تفاعل مع القراء الكرام وذكريات

عمر الشفيع في الأحد ٠٣ - أغسطس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


 

سادتي القراء والقارئات الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

أشكركم على هذا التفاعل الناقد إيجاباً وسلباً رغم أنه ـ أي التفاعل ـ مازال في بدايته ولكن هناك بعض الأسئلة أحببت أن أقدم عنها مشروع إجابة عسى ولعلّ أن يفيد في الإتجاه الصائب.

1. أشكر كل من رحّب بي كاتباً على هذا الموقع وخاصةًّ الدكتور أحمد صبحي منصور الذي إحتفى بي على طريقته وأنا أعرف فيه ترحابه بالجديد من أشياء الوجود وظواهره وإعطاؤه الفرصة لينمو وأعرف فيه أيضاً ـ من رواق ابن خلدون ـ مقدرته العالية على إدارة الحوار وعدم تدخله برأيه إلا ما ندر. شكراً لكم وشكراً له.

2.القرءان العظيم ميسًّر للذكر في أعماقٍ مختلفة لكل فردٍ أو فئة أو زمرة أو مجموعة من الناس سواء المؤمنين به أو غير المؤمنين إذ أنه خطاب لكل العالمين ومن ضمنهم الناس. وإذا كان بعض القراء يحبون ذكر الأمثلة فإن الراعي يفهم من القرءان ما يكفيه والمتخصص في حقل من حقول العلم ومنها العلوم القرءانية يفهم ما يكفيه أو ما يبحث عنه. وذكرت الراعي ليس لأنه أقل الناس فهماً وإنما هكذا درج الناس عندنا على تمثيل الأدنى في الفهم بالراعي وأهل مصر يمثلون بالبواب. والراعي بريء من هذه التهمة وأقول ذلك عن تجربة لأني كنت راعياً وقد عرفت رعاةً في سهل البُطانة السوداني على قدر من المعرفة التي لا تتوفر لكثير من الدارسين، فقد حفظت في طفولتي سورة التين والزيتون من أحدهم ـ أحمد محمد أحمد تِرفُوب جزاه الله خيراً ـ وما زلت أرددها حتى الآن متنغِّماً بها وفاءً وذكرى لذلك الراعي الحكيم. وتعلمت من أحدهم أيضاً وأنا في بداية التعليم الإبتدائي عناصر كتابة أي موضوع وأذكر أنه ذكر لي المقدمة باسم (براعة الاستهلال) وشرحها لي وما زلت أتذكر المكان والزمان الذي تقابلنا فيه في وادٍ يجري سيله في الخريف والشمس تميل إلى المغيب والغابة تحفُّنا بكل حُنُوٍّ تجود به الطبيعة. أما العوض أحمد كَنًّان عليه رحمة الله فقد تعلمت منه كيفية صلاة العيد إذ فاجأني بها وأنا لا أعرف أن عيد الأضحى قد حلّ في ذلك العمر الغض في طفولتي وكنا نمتطي جمالاً لنا في تلك الأرض الخضراء الآمنة وأتذكر تلك الصلاة التي كان فيها ذلك الراعي إماماً ونحن وحدنا تماماً في مكان لا يوجد فيه بشر ولم ننضم إلى جموع الناس إلا في خاتمة ذلك اليوم الذي تعلمت فيه تطبيقاً مارسته يوماً بعد سنوات طويلة لإمامة عيد على الحدود السويسرية الألمانية. هؤلاء الرعاة يعرفون من القرءان ويفهمون ربما أكثر بكثيرمن دارسين وخريجين.

ما لكم أيها القراء الأعزاء فقد أشجنتم فيّ تلك الذكريات العزيزة لطفولتي التي رضعت فيها حب اللغة والشعر وخاصة الدُوبِيت (تقرأ بإمالتين مثل رواية الدوري) وهو نوع من الشعر السوداني الخالص بعربية فصيحة وتأثير أندلسي على ما أظن وكان ذلك مع والدي عليه رحمة الله الذي علَّمني في فيافي المراعي حروف الهجاء على الطريقة الألفبائية وليس الهجائية كأحسن ما يكون التعليم المتكامل الذي يعلمك دَفْعةً واحدة الصوت وحركته القصيرة والطويلة وهي الطريقة التي يتعلم بها طلاب الخَلوة ( تقابلها المحظرة في موريتانيا والكُتاب في مصر) حتى الآن. وقبل أن أترك ذكر الرعاة والقرءان فقد سمَّعت جزء عَمَّ على يد راعي البقر الذي كان يرعى بقر القرية كله وكان أرترياً أو حبشياً والذي لا أعلمه حتى هذه اللحظة كيف تعرف عليه والدي وكيف عرف أنه يحفظ القرءان فجاء به لأسمِّع على يديه جزء عم في يوم ما زال محفوراً في ذاكرتي وأنا الذي كنت أتوقع أن يكون تسميعي على يد خالي الإمام الحافظ للقرءان. جزي الله ذلك الراعي خيراً وغفر له ولوالدي ولنا ولكم.

نرجع بعد هذه السًّرْحَة (وهي لفظة رعوية) وأقول أن القرءان أعماقه متعددة ولا يحتاج إلى مقالاتي الضعيفة حتى يفهم ويفقه كما تساءل أحد القراء ولا يحتاج إلى كتابات العلماء الأكابر المعاصرين مثل أبو القاسم حاج حمد ومحمد شحرور وعدنان الرفاعي وحسن الترابي وصبحي منصور وسُبيط النيلي وتوشيهيكو إيزوتو وسليمان آتش وعبد الحميد الفراهي وأمين أحسن إصلاحي وتحية عبد العزيز إسماعيل وغيرهم كثير ولكن انتبه أيها القاريء العزيز أن هؤلاء يساعدونك في تعبيد (ما علاقة هذه الدلالة بالعبودية، ذلك اللفظ التاريخي؟) الطريق وزيادة التسارع في التقدم قُدُماً وإختصار المسافات ولك الحرية في أن تستفيد منهم أو من أحدهم أو أن ترفضهم.

والذين يتحدثون عن سهولة فهم القرءان فَهُم يتحدثون في الغالب عن الطبقة الأولى السطحية التي غالباً ما تكفي معظم الناس ولكن ما المانع أن يغوص بعضنا إلى طبقاتٍ أعمق بمناهج تدبر ينبجس منها فهمٌ جديد يكون في متناول اليد لمن أراد وشاء.

3.ومناهج التدبر عديدة بيد أني أرى ـ وأرجو أن أكون صائباً ـ أن (فقه اللسان) هو حجر الزاوية بلغة أهل المعمار في بناء كل المناهج التدبرية واللسان أعمق في معناه مما يتبادر إلى أفهامنا لأنه هو الرابط بين العلامة واللهجة واللغة والأسلوب إذ أنه في المقام الأول برنامج زرعه الله سبحانه وتعالى في كلٍّ منَّا ومثله مثل أي برنامج Sotfware (وأقول مثله وليس هو) يحتاج إلى تفعيل يبدؤه الطفل في مراحله الأولى. وهذا البرنامج يتعرًّض إلى تشويه عند من يدرسون مناهجنا الدراسية في العالم العربي ومن ينظرون كثيراً في المعاجم العربية إعتقاداً في صِحَّتِها الكاملة وقد حمى الله أولئك الناس الذين نسميهم العامة من معظم هذا التشويه وهم غالباً على فطرة هذا البرنامج اللساني الرباني متتبعين معاني الجذور الأولى في إشتقاق ألفاظهم الجديدة التي يفرضونها على مجامع اللغة الحية في كل بلاد الدنيا والميتة فقد في عالمنا العربي. أنظر عزيزي القاريء المحب لضرب الأمثلة إليهم كيف أنهم اشتقوا لفظة التعشيق في السيارة من العشق في معناه الأصلي قبل أن يطلق على تشابك مشاعر الحبيبين وقد يشتقون صياغة أخرى من هذا الجذر إذا جاءهم شيء أو مفهوم تتماثل حركة دلالته مع حركة دلالة العشق في أحد اتجاهاتها. ولذلك أري أحياناً أن لسان العامة يمكن أن نفهم به القرءان أكثر بكثير من اللغة التي سجلتها المعاجم، وخبرتي تنحصر أساساً في اللسانين العاميين السوداني والمصري مع معرفة قليلة ببقية الألسنة العامية الأخرى وأقول مطمئناً أن الناس في الوطن العربي يتكلمون المعاني غالباً على فطرتهم إلا من تشويه قليل جاءهم من ألسنة وسائط التعليم والإعلام. وللعالم الجليل عبد الله الطيب رحمه الله تدبر كامل للقرءان العظيم بلسان العامة ألقاه على الجمهور السوداني الذي تفاعل معه حتى اكتمل في الإذاعة السودانية.

4.ويبقى سؤال ما هو الهدف من هذه المقالات كما تساءل قاريء حصيف وأظن أن الإجابة قد وضحت ولكن دعونا نصيغها بأسلوب آخر أرجو أن يكون بسيطاً لا يشتكي بعض القراء من وعورته. المقصد الأساس منها هو حثكم على البدء في تأسيس لسانيات قرءانية تهتم أساساً بالتدبر القرءاني وربط عالم الخلق بعالم الأمر وزيادة الإيمان بأهمية الإبداع بمعناه الشامل، هذا المعنى الذي أبدع فيه الدكتور يحيى الرخاوي وهو بالمناسبة كان أستاذي في كلية طب القصر العيني. والمؤمل أن يؤدي هذا المنهج مع غيره إلى إيضاح الطريق الإلهي للهدى الذي عاقبته التقوى بتوضيح أعماق جديدة للقرءان العظيم الذي لن نلم بكل أعماقه ولن نصل لتأويله الكامل.

5.أما الإخوة الذين اشتكوا أن أُسلوبي لا يشم رائحة السهولة ولا يقترب منها فأقول لهم كنت أود لو أنه كان سهلاً كما تبتغون ولكن هكذا جرت الأمور وحدد لي الموضوع مصطلحاته وأسلوبه إلا أني سوف أحاول أن أستفيد من نصائحكم وأعوِّد نفسي على السهولة أحياناً ممازجاً بين أنيس منصور الذي إنزعج عندما أعجبت مقالته العقاد الذي يظن أنيس أن له من اسمه صفة في أسلوبه وبين حسن الترابي الذي طالب القراء بأن يرتقوا إلى أسلوبه التجريدي ذي الصياغة الدقيقة. أما ضرب الأمثلة وتوسيع الفقرات فهذا يحتاج إلى بحوث وليس مقالات كتبتها لكم وليس لأحمد صبحي منصور وقد أردتها أن تنقل لكم الفكرة الأساس حتى تعملوا على تقييمها وتقويمها وتوسيعها والمشاركة فيها.فهذه دعوة لكم أيها الأعزاء للتفاعل بأن تكملوا وتسددوا وتقاربوا وغفر الله لنا ولكم وبعد كل هذا فسوف أحاول أن أزيد الأمثلة إن شاء الله.

و شكراً لكم سادتي الأعزاء.

والسلام خير ختام.

اجمالي القراءات 10146