محاكمة الواد عب ودود
حكومة كعب الغزال : الحلقة الثالثة

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٣ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

د. احمد صبحى منصور

حكومة كعب الغزال : الحلقة الثالثة : محاكمة الواد عب ودود


مقدمة :
كم هى شاقة الكتابة البحثية فى الأصوليات من الفقه الى  التاريخ و الحديث والتاريخ والتشيع والتصوف ، خصوصا عندما تكتب فيه بطريقة تكون مفهومة للمثقف العادى الذى لم يتصفح تلك الكتب الصفراء.
أحيانا أطلب الراحة من الكتابة الأصولية لأمارس هوايتى فى كتابة السيناريوهات فأكتب مقالات خفيفة تسعى نحو الاصلاح ، وهو نفس الهدف للكتابات الأصولية.
فى الكتابة القصصية ينسال القلم بلا توقف دون البحث عن مرجع او هامش ، وقد يظل القلم فى انسيابه ليجعل من الحلقة حلقتين واكثر .. كتبت من نوعية القصص الدرامية الكثير منها ( المصيدة )(التور و الساقية ) (وبكى محمد شمس ) ، (الراكب والمركوب ).. وبعضها طال فاصبح أكثر من مقال تم نشر بعضها مثل (مسكين يا عباس )
مؤخرا كتبت عن كعب الغزال والشيخ محجوب واعوانهما كرمز لدول الاستبداد التى تستخدم الدين الأرضى فى تأكيد سلطانها. وأخذ الموضوع يطول ..لذا رأيت أن أجعله مسلسلا بأثر رجعى ، بمعنى أن الحلقة الأولى تكون ( رغم أنف أبى ذر ـ الواد عطوة والشفاعة ) والحلقة الثانية هى (الفتنة الكبرى ) وسبق نشرهما . والآن مع الحلقة الثالثة ، وهى عن شخصية جديدة ، شخصية المثقف المتلون الذى يبيع نفسه لأنه فقد الانتماء الى الوطن وشرف الكلمة .
أهلا بكم فى هذه الحلقة عن محاكمة الواد عب ودود..
محاكمة الواد عب ودود

1 ـ طبقا للإتفاق المبرم بين الشيخ محجوب وزوجته كعب الغزال فقد التزم الشيخ محجوب بألا يتعرض فى خطبته لأى أحاديث تهاجم النساء ، خصوصا حديث (النساء ناقصات عقل ودين) وحديث ( الشؤم فى ثلاث المرأة والفرس والدار ) ،وبدلا منها كان الشيخ محجوب يدعو بالنصر والسعادة للحكومة وكان يقصد السيدة كعب الغزال التى صارت تحكم البلد صراحة ، فقد صار الواد عطوة شيخا البلد ، وصار الواد سيد عجور شيخا للغفر ، وأصبح الواد محمود أبوقاعود نائب العمدة ، أما العمدة نفسه فقد كان الشيخ محجوب نفسه ، وهو الذى لا يهش ولا ينش فى حضور كعب الغزال أو غيابها.
وسارت الأمور طبيعية إلى أن حدثت كائنة الواد عب ودود.

الواد عب ودود مدرس إبتدائى صاحب باع طويل فى إعطاء الدروس الخصوصية فى كل شيء،وقد تخرج على يديه جيل كامل من الفاشلين ، لأن عب ودود كان يلتزم بضمان نجاح كل تلميذ يأخذ معه دروسا خصوصية ، سواء حضر الدرس أو لم يحضر. ولكن كان الواد عب ودود يكره البنات التلميذات ويرفض إعطاء أى بنت دروسا خصوصية مهما كان الثمن . وبالتالى فإن البنات لا يتمتعن فى المدرسة بميزة الغش التى يتمتع بها الأولاد . وكنوع من التحدى كانت البنات تذاكر وتنجح فإغتاظ الواد عب ودود من نجاحهن فتدخل فى التصحيح وخسف بهن الأرض فرسبن كلهن .شكى أولياء الأمور للشيخ محجوب فاستحضر الواد عب ودود وهدده فاضطر الواد عب ودود إلى إنجاح البنات.
وبهذا بدأ العداء بينه وبين الشيخ محجوب .

2 ـــ الذى لا يعرفه أهل البلد أن الواد عبد ودو مثقف بارع ، يقضى وقت عمله فى المدرسة وفى الدروس الخصوصية فى مطالعة كتب التراث تاركا العيال يفعلون ما يشاءون طالما لا يصدرون صوتا يمنعه من الإستمرار فى القراءة. وانشغل بالقراءة مبتعدا عن أحوال أهل البلد والإشاعات التى تملأها عن المرأة المنقبة المجهولة التى تمتص رحيق الرجال ثم تتركهم حيارى،وقد أطلقوا عليها لقب " النداهة " التى تخطف الرجال ليلا وتغوص بهم فى المجهول . وعاشت النداهة أو (كعب الغزال) فى أفئدة كل رجال القرية ما عدا الواد عب ودود. الواد عب ودود كان يكره كل النساء ، لا يفرق بين النداهة أو رابعة العدوية.
كراهيته للمرأة تنبع من معاناته مع أمه وأبيه .
كان كل صباح فى بيتهم يبدأ بالشجار فالأب فظ غليظ القلب والأم محترفة نكد ، ولا يطيق كل منهما الآخر، وقد حدث مرة أن غضبت أمه من أبيه وتركت له البيت وذهبت الى بيت أبيها فضربها ابوها وحملها الى بيت زوجها وألقاها أمامه وأمره أن يؤدبها ويكسر رأسها. لذا كانت أم عب ودود تجد متعتها الكبرى فى النكد والبكاء ، حتى أنها كانت تحرص على القيام بواجب العزاء فى كل مأتم فى البلد وفى كل البلاد المجاورة، حيث كانت تصراخ من صميم قلبها وتتفوق على أهل الميت فى العويل واللطم وشق الجيوب. ولو حضرت أم عب ودود بالصدفة المحضة عرسا كانت تقلبه الى دراما ،حتى أطلق عليهاأهل البلد لقب(أمينة رزق).
أصبحت أضحوكة أهل القرية مما أشعر الواد عب ودود بالعار من أمه مذ كان طفلا صغيرا.
تغير الحال عندما لزم أبوه الفراش مريضا ولم يعد قادرا على الشجار معها،تبدل حالها؛ خاصمت المآتم وبدأت تصلح من شكلها وعرفت النظافة طريقها إلى وجهها وجسدها وملابسها،بدأت تبتسم بل وتضحك. لم يكن مرض زوجها السبب الوحيد، لقد وقعت فى الحب مؤخرا،وكانت تقابل خلسة حبيبها تهامة أبو العينين أثناء نوم الأب المريض والولد . تسلل الواد عب ودود مرة ليلا ورآها فى وضع قليل الأدب جدا مع الواد تهامة أبو العينين وسمع كلاما قليل الأدب جدا جدا وأصواتا لم يعهدها رغم أنه اعتاد على مشاركة والديه الفراش حيث ينام كل منهما معطيا ظهره للآخر حريصا ألا يرى وجه رفيقه ، وكان ينام الواد عب ودود بينهما لزوم فض الاشتباك ومنعا لتبادل القذائف من الجانبين .!
إكتشف الواد عب ودود أنه ليس وحده الذى عرف بهذا السر فقد عرفه أبوه أيضا الذى تحامل على نفسه وتسلل خلفها حيث سمع وصلة العشق الملتهب بين زوجته والواد تهامه أبو العينين ، ولم يعش بعدها فمات بحسرته.
كان أهل البلد يتخيلون وينتظرون ما ستفعله أم عب ودود فى مأتمها الخاص بعد تاريخها الحافل فى الصراخ والعويل فى مآتم الأخرين ، بعض الناس خاف على أذنيه مقدما فجاء إلى المأتم حاشرا أذنيه بالقطن ، وبعضهم آثر أن ينتظر بعيدا عن المنزل خوفا على سمعه وصحته، وبعضهم رضى بقضاء الله وقدره وصمم على أن يدخل البيت وقت تجهيز الميت ويسمع الصراخ غير المتوقع وليكن ما يكون . ولكن حدثت المفاجأة؛ إذ بدلا من أن تنطلق أمينة رزق فى الصراخ والعويل أطلقت زغرودة طويله أتبعتها بأخرى ، وكلما رأت الزغرودة أقل مما يجب أتبعتها بأشد منها . فتح الجميع أفواههم دهشة لمدد زمنية ليست بالقليلة ، ثم توقفت أم الواد عب ودود فجأة وقالت ببساطة: ده كان ندر ووفيت بيه ... مات وريّح وريّحنا ، شوفوا شغلكم يا رجالة وشيلوه من هنا .
فى الليلة التالية قال الواد عب ودود لأمه : لماذا ؟!!... صرخت فى وجهه : إتجوزته غصب عنى.. أبويا قعد يضربنى لغاية لما اتجوزته ... كرهته من ساعة ما شفته وكرهته أكتر لما خلفتك منه، وجيت أنت شبهه الخالق الناطق .. وحلفت من ساعتها أنه ما يقرب منى..وحرمته على نفسى... واهو مات وراح فى ستين داهية ...
ظلت البلد تتكلم عن أم عب ودود أسبوعين ثم سرى الخبر بموتها خنقا. جاء البوليس للتحقيق بتعذيب الجيران والأقارب بالضرب والنفخ والشفط والتعليق والسحل والكبس والسحق . نجا فقط من التعذيب الواد عب ودو والواد تهامى أبو العينين ، لم يعرف البوليس أن الواد عب ودود قد دخل على أمه فجأة فى حجرتها فى البيت فرآها فى أحضان الواد تهامة ، هرب العشيق بينما هجم الواد عب ودود على عنق أمه ولم يتركها إلا وهى جثة هامدة .
بمرور السنين نسى أهل القرية قصة أمينة رزق بينما ظلت تعيش داخل قلب الواد عب ودود وانعكست عنده كراهية لكل النساء .

3 ـــ نهر الحقد على النساء فى قلب الواد عب ودود أصبحت له دلتا كثيرة الفروع. المواجهة مع الشيخ محجوب حفرت رافدا جديدا لنهر الكراهية هذا، وبدأ الواد عب ودود يخرج من عزلته وكتبه ويهتم بالشأن العام،و صمم على الثأر من الشيخ محجوب وإحراجه ،فقد آن الأوان لكى يعلم أهل القرية أنه – أى عب ودود – هو الأعلم بالدين من الشيخ محجوب وزمرته .
فى خطبة الجمعة التالية كان الشيخ محجوب يحث على التوصية بالأم ،ودارت خطبته حول حديث(الجنة تحت أقدام الأمهات) الذى أثار حفيظة الواد عب ودود أكثر وأكثر فانفجر صائحا : حديث الجنة تحت أقدام الأمهات كاذب وموضوع ولم يقله المصطفى أبدا .... وارحمنا من تخاريفك يا شيخ محجوب ...
فوجىء محجوب والحاضرون برد فعل عب ودود ،وانعقد لسان محجوب عن الكلام ، لم ينطق ببنت شفة أو حتى بإبن شفة ، لذا تشجع الواد عب ودود واستمر فى حديثه : حديث الجنة تحت أقدام الأمهات يناقض القرآن الكريم لأنه يعنى أن كل أم ستدخل الجنة وهذا غير صحيح بالمرة، فلقد ذكر القرآن الكريم أن زوجة نوح وزوجة لوط من أهل النار ، وهما من الأمهات ، وذكر أن زوجة أبى لهب فى النار وكانت من الأمهات .
كان الواد عب ودود يتكلم بالعربية الفصحى مستشهدا بالقرآن الكريم ،وبالطبع لم يفهم الحاضرون كثيرا مما قال ولكنهم أحسوا أن الواد عب ودود متمكن من حجته .
وقف الواد عطوة وصاح فى الواد عب ودود : أخرس أنت شيطان ... أحنا فى صلاة الجمعة مش على مصطبة .... ثم التفت إلى الشيخ محجوب وناداه : إتفضل أكمل يا مولانا الشيخ ..ثم أنقض الواد أبوقاعود والواد عجور على الواد عب ودود وحملوه وألقوا به خارج الجامع،كل ذلك والشيخ محجوب واقف على المنبر يهتز من الإنفعال ، أشار إلى الواد عطوة بأن يقيم الصلاة ... ونزل من على المنبر فى حالة سيئة .
كعب الغزال شعرت أن سقوط هيبة محجوب ستؤثر على مكانتها ولا بد أن يسترد إعتباره فأمرت الشيخ محجوب بعقد ندوة فى المسجد يرد فيها على (تخاريف الواد عب ودود)، وكان لا بد للشسخ المسكين محجوب من الطاعة وحضور المناظرة مع الواد عب ودود...
قبل الندوة ظل الشيخ محجوب يصلى طيلة الليل يدعو الله تعالى أن يرزق الواد عب ودود بمغص كلوى أو إسهال أو بواسير أو أى مرض يمنعه من الحضور حتى ينفرد الشيخ بالندوة دون نقاش وتمر الندوة بسلام .إلا أن دعاءه جاء بلا نتيجة ، إذ كان الواد عب ودود أول الحاضرين إلى المسجد. دخل الشيخ محجوب فرأه متحفزا تلمع عيناه بالتحدى ، فقال الشيخ محجوب فى سره: دى ليلة طين.!!
وقام يصلى بالناس صلاة العشاء جماعة دون أن يدرى ماذا ينطق فى الصلاة ، كل ما كان يحس به هو دعاؤه أن يوقف الله نمو الواد عب ودود وأن يشفى الكلاب ويضره وأن يجعله عبرة لكل كلاب الناحية ...
وأيضا لم تتم الإستجابة لدعوات الشيخ محجوب .
كان الشيخ محجوب قد أعد ورقة مكتوبة تعزز موقفه تدور حول حديث : أن رجلا سأل النبى عليه السلام : من أحق الناس بحسن صحبتى ؟ قال : أمك، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ : قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أبوك .
بمجرد أن أكمل الكلام هب الواد عب ودود قائلا : مش قلنا بلاش تخاريف يا شيخ محجوب ..!! ده برضه حديث يخالف القرآن الكريم الذى يقول وبالوالدين إحسانا دون تفرقة بين الأب والأم ، كما أنه ليست هنا تفرقه بينهما فى الميراث أو فى الرعاية لهما أو حتى فى التحذير منهما إن كانا من أهل الشرك.
مرة أخرى يتكلم الواد عب ودود بالقرآن وباللغة العربية الفصحى ويحوز أكثر على اهتمام الناس .استمر محجوب يقرأ من ورقته قائلا أن هذا الحديث روته كتب الحديث وكتب الصححاح.
هنا هب الواد عب ودود قائلا : أوافقك على أنه مذكور فى كتب كثيرة من كتب السنة وبروايات مختلفة ، منها رواية تقول : أن الرجل سأل المصطفى ، من أحق الناس بحسن صحابتى ؟ قال : أمك ، قال ثم من ، قال أمك . قال ثم من ؟ ، قال : أمك ، قال ثم من ، قال : قم فز يا روح أمك ...
هرش الشيخ محجوب فى قفاه عاجزا عن التعليق بينما تبادل أعوانه النظرات.
تململ الواد محمود قاعود وقال :معقول المصطفى عليه السلام يقول لواحد من أصحابه : قم فز يا روح أمك؟!!
رد بسرعة الواد عب ودود: مش فيه حديث تانى بيقول (ثكلتك أمك يا معاذ؟) يعنى تنيل على عين امك يا معاذ ..إيه الفرق بين ثكلتك امك يا معاذ وبين قوم فز يا روح امك ؟
همس الواد محمود أبو قاعود موافقا: ليه لأ ... ما هو الصحابى بتاع ثم من قال امك ده غلس ومخه صرمة قديمة ، قعد يقول للنبى : ثم من ؟ ثم من ؟ ثم من؟ لما النبى زهق وقال له قم فز يا روح أمك..على النعمة أنا لو مكان النبى لكنت فطيت فى كرشه.! انطلق صوت الواد عب ودود ضاحكا: يا جماعة الحديث ده كدب فى كدب ، مفيش له صلة بالنبى عليه السلام ... صحيح أنه مكتوب فى كتب الحديث لكن كلها كدب فى كدب.
همس الواد عجور لعطوة قائلا : الواد عب ودود ابن الندابة ده بيلعب بينا يمين وشمال ..الظاهر شايفنا بقر قدامه .. قول للشيخ محجوب يقول له بقّين من الكلام المجعلص اللى بالنحوى يوقّفه عند حده ويعرّفه مقداره..
رد عطوة هامسا : الشيخ محجوب حالته حالة .. بقى فاتح حنكه على الاخر مبتسم و منشكح عامل انه فاهم. أقطع دراعى إنه مخه ساح زى حالتنا وبقى ميح وايدك منه والأرض .. لكن أنا حألاعب الواد ابن الكئيبة ده وأشوف عنده نخاع ولاّ بيتسلى على قفانا.
أتخذ الواد عطوة هيئة العلماء ووجه سؤالا للواد عب ودود ،سأل : تقدر يا أبو العريف تقول لنا الحديث ده مكتوب فين ؟.
رد الواد عب ودود بسرعة : فى سنن النسائى وسنن الترمذى وسنن ابن ماجه ..
تساءل الواد عجور : ابن ماجه .... مين ابن ماجه ده؟
ردّ الواد عب ودود مبتسما: ابن ماجة أبوه فارسى قال لمراته أنه راح يشترى سجاير وطفش ... سألوا عنه مراته قالت : راح ما جه .... يعنى خرج ولم يعد ... ولما أنجبت أبنه أطلقوا عليه ابن ماجه ، عرفت يا حمار ..!!.
شعر الواد عطوة برغبة شديدة فى الهرش .
واستمر الواد عب ودود فى الشرح : قلت الحديث ده موجود أيضا فى البخارى ومسلم وسنن الترمذى والبهيقى .
قال الواد عجور : وأيه البيهقى ده كمان ، مش كلمة قبيحة برضه؟ يعنى أن لو حد قال لك يا بهيقى حتسكت له ؟
زجر الواد عب ودود الواد عجور قائلا : أخرس يا جاموس ابيض واسمع...
واستمر الواد عب ودود يشرح .... والحديث ده موجود برضه فى مسند عبدالرزاق ومسند أحمد .
الواد أبوقاعود لم يفهم ... سأل : أحمد ... ومين أحمد ده كمان ؟
صاح الواد عجور حانقا: تلاقيه أحمدمظهر أو أحمد رمزى أو أحمد عز..!! أنا عارف بيجيب لنا الأسامى دى منين .!!
صرخ الواد عب ودود فيه : يا حلوف ده الأمام أحمد بن حنبل .
الواد عجور عاد للصراخ : أحمد بن حنبل ولا أحمد بن تنبل ، إحنا مالنا ومال الناس دول ... على الطلاق بالتلاتة عمرى ما شفت واحد منهم ولا عايز اشوفهم من أصله. خلينا فى معايشنا وفضوها سيرة وخلونا مع سيدنا وتاج راسنا الشيخ محجوب .
كان الشيخ محجوب فى حالة يرثى لها، حافظ على ابتسامته البلهاء طيلة النقاش ، فلم يكن مؤهلا للنقاش ، وقد ظهر عجزه للعيان ، وقرر فى سرّه أن ينتقم من الواد عب ودود شر انتقام بأن يقرأ عليه عدية يـــس ليكون عبرة لكل كلاب الناحية.

4 ـ إحراج الشيخ محجوب بهذا الشكل المخزى أصبح فى نظر الست كعب الغزال قضية أمن دولة ... لأن إحراج الشيخ محجوب يهز مكانة الست كعب الغزال ، لأن وجوده إلى جانبها شامخا محترما يعطيها الشرعية والتفوق، كما أن ما فعله عب ودود سيجعل أهل البلد يفكرون ويناقشون الثوابت ومنها صلاحيتها للحكم منفردة ، ولها كل الحقوق دون أى مسئولية ، ولو تعلم أهل البلد سيصبح من الصعب جدا السيطرة عليهم وخداعهم بالدين .
لذا عقدت كعب الغزال جلسة لبحث موضوع الواد عب ودود حضرها الشيخ محجوب والواد عطوة والواد عجور والواد أبوقاعود . وتناثر فى الإجتماع كلام كثير عن إغتيال الواد عب ودود أو تعذيبه ،ولكن كعب الغزال صممت أولا على تجربة أسلوبها السياسى و السلمى معه ، أى إغراؤه بالفساد ليصبح واحد منهم ، فان لم يستجب فمن السهل تصفيته .
وكانت ليلة 27 من رجب فى الأسبوع التالى ، وقد استغلتها كعب الغزال لإقامة حفل ضخم زينته بالموائد الحافلة بالطعام ، ودعت إليه أهل القرية، بينما أعدت المائدة الرئيسية لكبار أهل القرية وأعطت التكريم للواد عب ودود بأن يجلس على رأس المائدة ليتحدث عن كتب الأحاديث والسنة.
تحدث الواد عب ودود كثيرا عن الأحاديث الموضوعة والجرح والتعديل والحديث المتواتر والآحاد و علم الرواية وعلم الدراية، ولم يفهم أحد منه شيئا ، لأن الطعام كان أهم من حديثه وأحاديثه، كما انهم اعتبروا هذا الكلام الكبير يصد الشهية .
وغمزت كعب الغزال زوجها ليقول شيئا، تململ ثم قال : لا شك أن فيه أحاديث كاذبة موضوعة زى حديث ( المؤمن كيس قطن ) معقول النبى عليه السلام يقول ان المؤمن كيس محشى قطن ..
وقفت اللقمة فى زور الواد محمود ابو قاعود ،وقال : يا نهار اسكت..يعنى كل واحد مننا كيس قطن ؟ طيب إذا كان القطن فيه الدودة ؟ دى تبقى مصيبة يا جدع ؟؟ الواحد مننا حيقعد يهرش لغاية ما صوابعه توصل الغليظ..
قال الواد عجور: أنا أحسن لى أكون شوال درة ..الدرة مفيش فيه دود .
قال الواد عطوة ضاحكا : أحسن لى أكون زكيبة برسيم لزوم الأمن الغذائى لأهل البلد ، بس مين يكون زكيبة بطاطس؟ نظروا الى الشيخ محجوب و ضحك الجميع عدا الواد عب ودود الذى قال : بس الحديث ده قالوا انه صحيح يا شيخ محجوب.
ظهر الغيظ على الجميع ، ورآها محجوب فرصة لينتقم من غريمه عب ودود ..
صرخ محجوب : يعنى ايه ؟ عايز تقول ان النبى المصطفى عليه السلام بيخلى المؤمن كيس قطن ؟ يعنى الصحابة المؤمنين كانوا أكياس قطن ؟ انت بكده خرجت على الملة!.
ضحك عب ودود بهدوء وقال : الحديث ده مكتوب فى كتب الحديث بس انت قرأته غلط يا سيدنا الشيخ .. الحديث يقول :( المؤمن كيّس فطن ) كيّس يعنى ذكى وعاقل ، وفطن يعنى من الفطنة و الذكاء.. مفيش كيس قطن ولا صفيحة زبالة.
أصابت الجميع محنة الهرش ..وحل صمت قطعه الواد عطوة بقوله :شوف لنا كتاب واحد يريحنا من كل اللعبكة دى ، يكون فيه كل الأحاديث الصح 100 %، كتاب واحد نجيبه ونقراه ونحفظه ونخلص ، بس يكون كتاب شامل جامع وكامل .
ابتسم الواد عب ودود : يبقى كتاب (الإحليل فى أحاديث التحريم والتحليل) تأليف الأمام قليل الدين الأشتر المولود فى قرطبة فى العصر الميزورى .
تبادلوا النظرات منبهرين بالأسم الفخم ، ولكن ظل الهرش سائدا .
رآها الشيخ محجوب فرصة للكلام والخروج من مستنقع الحرج فقال بلهفة: وأين نجد هذا الكتاب ؟.
قال الواد عب ودود : قام بشرحه وتحقيقة والتعليق عليه وتخريج أحاديثه الدكتور أبو الحصين تعلب الديب ، ونشرته إدارة الصرف الصحى فى العام الماضى .
قال الشيخ محجوب : يعنى من الأخر نلاقيه فين ؟!!.
ابتسم الواد عب ودود : وتسألنى أنا يا فضيلة الشيخ ... وانت سيد العارفين .

5 ـ فى فجر اليوم التالى سافر الشيخ محجوب للقاهرة ،دخل رأسا ألى لجنة الفتوى بالأزهر وقابل القائمين عليها ، ومن هناك انتقل للمكتب الفنى التابع لشيخ الأزهر ، وبعدها بقليل قابل المتخصصين فى مجمع البحوث الأسلامية ، ثم ذهب الى وزارة الأوقاف وقابل أعضاء المجلس الأعلى للشئون الاسلامية وقابل المفتى وكبار اعوانه فى دار الافتاء، وفى اليوم التالى جلس مع عميد كلية أصول الدين ورئيس قسم الحديث ،وزار مع بعض زملائه القدامى شيخ الأزهر فى بيته .
وعاد من هناك ليعقد إجتماعا هاما حضرته كعب الغزال وأعوانها ... وأضيف إليهم الواد عب ودود .
قال الشيخ محجوب : يخرب عقلك يا واد يا عب ودود ... إنت طلعت بلوة مسيّحة ... قارى وعارف ومطّلع .... ومستواك ما شاء الله فى مستوى أكبر علماء المسلمين . تتصوروا يا جماعة أن الأمام قليل الدين الأشترمن أكبر علماء السنة ، وأن كتابه من أشهر كتب السنة ، كل واحد قابلته من علماء الأزهر قاللى هذا الكلام ، بس يا خسارة ، الكتاب بتاعة " الإحليل فى أحاديث التحريم والتحليل " قد نفذت طبعاته الخمسة من السوق ... لكن بيقولوا هينطبع تانى فى بيروت إذا وافق حزب الله على طبعه ونشره.
دخل الواد عب ودود فى نوبة ضحك هيستيرية .
نظروا إليه فى وجل ..فقد أصبحوا يتوقعون منه المصائب .
قال الشيخ محوب فى سرّه : استر يارب من اللى جاى ..
تمتم الواد عطوة : لسه ايه تانى يا بوز النحس ..؟
هدأ الواد عب ودود ثم سأل وهو يمنع نفسه من الضحك : يعنى كل اللى قابلتهم يا شيخ محجوب شافوا الكتب وقرأوه ؟!!.
رد عليه الشيخ غاضبا : يعنى بتكدبنى ... ولا بتكدبهم ؟ على الطلاق بالتلاتة كل واحد منهم مدح فى كتاب " الإحليل" وصاحبه " قليل الدين الأشتر " .
وقف الواد عب ودو وقال فى هدوء : أحب أن أعرفكم أنه مفيش كتاب أسمه " الأحليل فى أحاديث التحريم والتحليل " ومفيش أصلا مؤلف أسمه قليل الدين بن الأشتر ... ده كلام همبكة انا اخترعته من دماغى علشان أضحك بيه عليكم ... زى ما علماء الحديث الكبار ضحكوا عليكم وعلى اللى خلفوكم ...
حلت لحظة من السكوت الكئيب .
ثم تكلمت كعب الغزال: يعنى مفيش الإحليل ومفيش (قليل ) الدين الأشتر ؟!
قال الواد عب ودود ساخرا : مفيش ... ماكنش انعذر ولا باع جزر.
قالت كعب الغزال : طيب ايه الكتاب اللى مشايخ الأزهر قريوه ؟!.
قال الواد عب ودود : كدابين ..قالوا كده علشان يغطوا على جهلهم ويعملواأنهم علماء وعارفين ..
قالت كعب الغزال : يعنى حضرتك طلعتنا كلنا حمير ...
قال الواد عب ودود : العفو يا هانم ..اللى قالوا للشيخ جوزك انهم قريوا الكتاب هم الحمير .. انتو لسه بدرى عليكم الدرجة دى..
قالت له مبتسمة : يعنى احنا جحوش ..ولسه قدامنا وقت لما نكبر ونبقى حمير بصح وصحيح ؟
ضحك عب ودود وقال : كده أنتى اللى قلتى ..مش أنا .
كشرت له كعب الغزال : وتفتكر يا ابن الهبلة أنك تلعب بينا وتخرج من هنا ماشى على رجليك ،وحياة شرفى اللى ما بحلف بيه إلا باطل .. هتطلع من هنا اتنين وستين حتة.!
اختفت ابتسامته وحل محلها الخوف والرعب.أشارت إلى أعوانها فقفزوا مرة واحدة على الواد عب ودود وأوثقوه .أحضرت سكينا ضخما واقتربت منه تلوح بها فى وجهه، كان يرتجف من الذعر .
قالت كعب الغزال : يا شيخ محجوب ... ما حكم المرتد؟
قال الشيخ محجوب : المرتد يقتل .
صرخ الواد عب ودود وهو يرتجف: المرتد يستتاب يا مولانا، وأنا مش مرتد..أنا مسلم وموحد بالله..وتبت توبة نصوح..
قال الشيخ مبتسما متشفيا : فشر .!! أنت لست مرتدا وإنما أنت زنديق .والزنديق هو المسلم الذى يكيد للاسلام من أمثالك و يشكك فى الثوابت و يبلبل عقائد المسلمين ـ ده يبقى يومه طين .. وقد أفتى الامام ابن تيمية والامام سيد سابق والامام ابو بكر الجزائرى بأن الزنديق يقتل حال العثور عليه ، ويجب قتله دون محاكمة ويجب قتله ولو تاب ....
إقتربت سكينة كعب الغزال من عنق الواد عب ودود ، وأخذت طرف السكين تضغط على عنقه شيئا فشيئا..
صرخ: أنا فى عرضك يا شريفة ... انتم محتاجين لعقلى وعلمى وخبرتى ، خلونى اشتغل معاكم..
مسحت كعب الغزال وجهه بالسكين ، قالت : وصرصار زيك ينفعنا بأيه؟.
انطلق الواد عب ودود كأنه يلقى بيانا حربيا : أقدر أتصدر للقرآنيين أرد عليهم بالكدب وأهاجمهم وأدخلهم فى جدل ومتاهات واتهامات .. وإذا قصرت أقتلونى .
توقف كل شىء عدا نظرات التساؤل والتشاور .
أخيرا قالت كعب الغزال : موافقة ندي لك فرص تانية بس بشرط .
دمعت عيناه وهو يقول : تحت أمرك يا ست الكل .
قالت كعب الغزال : عقدة النسوان اللى عندك دى تسيبها .
قال بإخلاص : يا ريت بس إزاى ؟.
ضحكت كعب الغزال وقالت: ليلة واحدة مع النداهة تنسيك أسمك واسم الهبلة أمك .

6 ـ ولهذا يدفع أهل القرآن ثمن التحالف بين الواد عب ودود وكعب الغزال .

اجمالي القراءات 16604