بأي ذنب قتلت
و إذا الوحوش حشرت

محمد البرقاوي في الإثنين ١٢ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمان الرحيم.


السلام عليكم.

في البداية أود أن أقول أن هذه المقالة مجرد خواطر متشابكة لم أستطع فيها مجاراة قواعد اللغة و الكتابة السليمة لهول ذلك لمشهد الفظيع الذي رأيته و لم أستطع نسيانه.

1-يتداول الشبان هذه الأيام مقطع فيديو مرعب حول ثلاث وحوش و أنثى لا ذنب لها سوى كونها أنثى قد أذنبت. يقال أن الوحوش الثلاث هم إخوان تلك الشابة التي قبضوا عليها زانية و حكمت محكمة الشيطان أن تركل بالأرجل و وجهها ممرغ على تراب الأرض ذلا إلى أن تموت, و بالفعل نفذ الإخوة حكم الشيطان و لما أعياهم التعب و لم تمت أختهم, عمد أحدهم إلى قطعة طوب كبيرة لا تقل عن عشرين كيلوغرام و هشم بها رأس أخته الذي انفجر و سال منه الدم مسرعا بينما وقف الجمهور الحاضر ساكتا أو مصورا الحادثة بهاتفه الجوال. في الحقيقة كان صوت الفيديو مغيبا و حل مكانه صوت مقرئ يقرأ سورة الشمس إلى أن يصل في النهاية إلى الآية التالية ( بأي ذنب قتلت ) التي أصبحت عنوان المقطع فيما بعد, و لكني اخترت هذه الآية الكريمة ( و إذا الوحوش حشرت ) كعنوان المقطع و عنوان المقالة. لا أنكر أن التطور التقني قد يخول للبعض صناعة أفلام مفبركة, و ما أظن أن الفيلم الذي رأيته من ذلك ببعيد. و لكن ما لا أنكره هو قدرة ذلك الفيديو أن يكون تشريعا وحشي جديد لنظرية غسل العار فيصبح لدينا حد الرجم بالحجارة في العهد القديم للكذب و الركل بالأرجل في العهد الجديد و عندها لن نحتاج لمقولة حدثنا أبو هريرة فقال لتمرير الكذب باسم العادات تحت غطاء الدين. ثم سرح خيالي بعيدا صانعا أحداث فيلم جديد على أطلال ذلك الفيديو البائس و هو ما الذي سيحصل لو أن أحد إخوة تلك الفتاة قد زنى؟ و تخيلت الحادثة من جديد. البطل شاب في مقتبل الشباب و الصحة يوهم قاصرا بعلاقة جنسية محرمة مقابل ملاليم لا تسكن غضب الله تعالى كما لا تستر الشرف و لا تغسل العار, و يلتقي الزانيان في مكان مغلق و ثالثهما الشيطان بينما رابعهم كاميرا أخفاها ذلك الذئب الإنساني ليصور الحادثة كاملة ثم يمكّن أصدقاءه من مشاهدتها حتى يوقنوا أن لصاحبهم قوة أربعين رجل في الجماع الحرام و لديه من القدرات الجنسية الشيء العجيب بينما سيلعنون تلك الزانية التي سيحملونها وزر الفضيحة لوحدها أو يهددونها إما أن ترضخ لطلباتهم الذئبية الشبقة أو يفضحوا حالها ثم تموت كما ماتت الفتاة الأخرى من قبلها و تنتهي قصة حزينة جديدة كما انتهت قصص مشابهة لتلك القصة الأولى في الفيديو أو لنقل قصص أفظع و أبشع جرما من القصة الأولى.
2-شاهدت مرة فتاة أردنية قتلها إخوتها حرقا بالنار و أذاقوها الويلات و الشدائد لأنها كانت ببساطة شديدة ضحية جريمة إغتصاب فر فاعلها بعيدا حسب ما أتذكر تاركا الضحية لمصيرها المشئوم تواجهه لوحدها. فالرجل هو رجل كامل الرجولة لأنه لا يسأل عما أجرم و البنت هي بنت لأنها ستسأل عن سرها قبل علنها في بعض المجتمعات البائسة.
للأسف بينما نتظاهر بالتقدم و التمدن و استخدام آخر صيحات عوالم الحواسيب و الهواتف المحمولة إلا أننا لم نستطع وأد تلك الأنانية الذكورية التي تقمع المرأة و تحملها ما لا طاقة لها به. فما أحلى المرأة لو كانت زانية رخيصة تشبع رغبات ذئب جائع جنسيا و لكن سرعان ما نقتل نفس تلك المرأة لو تحدثنا عن الشرف و العار. هم يرضون بالذل و الهوان لمن لا يعرفنهن و في نفس لا يرضون أن يمس أحدهم شرف أختهم أو قريبتهم. نحن قوم متناقضون لا نفرق بين الحق و الباطل فالحق هو كل ما يخدم مصالحنا حتى و إن كان باطلا يلبس ثوب الطهارة و البراءة و يكون العكس كذلك صحيحا عندما نرى الباطل حقا يرضينا بينما هو شيطان لعين أقسم لرب العزة من قبل أن يورد عباده النار إلا المخلصين منهم.
3-أنا لا أنكر أن العقاب هو السلطان الحق ليكون جزاء المعتدين و لكني مع أن يكون العقاب مناصفة بالعدل لا يفرق بين مذنب و مذنبة و لكن الجميع متساوون أمام محكمة الحق الإلهي. فكما خلق الله تعالى الأنثى فقد خلق الذكر كذلك ومن عدل العادل سبحانه و تعالى أنه بين آيات العقاب لأولي الألباب و الأبصار فقال في سورة التوبة (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) ) و لكن الضالين انحرفوا عن ذلك المعنى الإلهي السامي فقالوا كذبا أن الزانية تجلد و تعذب أو تقتل و لكن الرجل معفى من ذلك لأنه لا يحمل غشاء بكارة و لا هم يحزنون, و هو كذلك ليس سجين قضبان الشرف و العفة التي حصروها في الجنس لا غير و نسوا أن الأخلاق الحميدة هي شرف المجتمعات و الأخلاق الحميدة التي نزرع بذورها في فؤاد بناتنا الطاهرات هي نفسها تلك الأخلاق التي ستصون فتياتنا و تحميهم من العبث بالشرف المعنوي الذي سيحمي بذاته العبث بالشرف المادي الجنسي.
في الأخير أرجو من العقلية العربية المسلمة أن تعيد حسابتها بخصوص الأنثى و إعادة الإعتبار لها لكونها نصف المجتمع الذي نعيش فيه كما قال الله تعالى في سورة النساء (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ) من قبل أن يقول ماوتسي تونغ ( المرأة نصف سماء المجتمع ), كما أني لست أول من يكتب عن المرأة كما لن أكون آخر من يكتب عنها ما لم نحترمها و نوفر لها الأمن و الكرامة حتى يرحمنا الرحمان تعالى برحماتنا لها.

اجمالي القراءات 16174