مغالطات في المنطق

محمود دويكات في الأربعاء ١١ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

------ كنت قد كتبت هذا المقال في مكان آخر (لذلك طريقة الخطاب ليست من مستوى هذا المكان الكريم)  و أنا انقله هنا للفائدة : معلومات هذا المقال متاحة عبر الانترنت لمن يريد ان يبحث تحت عنوان logical fallacies - للاسف لازال العرب و كأنهم لا دخل لهم بالثورة المعلوماتية لذا أوردت التسميات باللغة الانجليزية لتسهيل البحث عبر الشبكة.

------------
عند قراءة ما يكتبه البعض و بخاصة الردود لاولئك الذي يتصدون للدفاع عن "ما وجدنا عليه آباءنا" ، ينتابني شعور بأن الذين يكتبون هم مجرد أناس قد استثارتهم الحمية ـ فطفقوا يكتبون بدون إعمال فكر في منطقية ما يكتبون ، و هذه المصيبة في الواقع ليست مقصورةعلى هؤلاء بل تستشري في معظم الكتاب (استثني من يكتب بهدف التهكم و خلافه) . حيث يحاول الكاتب أن يكتب في موضوع له عمق فكري ذو أهمية ، و عادة لا يعطي بالا "لمنطقية" ما يكتب ، بل تراه يغلق عقله و يوغل في نقد و جرح الاخرين في حين انه أوهم الناس أنه يدافع عن فكرة معينة ، فإن كان قاصدا ذلك فحسابه على الله ، أما إن كان يهرف بما لا يعرف فهذه هي المصيبة .

للفائدة العامة سأحاول أن أطرح للقراء بعض المغالطات المنطقية و التي يكثر الكتاب "العرب خاصة" في الوقوع فيها (بقصد أو بغيره) ، و سوف نرى كيف يتوهم (أو يوهم ) هؤلاء "الكتاب" أنهم خرموا التعريفة في حين أنهم في الواقع يثيرون شفقة الكثيرين ممن يستخدم نعمة العقل و المنطق التي جعلها الله من شيم بني ءادم:

 1- مغالطة الجدل بالشخص Ad Hominem و هي مهاجمة الشخص أو الجماعة (أو كل ما يتعلق بهما) و العزوف عن الفكرة الاساسية المطروحة. مثلا: عندما يطرح شخص فكرة معينة – تجد الطرف الاخر يسارع الى اتهام ذلك الشخص بشيء قد يكون فيه أو ليس فيه و ذلك بهدف تشتيت الفكرة أو تحجيمها. و هذه المغالطة هي الاكثر رواجا بين الكتاب و المجادلين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2- مغالطة تغيير شروط اللعبة Moving The Goalposts
إيهام المستمع أنه إذا كان المناقش يناقش عمرا ً فإن عليه أيضا مناقشة زيدا .
مثلا عند مناقشة أن الاحاديث ليست جزء من الوحي ترى المناقش يطلب : "طب حنصلي إزاي؟ " و الهدف نقل الجدل من نقطة الى أخرى بهدف تشتيت المناقش.
3- مغالطة اجماع الامة Common Sense
و هي الحجة بقولين، إما هذا ما وجدنا عليه آباءنا - أي افتراض الصحة في ما أجمع عليه سابقا ، أو القول بأن الامة قد أجمعت على كذا و كذا (دون الاهتمام بصحته)ـ و هذا يفترض شيئين : أن الامة شخص واحد له رأي واحد، و أن ما أجمعت عليه الامة صحيح. وقد ركز القرءان على هذه المغالطة بشكل مسهب من خلال القصص القرءاني إلا أن المسلمين ما زالوا يتخذونها منهجا.

4- مغالطة عكس المنطق Logic Reversal
إالتوهم أن الاول يؤدي الى الثاني ، فإن وجود الثاني يعني بالضرورة وجود الاول.
و هذه أيضا مغالطة مشهورة، فمثلا: أعداء الاسلام يهاجمونه بنقض مصادره ـ فإن قام شخص معين بنقض أو مناقشة "مصادر – إن صحت التسمية"-  الاسلام فلا بد أن يكون عدوا له. (وهذا طبعا ليس صحيحا بالضرورة ).

 5- مغالطة الجنوح الى التعقيد Appeal To Complexity إذا كان المناقش لا يفهم نقطة معينة فيستنتج أن الاخر لا يلم بها أيضا، و هذا شائع جدا ـ فالكثير يرد على بعض الحجج بمقولة: (هل أنت أدرى من هؤلاء العلماء الذين وهبوا حياتهم لهذا الدين؟) – فالمناقش يحاول إيهام المستمع أن الطارح لا يمكن أن يصل الى فهم تعقيدات محتكرة على أناس آخرين. أو أن الموضوع معقد جدا لدرجة أن الطارح لا يمكن أن يدلي بدلوه فيه.
6- مغالطة تحميل الوزر Disproof By Fallacy
إيهام المستمع أنه بسبب وجود جملة خطأ أو مغلوطة في نقاش ما فإن كل ما في ذلك النقاش خاطيء ، و هذه من الاكثر شيوعا بين العرب خاصة حيث أن البعض يعزف عن القراءة لمجرد أن الطارح أخطأ في جملة نحويا مثلا أو احصائيا أو غيره. فتراه يحمل وزر ذلك الخطأ لباقي النقاش.
7- مغالطة التسخيف Reductio Ad Absurdum
ايهام القاريء أن النقاش قد يوصل الى نتيجة سخيفة و بالتالي فالنقاش نفسه سخيف، مع أن هذه قد تكون ذات جدوى و أهلية إلا أنها قد تستخدم لتشتيت التركيز ، مثلا: نقاش يخوض في تقديس المرجعيات قد طرح فيه حديث اللحى بعض الناس قد يقول: "الناس وصلوا القمر وهؤلاء الناس بناقشوا موضوع لحية الرجل ".
8- مغلوطة استثناء الوسط False Dichotomy
إيهام المستمع أن هناك فقط خيارين لا ثالث لهما في حين أن الحالة قد تحتمل متصل من المتغيرات ، مثلا: إما ان تكون من جماعة منكري السنة أو من جماعة مقدسي السنة ، يعني يا معنا يا علينا! و كأنه لا مجال متصل بينهما.

 9- مغلوطة حتمية البرهان Burden Of Proof: إيهام المستمع أنه إذا عجز الاول عن إثبات نقطة معينة ضد الثاني فذلك دليل تلقائي على صدق الثاني. وهذا طبعا كلام فارغ ، لأنه عدم وجود دليل لا يعني دليل عدم وجود. إلا إذا كانت قواعد اللعبة من الاساس تفترض ذلك.
10- مغلوطة السؤال المحرج Rhetorical Question
إيهام المستمع أن الاجابة على سؤال (مفلسف و محرج) لها علاقة بالموضوع المطروح. مثلا: لشخص يناقش بصحة الاحاديث قد يطرح البعض سؤالا: " و من أنت حتى تنتقص من رسول الله؟ " وكأن الطارح كان يناقش شخص الرسول عليه السلام.
11- - مغلوطة إطلاق صحة العموم على التفصيل Fallacy Of The General Rule
وذلك بإيهام المستمع أنه إذا كانت قاعدة صحيحة بشكل عام فإنها صحيحة في كل الحالات منفصلة. فمثلا إذا كانت الاحاديث بشكل عام تدعو الى مكارم الاخلاق فإن كل الاحاديث منفصلة تدعو الى مكارم الاخلاق.
12- مغلوطة الصحة بالتزكية Genetic Fallacy
و هي إيهام أن جملة ما صحيحة لمجرد ورودها في مصدر معين أو من مكان معين أو من شخص معين ، فمثلا لبعض الناس إذا نسب إي كلام لصحابي فتراه يقول سمعنا و أطعنا بدون أدنى نقاش. طبعا هذه قد تكون قاعدة في النقاش: مثلا كل شيء ورد في القرءان فهو صحيح أو صالح (بتصريف ما) ، إلا أن المشكل وجهان أوله عادة يكون أن لا وجود لمثل هذا اتفاق بين المتحاور وذلك عادة للتعذر ، فمثلا لا أحد يستطيع أن يفترض أن كل الاحاديث الواردة صحيحة بمعنى الكلمة و هذا بالرغم من امكان ذلك نظريا و لكنه قد يؤدي الى نتاج عكسي و تناقضات عندهم. وثانيه مقدار الصعوبة على اتفاق موحد على التفسيرات المختلفة و ذلك سببه عدم توحيد المرجعيات و بالتالي تعدد وجهات النظر. 
13- مغلوطة التماس العطف Appeal To Pity
وهي استغلال المشاعر لإيهام المستمع بصحة ما يقال ، مثلا أن يكثر شخص الحديث عن أنه ملاحق هو و جماعته لذا لا بد أن يكونوا على صواب . أو أن يوهم المستمع أنه إذا كان الطارح على صواب فستكون حياته في جحيم مثل :إن كلام فلان يدخله النار!
14- مغلوطة القياس الخاطيء Bad Analogy
بأن يستنتج شيء قياسا على شيء قد لا يكون له علاقة : مثلا فلان صحب علان وكان لهما نفس الافكار ، فأعلن علان النبوة ، و بالتالي فإن فلان لا بد أن يسلك نفس الطريق أو أن يكون متأثرا بذلك.
15- مغلوطة التفكير النمطي Cliché Thinking
وهي استخدام كلام أو مثل مشهور على أساس أنه صحيح دائما - مثل تعميم مقولة  الخيرة في ما اختاره الله على كل ما يواجهه الناس من تعاسة - و هذا فيه تناسي لحقيقة أن الاختيار(في الدنيا) انما جعل (جيم مضمومة) بيد البشر انفسهم و ليس بيد الله خلا كونه أمرا قسريا و بناء على ذلك سنحاسب.

 16- مغلوطة التحول Statement Of Conversion إيهام المستمع أنه كان يؤمن بشيء و الان قد تحول عنه لذا فهو يستحق لقب كفء (أو خبير) بالحديث عن ذلك الشيء . و هذه شائعة جدا ـ مثلا: أنا كنت أعرف فلان ـ و بالتالي استنتج انه"الان" نصاب. أو: كنت مسيحي و صرت مسلم و بالتالي أنا استطيع القول أن المسيحية ليست جيدة ، طبعا هذا كلام فارغ. وليس بالضرورة صحيح بل هو فقط وجهة نظر شخصية.

و الحقيقة أن المجال للاسف يتسع للكثير من المغالطات التي تظهر كأنها منطقية للبعض في حين أنها ليست بالضرورة صالحة ، و في الختام نرجو من الله العفو و العافية و ثبات العقل أيضا لنا و للاخر.

اجمالي القراءات 25670