كيف نوازن بين حقوق الصحافة وواجباتها؟ (1-2)

مجدي خليل في الثلاثاء ١٢ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تمثل الصحافة ووسائل الإعلام عموما احد اهم وسائل التأثير فى الرأى العام، واحدى وسائل ما تعرف ب" القوة الناعمة" للدول، وفى بعض الدول اهم أدوات قوتها الصلبة كما فى دولة قطر والتى تعد الجزيرة هى جيشها وقوتها الصلبة الضاربة و احد أهم ادوت السياسة الخارجية القطرية. ولا ينكر احد مدى تأثير وسائل الإعلام السعودية فى المنطقة بإمتلاكها لمجموعات إعلامية متقدمة مثل ال ام بى سى والعربية والشرق الأوسط والحياة وايلاف حتى أن رئيس الوزراء المصرى قال مؤخرا فى حوار مع صحيفة مصرية بأن اهم صحيفتين فى الوطن العربى هما الشرق الأوسط والحياة، وهو كلام نقوله منذ سنيين ومعروف للمتابعين لاوضاع الإعلام العربى. ولعقود طويلة كانت أهم المؤثرات المصرية فى المنطقة عبر قوتها الناعمة التى تتمثل فى الثقافة والإعلام والسينما وحتى اللهجة المصرية وقد تراجع دور مصر بشكل ملحوظ فى تأثيراته الناعمة فى المنطقة.
ويختلف الناس على دور امريكا ولكن لا ينكر احد مصداقية ونزاهة صحف مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست وغيرهما من وسائل الإعلام الامريكية المتعددة. وترتكز الصحافة المستقرة المتقدمة على ساقين يمثل احدهما الحقوق والحريات ويمثل الآخر المسئوليات والواجبات، وبناء على التوازن بينهما يمكن تقييم وضع الصحافة فى أى بلد. وهناك ركائز رئيسية تتشكل منها حقوق الصحافة وتمثل العمود الفقرى لحريتها وإذا توفرت هذه الركائز نستطيع ان نقول ان هناك حرية صحافة فى هذا البلد أو ذاك ومن أهم هذه الركائز ما يلى:

اولا: الحق فى إصدار الصحف كشركات، أى بالاخطار وليس بالترخيص.
وهذا الحق غير متوفر فى مصر ولا فى اى دولة عربية، فرغم الإنفجار فى عدد المطبوعات المصرية إلا إن إصدار صحيفة فى النهاية هو قرار سياسى يصدر عن مؤسسة رسمية هى المجلس الأعلى للصحافة،وقبل ذلك لا يتم إلا عبر ضوء اخضر من الأجهزة الامنية التى تمنع وتمنح وفقا لمعايير امنية ليس لها علاقة بحرية الصحافة أو نزاهتها، ولهذا توجد فى مصر الكثير من الصحف الخاصة والحزبية ولكن لا توجد صحف مستقلة، فالكلام عن صحف مستقلة فى مصر هو وهم لا وجود له.
الصحيفة سلعة مثل أى سلعة تصدر عن شركات تكسب وتخسر وتتوسع وتفلس، والتحكم فى إصدار الصحف هو تحكم فى البيئة الحاكمة للصحافة وهو توجيه للخطوط الرئيسية للعمل الصحفى وللصحافة وتوجهاتها والاطر التى تتحرك فيها.

ثانيا: الحق فى الحصول على المعلومات
الخبر والتحقيق والتقرير والتحليل السياسى كلها امور قائمة على توفر المعلومات الصحيحة ولهذا توجد فى الدول المتقدمة قوانيين تقنن حق الحصول على المعلومات بعيدا عن التسريب والتخمين، فبدون معلومة تصبح الصحف فقيرة إعلاميا وبدون معلومة صحيحة تفقد الصحف مصداقيتها، وميزة حق الحصول على المعلومات إنها تمنع الإنتقائية وتجعل المهنية هى معيار النشر وليست الإنتقائية الموجهة فى حالة التحكم فى المعلومات من قبل الحكومات. والتحكم فى المعلومات هو أداة من أدوات النظم المستبدة تستخدمها لتوجيه الإعلام والإنتقام من خصومها وإبراز محسوبيها وشللها... وفى النهاية هو إعتداء على حق المواطن فى المعرفة.

ثالثا:إلغاء الحبس فى قضايا النشر
وهى حقوق حصلت عليها الصحافة فى الدول المتقدمة منذ حوالى مائتى عام، فلا يجوز حبس شخص بسبب اراءه مهما إن كانت هذه الاراء، ولا يجوز حبس صحفى بسبب القذف والسب والإهانة...فقط الدعوة للعنف والقتل هى التى تعتبر جرائم تستوجب العقاب الجنائى حماية للمجتمع. وضمان عدم الحبس فى قضايا النشر لا تنطبق على الصحفيين فقط ولكن على المواطن العادى الذى ينشر رأيا فى الصحف، وقد حكمت محكمة مصرية فى 2006 على الشاب المصرى كريم عامر(22 سنة) بالحبس اربعة اعوام نتيجة نشر مقالة على الانترنت!!!، كما تم فصله من جامعة الازهر نتيجة لاراءه أيضا التى نشرت فى مدونة الكترونية فهل هذا يعقل؟، وهل يعقل أن يقدم صحفى للمحاكمة لأنه نشر خبرا حول صحة الرئيس المصرى رغم أن القاسى والدانى يعلم أن الرئيس المصرى يعانى من متاعب صحية وسقط من قبل وهو يتحدث أمام مجلسى الشعب والشورى على مرأى من ملايين المشاهدين؟.
ولا يعنى عدم حبس الصحفيين إنتفاء العقوبة فى حالة السب والقذف وإنما يجب تغليظ العقوبات المالية وإن أدى ذلك إلى إفلاس الصحف التى لا هم لها سوى التطاول على الناس وإبتزازهم ونشر ثقافة هدامة تطول الأديان والأشخاص وحرمة الحياة الخاصة وتنتعش على نشر الاخبار الكاذبة والتحقيقات المفبركة والتقارير المزيفة والفضائح المختلقة.

رابعا:حق الصحفى فى الاحتفاظ بسرية مصادره بدون تهديد
وهى قضايا نوقشت فى امريكا على اعلى مستوى خلال ازمة ما عرف باوراق البنتجون عام 1972 وفى عام 2005 فى قضية جوديث ميللر الصحفية السابقة فى جريدة النيويورك تايمز والباحثة حاليا بمجلس العلاقات الخارجية الامريكية بنيويورك لإصرارها على الاحتفاظ بسرية المصدر فى قضية البرنامج النووى العراقى وسجنت فى 6 يوليو 2005 لإصرارها على حقها فى حماية مصادرها السرية. وحق الاحتفاظ بالمصادر هو حق مقنن فى امريكا على مستوى الولايات ولكنه غير مقنن على مستوى القضاء الفيدرالى،ويسعى الصحفيون الامريكيون بجعل الاحتفاظ بسرية المصدر مقنن فيدراليا مثل حق المحامى مع موكله والطبيب مع مريضه.
وهناك فرق بين هوية الجريمة وهوية المصدر، فالابلاغ عن الجريمة ومحاولة منعها هو حق أساسى للمجتمع أما هوية المصدر فتخضع للسرية فى حالة الطبيب مع مريضه والمحامى مع موكله فكلاهما له الحق الفيدرالى فى التستر على عميله بدون عقوبة، ويسعى الصحفيون فى امريكا فى الحصول على هذا الحق فيدراليا.
ووقتها دار النقاش على أن الحكومة الامريكية أحيانا تسرب معلومات ضد خصومها للتشهير بهم وحماية المصدر فى هذه الحالة هو تستر على إبتزاز الحكومة لمواطنيها.. ومازال النقاش دائرا ويحتاج إلى تقنيين متوازن ، ولكن فى النهاية يشكل حماية المصدر من التهديد جزءا أساسيا من حرية الصحافة.

خامسا: الفصل بين التحرير والإدارة
يشكل الفصل بين التحرير والإدارة عاملا مهما فى حرية الصحافة، حيث تكون المهنية فقط هى معيار النشر ويتبع الإعلان الإدارة وليس التحرير. ولا تستقيم حرية الصحافة بدون هذا الفصل، فهو يحمى الصحف من تأثير المال ومن التدخلات الشخصية للمالكين ولا يتم ذلك إلا عبر أطار مؤسسى ومن خلال اتفاقيات واضحة لحدود الإدارة وحدود التحرير وإختصاصات كل منهما.
ويترتب على هذا الفصل ضعف تأثير العوامل الخارجية على توجهات الصحف، فلو اشترت دولة عربية مليون نسخة يوميا من النيويورك تايمز مثلا فلن يمنع إدارة التحرير من انتقاد هذه الدولة، عكس هذا يحدث فى مصر والدول العربية، فهناك دول عربية محددة تشترى آلاف النسخ من صحف بعينها وتحيدها تماما تجاه أخبار تنتقد أوضاع هذه الدولة ولا تنشر عنها إلا النفاق وأخبار تجميلية كاذبة.

سادسا: منع الإحتكار
لا يستقيم مفهوم حرية الصحافة مع إحتكار ملكية الصحف سواء للحكومات او لاشخاص بعينهم. ولهذا ينتفى مفهوم حرية الصحافة فى الدول التى تسيطر على ملكية الصحف أو تسيطر على النصيب الأكبر منها، ويقف ضد إحتكار الصحف حق أى شخص فى إصدار صحيفة كما قلت بمجرد الاخطار.
ولا ينطوى الاحتكار على الملكية فحسب وأنما على المعلومات وعلى حق اصدار الصحف فكلاهما احتكار، فاحتكار الملكية واضح وإحتكار المعلومات هو توجيه لحرية الصحافة وإحتكار حق الاصدار هو توجيه أيضا لحرية الصحافة ورسالتها، وكل ذلك يقف على النقيض من مفهوم حرية الصحافة.

سابعا: تعددية الصحف وتنوع إتجاهاتها
يشكل حق جميع المواطنيين على مختلف تنوعاتهم العرقية والدينية والنوعية والايدولوجية ركنا اساسيا من حرية الصحافة، فلا تستقيم حرية الصحافة ووضع عوائق امام فئة او جماعة معينة امام التعبير عن نفسها من خلال حق إصدارها لصحفها الخاصة ووسائل الإعلام المختلفة، ولا تستقيم حرية الصحافة ومحاولة التعتيم أو تهميش جماعة معينة فى الصحافة المملوكة للدولة، فبقدر تنوع وشمولية وتعدد التناول الاعلامى بقدر الثراء المجتمعى، وفى النهاية تنتفى حرية الصحافة فى حالة وجود موانع او عوائق أو بيئة مانعة لاظهار تنوع المجتمعات وإختلافاتها فى وسائل الإعلام.

وأخيرا: الحق فى التعبير عن الرأى بدون قيود أو خطوط حمراء
وهذا حق أساسى ومبدئى من حقوق الصحافة وهو حق النشر والتعبير بدون أى رقابة من أى نوع سواء كانت رقابة حكومية أو قانونية أو مجتمعية أو وجود خطوط حمراء يمنع الأقتراب منها.
وفى مصر تم كسر الكثير من المحظورات ولم يتبقى إلا ثلاثة وهى المتعلقة باخبار الجيش المصرى والاجهزة المخابراتية وتناول الأحكام القضائية بالنقد والرفض، وحق التعبير الحقيقى لا يستثنى شخص أو مؤسسة من النقد والتناول.

هذه هى الركائز الأساسية لحرية الصحافة إذا توفرت نقول إننا إزاء صحافة حرة،ومعظم هذه الركائز غير متوفر فى حالة مصر رغم الحديث والتصريحات الرنانة بأن هناك حرية صحافة فيها، ولهذ تصنف مؤسسة فريدوم هاوس مصر من الدول التى تخلو من حرية الصحافة وتضع منظمة مراسلون بلا حدود مصر فى ترتيب 101 من 139 دولة مرتبة حسب حريات الصحافة بها.

هذا عن معايير حرية الصحافة فماذا عن واجباتها ومسئولياتها هذا ما سوف نناقشه فى المقال القادم.

اجمالي القراءات 15928