انقلابات الاصحاب
نظريات الانقلاب

عبد الحسن الموسوي في الأربعاء ٠٩ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


نظرية الفقه السني والانقلاب
نظرية الفقه السني تقوم على اساس الصحابة العدول والمبشرين بالجنة،وتتنزيههم واحترامهم كل الاحترام، ،ولا تسمح بنقد او تخطئة اي احد ورد اسمه فيمن رأى او سمع النبي ، وتجعل ذلك جزء لا يتجزأ من الدين ، ومن ضمن هؤلاء الصحابة اضافة الى المرفوضين في الفقه الشيعي(ابو بكر وعمر وعثمان) - المعتمدين في الفقه الشيعي وهم علي ابن ابي طالب وولديه الحسن والحسين
وترى هذه النظرية ان الخلفاء الاربعة هم ائمة حق جميعا وبقدر واحد من الاحقية
اما نظرية ; الفقه الشيعي في الخلافة فتقوم على اساس ان الاحقية لعلي ابن ابي طالب حصرا ومن ثم في ابناءه وراثة على اساس الوصية الدينية والسياسية له من قبل الرسول  تعيينا واستكملت ذلك برفع علي الى درجة من الحصانة والقدسية لم تكن حتى للانبياء وادعت له ولابناءه العصمة (وهي درجة لم تتح حتى للانبياء)
وبهذه الطريقة اصبح ذاتا مقدسا واهم ركائز الدين الشيعي على الاطلاق(وليس القران)
ويشترك المذهب الشيعي مع المذهب السني في التنزيه والتبجيل والعدلية والمحبة لعلي ابن ابي طالب وولديه وبعضا من سلالته
ويفترق معه حين يغلو المذهب الشيعي في علي غلوا كبيرا وجعله الوصيّ على الدين من بعد وفاة الرسول ، بينما الفقه السني يجعل منه من اهم كبار الصحابة وسواسية مع ابو بكر وعمر وعثمان
والفقه السني والشيعي يجعل من هؤلاء الشخوص (مع اختلافهم في التشخيص ) من الركائز اللازمة -ولا بد- ومن منظومة الدين والايمان التي يقوم عليها هذين المذهبين ولا تسمح بالاقتراب منها او نقدها وهذا هو وجه الاتفاق الشيعي السني(اعتماد الاشخاص)
ولأجل ذلك تم التلاعب برواية احداث الانقلاب الذي كان على خلافة عثمان والذي ادى الى مصرعه واخصص ذلك من الجانب السني حين فَتَقَ ورَقَعَ ولَفَّق وبما هو ظاهر زيفه من وقائع غير متناسقة ومتناقضة في نظرياته في مقتل عثمان واستيلاء مجموعة علي على سلطة المدينة
ثم ظهرت نظريات كثيرة قديما من مثل نظريات الخوارج وحديثا من مثل نظرية انقلاب سقيفة بني ساعدة لسمير ابراهيم خليل ونظرية د. احمد صبحي منصور(وهذا هو بيت قصيد الموضوع )في عدم سلامة المنهج الذي كان عليه اتباع الرسول في جزء من حياة الرسول وبعد موته والمتمثل خصوصا في نظرية الظلم الاسلامي (عوظا عن الفتح الاسلامي) والذي قام على ايدي خلفاء الرسول من بعده في ممارستهم الغزو والاخضاع القسري للبلاد التي تليهم جغرافيا ، والذي وقع بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
ويرى هؤلاء المنظرين الجدد ان علي ابن ابي طالب لم يكن راضيا عن تلك الممارسات التوسعية الظالمة ومن هنا كانت محاولته تعديل المسيرة ورفض السياسة المطمعية والتوسعية للخلفاء الاخرين الذين سبقوه، وحين يقرر الاستاذ احمد صبحي على عدم سلامة نهج اصحاب وخلفاء الرسول
و للاشارة والمقارنة وليس للتاكيد نرى اقتراب كلا من نظريتي الاستاذين سمير واحمد صبحي بقدر ما من نظرية الفقه الشيعي في مصداقية على دون سواه من خلفاء الرسول الذين ذهبوا بعيدا بالاسلام عن حقيقته الى جاهلية وتقهقرقيَّمي وغزو ، هو اخطر من حال الناس قبل نزول الوحي وكان ذلك يتم بأستعارة اسم الاسلام وحمله من قبل اناس ونهج(جاهليّ) ليس لهم صلة بالقران ، ويرى بعضهم ان ثمة انقلاب شخوص وقيم ومفاهيم قد حصل هنالك مما يؤدي ان شخوص هؤلاء تحمل في داخلها النفاق السابق لوفاة الرسول وحال حياته ومن ثم ظهر ذلك بعد وفاته
وحجر الاساس بالنسبة الى اصحاب هذه النظرية هو التفسير السلمي التام لدعوة الاسلام ،وبالتالي فان الفتوحات التي قام بها الخلفاء هي مما يخالف الاسلام
جميع من يتناول موضوع الخلافة بعد الرسول (الا قليلا)لا يرى حصول ( انقلاب علي ) وبناءا على معطيات الروايات التاريخية وليس على معطيات التحليل للوقائع والاحداث ، هذه المعطيات الروائية مقبولة وموحدّة عند جميع الاتجاهات وخصوصا عند الفكر السني الذي يرى ان علي كان مدافعا وغير راضيا عما حصل للخليفة عثمان
الا ان استعراض النتائج الضخمة التي تلت الانقلاب و التحليل العسكري والسياسي لحيثيات الانقلاب تؤدي الى الاستنتاج وبمصداقية كبيرة نحو حدوث انقلاب وبصورة مباشرة من قبل فئة مؤيدة لعلى ابن ابي طالب
ولي في ذلك تقرير بعنوان(الانقلاب الدموي الهاشمي )،ولمن يريد المزيد الرجوع اليه
ليس الغرض من هذا البحث هو تقييم او سرد تاريخي او التحزب الى هذه الفئة من الاصحاب وتنزيهها دون تلك فنحن بغنى عن مثل ذلك ، ولأن الاسلام ليس مرتبطا بسلوك اشخاص وليسوا شهودا على الاسلام وانما ينبغي ان يكون الاسلام هو الشاهد على اي احد من البشر ولا مكان لتنزيه البشر ولا لتشخيص الاسلام ، ولكن للامر متعلق ذي صلة بالنهج وبدلالة ايات على قدر كبير من الاهمية وهي محور هذا البحث
اي ان البحث هو لتقرير سلامة النهج من بعد الرسول من عدمه كما هو لتقرير الحالة السياسة والدينية حال حياة الرسول ،وتطابق ذلك من عدمه لدلالة ايات الله البينات في القران ،
وسبيلي الى ذلك طريقين اثنين :-
الاول هو عدم وجود اي اشارات او معطيات على حدوث انقلا ب حال وفاة الرسول في حين وجود المعطيات الكبيرة والقوية على حدوث هذا الانقلاب الذي ادى الى زعامة علي ابن ابي طالب ردحا من الزمن
والثاني هو دلالة الايات القرانية على سلامة نهج ودين الخلفاء الثلاثة من بعد الرسول مع افتقار ولاية علي الى مثل هذه الدلالات
ووفق القصص القراني بشأن متبعي الرسول والمؤمنين له ، نستطيع ان نميز طبقة من المؤمنين و الاتباع والاركان للبناء السياسي والاداري والعسكري للهيئة الحاكمة و نستطيع ان نقرر انتظامها وفق نظام لابد منه كنظام حاكم له اسسه ومفرزاته العمليّة
ويتكون هذا النظام من عدة تشكيلات ، اهمها هي الادارة السياسية والهيئة العسكرية والهيئة الاستشارية والهيئة القضائية ، وفي الخطاب القراني يتبين جليا انه يخاطب كل فئة مختصة بشان ما ، فمثلا احدها للشان الحربي والاخرى للقضائي واخرى للسياسي واخرى شوري ،ويستطيع كل قاريء للقران التمييز بشأن هذه الخطابات
الذي يهمنا من هذا الموضوع هو ( البطانة) وهي الفئة الحاكمة والقريبة الى الرسول النبي والحاكم والقائد العسكري الاعلى ،واهم اركان هذه البطانة - ولابد ،وبسبب قربهم من الرسول- هم خلفاؤه الثلاثه الذين عقبوه بالحكم ولم يكن يتسنى لهم ذلك الا بسبب هذا القرب الشديد
هذه البطانة لا يمكن للرسول ان يخالف ربه بشأنها البتة حين وجهه الى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }آل عمران118

بل انه قام بأمر ربه خير قيام واتقن صنع البناء السياسي والعسكري الذي قام عليه امر الدين في حياته ومن بعده ، والا حكمنا بفشل الدعوة الدينية والبناء السياسي المرافق له ومنذ بدايته وقبل ان يحقق نتائج ذات جدوى
وبهذا التاسيس كانت الدولة من بعد وفاة الرسول ولم تكن غيرها ولم تكن هنالك اي اشارة الى حصول اي تبدل او تغيير او انقلاب
والى حين مقتل الخليفة الاخير في سلسلة الذين خلفوا الرسول اي عثمان ابن عفان رحمه الله ، في ذلك الحين انقطع التسلسل الاختياري الذي كان يأتي بالخلفاء الى سدة الحكم ، وكان الفرض الجبري الانقلابي بمنطق الواقع هو المهيمن على الارض
ونستطيع ان نتبين من احداث الخلافة الاولى والانقلاب على الخلافة الثالثة ان علي ابن ابي طالب لم يكن من الفئة السياسة والعسكرية -بطانة الرسول- لأسباب لا احد يستطيع البت فيها الا الله(في علم الغيب عنده)
نظرية الفقه السني لاترى اي انقلاب حصل منذ وفاة الرسول الى حين نهاية الدولة الاموية وانما هي مجرد فتن واضطرابات وحروب داخلية
بينما نظرية الفقه الشيعي ترى ان ثمة انقلاب وتحوُّل حصل حال وفاة الرسول وهيمنة بعض المريبين على السلطة ،
تتكون نظرية الفقه الشيعي من عنصر روائي هو حجر الاساس لها وهو الوصيّة الدينية والسياسية لعلي تحديدا ،وبالتالي تم مخالفة هذه الوصيّة واستئثار فئة اخرى بالهيمنة على وراثة الرسول ، ومثلها مثل نظرية الانقلاب الجديدة لا تعطي اي تفسير سياسي وعسكري لحصول الانقلاب ،ولم تعطي اي فكرة عن منظومة الحكم والدولة والقوة على الارض وكيف كان الوضع متاحا للأنقلابيين للانقضاض والهيمنة على مقاليد الامور ، بل تركت الباب مفتوحا لتسؤلات جمّة في شان التأسيس الرسالي لهذه الدولة ،واقتضت ان الامور في حياة الرسول كانت هملا وفوضى ، فبينما يوصي الرسول ويؤسس لأمر تراه يترك الحبل على الغارب لآخرين منافقين في الاستفراد بالهيمنة التي اتت أُكلها حين وفاته
وبنفس الطريقة تترك نظرية اللا نقلاب السنية- نهاية حكم عثمان- الباب مشرعا امام التسؤلات حول دور علي ابن ابي طالب في هذا الانقلاب وحول نتائجه وحول مقاومة الاطراف المناؤة لعلي لهذا الانقلاب ولا تستطيع الجواب على اي سؤال ،ولا يمكن الجواب على جميع هذه التسؤلات الا بتعيين انقلاب واحد هو انقلاب علي وذلك ضد نظرية الفقه السني(المتعاطفة مع قرابة الرسول ) واقترابا مع نظرية الفقه الشيعي الذي وافق و استراح لهذا الاستخلاف المخالف للخلافةالاولى وما تبعها الى حين مصرع عثمان ،
ولا يمكن الجواب على جميع هذه التسؤلات الا بنظرية انقلاب واحد هو انقلاب علي
الانقلاب المقصود في هذا البحث(الذي حصل والذي لم يحصل) هو انقلاب سياسي عسكري و منهجي قِيَمي خطير ويمس جوهر التاسيس القراني للمجتمع والدولة ،
الانقلاب المزعوم - الذي لم يحصل حال وفاة الرسول- المقصود منه ليس هيمنة اشخاص دون آخرين وانما هو تغيير للنهج وهيمنة فئة ذات اتجاه مغاير لتوجيه القران او هي- بزعم هؤلاء-فئة( قوم) المنابذة للرسول وبالتالي هي فئة كفر ونفاق وقد اعادت الدين الى عهد الجاهلية واوقفت السير بأتجاه استكمال انتشار السلم وبالتالي الاسلام الذي - بتعبيرهم- ماهو الا السلام والمدينية والديمقراطية وضد الغزو(كما في تعبيرهم ويقصدون الفتح الاسلامي) والاعتداء واحتلال بلاد الاخرين ،والتحول نحو الاستبداد والظلم والقومية والامبراطورية
بينما هو -بحسب نظرية الفقه الشيعي - مُخالفَة الوصية الدينية والسياسية للرسول الى علي والقاضية بالوصاية الدينية والسياسية له ولأولاده من بعده ،وبحصول هذا الانقلاب المزعوم فقد تم تغيير النهج الديني الى الذي لا يريده الله ، اي بتعبير آخر انتكاسة الى الجاهلية
انقلاب علي ابن ابي طالب دوافعه غامضة ولكن نتائجه كانت هائلة ،وهي انه ادى الى ايقاف المد التحرري الاسلامي والانشغال بحروب داخلية وفتن ،
اما في زعم كل من الشيعة وهؤلاء المنظرين الجدد فان دوافع الانقلاب اصلاحية وتمثل وقفة ضد الاستبداد والطغيان الامبراطوري والقومي للخلفاء والصحابة الاوائل ، ومحاولة العودة الى النهج الاسلامي المزعوم والذي خالفه هؤلاء الخلفاء بغيره والى درجة الارتداد الى الجاهلية ، في حين ليس للسنة موقف وتفسير واضح بل انهم وقفوا مع جميع اطراف النزاع بالتساوي وضد طرف وهمي اقتضاه عدم النيل من ابن عم الرسول وختنه ، لذلك اجملوا القضية بالمؤامرة واعتبروها فتنة ونبذوا اثمها الى اطراف يهودية وغامضة ومتآمرة وحرّموا النيل مِن اي مَن له اسم صحابي كمشارك في هذه الفتنة ،
وكان لقرابة علي ابن ابي طالب الى الرسول-عند السنة - عامل ضغط هائل في تجنب الخوض او الاقتراب من ادانة علي بشان هذا الانقلاب ، بينما يبدو واضحا من مسيرة الاستخلاف انه لم يكن من الفئة القريبة او الرجال حول الرسول او بطانة الرسول اي الفئة السياسية والعسكرية

اجمالي القراءات 13215