إلي أبنائي الباحثين

شريف هادي في الأحد ٠٥ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته،،،
سأحكي لكم قصة أول بحث حقيقي قدمته في حياتي ، وكان ذلك منذ 26 سنة ، وكنت وقتها نائب أحكام عسكرية ، والتحقت بدلوم العلوم الجنائية بجامعة القاهرة ، وكان مطلوب مني تقديم مادة بحث ، وأخترت أن يكون البحث في (القيود الواردة على حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية) ، ولمن لا يعلم فإن النيابة العامة هي الوحيدة صاحبة الحق في تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهم لتقتص منه حق المجتمع ، ولكن إستثناءا على هذا الأصل وضع المشرع قيود ثل&Ccedicedil;ثة على هذا الحق ليسبغ حماية أكبر على حقوق خاصة قد تتأثر بإستخدام النيابة العامة لحقها ، وهذه القيود هي (قيد الشكوى) من الزوج الذي لثم عرضه في جريمة الزنا ، إذ لو أن الزوج كان من تقديره أن تحريك دعوى الزنا ضد زوجته قد تتأثر به سمعته وسمعة العائلة ، وقد يؤدي ذلك إلي الفضيحة أو بوار البنات أو ما إلي ذلك فقرر عدم توجيه الاتهام لزوجته فإن النيابة العامة تقف عاجزة أمام توجيه هذا الاتهام ، إلا أن يتقدم الزوج بشكوى مكتوبة للنيابة العامة يطالبها برفع الدعوى ، وكذلك يوجد قيد آخر هو (قيد الطلب) ، وهذا القيد في سرقة الأصول من الفروع ، كأن يسرق أب أبنه أو أم أبنها ، فإن النيابة العامة تعجز عن تحريك الدعوى الجنائية إلا أن يتقدم الأبن المسروق بطلب خاص لتحريك هذه الدعوى ، ولا يخفى أن في ذلك حماية يسبغها القانون على أسمى العلاقات الأسرية وهي علاقة الأبوة والأمومة والبنوة ، وأخيرا (قيد الإذن) وهو في جرائم الموظفيين العموميين يجب أن يصدر بشأنها إذن من رئيس المصلحة أو النائب العام لكي يتم تحريك الدعوى الجنائية ، وفي هذا حماية لسمعة الأدارة وتأمين للموظفين العموميين من محاولات التجني عليهم والتشهير بهم بسبب أداء وظائفهم.
إخترت لنفسي القيد الأول (قيد الشكوى) وكتبت مادة بحث في أقل من ثلاثين صفحة – كنت أظنها عظيمة وشاملة من وجهت نظري- وتوجهت بها للمراجع ، وكان الأستاذ المراجع وقتها هو الدكتور أحمد فتحي سرور ، ودخلت مكتبة وقدمت له مادة البحث ، فأخذها وألقاها بعيدا على أرض الغرفة وقال بصوت جهوري (حمـــــــــــــــــــار) – بضم الحاء وفتح الميم ومد الألف – فنظرت خلفي في دهشة ، فقال لا يوجد في هذه الغرفة غيرنا ، وأنا لست حمار إذا من هو الحمار؟ ولم ينتظر ردي وقد ألجمتني المفاجئة ، وقال لي خذ هذه (الزبالة) واطلع بره ، خرجت من غرفته دون أن آخذ أوراقي وأنا في حالة صدمة شديدة وكره عميق لهذا الأستاذ الذي تعامل معي بهذه الفظاظة وقررت أن أتوقف عن إستكمال الدراسات العليا ، قابلني خارج حجرة الأستاذ أحد قدام فراشي الكلية ، وأخذ يثني على الدكتور سرور وعلى علمه ودماثة خلقه ، وقال لي بالحرف الواحد (هو يا ابني فيه حد يقدم للدكتور سرور بحث من ثلاثين صفحة فقط كويس أنه ما قطعهوش في وشك) ، وقتها قبلت التحدي ، وعدت لمراجعة بحثي واستيفاءه على النحو المقبول ، ورجعت له وبحثي يقترب من المائة صفحة بعد كل محاولاتي في المط والتطويل ، ودخلت عليه وأنا في غاية التحفز ، وقدمت له البحث ، فنظر إلي وقال (إترقيت بقيت حصان) ولم يقرأ كلمة واحدة من بحثي ولكنه أحضر ورقة بيضاء وكتب عليها أثنتي عشر نقطة يجب أن أستوفيها في بحثي وأعود له بعد أسبوعين ، والمفاجئة أني وجدت أنني لم أكتب في تسع نقاط من نقاطه الأثنا عشر نهائيا ، ونقطتين باقيتين مررت عليهما مرور الكرام ، ونقطة واحدة هي التي كنت قد أسهبت في الحديث عنها ،والنهاية كتبت بحثي في أكثر من ثلاثمائة صفحة وكنت أحاول الإختصار قدر الإمكان ، والنتيجة إمتياز مع مرتبة الشرف.
أردت أن أحكي لكم هذه الحكاية بعدما وجدت ابني الأستاذ / أيمن اللمع يتعامل مع تعقيبي على بحثه على أنني (شديد التوتر والحمية والاندفاع) وأنه يقف أمامي (لأوبخه) ، وقد أعلن أبني الحبيب صراحة أنه يريد التعلم ولكنه استثنى هذا الأسلوب فقال (إلا هذا الاسلوب) ، ثم أجده قد إلتمس لي بعض العذر ولسان حالة يقول أن عذري عنده ليس لأنني أراجع بحثه من باب الأستاذ الذي يحب ابنه وتلميذه في العلم والتحصيل ولكن عذره لي على ما فهمت من وراء سطوره كان بسبب الأحداث الأخيرة على الموقع والتي ظن أن لها تأثير على أسلوبي (المتوتر) معه ثم بدأ يدافع عن نفسه.
أحب أن أقول لكم جميعا أن هناك فرق جوهري بين التعليق على مقالة ومراجعة بحث ، في التعليق على المقالات يكون هناك نوع من المساواة بين الكاتب والمعلق ، كما أن المعلق لا يبغي تعليم الكاتب أو صقله أو إعادة بناء التركيب المنطقي والقوالب الفكرية لديه ، ثم أنه في الأساس لا توجد أي علاقة حب أو إتصال فكري ابتداءا بين كاتب المقال والمعلق ، ولكن بين الباحث والمراجع الوضع يختلف ، فالمراجع لا يمكن له أن يتبنى باحث إلا أن يكون قد أحبه حبا شديدا قبل أن يراجع له بحثه وإلا سيكون ظالما له ولن يضيف له جديد ، وحالة الحب هذه تربطني بكل شباب باحثينا والذين أعتبرهم أولادي وبناتي على الحقيقة لا على المجاز ، ثم مهما كتب المراجع من تعليقات شديدة وعبارات جافة في مراجعته لبحث الباحث ، فإن ذلك بغرض الإصلاح والتعليم لا التوبيخ والتشهير ، والباحث الحقيقي الذي يريد التعلم والرقي بمستواه العلمي والبحثي عليه أن يأخذ كل كلمة من كلمات المراجع على أساس أنها نوع من التحدي بينه وبين نفسه ، وليست نوع من التحدي بينه وبين أستاذه ففي الحالة الاولى سيرتقي ، وفي الحالة الثانية سيغلق جميع نوافذ التلقي في عقله الغض فسينضب معين علمه وتتساقط أوراق ثقافته وينتهي به الحال من أنصاف المتعلمين وأعشار المثقفين .
أعرف أن علاقتنا بأساتذتنا من قبل كانت علاقات خاصة ، وكان حجم التوبيخ والإستهزاء الذي يعاملوننا به داخل غرف مغلقة في علاقة ثنائية الله وحده المطلع عليها ، ولكن قدركم مع وجود الإنترنت ، والمواقع المفتوحة والجامعات الالكترونية فإن الوضع مختلف وما يدور بينك وبين من يراجع بحثك مشاعا للملايين من البشر ، وهذا يضع عليكم عبئا أضافيا في تقبل النقد والتوجيه ، كما يضع على المراجع عبأ بل أعباءا إضافية في الملائمة بين الحفاظ على مشاعر أبنه الباحث وبين الحفاظ على مقتضيات التعليم والتوجيه والتي تحتاج إلي بعض الشدة في كثير من الأحيان ، خاصة وأن الديمقراطية في كل شيء إلا في العلم ، لأن العلم قائم على (ملقي) و (متلقي) فأساسه عدم التساوي ، ولذلك مسموح للمراجع بلغة أشد قسوة من لغة التخاطب خارج نطاق العلم
فمثلا ابني الحبيب الأستاذ / أيمن كتب يدافع عن نفسه لأنه ظن أنني متوترا في الحديث معه ، فكان تعليقه عبارة عن دافع مستميت عن بحثه على ما فيه من قصور ، مغلف بتوجيه بعض اللوم لي بل وفي بعض فقراته اتهام مغلف بعدم الموضوعية ، ولن أدافع عن نفسي أو أرد على رده وإلا سندور في حلقة مفرغة من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الحق أبلج لا يحتاج منا أن ندور في هذه الحلقة المفرغة ، ولكن لو أنه أخذ كلامي من باب النصح وفكر أن يعيد كتابة بحثه مراعيا النقاط الإجرائية والموضوعية التي سقتها له ، فسنجد بحثا آخر للأستاذ الرائع أيمن اللمع وقد أستوفى فيه نقاط الضعف والقصور وسيخرج البحث متنأقا ممتعا.
لكم جميعا أبنائي الباحثين أقول نحن نعتبر قاعة البحث جامعة مفتوحة ، والجامعة لها مفرداتها وأدبياتها التي قد تختلف عن باقي الموقع ، المراجع للبحث لا يبحث عن مواطن الكمال والاستحسان لكي يكتب مجاملا ومستحسنا ولكن ينشد مواقع القصور والإهمال ليتناولها بالنقد والاصلاح ، لو تحبون يا أبنائي فسأستمر معكم كمراجع على بحوثكم ، ولو تشعرون أن لغتي متوترة يشوبها الحمية والانفعال كما يقول ابني إيمن وليست متوازنة يحدوها الموضوعية والاعتدال ، فأعدكم ألا أهتم بعد ذلك بقاعة بحثكم تاركا أمرها لمن يحسن من باقي الإخوة الأجلاء على هذا الموقع ، وفي الحالة الأخيرة أعتذر لكم أخي الدكتور أحمد عن عدم إمكانية تنفيذي وعدي لكم بالاهتمام بقاعة البحث
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي

اجمالي القراءات 13999