المسنين
رعاية المسنين

زهير قوطرش في الخميس ١٥ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

رعاية المسنين .

دعاني أحد الاصدقاء ،لزيارة بعض من بيوت رعاية المسنين في البلد الاوربي الذي أعيش فيه،كونه من المشرفين الاجتماعين على هذه النشاطات الانسانية الرائعة .وبدون تردد لبيت الدعوة ،وذلك لسببين ،الاول فضولي ،وذلك لمعاينة ما أسمعه عن مستوى العناية المتقدم في هذه البيوت ،ومن جهة أخرى لا اخفيها عليكم ،أريد أن اطمئن إن مد الله في عمري وأصبحت وحيدا في هذه الحياة على مستقبلي الذي ينتظرني حيث سانهي بقية العمر في أحدى هذه البيوت. في الحقيقة تفاجئت ،بمستوى النظاil;فة أولاً،والرعاية ثانياً ،وإنسانية العاملين ثالثا .والبرامج المتنوعة التي يقدمونها لهؤلاء وفاء لهم ولما قدموه في حياتهم من خدمات لهذا البلد .أنهيت زيارتي ،وكالعادة ،وإن طال زمن الغربة بنا ،واصبحنا من أهل البلد ،لابد أن نسقط كل شيء على واقعنا ونسأل أنفسنا دائما هذا السؤال الذي لايفارقنا ابداً. وهل عندنا /أي في بلادنا لأننا مهما عشنا في الغربة وتأصلت فينا الغربة نبقى على انتمائنا للبلد الأم/ توجد هكذا عناية ؟ والسؤال الثاني الذي سألته لنفسي ...هل رعاية المسنين قضية تراثية وعادة تعارف الناس ....وما هو موقف الاسلام او القرآن منها؟ وهذا هو جوهر المقالة.
وللدخول على الموضوع لابد لنا من أن نتذكر قول الخالق عز وجل في هذا المقام " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون" غافر/67.
من هذه الاية الكريمة نستنتج أن الانسان بحاجة الى رعاية ومساعدة من قبل الأخرين في كل مراحل حياته على هذه الارض عدا مرحلة الشباب والشباب المتقدم،وتختلف هذه المساعدة بأختلاف مراحل العمر وسلامة الانسان من الامراض . لكن ما هي الشيخوخة .؟ الشيخوخة هي كما يقال خريف العمر تأتي هذه المرحلة بعد الشباب والكهولة . والشيخوخة تطور طبيعي يحدث لكل إنسان كتب له العمر .ليس للشيخوخة سن معينة لكنها تختلف حسب المستوى المعيشي والرعاية الصحية وغيرها من العوامل التي لها تأثير مباشر على حياة الانسان ،لكن المتفق عليه هو أن سن الشيخوخة هو سن المعاش أو التقاعد ،وقد قدر هذا السن تقريباً من سن الخامسة والستين الى الأجل المسمى.
إذن السؤال الاساس ما هو موقف الاسلام من هذه الرعاية؟
إن الذين وصلوا الى مرحلة الشيخوخة هم بالأصل آباؤنا وأجدادنا وأمهاتنا وجداتنا ،هم الذين أفنوا العمر والشباب في سبيل تأمين الحياة لنا والراحة ،هم من بنوا وقدموا الغالي والرخيص من أجل سعادتنا في هذه الحياة ورعايتنا ،وتعليمنا .لذلك فإن الاسلام لايعتبر رعاية الشيخوخة نافلة إن شئنا قمنا بها وإن لم نشأ لم نقم بها...بل هي فرض على الافراد والمجتمعات هو فرض ديني واجب ،هو رد الدين الى أصحابه مصداقا لقوله عز من

قائل:"وهل جزاء الاحسان إلا الاحسان" الرحمن /60
"ولا تبخسوا الناس اشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين"هود/85
وقوله عز من قائل ولاتبخسوا الناس أشيائهم، وهل جزاء الاحسان إلا الاحسان .أي لو اسقطنا هذين المعنين على رعاية المسنين ،لكان واجب عينا أن نقدم لهم الرعاية الكاملة والتي تتلخص ب
-الرعاية المادية : وتشمل تأمين السكن اللائق والذي تتوفر فيه اسباب العيش الكريم – تأمين الغذاء المناسب كماً ونوعاً – تأمين الكساء اللائق والمناسب.- تأمين الرعاية الصحية الجيدة – تأمين وسائل الترفيه والانشطة التي تناسب سن الشيخوخة.
اما الرعاية المعنوية.
استشارتهم واحترام ارائهم ،وحتى وغن كانت تخالف أرائنا .- اشعارهم بأنه مازال لهم دور في هذه الحياة – تجنب السخرية منهم والتبرم لإن ذلك يؤدي بهم الى الاحباط وكره الحياة – اتاحة الفرصة الى لقاء الاصدقاء اصدقائهم لتبادل الاحاديث والذكريات لرفع روحهم المعنوية.

وقد عبر القرآن في كثير من الآيات على واجب رعاية المسنين وعلى راس هذه الآيات قوله عز وجل "وقضى ربك الا تعبدوا إلا أياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" الاسراء "23-24.
هذا القول الجامع ،لخص كل ما تقدم من عناية مادية ومعنوية ،عبرت بأبلغ وأوجز بيان عن وجوب رعاية الكبار في السن بدءا من الوالدين إذ حقهما أوجب وانتهاء بكل مسن يحتاج الى الرعاية والمساعدة.
ولعلي أقف عاجزاً امام مشهدين معبرين في هذه الاية الكريمة لكونهما روعة آلهية في دقة التعبير وهذا أكيد لأنهما من قول حكيم عليم. الاول "وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة" حيث الرحمة ترق وتلطف حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عيناً ولا يرفض أمراً وكأنما للذل جناح ،يخفضه إيذاناً بالطاعة الكاملة .
المشهد الثاني قوله"وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً"
هذا المشهد المعبر وهو المرحلة الأخيرة بعد تقديم العون المادي والمعنوي ،يطلب منا عز وجل أي من الابناء التضرع الى الله ،خاشعين راجين أن يتولى ابائهم وامهاتهم بالرحمة الشاملة سواء كانوا على قيد الحياة أو بعد الممات ،واعتبر الخالق أن هذا الموقف هو لرد الجميل الذي قدمه الاباء والامهات في الوقت الذي كان فيه الابناء الصغار ضعافا وبحاجة الى الرعاية .وأعتقد أن هذا الدعاء له جانب أخر أراد الله من خلاله أن يذكرنا دائما عندما ندعوا الله من اجل رحمة الوالدين ونحن في عز الشباب والصحة،أن لاننسى ولو للحظة واحدة بأننا سنصل الى هذه المرحلة إن كتب الله لنا العمر المديد .ولكي نتذكر "كما تدين تدان".
القرآن الكريم وردت فيه الكثير من الايات في هذا المقام .ومنها قوله عز من قائل
"ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير"لقمان/14
"يسألونك ماذا ينفقن قل ما انفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم
".البقرة/215
اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين ،وتولى ابائنا وأمهاتنا بالرحمة ،انك انت السميع المحيب.

اجمالي القراءات 24058