ازمة الرهن العقاري جذور المسألة
الازمة الاضخم في التاريخ المالي للانسان

عمر أبو رصاع في الثلاثاء ٣٠ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لقراءة الجزء الأول اضغط هنا

www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php 

هل يمكن ان احصل على المال اللازم لشراء بيت بضمان هذا البيت فقط؟

نعم ، ممكن لان من سيأتيك بهذا المال سيبيع قرضك بربح ل "فريدي ماك" و"فاني ماي" شبه الحكوميتين بدون مخاطر!!!!


هكذا خلقت الازمة ؛ لدينا ما يسمى بالاوراق المالية المدعومة بالأصول ، حيث بامكان اي بنك ان يقوم بطرح اوراق مالية مضمونة بأصول ، و هذه الاصول انواع لكن اهم هذه الاصول اطلاقاً هو العقار ، اي انه يبيع ورقة مالية مضمونة بعقار ما ، يقوم مثلا بجمع قروض قام بمنحها لمن يرغب بشراء منازل لنفرض ان هذه القروض مجموعها 1 مليار ، ما يفعله البنك انه ينتج اوراق مالية بهذه المبالغ بضمان العقارات المرهونة و يبيعها بسعر فائدة اقل من سعر الفائدة على القرض بهذه الطريقة يقوم البنك باستعادة المال الذي قام من خلاله بتمويل تلك القروض مضاف لها فرق الفائدة بين سعر الفائدة على القرض الذي منحه لمشتري البيت و سعر الفائدة الذي سيدفعه لمشتري الاوراق المالية المضمونة بذلك العقار ؛ اي يمنح البنك قروض اسكان بضمان هذا الاسكان بسعر فائدة لنقل مثلا 10% ثم يقوم باصدار اوراق مالية بقيمة هذه القروض و يبيعها بدوره و يمنح عليها فائدة مثلاً 8% هكذا يكون استرد المال الذي منحه للمقترض و حصل على 2% ربح مع احتفاظه بسيولته ، لعبة سهلة تغري البنك طالما ان الاقتصاد يسير بشكل حسن و طالما ان اسعار العقار في ارتفاع و طالما ان ادارة الرئيس بوش سهلت الاجراءات على البنوك لتتمكن من التوسع في الاقراض و طالما ان هناك مؤسستين مثل فاني ماي و فريدي ماك تشتري هذه الاوراق المالية و تقبل عليها اقل فوائد ممكنة لتسهيل هذا النوع من التمويل العقاري ، لنا ان نتخيل حجم الازمة لو علمنا ان هاتان الشركتان المذكورتان تعملان برأس مال يقدر بحوالي ستة ترليون دولار اي ما يعادل ستة اضعاف حجم الاقتصاد العربي من المحيط إلى الخليج!
عودة تاريخية نعلم من خلالها ان المؤسستين المذكورتين تعود جذورهما إلى ازمة الكساد العظيم مطلع القرن عندما شرعت الحكومة الامريكية بانشاء هذا النوع شبه الاحتكاري من الشركات بهدف شراء الاوراق المالية المدعومة بالاصول العقارية و هذا لتنشيط الاقتصاد و تشجيع الانفاق على الاسكان في وقته لكسر حدة الكساد و تشجيع قطاع الاعمال لكن هذا النشاط ما لبث ان تضخم كما رأينا و لان الشركتان حكوميتان فإن الاوراق المالية التي تعيد بيعها بدورها في الاسواق المالية تصنف ذهبية كونها صادرة عن مؤسسة شبه حكومية و مدعومة بعقار يتجه سعره دوماً للارتفاع.

بما ان البنوك تقدم هذه الاغراءات او لنقل بوضوح اكبر تملك المقدرة على مثل هذا العمل التمويلي المضمون فأهم من يغريهم ذلك هم السماسرة و شركات العقار التي تريد ان تبيع ، إذن ايضاً توفر التسويق و لم تعد المسألة ان مشترٍ لبيت يبحث عن تمويل مصرفي بل تمويل مصرفي يبحث عمن يشتري بيتاً! و اللعبة ان يقبل المشتري بشراء البيت بقرض قصير المدى باقساط شهرية عالية حيث انه لن يقدم ضمانات غير العقار نفسه و يتم اقناع المشتري على اساس ان البيت و خلال فترة قصيرة جدا في الاغلب بضع شهور سيرتفع سعره و بالتالي يلجأ المشتري إلى الجدولة بحيث يجعل قرضه اطول زمناً بدفعات شهريه اقل .

لكن ايضاً ما سبب الانهيار ليس هذا فقط انما ايضاً المضاربة على السندات المشتقة ، فما هي السندات المشتقة بالضبط؟

تماماً كما يتم المراهنة على ارتفاع و انخفاض النفط و الذهب و الفضة .......الخ
اخترعت المضاربة على اتجاه اسعار العقار عن طريق محافظ تفادي المخاطر hedge funds ، وهذه المحافظ تقوم بشراء السندات المشتقة وليس الاصلية للرهن العقاري اي انها ببساطة مضاربة على اتجاه سعر العقارات ، هذه المحافظ قامت بمضاربات هائلة الضخامة في هذا المضمار مستندة إلى الاتجاه الايجابي شبه الثابت لاسعار العقار ، و هنا يكون حجم الخسائر فادحاً اذا اختلفت التوقعات عن التوجهات الحقيقية للسعر ، ذلك ان هذه المحافظ تضارب باقل من عشر القيمة الحقيقية على سبيل التأمين لكنها ان خسرت فستدفع القيمة كاملة و بالتالي المضاربة بمئة مليون معناها ان تواجه خسارة بمليار عندما يحدث العكس! بالتالي فإن هذه المحافظ التي تمولها البنوك عندما تتعرض لمثل هذه الموجة المعاكسة للتوقعات ستتسبب بخسائر فادحة للبنوك و يصبح جزء اساسي كان يظهر ضمن حقوق البنوك بالمليارات صفراً ، كما حدث مع البنوك و رأينا كيف تقوم باطفاء اصول بالمليارات !

لكن لماذا تغيرت اتجاهات اسعار العقار؟

معلوم ان السعر يتبع التوازن السوقي ، قانون العرض و الطلب ، و طالما ان تمويل الشراء اخذ الشكل الذي بيناه آنفاً فقد نجح في خلق طلب متنامي باستمرار على العقارات فاخذت الاسعار اتجاه ارتفاع شبه ثابت ، إلا ان هذا السبب نفسه هو الذي ادى لنمو هائل في العرض لان الاجراءات المصرفية لتمويل شراء العقارات منحت القروض لمشترين لا يملكون الملاءة البنكية ، اي انهم غير قادرين فعلاً على الالتزام بدفع الاقساط اذن وصلنا إلى انفجار فقاعة التمويل العقاري المتوسع بمعدلات فلكية و ما ان تراجع مستوى السيولة في الاقتصاد الامريكي حتى عجز هؤلاء عن سداد اقساط بيوتهم و قفز عرض العقار بسرعة ، لان العجز عن الدفع معناه الحجز على الاصل و اعادة بيعه اي اعادة العقار نفسه معروضاً مرة اخرى ، و لما كانت الشرائح التي عجزت كبيرة قفز عرض العقار بمعدل هائل و تراجعت اسعار العقار لان العرض اصبح اكثر من الطلب فلا بد ان ينخفض السعر ، الخسائر الهائلة اتت فعلاً من المحافظ التي تضارب على السندات المشتقة بعد ان اخذت اسعار العقار الاتجاه المعاكس و تكبدت المحافظ المضاربة تلك خسائرها مضاعفة اضعافاً ، إلى حد كبير نلاحظ ان خسائر المضاربة على اسعار العقار في الولايات المتحدة تزامن مع توجه المضاربات إلى البترول و قد رأينا كيف قفزت هذه المراهنات باسعار النفط إلى مستويات فلكية.


لقد اسهم اصرار وزير الخزانة الامريكي هنري بولسون على عدم التدخل بالمال العام في تفاقم الازمة ، فالازمة كلها تدور حول المضاربة و ما تنبني عليها من توقعات فإذا اخذت اسعار سندات ليمن براذرز مثلاً اتجاه الانهيار مع مثل هذا التوجه الحكومي سيجعل الاتجاه يتعزز و هكذا اصبحت محاولة انقاذ البنك مهمة مستحيلة!


اذن ان التوسع غير المدروس في الرهن العقاري و الذي لا يراعي اصول العمل المصرفي و اتخاذ البنوك لمختلف الادوات الاحتياطية لمواجهة خطر عدم السداد ، و اهمها و على رأسها تنويع المحافظ الاستثمارية و القروض كان مصدر الشرر في احداث هذه الكارثة المالية العالمية ، انها ظاهرة تدعو لاعادة النظر في هيكلة النظام المصرفي الامريكي ، خصوصاً مسألة البنوك التمويلية المتخصصة في قطاع ما ، نعتقد ان البنك لا ينبغي له ان يرتبط بتمويل قطاع واحد فقط ، اي ليس عليه ان يضع البيض كله في سلة واحدة كما ان عليه ان يؤمن بيضه هذا ، فملاءة العميل و اهمية دراسة المخاطر التمويلية يجب ان تأخذ بالحسبان و ليس من المنطق الاعتماد على توجهات السوق فقط لان هذا معناه ان تحقق المؤسسات المالية ارباحاً عندما يتخذ السوق توجهات موجبة لكنها ستنهار تماماً اذا اخذ السوق توجه سالب في ضوء المضاربة و هذا غير منطقي و لا مقبول.

يتبع في الجزء القادم

اجمالي القراءات 11940