الفلسفةالاسلامية 3
ما زلنا نناقش المرحلة الانتقالية التي ولََدت فيما بعد الفلسفة العربية الاسلامية الاولى .وبعد أن وضحنا مسلمات الفلسفة الاسلامية القرانية في المقالة السابقة والتي ستكون الاساس الذي ستنطلق منه بدايات المقولات الفلسفية الاسلامية ..في هذه المقالة لابد لنا من ان نعرج على موضوع أساسي ،ونعتبره المقدمة لعلم الفلسفة ،ألا وهو علم الكلام في الثقافة الاسلامية .كُتب عنه الكثير من المقالات من على هذا الموقع ولن اقوم بإعادة انتاج ما كتب يمكن ل&;لمهتم العودة الى تلك الكتابات وخاصة فيما يتعلق بعلم الكلام المعتزلي".كانت التحولات الكمية المعرفية في حركة المجتمع الاسلامي من خلال سيرورتها قد أدت فيما بعد الى تحولات كيفية من الناحية السياسية والاجتماعية والفكرية ،وأكثر الاشكال التي عبرت انذاك عن تقدمية هذا الفكر هو علم الكلام بشكل عام ،وإذا أخذنا بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية والسياسية في العصر الاموي ،والتي نشأت عنها تحولات فكرية جديدة ،بحيث يمكننا التأكيد على أن العصر الاموي ولد ثلاث تيارات فكرية شبه متصارعة ،وهي فكر الامويين ،وفكر العلوين والشيعة ،وفكر الخوارج .... وكانت اولى القضايا الفكرية التي تمت معالجتها هي موضوعة القضاء والقدر ،واحتدم الجدل حول هذه القضية ،وكانت اشكال الصراع الفكري في بدايتها غير منظمة الى أن تبلور في النهاية هذا الصراع الى علم الفقه المستقل ،وعلم الكلام ،الاول تخصص في دراسة الاحكام الشرعية ،اما الثاني لدراسة أصول العقائد ،وقد قطع علم الكلام في النهاية مرحلتين رئيسسيتين خلال سيرورته ،وهما علم الكلام المعتزلي ،وعلم الكلام الاشعري . وحتى نكون من المنصفين فقد تناولت بعض الدراسات التراثية من قبل المستشرقين وجود علم الكلام للشيعة ،والخوارج، والمرجئة ،والجبرية، والصوفيين ،لكننا نستطيع تقسيم علم الكلام فيما بعد الى اتجاهين .اتجاه عقلاني ،ويعتمد العقل اساساً لتحصيل المعرفة في العقائد والطبيعة والمجتمع ،والأخر يعتمد المعرفة الغيبية .والسؤال المطروح والهام هل يمكن أن نعتبر أن علم الكلام فلسفة كما عُرفت الفلسفة ؟ الجواب برأي الباحثين وخاصة المستشرقين الذين تناولوا هذه القضية بالبحث والتدبر وبناء على ما توفر لديهم من وثائق تاريخية ...نستطيع ان نقول نعم.. ولا.... وبرأي هذا يعني أن علم الكلام قد تداخل مع علم الفلسفة . والفرق كون علم الكلام مارس التفكير الفلسفي كوسيلة لبحث القضايا المطروحة في المجتمع انذاك متخذا شكل البحث الديني في العقائد الاسلامية بحيث يمكننا تصنيفه كعلم اللاهوت الاسلامي وتجاوزا (علم اللاهوت الفلسفي) وانطلق علم الكلام بعد أن استوفى نضجه من القضايا الاجتماعية المثارة انذاك .اما علم الفلسفة فقد انطلق من المفاهيم ولم ينطلق من القضايا الاجتماعية ،والفلسفة لم تتخذ من عقائد الاسلام قاعدة للبحث ،وخاصة في مراحلها الاولى ولكن مع ذلك نستطيع تسميتها بأنها فلسفة توفيقية ،بحيث شاء أم ابى الفلاسفة الاوائل وأقصد الكندي وغيره انذاك فقد أضطروا الى جانب دراسة المفاهيم العروج على بحث العقائد ايضاً . والباحث في هذا المجال لابد أن يضع امامه الخريطة التاريخية ،وذلك للوقوف على الفترة الزمنية التي ظهر فيها علم الكلام ،والفترة التي ظهر فيها علم الفلسفة ،ودراسة التأثيرات الخارجية على كل من العلمين . الوثائق التراثية تؤكد أن بداية ظهور علم الكلام بدأ من النصف الاول للقرن الاول الهجري ليمتد الى نهاية القرن الثاني ، أما علم الفلسفة الذي تداخل مع علم الكلام وبدأ يأخذ منحى الاستقلالية عنه بداية القرن الثالث الهجري.وهنا لابد من التأكيد أن اساس علم الفلسفة قد بني على أيدي اصحاب علم الكلام ، وكون الفلسفة قد نشأت فيما بعد كان ذلك تعبيراً عن حاجة المجتمع انذاك وخاصة ان علم الفلسفة قد نشأ ابان الحكم العباسي، وفعلاً لم يكن ذلك مصادفة ،ولا حالة فردية استثنائية بل كان نتيجة لحركة المجتمع انذاك بمضمونها الشامل ، وهنا لابد من دحض راي بعض المستشرقين بأن الفلسفة العربية الاسلامية التي بدأت بالظهور في ذلك العصر ما هي إلا الفلسفة اليونانية نفسها بلغة عربية. والأصح كما سنبرهن في المقالات القادمة أن الفلسفة العربية الأسلامية عبرت عن حاجة مجتمعاتها ،واستفادت من التفاعل مع ثقافات سائر الشعوب التي دخلت في تركيب هذا المجتمع وتكونت منها ومن الشعب العربي الخريطة الاجتماعية لدولة الخلافة الاسلامية.
وقد يتبادر الى الذهن سؤالاً هاما ألا وهو ،هل علم الكلام انتهت مهمته بعد نشوء علم الفلسفة ؟ هنا أحب التأكيد على مقولة لماركس قوله" لا يخرج الفلاسفة من الارض كما تخرج النباتات الفطرية ،وانما هم ثمار عصرهم وشعبهم" ولا ننسى القول الرائع خذ الحكمة من أي وعاء كان لإن الحكمة ليست ملكاً لأحد . فعلا صدق ماركس أن الفلسفة وعلم الكلام كانا التعبير عن الوضع الاجتماعي الذي عاشته المجتمعات العربية والاسلامية . لهذا لو بحثنا من ناحية سياسية لوجدنا ان علم الكلام كان قد ظهر في وقت قوة الدولة الاسلامية السياسية وسيطرتها الكاملة على كامل مساحتها . بينما القرن الثالث وبداية ظهورالفلسفة الاسلامية ترافق مع قضايا اجتماعية مستجدة حيث بدأ بضعف للدولة الاسلامية وامتاز بأشكال متنوعة من الانتفاضات والثورات والحركات الاجتماعية ،وأخذ النظام الاجتماعي يتعرض للاهتزاز والاختلال والتصدع في مرتكزاته الاساسية التي تتكون منها ايديولوجية الدولة . وأقصد ان هذه الايديولوجية قد أخذت تنحدر من اعلى مراحلها قوة ومناعة الى مرحلة اصبحت فيها عاجزة عن فرض سيطرتها ذاتها أو فرض اطارها اللاهوتي .وإذا أضيف الى ذلك التفاعل الحي والخلاق بين الثقافة العربية في مرحلة نموها ..وبين علوم الاوائل ..العلوم الطبيعية والفلسفة الذي أخذ يتعمق في شكل تحولات نوعية ،مما حدى بالمفكرين المسلمين التأمل باتجاه الطبيعة والفلسفة متخطين التفكير التاملي الخاضع لسيطرة التوجه اللاهوتي . ومع ذلك لايمكن أن نتكلم عن استقلالية كاملة للفلسفة عن علم الكلام ،وخاصة علم الكلام المعتزلي الذي حضن الفلسفة لسنوات ،وكان بمثابة الحاضن لهذا العلم الجديد.والذي بقي دائما محافظا ،وخاصة في بدايته على يد الفيلسوف الاول الاسلامي الكندي على نطاق المنهج اللآلهي في المقولات الفلسفية..
المقالة القادمة ...الدخول الىعالم الفلسفة الاسلامية والمقولات الفلسفية.
ملاحظة:
مراجع البحث ستذكر بعد انتهاء البحث