حسن ومرقص فيلم قتلته نهايته

خالد منتصر في الخميس ٢٤ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

برغم تقسيم المشاهد بالمازورة أفلت إيقاع الفيلم من السيناريست والمخرج.
* وحشنا عادل إمام مع وحيد حامد وشريف عرفه.
* محمد عادل إمام نجم قادم بقوة حطم نظرية فشل التوريث الفنى.

حسن ومرقص فيلم كتبت نهايته.... نهايته، فيلم أنهته وأنهكته نهايته، فيلم كان من الممكن أن يكون جيداً بل ممتازاً ولكن للأسف قتلته وإغتالته النهاية!، بذرة فيلم جيدة ماتت بسماد مضاعف وكيماويات مبالغ فيها، إختنقت البذرة كما تموت ثمار المانجو عندما تغمرها بالمياه عمال على بطال!، جنين جميل كان يحتاج إلى حضانة فألقيته فى بلاعة!!، ظللت أردد هذه العبارات بعد خروجى من صالة السينما متحسراً على مشروع فنى مبشر و فكرة فيلم ممتازة، باظت طبختها ببهارات النهاية الثقيلة "البزرميط"!! ولكى نفهم كيف كانت النهاية فاشلة فنياً علينا أن نحكى من البداية.
الفتنة الطائفية سيناريو مرعب يخشاه كل مصرى مهموم بمستقبل المحروسة، وعادل إمام فنان مصرى مثقف لديه ترمومتر حساس يقيس بدقة هموم وطنه ودرجة حرارة المخاطر المحدقة به، ولكن المشكلة التى أصبح يواجهها الفنان عادل إمام هى أنه بات يطلب من السيناريست يوسف معاطى قائلاً " عايزين فيلم عن كذا " وكان هذا الكذا هو الفتنة الطائفية، فينفذ يوسف، وهنا تبدأ الفكرة من النجم ويبدأ السيناريست فى صناعة جسم فنى على هذه الفكرة، ولكن عندما تكون الفكرة فضفاضة بهذا الشكل تتحول الشخوص إلى أنماط، ويتحول الأبطال إلى مجرد أبواق للفكرة بدلاً من أن يكونوا أناساً طبيعيين من لحم ودم، وهذه هى المشكلة، فعندما تسيطر الفكرة وتتوارى الدراما فى الخلفية نرى نماذج مسطحة لاتعرف عمقاً لها ولا خلفية إجتماعية ولا إهتمام بتفاصيل إنسانية فهى فى النهاية أنماط و" ستيريوتيب" كما ذكرنا، وهنا مكمن الفشل الرئيسى، لأن التسلسل الطبيعى أن يقدم السيناريست فكرة تشغله وتؤرقه للنجم، خطوطها العريضة تحتل عقله منذ فترة طويلة، وأبطالها يتحركون على الورق ويفرضون تفاصيل حياتهم على خلايا إبداعه بل وينامون معه على سريره، ثم يقدم كل ذلك للمخرج والمنتج ثم يأتى ترشيح النجم وهذا بالطبع صار مستحيلاً فى سينما هذه الأيام وخاصة مع النجم عادل إمام.
بولس أستاذ اللاهوت المستنير وعائلته تتعرض لخطر المتطرفين المسيحيين، وأيضاً الشيخ محمود العطار الرجل المتدين المتسامح الذى يؤدى دوره عمر الشريف يتعرض لخطر الجماعات الإسلامية المتطرفة التى لاتسامحه على رفضه لإمارة الجماعة وإنخراطه فى سيناريوهاتها المدمرة، يتخفى بولس فى ثياب حسن، ويتخفى محمود فى ثياب مرقص، وبالطبع تولد الكوميديا من رحم المفارقة التى حاول يوسف معاطى إضفاء الصرامة الهندسية السيمترية عليها ولكن هذا السيناريو الهندسى فشل معاطى ورامى إمام على الحفاظ على إيقاعه فى عدة مناطق أفلت الخيط والميزان فيها، فإختل الإيقاع بشدة وإضطرب الفيلم، وكانت منطقة الخلل الإيقاعى ألأولى فى الفيلم عند ذهاب بولس إلى المنيا بأمر من ضابط أمن الدولة عزت أبو عوف، ظلت قصة عادل إمام وعائلته تحتل الشاشة لمدة طويلة لدرجة أن المشاهد ينسى أساساً أن الفيلم يوجد فيه عمر الشريف أصلاً، فأنت ترى عادل إمام بشكل متتابع بداية من نزوله المنيا وإستقبال حسن مصطفى له، ثم اللبس الذى يحدث نتيجة إجباره على الصلاة فى الجامع،ثم تحوله إلى ولى من أولياء الله الصالحين، ثم مشهد طلب الفتاوى من بولس فى الجامع، ثم ذهابه إلى أمن الدولة فى المنيا ظناً منه أنه يتبع تنظيم القاعدة، ثم حواره الطويل مع عزت أبو عوف على التليفون وهو فى حملة أمنية، ثم هروبه من المنيا وذهابه إلى القاهرة للإختباء فى شقة أمام شقة عمر الشريف، هنا فقط بعد كل هذه المدة يظهر عمر الشريف، وبرغم أن الدقيقة فى السينما دهر طويل، فقد كسر رامى إمام الهندسة والسيمترية وتخلى عن تقسيم المشاهد العادل بالمازورة بين البطلين وترك لمشاهد عادل إمام أن تسيطر علينا كل هذا الوقت ضارباً عرض الحائط بالإيقاع الذى هو جوهر أى فن، فكنا كمن يستمع إلى قطعة موسيقية أوركسترالية سريعة يتخللها عزف منفرد لآلة وصمت وخرس لباقى الالات ربع المدة!!، وإذا برر يوسف معاطى ورامى إمام هذا التصرف بأنه تمهيد فنى لابد منه للشخصية التى تواجهها المفارقات، فالرد هو لماذا لم يقدم هذا التمهيد من خلال إستعراض المفارقات التى واجهت عمر الشريف حتى صار مرقص؟!، إننا فوجئنا بعمر الشريف وكأنه شبح قد هبط ببراشوت فى الشقة المواجهة لعادل إمام، ماذا حدث له وكيف جاء وهرب؟، كل هذا لايهم، وأعتقد أن سببه الوحيد هو المجاملة على حساب الإيقاع الفنى.
لم يهرب الإيقاع من رامى إمام المخرج ومعاطى السيناريست فى هذه المنطقة فقط، ولكنه هرب فى مناطق أخرى كثيرة، والمشكلة أن رامى إمام كان يهرب منه إيقاع المشهد الواحد وليس إيقاع الفيلم فقط، فعلى سبيل المثال مشهد طلب الفتاوى فى الجامع طال أكثر من اللازم، خمسة فتاوى أخذت مساحة كبيرة كان من الممكن أن تختصر إلى النصف، ومشهد التليفون مع عزت أبو عوف أيضاً لابد أن يختصر.... الخ، فلابد أن يكون إيقاع الكوميديا السينمائية بالذات لاهثاً وسريعاً، والمهم ألا يصعب على المخرج مونتاج مشاهد مادامت تخدم الإيقاع العام للفيلم وتضبطه، وهذا ما يؤخذ على المخرج رامى إمام فى هذا الفيلم الذى أفلت منه وتسرب من بين أصابعه، فدخلت نغمات نشاز فى المقطوعة وفقد الهارمونى.
توهج الفيلم كان فى العلاقة التى نشأت بين حسن ومرقص بعد عودة الأول من المنيا، فهى أفضل مناطق الفيلم وأكثرها إنضباطاً وتناسقاً، تناحر الجار المسيحى مع المسلم، الضغائن الصغيرة التى تتنامى حتى تتحول إلى ديناصور يلتهم الأخضر واليابس، أخوة المسلم مع شقيقه القبطى ومشاركته فى المخبز، والحقد على هذه الأخوة من الذين يفهمون الدين بشكل قبلى عنصرى حزبى، كل هذا تم على خلفية رغبة زواج إدوارد إبن الجواهرجى يوسف داوود من شيرى بنت عمر الشريف، هى تتقمص دور المسيحية بنت مرقص، وتحب جرجس المتقمص دور عماد إبن حسن!، من خلال تلك المفارقات الذكية يتم نسج أجمل مناطق الفيلم وأكثرها براعة على كل المستويات بداية من الكتابة وحتى الإخراج، مروراً بالتجسيد البارع لعادل إمام وعمر الشريف والمتألق محمد إمام الذى نضج وقفز خطوات أفضل بكثير وأبعد بمراحل من دوره فى يعقوبيان.
تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن، ويقطع السيناريست والمخرج هذا الكليماكس ويدمرا هذه الذروة المتوهجة بإلقاء جردل مياه باردة جداً فنياً، حين يقررا فجأة أن يذهبا للإسكندرية برغم توافر التصاعد الدرامى والبذور الجنينية لأحداث أكثر توهجاً ستؤدى بالضرورة إلى نفس فكرة النهاية ولكن بشكل إنسانى أفضل، شكل غير زاعق وغير خطابى، وسأقدم حيثيات إتهامى لهذه النهاية الفجة التى لو كانت مختلفة لأصبح الفيلم من أهم الوثائق الفنية المصورة فى تاريخ الفن السابع، ولكننا دوماً عباقرة فى إضاعة الفرص، وهذا الفيلم فرصة ضيعناها لصناعة فيلم جميل.
[النهاية فتنة طائفية وحرائق ومشاجرات فى الإسكندرية تنتهى بجروح دامية فى وجه وجسد حسن ومرقص، ولكن المهم كيف جاءت النهاية؟، فجأة نرى عادل إمام وعمر الشريف فى الإسكندرية بعد مشاجرة القاهرة وتحطيم المخبز، ثم نجدهما فى شقةواحدة،وينمو الحب بين إبن حسن وبنت مرقص، وفجأة أيضاً وبلا أى مقدمات منطقية نجد خطب جوامع ومواعظ كنيسة تهاجم وتشعل النيران، ثم إذ فجأة نجد مظاهرات وحرق ومشاجرات، والسؤال المهم الذى يفرض نفسه ألم يكن من الأجدى والأصدق والأكثر تأثيراً أن تنمو أحداث القاهرة وتتصاعد لتنتهى بفتنة طائفية ومشاجرات، وكانت هذه المشاجرات والحرائق نتاج طبيعى لتصاعد الأحداث، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
أنا لا أفرض نهايات على السيناريست أو المخرج، ولكنى أعرض النهاية الطبيعية وأرجو مقارنتها بالنهاية الفجة الخطابية الحنجورية التى قدمها الفيلم، من الطبيعى جداً أن معظم الفتن الطائفية نتاج أحداث تافهة، مثل قصة حب بين مسلم ومسيحية مثلاً أو محاولة بناء كنيسة....الخ، والسيناريست إلتقط قصة الحب مابين إدوارد إبن الجواهرجى وشيرى إبنة عمر الشريف، وكان رفض عمر الشريف له حافزاً لإدوارد لكى يراقب تحركات شيرى وإكتشاف قصة الحب مابينها وبين إبن عادل إمام، من هنا تبدأ الشرارة التى كان من الممكن أن تستغل وتتصاعد كنهاية طبيعية وإنسانية.
ومقبولة للفيلم، لكن أن تحدث فى الإسكندرية بهذا الشكل المفتعل المصطنع، فقيمة الفيلم الحقيقية كانت فى أن الفتنة أصبحت صناعة مجتمعية من الناس وليس من رجال الدين فقط، وهذا هو الجديد الذى ضيعته النهاية الزاعقة التى ركزت فى مشاهد مستهلكة على أن رجال الدين هم صناع الفتنة فقط، أما إخراج المشهد نفسه فقد كان بعيداً عن العمق والجمال الفنى بل كان ساذجاً وتقليدياً وقارنوا ضربة وجه عادل إمام بضربة المليجى فى نهاية الأرض وقارنوا مظاهرات الإسكندرية بمظاهرات يعقوبيان لتعرفوا الفرق بين الإخراج المدرسى والإخراج الإبداعى، وإذا كان السيناريست قد إستوحى المشهد من حادث المختل عقلياً فى الإسكندرية، فإن هذا المختل كان إفراز مناخ كامل من الإحتقان وليس نتاج بعض الهتافات والخطب الزاعقة، والأهم أن ماشاهدناه بعيد كل البعد عن هذا الإيحاء. أخيراً بعد هذا الفيلم أهمس فى اذن الفنان عادل إمام وحشتنا مع وحيد حامد وشريف عرفه.

اجمالي القراءات 13590