لكم دينكم ولي دين ..

عمرو اسماعيل في الأربعاء ٠٤ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

أثارت محاضرة البابا في ألمانيا ردود فعل غاضبة في العالم الاسلامي .. كما أثارت نفس المحاضرة النقاش حول قضية حوار الأديان علي مستوي العالم وخاصة المتحضر منه .. ردود الفعل الغاضبة في العالم الاسلامي طالبت البابا بالاعتذار .. والبابا أبدي أسفه إن كانت محاضرته قد فهمت في العالم الاسلامي علي أنها إهانة للإسلام وأن ما اورده علي لسان أحد قياصرة الدولة البيزنطية في العصور الوسطي لا يعبر عن وجهة نظره في الاسلام ثم دعي الي حوار جاد مع العالم الاسلامي .. و الأزهر وعلماء الاسلام وإن كانوا يقبلون الحوار كمبدأ ولكنهم قرروا تعليق هذا الحوار حتي يعتذر البابا .. وهو طبعا لن يعتذر .. وحسنا فعلوا وحسنا فعل البابا .. فحوار الأديان ما هو إلا حوار الطرشان ولن يؤدي الي أي شيء سوي إلي إثارة تعصب أتباع كل الأديان وقادتهم الي دينهم ... ولا بد خلاله أن تبدر ملاحظة هنا أو هناك ضد دين من الأديان تثير ردود فعل غاضبة في الجانب الآخر .. خصوصا أن هناك دائما متربصين علي كل جانب يريدون إثارة النعرات الطائفية والدينية لغرض في نفس يعقوب ليس له علاقة بالدين .. ويسربون ما يحدث في الغرف المغلقة وقاعات المحاضرات الي وسائل الإعلام لإثارة العامة واستغلال ردود الفعل سياسيا ..
حوار الأديان أثبت فشله مرارا وتكرارا ولن يؤدي الي أي نتيجة .. ولن يغير أتباع أي دين معتقداتهم .. لن يغير اليهود رأيهم في المسيحية ولا في السيد المسيح ولن يعتبر المسيحيون الاسلام دينا سماويا .. ولن يغير المسلمون رأيهم في طبيعة المسيح و لا رأيهم في تحريف التوراة والإنجيل ..
إذا ماهو الحل ..
الحل في رأيي المتواضع هو عنوان هذا المقال وهو مقتبس من القرآن الكريم .. أن يقول أتباع كل دين لمن يريد الجدال حول ما هو الدين الحق ... لكم دينكم ولي دين .. وفي نفس الوقت يتفقون علي التعايش السلمي وقبول تواجد الآخر .. لسببب بسيط أنه لن يمكن التخلص منه ..
لن يستطيع المسيحيون هداية اليهود الي المسيحية ولن يستطيعون التخلص من المسلمين .. والعكس صحيح ..
لقد حاول الجميع فعل ذلك منذ ظهرت الأديان السماوية وكلهم فشلوا .. رغم كمية الدماء التي أريقت في هذا الصراع العبثي .. حتي داخل كل دين لم يستطيع أتباع أي مذهب التخلص من أتباع المذاهب الأخري .. لم يستطيع الكاثوليك التخلص من الأرثوذكس أو البروتستانت أو العكس رغم أنها الدماء التي أريقت لتحقيق ذلك .. ولم يستطيع المسلمون السنة التخلص من المسلمين الشيعة أو العكس رغم الدماء التي أريقت بسبب ذلك ومازالت تراق حتي الآن في العراق ..
لقد مارس كل أتباع الأديان القسوة والعنف باسم الدين في مراحل مختلفة من التاريخ .. وهو مايجب أن نضعه وراء ظهورنا .. وأن تتفق الإنسانية كلها من خلال المؤسسة التي تجمعهم جميعا .. الأمم المتحدة علي تجريم العنف أو التحريض عليه باسم الدين .. وأن تعلق عضوية أي دولة لا تحترم هذا القانون ويمنع التعامل معها من خلال مؤسسات الأمم المتحدة .. وتترك لتري بنفسها ويري شعبها أن الحياة علي الكرة الأرضية شبه مستحيل دون التعاون مع المجتمع الدولي ومع الشعوب والحضارات والأديان المختلفة .. كان هذا مايجب أن يحدث مع أفغانستان تحت حكم طالبان والقاعدة دون الحاجة لغزوها .. مع إصدار مذكرة قبض دولية للقبض علي من خطط وساعد في تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر .. إن هو جرؤ علي الخروج من الكهف الذي يختبيء فيه .. وهو ما يجب أن يحدث الآن مع الصومال تحت حكم مايسمي المحاكم الاسلامية والي أعادت ذكري ما كانت تسمي دولة طالبان سيئة الذكر وكل ما ارتكبته من جرائم ضد الانسان البسيط في أفغانستان بحجة هدايته وتديينه بالقوة في استنساخ لمحاكم التفتيش علي الجانب المسيحي في العصور الوسطي ..
من حق كل منا أن يؤمن بما يريد .. ولكن ليس من حقه أن يفرض إيمانه هذا علي الآخرين بالقوة ..
من جق المسلمين وأنا منهم أن نؤمن أن الدين عند الله هو الاسلام وأننا خير أمة أخرجت للناس .. ولكن ليس من حقنا أن نجبر الآخرين بأي طريقة كانت علي موافقتنا في ذلك .. أو نمنعهم من الإيمان بالعكس ..
ومن حق اليهود أن يؤمنوا أنهم شعب الله المختار .. دون أن يجبرونا علي موافقتهم ..
ومن حق المسيحيين والبابا أن يؤمنوا أن المسيحية هي الدين الحق وبطبيعة المسيح الإلهية وأنه المخلص .. دون أن يجبرونا علي موافقتهم ..
الحقيقة المرة تقول أن أتباع أي دين يهينون الدين الآخر ورموزه يوميا .. في صلواتهم ومحاضراتهم وكتبهم المقدسة وغير المقدسة .. ولكن الأمر لا يجب أن يخرج عن هذه الحدود الي القتل والتدمير والعنف ..
ليقل البابا مايريد .. فمهما قال ... فسلطته لن تخرج عن حدود الفاتيكان الذي اصبح في الحقيقة لا يخرج عن كونه مزارا سياحيا حتي للأوروبيين أنفسهم ...
ومهما قال علماؤنا الأفاضل فلم يستطيعوا إجبار البابا علي الاعتذار ولن يستطيعوا ..
والمنتجات الدانماركية عادت الي أسواقنا .. رغم كل الإثارة التي حدثت بعد مشكلة الرسوم الكاريكاتيرية ودعوات المقاطعة ..
إن الصراع القائم في العالم الآن هو صراع سياسي واقتصادي ويحب إبقائه في هذه الحدود .. لأن تحويله الي صراع ديني لن يؤدي إلا إلي إراقة المزيد من الدماء والقسوة والعنف .. لأن من يقتل وهو يفعل ذلك مقتنعا أنه يقتل باسم الله لا يعاني من تأنيب الضمير ويتحول الي اسوا نوع من القتل ... القتل بدم بارد مع تخيل البطولة الكاذبة والشهادة وحور العين في الجنة ..
لا نريد حوارا .. لن يفيد أحدا .. ولكن نريد الاتفاق علي التعايش السلمي وقبول الآخر المختلف .. وأن نتوقف عن اعتبار هذا التعايش تسامحا .. فكلمة تسامح تعني أن الآخر علي خطأ .. وهي ترجمة خاطئة لكلمة Toleration ..

نريد أن تكون العلاقات الدولية والحضارية بين الدول والشعوب والحضارات والثقافات المختلفة أساسها الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل أو التبادلية أو ما يطلق عليه بالإنجليزية Reciprocity .. المعاملة بالمثل بمعني أن الإنسان المسلم في الغرب من حقه أن يقيم شعائر دينه بحرية بل ويدعو اليه طالما يفعل ذلك بالحكمة والموعظه الحسنة بطريقة سلمية وبعيدا عن العنف أو التحريض عليه .. ونفس الشيء للمسيحي في الشرق .. من حقه أن يقيم شعائر دينه بحرية تامة والدعوة اليه طالما يفعل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة يعيدا عن العنف أو التحريض عليه ..
إن حرية العقيدة هي أبسط حق وأهم حق من حقوق الانسان .. ومحاولة تقييد أو منع هذا الحق كان السبب الرئيسي في كثير من الحروب الدامية في العصور الوسطي ودفع الكثير من الشهداء في كل الأديان حياتهم ثمنا لهذة الحرية ..

لماذا لا نقتنع جميعا بل ويصدر قانون دولي بذلك أن نترك لله عمله الأساسي والمنصوص عليه في كل الأديان السماوية وكتبها المقدسة .. حساب الإنسان في الآخرة علي اختياره العقائدي في الدنيا .. كفانا محاكم تفتيش سواء كانت مسيحية أو اسلامية ..
وإن أراد أي متعصب من أي دين .. أستطيع أن أورد له عشرات الآيات من كتبه المقدسة تؤكد هذا المعني .. وعليه أن يرجع لها ويتدبرها ..
الله هو العدل والحب والتسامح ويأمرنا بالدعوة اليه بالحكمة والموعظة الحسنة في أي دين سواء كان هذا الدين هو الاسلام أو المسيحية أو اليهودية أو حتي الأديان الأرضية .. ومن يفهم في أي دين أن الله يأمرنا أن نجبر الآخرين علي الإيمان به بالقوة .. هو لم يفهم في الحقيقة كتابه السماوي سواء كان هذا الكتاب هو القرآن أو الكتاب المقدس بعهديه القديم أو الجديد ..
لماذا نصر أن نحمل الله مساوئنا وهو من أنزل الكتب السماوية وبعث بالرسل لكي نتخلص من هذه المساويء .. إن القهر والفرض في أي دين يخلق منافقين وليس مؤمنين ..
لنا جميعا الله ..

عمرو اسماعيل
اجمالي القراءات 10167