالتعددية وتحمي الحريات العامة كحرية الفرد "حقه في التفكير والاختيار".
الصلاح لغوياً . الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد.يقال صلح الشيء يصلح صلاحاً ،والإصلاح نقيض الافساد ،والاستصلاح نقيض الاستفساد....,اصلح الشيء بعد فساده أي أقامه .

ما يهمني من هذه التعاريف اللغوية ....أن الاصلاح نقيض الافساد .وهذا يقودنا الى أن الأصلاح السياسي ،هدفه مقاومة الفساد السياسي ،وإقامة نظام سياسي يحقق مصلحة المواطن ،ومصلحة الشعب ومصلحة الامة .أما الاصلاح الديني ،أيضاً هدفه مقاومة الفساد في الفكر ،والفساد في العقيدة التي أوصلت الامة الاسلامية الى هذا المستوى المتدني فكرياً وثقافياً وحتى عقدياً وهذا الذي نشهده الآن ونشهد على فساده.

الإصلاح السياسي:

مسألة الاصلاح السياسي في عالمنا العربي والاسلامي ،أصبحت نقطة تلاق بين كافة القوى السياسية و الاقتصادية ،والاجتماعية والثقافية من جهة،وبين مصالح القوى الدولية والاقليمية من جهة أخرى. وأصبح الحديث عن الاصلاح السياسي الخبز اليومي للقوى السياسية الفاعلة ،بغض النظر عن كونها معارضة أو من السلطة . مع الفارق أن كثيرين ممن يرفعون شعارات الاصلاح هم من أكثر المناوئين له،والمدركين لخطورة اجرائاته على مصالحهم ومستقبلهم.وهؤلاء هم الذين يمثلون الحكم ومن يدور في فلكه.وحتى لايتهموا في أقوالهم ،بدأو بطرح شعار تدريجية الاصلاح السياسي . أو البطئ في الاجراءات الاصلاحية ،خوفا من حرق المراحل ،التي قد تؤدي مفعولاً عكسياً كما يدعون .والهدف من هذه الشعار هو لجم القوى السياسية المخلصة ،والمطالبة يتسريع عملية الاصلاح السياسي..

هل الاصلاح السياسي هو الاصلاح الدستوري.

الانظمة الشمولية والاستبدادية ،تحاول بقدر الامكان اقناع المواطن العادي ،بأن الاصلاح الدستوري هو الاصلاح السياسي المنشود ،ولهذا تحاول هذه الانظمة القيام بعمليات رتوش على الدستور مستفيدة من كونها الجهة التشريعية الوحيدة التي يمكنها تغير ما تشاء في دستور البلد او قوانينه لأن الاغلبية البرلمانية دائما بيدها وتحت تصرفها. فما هو الاصلاح الدستوري وما هو الفرق مابين الاصلاح الدستوري والسياسي.

الاصلاح الدستوري: هو اصلاح هدفه احداث تغيرات ملموسة في بعض اوكل الدستور تقود في النهاية الى الاصلاح السياسي الكامل.
والدستور أصلاً حسب التعريف ،هو الوثيقة التي أجمع عليها ممثلي الشعب ،وذلك لتنظيم العلاقة ما بين السلطات الثلاث (التنفيذية ،التشريعية والقضائية). بحيث تكون هذه السلطات لها دور فعال ،وتكون العلاقة بينهما متوازنة ،كل سلطة لها دورها المرسوم لها دستورياً ومن خلاله يمكنها ممارسة سلطاتها الدستورية. والدستور إذا تم تفعيله بشكل واضح وعملي فأنه يحمي السلطتين التشريعة والقضائية من تدخل السلطة التنفيذية . او من السلطة الرابعة الغير معلنة "الحاكم وأجهزته الامنية".لأن استمرار هيمنة السلطة التنفذية ،أدى في معظم الحالات الى خلق حالة الاستبداد السياسي ،وتتويج الحاكم الفرد الديكتاتور.
وعند طرح مشروع الاصلاح الدستوري من قبل القوى السياسية الراغبة بالاصلاح السياسي . فانها تقصد من ذلك . تعديل القوانين المتعلقة مباشرة بموضوع الاصلاح السياسي مثل قانون الانتخابات ،استقلالية القضاء .وتوسيع سلطة السلطة التشريعية على حساب صلاحيات الحاكم الفرد.هذه الاصلاحات بالمحصلة ،ستوسع من دائرة الحريات العامة ،والتي سيتمخض عنها مشاركة سياسية كبيرة من جانب المواطنين .هذا من جهة ومن جهة أخرى التعديل الدستوري يكفل حق الترشيح لشغل المناصب العامة ،من رئيس الجمهورية الى رؤساء البلديات والأحياء .وذلك وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص.
والاصلاح الدستوري ،يعني في ما يعنيه أصلاح القوانين التي تكفل الشفافية في موضوع الانتخابات .بحيث تكون مراقبة قضائياً من قضاء مستقل. أو مراقبة دولية .بحيث تجري العملية الانتخابية بدأً من الترشيح الى تنظيم قوائم المنتخبين ،الى فرز الاصوات ،وأعلان النتائج ،كل ذلك يجب أن يكفله الدستور بعيداً عن تدخل الامن والمخابرات والشرطة ...الخ.
هذه الاصلاحات الدستورية ترفضها السلطات الاستبدادية ،لأنها تسحب الفراش من تحت أقدامها . وتحاول قدر الامكان الابقاء على الاوضاع الراهنة .... خوفا من حساب الشعب العادل لها.

اما الاصلاح السياسي فهو اشمل اجتماعياً من الاصلاح الدستوري.كون الاصلاح الدستوري هو الدعامة للإصلاح السياسي .وهو الكافل لتفعيله على أرض الواقع. ويشمل الاصلاح السياسي .حق تكوين الاحزاب السياسية انطلاقا من الوثيقة الدستورية ،التي تعطي الاطار العام والشروط لتشكيل الحزب السياسي .حق تشكيل الجمعيات الأهلية ،وحق وجود للمجتمع المدني ،حق اصدار الصحف والمطبوعات ،وحق تكوين النقابات ...وللمواطن له الحرية في الانتساب لها أو عدم المشاركة فيها... وليس كما يجري في الانظمة الاستبدادية المشاركة اجبارية .حق الاضراب ،والتظاهرات السلمية .رفع حالة الطوارئ المعمول بها في بعض البلدان العربية .مثل مصر سوريا ...وغيرها من الدول التي تمارس فعل حالة الطوارئ لكن بدون تشريع دستوري.

هل الاصلاح السياسي هو الاصلاح الاقتصادي.

بعد أن بدأت صيحات الاصلاح السياسي تشتد وتجذب إليها العديد من القوى السياسية في الوطن العربي.بعض القوى ، قامت برفع شعار الاصلاح الاقتصادي أولاً . ومن ثم الاصلاح السياسي الذي سيكون تحصيل حاصل. لأن الاصلاح الاقتصادي برأيهم ،يخلق فرص عمل جديدة ،وتنخفض نسبة العاطلين عن العمل ،وتقوى القوة الشرائية للمواطنين ،وهذا ما يجعل المواطن أكثر فاعلية لتحقيق الاصلاح السياسي ،لأن الاصلاح السياسي بعد الاصلاح الاقتصادي ،هو الكافل والضامن والحامي للمكاسب الاقتصادية التي صارت بالنسبة للمواطن مكسباً لا يمكن التخلي عنه.
هذه القوى مع كل أسف ،مازالت سجينة المبادئ والايدولوجيات ،يعيدون انتاج افكارهم التراثية كما يعيد المتأسلمون انتاج تراثهم الذي عفى عليه الزمن بمناسبة وغير مناسبة .
هؤلاء نسوا أو أنهم تناسوا ،استحالة تحقيق الاصلاح الاقتصادي بدون ،جلب الاستثمارات الخارجية لدعم تطوير الاقتصاد بكل مجالاته .وذلك لأن الدول المحكومة بالشمولية ،والدول الغنية ،لايمكن للمفسدين فيها من الحكام والطفيلين استخدام رؤوس اموالهم الفاسدة في عملية دعم الاقتصاد الوطني. . لأن رؤوس الاموال هذه مع كل أسف تستثمر من قبل دول اجنبية وحتى معادية لتطلعاتنا الوطنية .
هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فأن الطغمةالحاكمة ،في الوطن العربي ،هي شريكة اقتصادية للطفيلين في كل المجالات الاقتصادية المفصلية. وهذا يعني أن السلطة التشريعية والتنفيذية ،لايمكن ألا أن تكون في خدمة مصالحها الفاسدة ،وجشعها الذي لاحدود له على حساب المواطن .
ونسي الذين يطرحون شعار الاصلاح الاقتصادي اولاً ،أن جذب الاسثمارات الاجنبية لتحقيق التقدم الاقتصادي ،لايمكن أن يتحقق ما لم تكن هناك عملية سياسية ودستورية تضمن حالة الاستقرار السياسي في المجتمع.
ومن الملاحظ أن الطغمة الحاكمة وأعوانهم هم من تمسكوا بشعار تمديد عنصر الزمن حتى تنضج شروط الاصلاح الاقتصادي ،من اجل اجراء اصلاحات سياسية . كونهم هم الذين يستفيدون من بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه.

لماذا لم يتحقق الاصلاح السياسي أو الدستوري أو الاقتصادي حتى اليوم ؟

المشكلة ،هي عدم توافر الارادة السياسية من جانب الطغمةالحاكمة. والسبب بأختصار. هو خوف هذه الطغمة من احتمال أن يأتي الاصلاح بقوى سياسية وأجتماعية جديدة ،مما سيؤدي الى إعادة فتح الملفات المغلقة للانظمة الفاسدة ،سواء في مجال الفساد المالي ،أو في مجال حقوق الانسان ،او مجال التحالفات المشبوهة . ونتيجة ذلك سيتعرض المسؤولين الى المسائلة ،والمحاكمة العادلة .وهذا ما ينفي قيام هذه المؤسسة الحاكمة بأجراء أية أصلاحات . لأن شعار الاصلاح ،هو في الحقيقة نهايتها الحتمية.الأمر الأخر ضعف قوى المعارضة وتفرقها ،وعدم اتفاقها على برنامج الحد الادنى ،وخوفها من فوز وسيطرة الاحزاب الاسلامية التي تدعو الى الاسلام هو الحل.هذا الوضع سببه ايضاً جهل المواطن بشكل عام بمصالحه . وهنا لابد من ضرورة الاصلاح الديني الذي تقع على عاتقه اعادة تشكيل ثقافة وفكر الفرد في مجتمعاتنا،وذلك لكي يأخذ دوره الكامل كمواطن حر ،ويعي اين تقع مصلحته العامة.

الاصلاح الديني :

الاصلاح الديني . هو في الحقيقة أصلاح ما تم إفساده من فكر وممارسة عملية لدين الله الواحد ،وذلك من خلال الفهم التراثي البشري ،الذي تطاول على النص اللآلهي ،ليطوعه حسب مصالحه السياسية والاقتصادية .
الاصلاح الديني على عكس الاصلاح السياسي الذي يدخل ضمن زمن التاريخ القصير ،فهو أقرب الى تاريخ الحقبات الطويل . ذلك لأن الاصلاح الديني هو بالواقع عملية تربوية ثقافية متكاملة ،هدفها احداث حالة وعي ثقافي جديدة المفاهيم ،بحيث تقوم بعملية ثورية لهدم المفاهيم الفاسدة والتي تعود عليها الافراد .وبناء مفاهيم تتطابق ومقاصد النص باستقلاليته عن المصالح الفئوية والحزبية والمذهبية ،ومن ثم خلق علاقات جديدة بين الافراد .لتحديد العلاقة الصحيحية ما بين الفرد وربه ،ومن ثم مع نفسه ومع الأخرين ومع محيطه وبيئته.
الاصلاح الديني بناء على ماتقدم هو خلق حالة فكرية اجتماعية شاملة . ومن ثم اصلاح ثقافي مجتمعي ينطلق من الايمان بنسبية المعارف. وبحقوق البشر في الحوار والمسائلة .
وهذا لايمكن تحقيقة إلا بوجود مفكرين مؤمنين لهم رؤية مختلفة للعالم ،لهم القدرة على إعادة قراءة النص الديني ،والتجربة التاريخية ،مستندين الى مرجعية النفس والافاق والسيرورة التاريخية للاحداث ،مع عدم إغفال التجربة والمعارف الانسانية المختلفة.
لهذا فأن مسار الاصلاح الديني صعب ومعقد ويحتاج الى أجيال متتابعة .
ولدينا البرهان العملي ،مما يعانيه أهل القرآن من مصاعب لاحداث حالة الوعي والثقافي الجديدة ،المستندة الى مرجعية الكتاب ،والنص . وخاصة بين أفراد أهل القرآن من كتاب وأصدقاء ،الذين وإن تظاهروا بنقدهم بصوت عالي للتراث الذي يتناقض وصريح النص ،إلا أنهم مازالوا يحملون تناقضات التراث في دواخلهم . لهذا نرى أن أكثر المتشجعين لعملية التغير والاصلاح الديني منهم ،يصاب بحمية الجاهلية ،إذا تعارضت فكرة ما ... مع قناعاته المسبقة ... ويعتبر نفسه بفكرته هذه حامي الحمى وحامي الدين ،ولا يسمح للأخر حتى مناقشته بشكل عقلاني. هؤلاء هم ممن يعتبرون النخبة من أجل الاصلاج الديني. فكيف سيكون الموقف عند أفراد الامة ومفكريها الذين مردوا على هذا الفكر الظلامي.أو الجمود العقائدي .

لهذا فأنني أعتبر أن الاصلاح الديني ،لايتعلق لا من قريب ولا بعيد بأزمة فكر أو تاريخ فقط . بل الأمر يكاد يلخص بأزمة منهج العقل المسلم أيضاً ،في تعاطيه مع مع كتابه القرآن الكريم ،ومع معطيات حضارية سواء كانت من تراثه أو غيره ،وضيق أفق تعامله مع المناهج الانسانية المختلفة . ومشكلة الفكر الاسلامي التراثي رغم أنه نتاج العقل المسلم والذي هو اساسه ومنطلقه للوجود .فإذا تخلف هذا العقل عن ممارسة دوره بأسئلة واجوبة مستهلكة وجاهزة ،فلن يغير شيئاً ،ولن يتغير شيء . وسيبقى دوره مشاهداً لا أفق أمام أي فكر حر ولا حياة لأي أبداع إنساني . ولا مستقبل لأي تحرر فكري في عالمنا العربي والاسلامي.

مما متقدم اعتقد أن الفكر القرآني الذي تبناه الدكتور أحمد منصور ،وبعض المتنورين من على هذا الموقع هو الطريق الصحيح لاتمام مشروع الاصلاح الديني. لأن هذا الفكر أخذ على عاتقه اعادة تفكيك رؤيتنا لما حولنا من القضايا التي تتطلب من العقل المسلم التدخل مباشرة لأنها لاتحتمل حالة الانتظار .وهذا الفكر تجاوز العقد المتوهمة التي تقول بأن الفكر الديني غير معني بمشاكل العالم والإنسانية المعاصرة .وأهم ما أنجزه الفكر القرآني في تعامله مع كتاب الله القرآن كمصدر وحيد للدين ،هو تغيره لصيغ الاسئلة التراثية المتعارف عليها والتي يعاد انتاجها من قبل المؤسسة الدينية ،ومن قبل الحركات الاسلامية السياسية .فطرح الفكر القرآني اسئلة متفاعلة ومنفتحة على وعي جديد ومسار مختلف وقناعات بناءة . وقد لامست الاسئلة الجديدة التي يطرحها اهل القرآن جوانب اساسية من حيانتا .بحيث تغيرت حتى طبيعة الاجوبة عليها ،وصارت الاجابات تتعاطى والمعطيات الحضارية والانسانية .ورفض الفكر القرآني الارتهان الى نظرية التعالي . واستبعد من قاموسه الحضاري فكرة ردود الفعل على ما يطرح من افكار تهاجم فكره الاصيل . وتعاطى معها من خلال الحكمة ،وعدم التشنج ...فكانت المحصلة جذب بعض أصحاب الفكر العلماني وغيرهم لينضموا الى قافلة الاصلاح.  

لهذا  اعتقد أن الاصلاح السياسي ،والاصلاح الديني يجب بل ويلزم أن يسيرا جنباً الى جنب. فالاصلاح السياسي إذا سبق في بعض مراحله الاصلاح الديني فأنه سيكون السند والممهد للطريق . والعكس ايضا فالأصلاح الديني إذا سبق الاصلاح السياسي في بعض مراحله فأنه يساعد على تنظيم العملية السياسية وفق أسس سليمة وقانونية أفضل

اجمالي القراءات 17177