الولايات المتحدة - تجربة السنوات الأولى -1

فوزى فراج في الجمعة ١٥ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الولايات المتحدة الأمريكية

تجربة السنوات الأولى - 1

 

التاريخ, اول مايو عام 1971

المكان, مطار كيندى بنيويورك

الوقت حوالى الساعة الثانية بعد الظهر تقريبا بتوقيت نيويورك.

خرجت بعد انهاء إجراءات الدخول الى الولايات المتحدة, الذى لم تستغرق وقتا طويلا, فقد كان دخولى قانونيا, كمهاجر ومنحت ال( جرين كارد) فى  المطار فى نفس وقت الدخول.

كان بإنتظارى صديق حبيب وزميل من الجامعه (ح.ا) كان قد هاجر قبلى بسنتين تقريبا, وساعدنى فى اجراءات الهجرة بأن أرسل لى شهادة ضمان كانت السفارة فى مصر تصر على ان تكون فى حوزتك, وتسمى ( Affidavit of Support ), وهى اقرار بأن هناك من سوف يتولى مسؤليتك عند وصولك الى امريكا, اى بمعنى اصح ان هناك من سوف يساعدك ويوجهك ويتولى مسؤلية معيشتك حتى لا تكون عالة على الدولة والمجتمع وبدلا من ان تستفيد الدولة من وجودك كأنسان يعمل وينتج ويساهم بدفع الضرائب, تصبح الدولة مسؤلة عنك , فتدفع لك مساعدات مالية....الخ.

كان معه بعض "أصدقاؤه " من المصريين الذين تعرف عليهم فى الولايات المتحدة , وكان ذلك اليوم هو يوم العطلة الاسبوعيه ( السبت), ولذلك كان فى استطاعته ان يحضر من ولاية نيوجرسى الى ولاية نيويورك كى يلتقى بى ويأخذنى الى مسكنه الذى كنت سأشاركه إياه فىالفترة الأولى من حياتى فى الولايات المتحدة. اما عن ما سميتهم اصدقاؤه, فالحقيقة ان الغالبية العظمى من تلك الصداقات هى ما يمكن ان يوصف بأنه صداقة مصلحة, او صداقة عدم الخيار, ولا تعنى كلمة مصلحة هنا مصلحة مالية , ولكن من الممكن ان تكون, كما انها أيضا قد تكون مصلحة من نوع اخر, فعندما يكون الإنسان فى بلد اخر غير بلده, وتعرف على شخص من بلده الأصلى او من منطقته العربية او حتى  ينتمى الى نفس الدين والعقيده التى ينتمى اليها, فيحدث تقارب  سريع وتلقائى بينهما, وقد ينتهى هذا التقارب الى صداقة حقيقية, ولكن فى اكثر الأحيان لا يتعدى ان يكون صداقة مصلحة او عدم الخيار.

اصر احد أصدقاؤه  )و)  ان نذهب الى مسكنه أولا, ورغم ارهاقى من سفر طويل وتغير ساعات الوقت وخلافة اصر بالطريقة المصرية بل وحلف بالطلاق ان لابد ان نذهب الى مسكنه اولا لتناول طعام الغذاء , بل أصر ان اركب معه فى سيارته وليس فى سيارة صديقى الذى كان فى انتظارى, ولم يكن هناك مجالا حتى للحوار بعد ان حلف بالطلاق. فى الطريق الى منزله بدأ فى تلقينى الدرس الأول عن الحياة فى امريكا وعن اشارات الطرق ولوحات الإتجاهات, وعن ما اتوقعه فى الحصول على عمل, بأن العمل ليس من السهل الحصول  عليه وأن على ان اتوقع ان لا اجد عملا مناسبا الأ بعد ثلاثة شهور او اكثر على اقل تقدير, وأن الغالبية العظمى من المهاجرين يقضون تلك المدة فى معرفة الأحوال ومعرفة الطرق والمواصلات ومعرفة اللغة ومعرفة العادات , بل تحدث عن متوسط المرتبات فى ذلك الوقت وما يتوقع ان اتقاضاه ...الخ , وقد تولى هو نصاب الحديث وتوليت نصاب الإنصات طوال المسافة من المطار الى مسكنه والتى استغرقت ساعة على اقل تقدير فيما اذكر, إذ لم يكن بالسيارة سوانا, فلم يكن فى إمكانى سوى أن انصت.

فى مسكنه كانت زوجته ( رحمها الله فقد نمى الى علمى وفاتها فى التسعينات من القرن الماضى ) قد اعدت الطعام للجميع, وكان مسكنه عبارة عن شقة صغيرة فى ( هوبوكنز) ولاية نيوجيرسى, ولاحظت انه كان من النوع الذى يحب المبالغة فى كل شيئ, ولكنى لإرهاقى ولأنى لا اعرفة بعد, ولأنى أيضا لا اعرف الكثير عن الولايات المتحدة, بل لا اعرف حتى  القليل, لم اعلق على مايقول ولم اجادل حتى عندما جادلة البعض من الأخرين. وسألنى اسئلة كثيرة وكان فى بعض الأحيان يسأل السؤال ثم يجيب هو عنه حتى قبل ان أبدأ الإجابة, وايقنت انه لا يسأل من اجل ان يعرف الإجابة , ولكنه يسأل كى ( يستعرض عضلاته) فى اظهار معلوماته عن الأشياء التى يسأل  عنها, فتوقفت عند ذلك حتى عن محاولة الإجابة عندما يسأل أسئلته , ولم يثير توقفى عن محاولة الإجابة اى سؤال لديه او لدى الأخرين إذ تصور الجميع ان ذلك من تأثير السفر وإرهاقة وتغيير الوقت   وخلافه او ما يسمى ( jet lag) .

بعد ان غادرنا مسكن صديقه, سألنى صديقى ( ح.أ) ونحن فى الطريق الى مسكنه, وكانت هذه هى المرة الأولى التى اختلينا مع بعض منذ وصولى, عما حدث فى الطريق من المطار الى مسكن صديقه, وقبل ان افتح فمى, بادرنى بقوله هل قال لك كذا وكذا وكذا...., وضحكت وسألته كيف عرفت ذلك, فضحك وقال , انها اسطوانة محفوظة يكررها هو وبعض الأخرين مع كل قادم جديد.  تحدثنا عن أسرته التى كنت على اتصال بها قبل حضورى,وعن الأحوال فى مصر, وعن بعض الأصدقاء هناك  وعن الرحلة وقصصت عليه واقعه حدثت لى فى بروكسل وكيف كدت ان اعود من بروكسل الى القاهرة بدلا من إكمال الرحلة الى نيويورك لولا ان الله سبحانه وتعالى كان قد قدر ان لا يحدث ذلك. وهى واقعة طريفة وإن لم تكن  ( طريفة ) عند حدوثها.

كنت قد غادرت مطار القاهرة مع احد الأصدقاء (م.ز) وكان مهاجرا هو الأخر الى الولايات المتحدة, فى الحقيقة لم يكن صديقا ولكن كان من زملاء الجامعة, فقد كان من نفس الكلية التى تخرجت منها , غير انه تخرج بعد دفعتى بعام او عامين لا اذكر, وقد عرفته كما عرفت الكثيرين من الطلبة من الدفعات اللاحقة او المتقدمة عن طريق ما كنا نسمية ( النادى), وكان النادى عبارة عن مبنى مستقل , يحتوى على كافيتيريا واستراحة كبيرة وقاعة للإجتماعات وعدة غرف للنشاطات المختلفة , وكنت فى السنة الأولى عضوا ,ثم أصبحت بدأ من السنة الثانية مسؤولا عن ذلك النادى حتى تخرجت, وبالتالى كان لى العديد من الإتصالات بالكثير من الأساتذه والطلبة من جميع الدفعات فى النشاطات مثل الموسيقى والمسرح والرحلات .........الخ جميعها من النشاطات الترفيهية, وعن طريقة أيضا تعرفت على صديقى الحبيب ( ح ) الذى تحدثت عنه أنفا. وأيضا عرفت (م .ز) الذى قابلته بالصدفة فى السفارة الأمريكية بالقاهرة , وعندما عرفنا ان كلانا مقبل على الهجرة, تعددت لقاءاتنا فى هذا المضمار, حتى تم قبولنا وحصلنا على الفيزا ,ثم خططنا ان نسافر فى نفس الرحلة.

اعطت السفارة لكل منا مظروفا اصفر كبير الحجم, به جميع الأوراق الخاصة بالهجرة, واصدروا تعليمات صارمة لنا, اولا بأن لا نفتح ذلك المظروف لأى سبب, فأى محاولة لفتحه سوف تلغى فاعليته, وأن لا نفقده وألا فإن حدث ذلك , فمعناه ان نعود الى السفارة وأن نستخرج بدلا للفاقد, ومعنى ذلك ان يتأخر دورنا ربما لستة شهور او سنة أخرى, بعد ان استغرقت إجارءات الهجرة حوالى ثلاث سنوات, اما اخر التعليمات فكانت ان لا نضع ذلك المظروف فى اى حقيبة بل يجب ان نحمله فى يدينا طوال الرحلة لتسليمه الى موظف اجراءات الهجرة فى نيويورك , الذى يقوم بفتحه وفحصه واعطائنا الجرين كارد, لأنه بغير ذلك لن يسمج لنا بالدخول الى الولايات المتحدة. وكانت مسؤلية ذلك المظروف مثل الكابوس منذ تسلمناه  من السفارة .

المهم, حمل كل منا مظروفه فى يده, وحقيبة ( هاند باج) واستقلينا طائرة شركه خطوط سابينا الى أثينا , حيث قضينا عده ساعات فى مطارها, ثم الى بروكسل, وكان البرنامج هو ان نقضى ليلة فى بروكسل , ونأخذ طائرة اخرى ( TWA) صباح اليوم التالى الى نيويورك, ولدى هبوطنا الى المطار فى بروكسل, كانت امتعتنا سوف يتم تحميلها بطريقة روتينية الى طائرة نيويورك فى اليوم التالى, فلم نتسلم تلك الأمتعة, ولكن كان معنا ما يلزمنا لتلك الليلة فى الهاند باج, وبالطبع المظروف الأصفر الكبير.  من المطار أخذنا القطار الكهربائى ( مترو) , الى محطة فى وسط البلد, ثم اخذنا تاكسى الى الفندق فى وسط المدينه, وكان كل شيئ معد لنا قفد قامت شركة الطيران بالحجز واعطائنا معلومات مكتوبه عن كل شيئ بدأ بالقطار والتاكسى والفندق ...الخ.  عند عملية التسجيل سألنا الموظف ان كان هناك ما نود ان نودعه فى خزينة الفندق, وترددنا فى ان نودع المظروف الأصفر, ثم قررنا ان نحتفظ به وان لا يغيب عن اعيننا, فبدونه سوف لن ندخل الولايات المتحدة.

كنا نشترك فى غرفة واحدة, وبعد ان استرحنا قليلا, قررنا ان نغادر الفندق وان نتجول قليلا فى المدينه, وكان السؤال هو , هل نترك المظروف الأصفر فى الحجرة ام نحملة معنا, وبعد مداولة قصيرة, قررنا ان نترك المظروف الأصفر فى الحجرة, فوضعناه ( تحت مرتبة كل منا) , بعد ان تأكدنا من انه من المستحيل ان يكون هناك احد يراقبنا. وذهبنا نتجول فى شوارع المدينه, ورغم ان الإسكندرية كانت من اجمل المدن وأنظفها فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى بالمقارنه بها بعد ذلك خاصة الأن, إلا ان جمال ذلك البلد الأوربى ونظافته كانت من الأشياء التى استرعت انتباهنا وحازت إعجابنا, كما أسترعى انتباهنا أيضا أسلوب المرور وطريقة المشاة فى الشوارع وهو شعور لا يمكن ان يحسه سوى من عاش فى مصر, ثم رأى بلدا اوربيا مثل بروكسل.

عدنا الى الفندق بعد تلك الجولة, وتناولنا طعام العشاء فى مطعم الفندق, وكانت تلك هى المرة الأولى التى رأينا فيها قائمة الطعام باللغة الإنجليزية, وكنا بالطبع فى منتهى القلق لعدم معرفتنا بما هو حلال من اللحوم وما هو حرام, لكن الله ستر, لأن الجرسون كان سوريا يتحدث العربية, وعندما اقترب منا وسمع حوارنا , حيانا بالعربية فكانت مفاجأة , وبالطبع قام بالواجب من حيث أرشادنا الى ما فى قائمة الطعام وما هو حلال وما هو حرام.

فى صباح اليوم التالى, قمنا بتوقيع فاتورة الحساب الذى كانت شركة الطيران سوف تتكفل بها, وطلب لنا موظف الفندق تاكسى, الى محطة المترو, ومنها ركبنا المترو الى المطار, وكنا هناك قبل موعد مغادرة الطائرة بحوالى ساعتين, لأننا لم يكن لدينا ما نفعله فى الفندق او المدينه, وأثرنا ان نكون بالمطار مبكرا لنضمن عدم التأخير فمن يدرى ربما تكون هناك حادثة او تنقطع الكهرباء عن المترو ونتأخر.....الخ من الأشياء التى تعودناها فى مصر ولم نرد ان ترك الأمر للظروف.

جلسنا انا و (م.ز) فى المطار وبعد حوالى ربع ساعة تقريبا, قام ليذهب الى دورة المياه, وترك الهاند باج ومظروفه الأصفر معى لحين عودته, وفى هذه اللحظة رأيت ان مظروفى الأصفر ليس معى وليس فى يدى . ودارت الدنيا بى وأحسست بأنى فى منطقة اتعدام الوزن, ونظرت حولى ولم استطع ان أتذكر متى كان المظروف فى يدى اخر مرة, هل تركته فى الفندق, فى التاكسى, فى المترو, هل كان بجانبى وسرقة احدهم,............................عندما عاد (م.ز) واخبرته بما حدث, سألنى متى كان المظروف معى , وسألته نفس السؤال, وأصبحنا فى حيص بيص, ونظرنا الى الساعة, وكان هناك حوالى ساعة ونصف على موعد مغادرة الطائرة.

ذهبت الى موطف شركة الطيران, وشرحت له ما حدث , وكانت لغتى الإنجليزية جيدة نسبيا بالمقارنه الى الكثيرين من المهاجرين بإستثناء من كان تعليمهم  وثقافتهم فى المدارس الإنجليزية بالطبع, فقد كنت من عشاق الموسيقى الغربية والأفلام الأمريكية على وجه الخصوص, وعندما قررت الهجرة. ركزت كثيرا على ان استوعب تلك اللغة خاصة اللكنه الأمريكية , فأخذت بعض الدروس لدى سيدة أمريكية متزوجة من أستاذ جامعى , فكانت تساعد بعض المهاجرين فى تعلم اللغة والعادات الأمريكيه, ولم تكن الدروس ورقة وقلم, بل كان عبارة عن ساعة كل أسبوع نقضيها فى حوار فى ما شاءت هى من المواضيع التى تعتقد انها ذات فائدة لمن سوف يهاجر الى الولايات المتحدة, وقد تعلمت خلال تلك الفترة التى كانت حوالى أربعة شهور, وهى كل ما كان قد تبقى من وقت قبل الهجرة, تعلمنت منها كثيرا مما أفادنى ووفر على من الوقت والتعب والمجهود مما سوف يتضح فيما بعد.

سألت موظف شركة الطيران ان لم استطع ان اجد ذلك المظروف, فهل من الممكن ان اؤجل الرحلة الى رحلة أخرى متأخرة, وأفادنى بأنه سوف يتحدث مع بعض مرؤسية بهذا الشأن, سألته ان لم اجد المظروف هل من الممكن ان أستعمل التذكرة للعودة الى مطار القاهرة بدلا من نيويورك, وكانت اجابته هى نفس الإجابه, اخبرنى انه سوف يتصل بالفندق للبحث فى الفندق, وسوف يحاول ان يعرف منهم اى تاكسى وأن يتصل بالتاكسى, كما سوف يتصل بالمسؤلين عن قطار المترو وسوف يعطيهم التفاصيل اللازمه عن المظروف.

جلست مع ( م.ز) الذى كان يشجعنى فيقول لى اننا جئنا سويا وسوف نستكمل الرحلة سويا حتى ان قررت ان اعود الى القاهرة فسوف يعود معى, وقلت له لا شأن لك بذلك, بل يجب ان تذهب فى نفس ميعاد الطائرة عند إقلاعها, وعليك بأن تخير صديقى فى نيويورك بما حدث....الخ, كنت انظر الى الساعة مرارا, وكان الوقت فيما يبدو يمر بسرعة رهيبة, وكنت أذهب بين الحين والأخر, الى موظف شركة الطيران لأسأله ان كان هناك جديدا ,هل سمع شيئا من الفندق, من التاكسى من اى احد, كنت بين نارين , هل سنجد المظروف, هل سنجده دون ان يفضه او يفتحه احد فإن حب الأستطلاع قد يدفع من يجده الى فتحه, هل سوف نجده قبل اقلاع الطائرة, ام بعدها, هل سنجده على الأطلاق, ماذا عساى ان اقول ان رجعت الى القاهرة, لقد ضيعت الرحلة  وضيعت كل شيئ بسبب اهمالى, ترى ان رجعت الى مصر, كم سوف انتظر حتى تستبدل السفارة ذلك المظروف بأخر......

ذهبت مرة اخرى الى الموظف الذى افادنى بأن الفندق لم يجد المظروف فى الحجرة او فى المكتب او قاعة الإستقبال, وانهم قد اتصلوا بشركة التاكسى ولا زالوا فى انتظار الرد.

مر الوقت بسرعة رهيبة كما أحسست, وتبقى حوالى خمس وأربعون دقيقة, وأفادنى الموظف أن شركه التاكسى قد حددت السيارة التى ركبناها ولم يجدوا المظروف فى التاكسى.

تبقى نصف ساعة على موعد الطائرة, وكنت قد اوشكت ان افقد الأمل تماما, بل كنت فى عقلى اللاواعى اتخيل ماسوف اقوله لأسرتى وأصدقائى الذين ودعونى بالأمس فى المطار, واحاول ان اضع الجمل المناسبة التى سوف اتقوه بها عند لقائهم, وذهبت مرى اخرى الى الموظف, الذى افادنى وعلى وجهه إبتسامة أنارت المطار بأكمله,  انهم قد وجدوا المظروف الأصفر فى عربة المترو, وسوف يحضروه فى المترو القادم ولكن لا يعرف ان كان سوف يصل قبل مغادرة الطائرة, وتنفست الصعداء وكأن الله قد أستجاب لدعاء امى التى كنت لا زلت اذكره قبل مغادرتى المنزل, وكان هناك شيئان تركتهما لله, ان لايكون احد قد عبث بالمظروف او فضه, وأن يصل قبل موعد الطائرة.

ونودى على الرحلة الى نيويورك, وفتح باب الدخول, وأنا انظر فى كل الإتجاهات مترقبا ان أرى احدهم وهو يحمل مظروفا أصفر من الحجم الكبير, ولازلت امل فى ان يصل وأن لا يكون قد فضه احد, ولم يبقى فى الصالة سوى عدد محدود من الركاب, وطلبت من صديقى ان يدخل فرفض, وأصررت ان يدخل فقال سوف ينتظر الى اخر ثانية, ولا اعرف كيف او متى او من اى إتجاه وصل ذلك المظروف, فإذا بالموظف قادما نحوى وبيده المظروف الأصفر, وسارعت اليه قبل ان يصل الى واخذت المظروف ونظرت اليه اتفحصه, ووجدته تماما كما رأيته فى المرة الأخيرة, لم يفضه احد, وتخيلت لو ان ذلك كان قد حدث فى ام الدنيا , هل كنت سأراه مرة اخرى, وإن حدثت معجزة ورأيته مرة اخرى, فهل كان من الممكن ان لا يفتحه احد ولو من باب حب الإستطلاع , من يدرى!!!

لم يظهر صديقى ما توقعته منه من تفاعل مع نهاية القصة التى اعتبرتها انا كما عشتها فى غاية الإثارة , بل قال فى برود شديد, هذا ما سوف تراه فى هذه المجتمعات لأن الأخلاق تختلف عنها فى مجتمعاتنا الشرقية ,فكان رد فعله وكأن قصتى كانت عن  رجل عبر الطريق من جانب الى الأخر.

قاد سيارته وكانت سيارة سبورت بيضاء ماركة بليموث باراكودا, وكان فخورا جدا بها, فى الطريق الى مسكنه, ولدى وصولنا كانت شقته فى مدينة تسمى إرفنجتون ( Irvington) من ولاية نيوجرسى , وعندما أقول مدينة, فلا يخطر ببالك انى اتحدث عن مدينة كالقاهرة او الإسكندريه مثلا او نيويورك, فكل من اؤلئك يسمى مدينة بالعربية (city) ولكن تلك تسمى (Town) ولا اعرف ان كان لها مرادفا باللغة العربية ربما من الممكن ان نطلق عليها إسم " بلدة", وهى عبارة عن تجمع سكانى أقل بكثير من احد أحياء القاهرة مثلا, ولكنه اكبر بكثير من قرية من قرى مصر, وهذا هو التركيب السكنى فى اغلب الولايات الأمريكيه, غير ان الولايات الأمريكيه أيضا تختلف بعضها عن الأخر, وهذا موضوع اخر, وكان مسكنه من غرفتين للنوم وصالة كبيرة للمعيشة ومطبخ وحمام وكان قد اعد احدى الغرفتين لى ,وبعد ان وصلنا استلقيت على السرير ولم ادرى إلا ونحن فى صباح اليوم التالى , الأحد حين أيقظنى برفع صوت الراديو ببعض الموسيقى, وبدأت أول أيام حياتى فى العالم الجديد, الولايات المتحدة الأمريكية.

يتبع ...........................

اجمالي القراءات 16836