نقول ثور يقول إحلبوه

شريف هادي في الجمعة ٢٩ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من عظمة المصريين عبر التاريخ ، أنهم شعب مثقف بطبيعته ويعرف كيف يواجه الحالات الحرجة والميئوس منها بكلمات بسيطة في لفظها معبرة في معناها ، فقد كانوا يواجهون الغير بالأمثال الشعبية ، فعندما يتطاول عليهم قزم يقولون له (فنجري بق) ، وعندما يدعي الغنى معدم يقولون (أقرع ونزهي) ، وعندما يدعي الزهد والورع فاسق أو زنديق يقولون (ميه من تحت تبن) ، وعندما يحاول جاهل التدخل فيما لا يعنيه ويحاول وضع أنفه في موضوع لا يتقنه يقولون له (اعطي العيش لخبازه) .... وهكذا!
وهم بذلك يكشفون الم&OacuOacute;تور ، ويخبرون من يحاول الضحك عليهم أو اللعب بعقولهم أو السخيرة والاستهزاء بهم أنهم يكشفونه ويعرفون مقصده.
ومن إبداع المصريين أنهم عندما يحاول أحدهم قلب الحقائق وإستخدام مقدمات للتدليل على نتائج لا يمكن استساغة حدوثها بهذه المقدمات ، ويجادلهم جدل هابط ، وبعد محاولات عديدة لإقناعه بأنه على خطأ وبهشاشة موقفه وفساد إستدلاله ، وهو متشبس بموقفه ومصمم عليه رغم عدم معقوليته ، فتجدهم وبحكمة جائت عبر خبرة سبعة آلاف سنة كاملة يقولون له (نقول تور يقول احلبوه) ، نعم عندهم حق فكيف سنستخرج اللبن من ثدي الثور ، فهو ليس بقرة حلوب ولكنه ثور ، فكيف تصمم على حلبه؟
وهذه المرة أعرف تماما لماذا تذكرت هذه الأمثال المصرية التي ابتكرها أجدادي عبر العصور المختلفة ، وتركوها لنا رغم بساطتها فهي تعبر عن مخزون ثقافي هائل تجمع لدى الشعب المصري بكل طوائفه قلما يحدث لشعب آخر أو لقومية أخرى غير الشعب المصري ، أقول هذه المرة أعرف لماذا تذكرت هذا المثل الشعبي العظيم ، تذكرته وأنا أرى من يجادل بالباطل ليدحض به الحق مدعيا أن الصلاة ثلاث فروض وأن الظهر والعصر ما أنزل الله بهما من سلطان ، وأن المسلمين فجأة وبعد موت الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بعشرين سنة أو يزيد قليلا ، أغار الشيطان الرجيم على عقولهم وهم نيام فاستيقظوا على بدعة صلاة الظهر والعصر ، وقد أتفقت نواياهم وتلاقت إراداتهم رغم بعد المسافات وبساطة وسائل الاتصال بينهم على التغيير في شكل الصلاة وعددها هاجرين كتاب الله الذي بين أيديهم متمسكين بتلابيب الشيطان الرجيم تعلق الطفل الذي يحبوا بتلابيب امه ، ولم يشذ منهم واحد فقط بقى على الأصل الذي لم يطوله التغيير على حد قولهم.
بل والأدهى والأمر أنهم قرروا أن يفسروا قول الله سبحانه وتعالى " يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون" الجمعة 9 ، على هواهم ووفقا لمخزونهم الثقافي الهائل في نظرهم أو نظر الاستاذ صالح بنور لا يهم ، بأن يوم الجمعة هو اليوم الذي يجتمع فيه الناس للسوق ويختلف من بلد لبلد وأنه لا صلاة في يوم الجمعة المعروف لدينا ، مع أن اللغة العربية وهي لغة القرآن الذي نزل على محمد عليه الصلاة والسلام تعلمنا أن هناك ما يسمى بـ (من) التبعيضية ، وهي هنا من يوم الجمعة أي في جزء معلوم من هذا اليوم وهي الصلاة التي تواتر أداء المسلمين لها من عصر الرسول (ص) إلي عصرنا هذا ، وذلك على غرار قوله تعالى "ومن الناس... الآية" أي بعض الناس وليس كلهم والأمثلة كثيرة من كتاب الله.
ثم أن بعض الناس بعد أن علموا أن لا نبي بعد النبي محمد لقوله تعالى" ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما" الأحزاب40 ، فلما لم يكن هناك نبي بعد النبي ، فلماذا لا يكون هناك رسول وليس نبي كأحمد قاديان أو رشاد خليفة ، ولماذا لا يكون هناك مبعوث وليس نبي كصالح بنور ، ونحن في انتظار أن يأتي ويقول وأيضا هناك مندوب ومفوض وممثل ، والأمر لله من قبل ومن بعد.
وقبل أن أنتقل من موضوع الصلاة أقول ما قلته من قبل ومازلت أقوله وأصر عليه أن الأمر بالصلاة من كتاب الله سبحانه وتعالى ، أما كيفية الأداء من فعل رسول الله(ص)وفقا لمراد رب العالمين وهو ما يفسر قوله تعالى" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
ثم أن الآيات التي يعتمد عليها من يقول أن الصلاة ثلاث وهي قوله سبحانه وتعالى" واقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" هود 114 ، وقوله سبحانه وتعالى" اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقران الفجر ان قران الفجر كان مشهودا" الأسراء78 ، الشاهد في هذه الآيات أن المخاطب فيها هو رسول الله (ص) ، فهو المطالب بفهم الآية وتفسير كيفية الأداء وحده دون باقي المسلمين وفقا لمقصود رب العالمين ، والمسلمين مطالبين بالتنفيذ بالكيفية التي أدى بها رسول الله (ص) ، دون إعمال عقولهم في محاولة تفسير النص القرآني في هذين الآياتين والموقوف تفسيره وفهمه وفقا لتفسير رسول الله له وأداءه له ، والشاهد كما قلت قوله (أقم الصلاة) بصيغة الأمر المفرد لرسول الله فهو أذا المطالب بفهم معنى طرفي النهار وزلفا من الليل ودلوك الشمس وغسق الليل.
سيقول أحدهم لماذا أوقفت فهم النص على الرسول؟ أقول أولا لأن الأمر جاء مفردا في هذين الآيتين ، وجاء جامعا وعاما في آيات أخرى ، كما أن أفضل تفسير للقرآن ما كان منه بالقرآن ، فلنتدبر قوله تعالى" انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري" طه14 ، الشاهد هنا أن الأمر لموسى عليه السلام بمفرده ، فلما أنضم إليه هارون قال لهم الله سبحانه وتعالى " ولا تنيا في ذكري" فأصبح هارون مطالب بالعبادة مع موسى ، ولكن يكون الأداء وفقا لفهم موسى ، ولنتدبر قوله تعالى " اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون" العنكبوت45 ، والشاهد هنا أن الأمر بالتلاوة ، وبإقامة الصلاة جاء مفردا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المطالب بتبيان الأداء وهو صاحب المنهاج أما الأمر بالأداء المجرد بعد تبيان الرسول له يكون للمسلمين جميعا والشاهد قوله في آخر الآية(والله يعلم ما تصنعون). ، ولنتدبر قوله تعالى" يا بني اقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور" لقمان17 ، وهو أمر من لقمان لإبنه مباشرة والشاهد أن الولد سيقيم الصلاة وفقا للهيئة التي يعرفها أبوه صاحب فعل الأمر بالصلاة ، فهل نستكثر على رسول الله أن يؤديها وفقا لمشيئة الله وإرادته على الهيئة التي أرادها الله وأن يتعلمها منه المسلمين على ذلك كابرا عن كابر ، فنستكثر عليه ما نثبته لأبن لقمان الحكيم؟
مع اعتقادي بحسن نية جميع الإخوة الكتاب والمعلقين على هذا الموقع الكريم ، فأنا لا أحب أن أعود للمخزون الثقافي الهائل لأجدادي المصريين ، وأقول أن الموقع عندما سمح للبعض بالكتابة على هذا الموقع وفقا للمثل الشعبي المصري (سلم القط مفتاح الكرار)
يتبع بموضوع آخر إن شاء الله
شريف هادي

اجمالي القراءات 26988