الاسلام والايمان الجزء الثاني (أركان الإسلام)

شريف هادي في الخميس ٠٢ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في الجزء الأول من دراستنا انتهينا إلي أن الاسلام له معنيين أحدهما عقائدي ، ويحمل معنى التوحيد ، والآخر تشريعي وهو مجموعة الأوامر والنواهي التي نزلت على رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ، والمعنى الأول للإسلام يكون الرسول عليه السلام من المسلمين لقوله تعالى "انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وامرت ان اكون من المسلمين" النمل91 ، أما المعنى الثاني للإسلام يكون الرسول أول المسلمين لقوله سبحانه وتعالى "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمlde;َحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)[سورة الأنعام]
وفي هذه الحلقة من بحثنا نعرج للبحث في أركان الاسلام ، وتفنيد حديث بني الاسلام على خمس ، ونطرح سؤالا نبحث للإجابة عليه من كتاب رب العالمين ، ما هي أركان الاسلام؟ وهل هي كما جائت بالحديث المنسوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم (شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا)
ان حدسث بني الاسلام على خمس رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، ونصه (حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن موسى ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏حنظلة بن أبي سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة بن خالد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن ‏ ‏محمدا ‏ ‏رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)
ثم أنه ليس الدليل الوحيد على أركان الاسلام ، ولكن هناك حديث جبريل عليه السلام ، ونصه (حدثني ‏ ‏أبو خيثمة زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏كهمس ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن يعمر ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن معاذ العنبري ‏ ‏وهذا حديثه ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏كهمس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن يعمر ‏ ‏قال ‏ ‏كان أول من قال في القدر ‏ ‏بالبصرة ‏ ‏معبد الجهني ‏ ‏فانطلقت أنا ‏ ‏وحميد بن عبد الرحمن الحميري ‏ ‏حاجين ‏ ‏أو معتمرين ‏ ‏فقلنا لو لقينا أحدا من ‏ ‏أصحاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسألناه عما يقول هؤلاء في ‏ ‏القدر ‏ ‏فوفق لنا ‏ ‏عبد الله بن عمر بن الخطاب ‏ ‏داخلا المسجد ‏ ‏فاكتنفته ‏ ‏أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي ‏ ‏سيكل ‏ ‏الكلام إلي فقلت ‏ ‏أبا عبد الرحمن ‏ ‏إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ‏ ‏ويتقفرون ‏ ‏العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر ‏ ‏أنف ‏ ‏قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏لو أن لأحدهم مثل ‏ ‏أحد ‏ ‏ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ‏ثم ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏قال ‏ ‏بينما نحن عند رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن ‏ ‏محمدا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج ‏ ‏البيت ‏ ‏إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن ‏ ‏أمارتها ‏ ‏قال أن تلد الأمة ‏ ‏ربتها ‏ ‏وأن ‏ ‏ترى الحفاة العراة ‏ ‏العالة ‏ ‏رعاء الشاء ‏ ‏يتطاولون ‏ ‏في البنيان قال ثم انطلق فلبثت ‏ ‏مليا ‏ ‏ثم قال لي يا ‏ ‏عمر ‏ ‏أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه ‏ ‏جبريل ‏ ‏أتاكم يعلمكم دينكم) رواه مسلم ، وأبو داوود والنسائي وأحمد
والحديثان تلقفهما علماء السنة بالقبول وذكرهما النووي في أربعينه وابن رجب الحنبلي في خمسينه المسماه (جامع العلوم والحكم) ، ووجدنا فيهما ضالتهم المنشودة والتفسير البسيط للإسلام بأن وضعوا له أركان خمسة كل من يؤدي هذه الإركان (مسلم) ، وجعلوهما قاعدة لفهم قوله تعالى" قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم" الحجرات14 ، وهذه الآية بالذات سيكون لنا معها وقفة طويلة في الجزء الثالث من بحثنا بعد شرح معنى الإيمان ، وهنا فهم السلف الآية على قاعدة من حديث بني الإسلام على خمس ، أنهم (أي الأعراب) اتبعوا الرسول وأدوا الإركان الخمسة للإسلام فهم مسلمون ولكن لم يدخل في قلوبهم الإيمان الكامل بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر ، لذلك هم مسلمون فعلا ولم يرقوا لمرتبة الإيمان إعتقادا ، وعلى كل فتفسيرنا للآية لن يذهب بعيدا ، ولكن بعد تفسيرنا لمعنى الاسلام والإيمان وفهمنا لأركان الإسلام.
حديث بني الإسلام على خمس ، وحديث جبريل يخالفان القرآن ، ولنتدبر معا قوله سبحانه تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالازلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم" المائدة 5 في هذه الآية الكريمة ذكر الله سبحانه وتعالى آخر ما تم تحريمه بالقرآن على المسلمين في باب الطعام ، ثم أردف ذلك بإقراره وقوع حديثين في هذا اليوم العظيم وهو يوم نزول هذه الآية الكريمة ، الحدثان هما (يأس الذين كفروا من دينكم) و (أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)
ثم أن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا نتيجة الحدث الأول (يأس الذينكفروا من ديننا) أنه (لا نخشاهم ونخشى الله سبحانه وتعالى وحده) ، ومعنى يأسوا من ديننا أي يأسوا من أن يضيعوا علينا ديننا أو يمنعوا عنا رحمة ربنا بالتنزيل الذي أكتمل به الدين ، فيثبت عجزهم الظاهر مهما كانت لديهم من قوة ، فلا يستحقون أن نخشاهم والله وحده وجب علينا خشيته سبحانه وتعالى.
أما نتيجة الحدث الثاني فهو معرفة كيفية التعامل مع الأوامر والنواهي القرآنية لقوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم) ، وهو إقرار قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ، أي أن الله سبحانه وتعالى وضع لنا قاعدة أصوليه مؤداها أننا نمتثل لأوامر الله ونواهيه ، ولكنه إمتثال مرن سهل يقبل الله سبحانه وتعالى منا الاضطرار شرط أن يكون سبب الاضطرار جدي ، وأن تنعقد النية على الطاعة وليست على الإثم ، وهنا فإن الله غفور رحيم ، وهذه النقطة بالذات من الآية إحدى طرق شرح قوله تعالى" فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون" التغابن16 ، فهنا في باب تقوى العمل تكون بقدر الاستطاعة لأنه هناك الاضطرار دون ذنب كما في الآية 5 من المائدة
ما يعنينا من الآية 5 من سورة المائدة أن الله سبحانه وتعالى ذكر كمال الدين ورتمام النعمة ورضاه الاسلام لنا بعد ذكر آخر ما نهى عنه في باب الطعام ، والمعروف أن النهي عن أكل أطعمة محدده بينه وبين الأركان الخمسة المزعومة أي إرتباط ، ومع ذلك اعتبره رب العزة من أركان الإسلام ، وبذكره لنا أكتمل الدين ، إذا أركان الإسلام أعم وأشمل من الأركان الخمسة ، سيقول قائل ولكن تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير ذكر في ثلاث مواضع أخرى من كتاب الله (البقرة173 ، النحل 115 ،الأنعام145) ، نقول نعم ولكنه في الآية 5 من المائدة أرتبط التحريم بتشريع ، وهو بيان أنواع الموت التي تحرم علينا أكل البهائم ، إلا أن يتم تزكيتها بالذبح قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ، فوضع قاعدة مفادها أن الأصل الإباحة وأستثناء من هذا الأصل يقع التحريم في حالة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع ،ولكنها تعود للإباحة في الأكل والطعام إذا وقع عليها (إلا ما زكيتم) ، فيكون العارض هو التحريم والأصل هو الإباحة ، وهنا نحن أمام تشريع جديد وهو الأخير والنهائي ، فأردفه رب العزة بقوله سبحانه وتعالى(اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) ، إذا الإسلام دين أو أركان الإسلام ليست فقط خمسة كما جاء بالحديث ، ولكنه مجموعة الأوامر والنواهي والشرائع مهما كبرت أو صغرت والتي وردت في كتاب الله سبحانه وتعالى (القرآن الكريم).
ويؤكد صحة ذهابنا هذا قوله تعالى" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب" الشورى13 ، فعندما نتدبر قوله تعالى (من الدين) فإن من التبعيضية تعني أن الإسلام في معناه العقائدي هو شرع الله لكل الأمم والرسل والأنبياء ، وأنه مكمل لدين الإسلام في معناه التشريعي ، ونتدبر قوله تعالى (أن أقيموا الدين) فإن الدين هو أسم علم على (دين الإسلام) وهو مجموعة الأوامر والنواهي التي نزلت على النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، ثم قوله (ولا تتفرقوا فيه) دليل على النهي عن التمذهب ، لأن الضمير هنا في قوله (فيه) عائد على الإسلام بمفهومه العقائدي (التوحيد) والتشريعي (الأوامر والنواهي) ، حتى وإن رفض المشركين اتباعنا لأنه كبر عليهم فهمه وتدبره وهم أنفسهم الذين (يأسوا من ديننا) ، والاجتباء والهدى من الله سبحانه وتعالى وحده ، هذه الآية فيها اشارة ظاهرة أن الدين (دين الاسلام) هو مجمل التشريع وليس فقط الأركان الخمسة ، وهذه الإشارة نستخلصها من قوله سبحانه وتعالى(شرع لكم من الدين) ، فقوله سبحانه (شرع) ولم يقل (قرر) أو (كتب) تفيد (الشرع) والشرع هو مجموعة الأوامر والنواهي التي تشكل مجمل الدين ، ألم يقل سبحانه وتعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)
والسؤال هنا لماذ إذا أقتصروا الدين على أركان خمسة ، وغيره ليس من أركان الدين؟ حسبهم قوله تعالى" ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وان الظالمين لهم عذاب اليم" الشورى21
وجب علينا هنا مناقشة البلاء الذي يقع على المسلمين بإختزال الإسلام في أركان خمسة ، على النحو التالي:
أولا: تثبيت عقيدة الأرجاء:
فالذي يؤدي الأركان الخمسة ، فهو مسلم مهما أرتكب من معاصي وذنوب ، وان زنا وان سرق رغم أنف أبي ذر ، سيكون من أهل الجنة ، ولكنه على أقصى الأحوال سيعذب بالنار قليلا ثم يرد إلي أنهار الجنة وحور عينها وقطوفها ، بل ان أكثرهم ذنوبا سيكون من عتقاء الرحمن ، وهنا حاكى قولهم قول الذين من قبلهم عندما قالوا (لن تمسنا النار الا اياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا تعلمون) البقرة80 ، وقالوا (لن تمسنا النار الا اياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) آل عمران 24.
وهؤلاء عندما تتيقن قلوبهم أنهم سيدخلون الجنة مهما أرتكبوا من معاصي ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة فإن ذلك يكون دافعا لهم على التولي والأعراض عن الأوامر والنواهي ، وفي ذلك بلاء عظيم وضياع للدين ، ولنتدبر قوله تعالى" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (25)[سورة آل عمران]
هنا يعرض الذين أتوا نصيب من الكتاب عن حكم الله في كتابه لأنهم موقنون أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، ولكن الله سبحانه وتعالى يسالهم سؤال غرضه إستنكار إعراضهم عن كتاب الله وتوليهم عنه (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) ، عنده سيعلمون أن الإسلام أعم وأشمل وأكبر من أركانه الخمسة التي أخترعوها وهو دين الله.
شهادة الإسلام (لا إله إلا الله ومحمد رسول الله) ، تشمل الإسلام في معناه العقيدي وهو (التوحيد) وهو (شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له) ، وفي معناه (التشريعي) قائم على كل الأوامر والنواهي التي وردت في كتاب الله القرآن وبلغها لنا رسول الله كآخر دين ، وهو المستفاد من قولنا (محمد رسول الله) أي إيماننا بأن محمد رسول الله يلزمه الإيمان بأن محمد عليه السلام بلغ رسالة الله كاملة ، والإيمان بالتبليغ شرطه العمل بما تم تبليغه ، والعمل هو (إقامة الدين)
لذلك كان شرط دخول الإسلام ، على عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو أن يشهد الناس أنه رسول الله ، والشهادة هنا كانت تعد نوع من العهد والبيعة بين الناس وبين الرسول ، أي أنهم سيتبعوه ويسمعوا كلامه وينفذوا أوامره ، وهو المستفاد من قوله سبحانه وتعالى" اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون" المنافقون 1 ،
ولنقف قليلا مع هذه الآية بالتدبر ، أولا قوله (جاءك المنافقون) نفهم من الفعل (جاء) أن الناس كانت تأتي لرسول الله عليه السلام لتسمع عن الدين الجديد ، ولم يكن هناك إرغام على إعتناقه ، ثم لفظ (المنافقون) والمنافق هو الذي يظهر غير ما يبطن ، فهو يظهر الإسلام كما يظهره الآخرين ، ولكنه يبطن الكفر ، إذا كان من لزوم الإسلام وفقا لفهمنا لهذه الآية أن يشهد الناس أن محمدا رسول الله ، فأتخذ المنافقون نفس فعل المؤمنين ، ولذلك أردف الله سبحانه وتعالى قولهم بقوله (والله يعلم انك لرسوله) لأن هذا النص لو لم يأتي في هذا السياق ، ثم جاء قوله سبحانه (والله يشهد أن المنافقين لكاذبون) يعني أن النبي محمد عليه السلام ليس رسول لأن الله كذب المنافقين بالكلية ، ولكنه سبحانه وضع الجملة الاعتراضية (والله يعلم انك لرسوله) ، ليؤكد على أن قولهم صحيح وليس كاذب ولكن كذبهم في خداعهم للرسول وأنهم يظهرون غير ما يبطنون وصدق فيهم قوله تعالى" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام"البقرة204.
ثانيا: جعل العبادات غايات:
اتخذ الله سبحانه وتعالى أسلوبا فريدا في القرآن بأن أردف الأحكام بالمقاصد من هذه الأحكام ، والمشكلة أن أعتبار العبادات غايات يخالف مقاصد الرحمن من الشرع الحنيف فالعبادة ليست غاية في حد ذاتها ، ولكنها وسيلة لغاية أسمى ، وهي إصلاح النفس والمجتمع في الدنيا ، ونيل المغفرة والرحمة في الآخرة ، فالصلاة مثلا يقول عنها سبحانه وتعالى" اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون" العنكبوت 45 ، فالحكم بإقامة الصلاة وسيلة لغاية أسمى في الدنيا وهي (النهي عن الفحشاء والمنكر) وغاية أعظم في الآخرة (ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) ، فالصلاة فيها ذكر لله وهو غاية أسمى من غاية الدنيا ، لأنه طريق النجاة في الآخرة ، ثم علم الله ليس كعلم البشر لأن علمه سبحانه وتعالى مرتبط بقدرته على الحساب والجزاء الأوفى في الآخرة وهي الجنة ، فيكون فرض الصلاة وسيلة لغاية أسمى في كل من الدنيا والآخرة ، وهكذا في جميع الفروض.
ولكن لو أعتبرنا أن الإسلام قائم على أركان خمسة ، فإن هذه الأركان ستصبح غايات في حد ذاتها ، لأننا بهذا الفهم المعوج والقاعدة المغلوطة سنفهم قوله سبحانه وتعالى "إن الدين عند الله الإسلام" على أن الصلاة والزكاة والصوم والحج غايات مطلوبة لذاتها ، إذا سنؤديها ثم بعد ذلك نفعل كل المعاصي والذنوب والآثام ، ومع ذلك سنصبح مقبولين عند الله وننعم بالجنة في الآخرة ، وللأسف فإن هذا هو فهم العوام للدين ، لذلك تجد أكثرهم صلاة هو أكثرهم جرأة في الكذب وأكل أموال الناس بالباطل والوقوع في الذنوب والآثام وهو مطمئن القلب أنه في الجنة ، وقد مرت علينا حالات يشيب من هولها الولدان في أكل الحقوق وتعطيل كتاب الله ، ممن كبرت لحاهم وقصرت ثيابهم ، وربطوا الدين في مجموعة مظاهر لا تثمن ولا تغني من جوع ، يطيلون الركوع والسجود ، ويأكلون أموالهم بينهم بالباطل وهم يعلمون ، حتى ان أحدهم من شدة جرأته على دين الله عندما سأل لماذا لا يسدد ما عليه من ديون وهو الذي يصلي دائما وينكب على العبادة قال بإستخفاف (الله قال أكتبوه ونحن نكتبه ، ولم يقل أدفعوه فنحن غير ملزمين بدفعه) ، وهذا هو غاية فهمهم لدين الله ، وعظيم ارتباطهم به لديهم يتمثل في مجموعة حركات رياضية لا يتعدها إلي عمل القلوب مكتفين (بنصيب الأبدان من العمل للديان) ، أو كما يقول الصوفية الإسلام هو (إلتزام الجوارح والأبدان بأداء الأركان) ، وسبحان الله عما يصفون
في الحلقة القادمة سنتكلم في معنى الإيمان ، وسنجيب على سؤال لعله الآن يدور في عقول أغلبكم ،إذا كان الإسلام في معناه العقائدي هو التوحيد ، فما الفرق بينه وبين الإيمان؟
وإلي الحلقة القادمة من بحثنا عن الإسلام والإيمان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي

اجمالي القراءات 14930