أنا لست ممن يرفضون الفن ولكن..

صلاح النجار في الأربعاء ٢١ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

1:الفن أحد المواهب التى يتميز بها الإنسان وهو مهارة ينفرد بها مثل الكلام والتفكير وحرية الأختيار فهو الحيوان الوحيد الذى يتكلم ويفكر ويبدع.
فالفنون كلها مهارات طبيعية نولد بها..وهى بعض عطايا الله ونعمه.
2:ولكن الإنسان ولد حرا ومختارا وخطاء ومتمردا لم يوظف تلك المهارة دائما فى الخير وأنما انحرف بها احيانا إلى الهوى والغرض والغواية وإلى مجرد جلب الشهرة والجاه والتأثير احيانا بالنفع وأحيانا بالضرر فى الآخرين.
فالفن الذى يربى العواطف رأيناه فى اكثر الأفلام &Ccededil;لسينما يلعب بالعواطف ويلهو بالعقول والشعر الذى يسمو بالوجدان رأيناه فى أكثر الأغانى يهبط بالوجدان ويسفل بالمشاعر والموسيقى التى ترتفع بنا إلى آفاق الجمال والتأمل رأيناها تبط بنا غلى الترقيص وحركات النسانيس وقل اكثر من هذا فى هزليات المسارح وفى الحوار البذئ وفى المشاهد المسفة..وفى عروض اقرب إلى الأفعال غالفاضحة فى الطريق العام.
ولن الفن يدخل لنا خلسة من تحت الباب وفى الصحفية اليومية والكتاب ويتسلل ألينا فى غرفات النوم فى التلفزيون والكاسيت..فقد تحول إلى وسيلة جهنمية فى تشكيل الجيال وفى تربيتها وفى اتلافها وغسل مخها.
وبهذا اصبح الفنان قادراً على ان يقتل وأن يضيع وان يميت أمة كما أنه قادرا على أن يحيها ويبعثها..
ولأن الفن سلاح قاتل فلا يصح ان يكون حرا حرية مطلقة,وحرية الفنان وحرية الفن دعاوى غير صحيحة,فالفنان حر مسئول محاسب,وكحامل أى سلاح يمكن ان تسحب منه رخصة استعماله إذ أساء هذا الاستعمال.
وكلمة فنان لاتعنى العصمة من المسائلة ولاتعنى الحصانة,بل على العكس تعنى النسئولية ومحكمة النقد وسيف الرقابة وحماية ضرورية للمواطنين.
3:والتلفزيون يحتاج غلى اكثر من هذا لأنه يباشر تأثيره على الطفل الصبى واليافع وعلى المرضى فى اسرتهم وعلى المراهقين فى خلوتهم.
التلفزيون فى حاجة غلى مجلس حكماء يمنع هذا السيل الهابط من الأفلام والعروض المبتذلة والغانى الساقطة والحوار والمسف والرقص البذئ.
وليس هذا كلام فى الدين..وإنما فى اوليات علم الاجتماع.
أما الفنان الذى يسأل ..هل ماأفعله حرام أم حلال؟
فالرد عليه أن يفتى قلبه.
أسأل نفسك هل ماتفعله نافع ومفيد للناس؟ أم تراه ضار بهم؟
وسيعرف أين هو.
لامانع من أن يكسب الفنان ويزداد غنى ولكن من طريق يجعل مشاهديه وقراءه يكسبون هم الآخرون ويزدادون به ثراء.
اما الفنان الذى يهبط بقراءه وينزل بمشاهديه فأن مايأخذه من مال لايدخل فى باب الكسب ولكن من باب النشل.
فما أكثر أمثال ذلك اليوم.فالفنان يمكن ان يكون شريرا فيعبر عن شره فى فنه ومن الأعمال الفنية مايقطر تشاؤما ومنها مايسيل حقدا ومنا ماينبض بالعدوانية ومنها مايحض على الفوضى ومنها مايدعو الى المادية والإلحاد والرفض والعدمية..وأصحاب هذه الأعمال فنانون عالميون من حملة النياشين والجوائز ولهم حياة وشهرة وجمهور.
والذى يسأل هل هناك فن ردئ..وهل يمكن ان يسمى فنا برغم ردائه..أقول بل هو فن ولايمنع على الفن ان يكون رديئا..لأن الفن مهارة يمكن أن يوظفها صاحبها فى الخير وان يوظفها فى الشر..وهى كالقوة العضلية وكحدة البصر وحدة السمع وسرعة البديهة والذكاء وكلها مواهب أحيانا توظف فى الخير وأحيانا للجريمة.
وتوجد امثلة عديدة فى فى مجال الفن منها على سبيل المثال قصص الحب وأغانى الحب.
4:فالحب فى السينما ..فيبدو انه اصبح الآن بضاعة مغفلين.
مامن قصة حب فى السينما إلا ونرى فيها طرفا يستغفل الآخر أو نرى كلا منها يستغفل نفسه ويغلف رغباته بالأشعار والكلام الحلو ويغمض عينيه على الكلام العسل سعيا وراء ليلة لذيدة..والمجرج والمنتج يستغفلان الكل..وكله مكسب..ولاشئ حقيقى..مثل إعلانات التلفزيون تحاول دائما ان تغوينا لنشترى أشياء لسنا فى حاجة اليها ولنجرى وراء بضاعة عندنا ماهو أحسن منها فى بيتنا.
والديكور والألوان والأزياء والموسيقى مؤثرات مثل المخدرات يحاول المخرج أن يحرك بها شهيتنا ويخدر حواسنا ويغسل عقولنا لنرى مايريد هو ان نراه ولنحب مايريد هو أن نحب.
والممثلون يختالون على الشاشة ويقولون كلاما مصنوعا ويتخذون أوضاعا مفتعلة والبطلة تكاد تقع على الرض من فرط الرقة.
لانرى أحدا يتكلم على طبيعته أو يمشى على طبيعته.
وكل قصص الحب تباديل وتوافيق قصة واحدة مملة مكررة..أحبها وتزوجت رجلا آخر أو تزوجها وأحبت رجلا آخر..ابنه ليس أبنه..خيانه زوجيه..غيرة..جريمة قتل..أو ضياع فى البارات بين الخمر والراقصات وحاولة النسيان..ودائما محاولات النسيان لاتكون إلا فى البارات وبين أحضان الراقصات..ولايفوت المنتج أن يمتعنا بتابلوة راقص فى الكابريه..ثم اغنيه عاطفيه فى القناطر..ثم يفاجئنا بلطجى الكبارية ..وسبع الليل عشيق الراقصة..وماتش ضرب..وحادث سياره ..وفقد داكرة..الخ
وفى موسم المخدرات لامانع من فيلم مخدرات.
صناعة استغفال وفن استغفال.
فن زخارف..زخارف أقوال زخارف أفعال..ونقوش على الماء ثم لايبقى شئ.
5:أما الحب الحقيقى فشئ آخر تماما لانجده فى أى فيلم ..الحب هو المودة والرحمة,هو عطاء الفطرة الذى لاتكلف فيه ولاصنعة ولااحتراف,هو صفة النفوس الخيرة وخلة الابرار الأخيار من الرجال والنساء,وهو شئ آخر غير الذى يعرض علينا فى الأفلام,وهو لايوجد إلا فى البيوت الطيبة التى لاتسمع لها صوت ولاتسمع لها سيرة ولاتحكى عنها قصص ولا أخبار.
لاشئ مما نرى فى السينما يمكن ان يبنى بيوتا أو يصنع نفوسا سوية وأنما اغلبها يهدم ويضيع ويقدم نماذج مريضة يظنها الأولاد قدوة فنراهم فى البيوت يقلدون النجوم والنجمات ويتهتكون فى المشية ويغنجون فى النطق ويظنون انهم أصبحوا عباقرة أو قد أخذو نصيبا أو حظا من السعادة.
ولاأجد سببا واحدا معقولا لإعادة أمثال هذه الأفلام فى التلفزيون إلا أن تكون خطة إعلامية مقصودة لتغيب الوعى.
ومن حق المواطن أن يرى فى التلفزيون مايفيده وأن يتجنبه أجهزة الرقابة ما يضره ومايضيعه.
وأذا كان اهمال التلفزيون لهذه الأفلام سوف يؤدى بالسينما إلى الأفلاس فتفلس..فلا غرابة أبدا فى أفلاس صناعة رديئة..ولاضرر فى ذلك بل فائدة.
ولاأعفى الأفلام الأجنبية الشرقى منها والغربى من هذا النقد,وربما كانت اخطر لآنها أشطر فى الحرفة وأمهر فى الصنعة وأفحش فى المضمون..والقليل منها هو الذى يمكن ان يستثنى مثل الأفلام التاريخية والتسجيلية والعلمية فمعظمها جيد ومفيد..
نعم تلك هى الأفلام المفيدة النافعة ولكن فى الأفلام العربية شعار الفيلم الناجح هو الضرب للركب والضحك بالهبل..والى مايشترى يتفرج.
6:ولكن هذا الفن السالب يدخل عند الله من باب الذنب وإن كان فى ناموس الدنيا يدخل فى باب الحسنات ويدخل أصحابه فى باب العظماء.
ومقايسس الدنيا تخطئ أحيانا وهى تتغير دائما فى جميع الأحوال.
ويظل هناك مقياس لايخئ ولايخيب لكل أعمال الأنسان فنيه كانت او فكريه أو فلسفيه أو سياسية أو أجتماعية هو المقياس الذى جاء به القرآن.
(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض)(الرعد:17).
فالفن الخير البناء هو الذى سيبقى الى صاحبه وهو الذى سيغدو له حسنة فى الدنيا وحسنة فى الآخرة.
اما الفن الضار الهابط والهدام..فهو الخسارة والبوار مهما جلب لصاحبه من ثراء ومال ومجد دنيوى ومهما حمل له قبه من جوائز واوسمة ونياشين.
وكم من فنون هى فى النهاية مجرد قتل للوقت ومضيعة للعمر.
وكم من أشعار عظيمة السبك وهى مع ذلك غزل فى المذكر أو مدح لحاكم ظالم أو هجاء موتور أو زهو مغرور أو تأله فارغ.
وهى فن متألق وكلمات تخلب اللب ولكنها فى الآخرة أوزار ينتمى صاحبها لو لم ينطق بها ووصمة ينتمى لو يبرأ منها.
7:واقول فى النهاية للشباب ليس من الخير الأقتداء بهؤلاء الفنانين وليست السعادة فو تتبع آثارهم ولكن يجب القتداء بتلك الجزر الصغيرة من الأمل فى البحر المظلم الذى ارتفع فيه الموج ..جزرا من الخير ..ليس دولا ولكن أفراد وجماعات وأقليات هنا وهناك فى كل مجتمع.
أقليات نذرت نفسها للخير وللعمل البناء.
أفراد وقفوا خياتهم على القراءة والعلم والتامل والتدبر والفكر.
وآخرون وقفوا حياتهم على التجريب فى المعامل والمختبرات والمراصد ومخترعون يبحثون فى حل طلاسم الطاقة.
وزراعيون يبحثون فى استباط العذاء من الصحارى ومن قيعان البحار,وأطباء يسهرون لاكتشاف أسرار الصحة والمرض.
واهل وداعة ينشرون المحبة بالقدوة وبالسلوكية المث3لى وأهل بصيرة يقدمون نماذج عليا نت الايمان والعمل الصالح والحياة البارزة.
وأهل صدق لاتفسدهم رشوة ولاتبدلهم غاية.
ومن أجل هؤلاء يحفظ الله اركان الدنيا ويبقى عليها برغم كثرة المفاسد والانحرافات,لانه من ظهورهؤلاء ومن أصلابهم تخرج صفوة من الهداة والمصلحين الذى ينتقل بهم التاريخ من حال الى حال.
وتبقى فى الذهن صورة عجيبة لهذا الزمن الذى جمع بين اقصى الخير وبين اقصى الشر وبين أقصى العلم وأقصى الجهل وبين اقصى الوفرة وبين أقصى المجاعة وبين غاية الحقد والرفض وبين تعدد وسائل الاستماع ويسر المعيشة وسهولة الإشباع وبين قمة المرح وبين حضيض الأكتئاب.
ذلك الزمان الذى تجد فيه النفس فرصتها اللانهائية لتنفع وتضر وتلك فى نظرى أكبر ميزانية..أنه زمان الفرص.
والسعيد الحق من حاول ان يغتنم فرصه خير ومناسبة نفع وأن يجد موطئ قدم بين الأقليات الذين ذكرتهم ..الأقليات العاملة فى صمت.
ولينسى مؤقتا ماذا يكسب وماذا يخسر..فأن الأغلبية إلى خسارة..وأكثرهم خسارة هم الذين يبدون اليوم اكثر وجاهة وأكثر مكسبا.
وسوف ينسحب التاريخ بساطه فيمحو آثارهم جميعا ولن يبقى فى قائمة الذكر الحسن إلا أنفع الناس.
صلاح النجار

اجمالي القراءات 13031