بين الشيخ محمد الغزالى وأحمد صبحى منصور

عبداللطيف سعيد في الثلاثاء ٠٣ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


بين الشيخ محمد الغزالى وأحمد صبحى منصور
عبد اللطيف سعيد

الدكتور احمد صبحى منصور شخصية مثيرة للجدل بآرائه الجديدة وجرأته الشديدة ومنهجه العلمى الحاد ، ومعظم من يقرأ له بين أن يكون معجبا به غاية الاعجاب أو يكون ساخطا عليه أشد السخط.
ومن البداية اقول اننى معجب بما يكتبه الدكتور أحمد صبحى منصور ، وقد تخصصت فى كتاباته منذ كنت طالبا فى الجامعة الأزهرية ، ويسوؤنى هذا الهجوم البذىء الذى يتعرض له الدكتور صبحى والذى ينصب ليس على مقالاته ولكن بتأليف أكاذيب عن شخصه.
قبل اعجابى بالدكتور منصور كنت معجبا بالشيخ محمد الغزالى ، ولفت نظرى ما قاله الدكتور منصور فى مقدمة كتابه المشهور ( حد الردة ) المنشور على الانترنت ، عن علاقته بالشيخ محمد الغزالى ، قال د. أحمد منصور عن الغزالى :
(وقف الشيخ محمد الغزالي يدافع عن القتلة في المحكمة التي حولها الطاغوت السلفي الى محاكمة للقتيل وليس القاتل. قال الغزالي ان القتلة افتأتوا فقط على السلطة حين بادروا بقتل فرج فودة وهو مستحق للقتل باعتباره مرتداً.
قبل ذلك كانت العلاقة بينى وبين الغزالي تدخل طور الاستحسان .كان يهاجمنى فى جلساته الخاصة التى يحضرها اصدقاء لى ، وقالوا لى انه نشر مقالا عرض فيه بى تحت لقب " أغلمة العلم " ـ اغلمة جمع غلام ـ ولكن جهد الأصدقاء المشتركين جعله يقرأ بعض كتبى وبعض مقالاتى التى كانت تنشر فى بعض الصحف المصرية الرسمية والحزبية، وتغيرت نظرته لى وكما قيل كان يأمل خيرا فى مستقبل الأزهر اذا تم تجاوزالمشاكل بينى وبينهم وعدت الى الأزهر لأعيد حركة الاجتهاد التى بدأها الامام محمد عبده. وكان على نفس الرأى الشيخ عبدالله المشد رئيس لجنة الفتوى فى الأزهر وآخرين من الشيوخ غير الأنذال. بدأ الغزالى بنفسه توطيد هذه العلاقة من طرف واحد حين نقل كثيراً من آرائى في كتابه المشهور عن (السُنَّة بين أهل الفقه وأهل الحديث) ليمهد لقبول آرائى فى المجتمع الأزهرى والفقهى. ورددت عليه التحية بأحسن منها حين راجعت له رسالة دكتوراه عن "علم الحديث في القرن السادس الهجري" كتبها باحث في كلية دار العلوم ، وكان الغزالي احد أعضاء لجنة المناقشة.وقد ارتعب من حجم الرسالة وعنوانها فارسلها لى ـ عن طريق صديق مشترك لا يزال حيا يرزق ـ لأتفحصها عنه ولأسجل ملاحظاتى عليها. وكتبت له تقريرا كاملا عنها منهجيا وموضوعيا، وبهذا التقرير كان الشيخ الغزالى فى أثناء مناقشة الرسالة هو الفارس من بين أعضاء اللجنة يصول ويجول على الباحث المسكين . وليرد على التحية بأحسن منها نشر الغزالي كتابه " تراثنا الفكرى " يشيد بى وينقل عنى مقالا قديما اقحمه في السياق. كما اقحم في الكتاب فتوى عن انكار السنة صيغت خصيصا من الشيخ المشد رئيس لجنة الفتوى في الأزهر للدفاع عنى، وكان لا بد من نشرها وتوثيقها علنا فقام الغزالي بوضعها في كتابه. وانتظر أن أرد تحيته فاذا بشهادته المسمومة ضد فرج فودة تطيح بكل جهود الشيوخ الشرفاء في التقريب بيننا.
هاجمت الغزالي بقسوة في مقالات متتابعة في جريدة "الأهالى " كان منها : "الغزالي ينهزم أمام فرج فودة بعد موته"، " الغزالي يرد على الغزالي "،وفى هذا المقال نشرت ماكتبه الغزالى نفسه فى تأكيد حرية العقيدة فى الاسلام وبأن مايعارض ذلك ليس الا أكاذيب، وهذا ماتناثر فى كتابه "السنة بين اهل الفقه والحديث" والذى تاثر فيه بكتاباتى واتهموه من اجله بانكار السنة، وكتبت أيضا مقالا آخر اهاجمه وغيره من الشيوخ وأحلل موقفهم من فرج فودة تحت عنوان: " لأنه كفر بهم ". )
هذا ما قاله الدكتور احمد عن الغزالى، فهل صحيح ان الغزالى قال ما قال عن احمد صبحى منصور فى كتابه ( نصور فى كتابه ( تراثنا الفكرى ) :
بحثت خصيصا عن كتاب ترائنا الفكرى ووجدته ، وقد تمت طباعته أكثر من مرة فى دار الشروق وفى المعهد العالمى للفكر الاسلامى. يقول الغزال فى فصل "اعادة كتاب التاريخ" فى الصفحة 108 من الكتاب :
على المؤرخ المسلم ان يحدد موقف كل حاكم من واجبات دينه ، وهل أحسن اعداد الأمة لحمل رسالتها ام لا ؟
ومعروف انه وراء كل هزيمة فادحة اخطاء خفية او جلية فشت فى الأمة وأذهبت ريحها ، فهل بحثت هذه الاخطاء وتم التنبيه اليها و التحذير منها ؟ ام سجلت اخبار المد و الجزر والهزيمة كما تسجل وكالات الانباء خبرا عن عارضة أزياء او مباراة شطرنج !!
ليس هولاكو وحده :
كتب الدكتور احمد صبحي منصور هذا الفصل النفيس فى النقد الذاتي للتاريخ الاسلامي ، ننقله عنه مقدرين للفكر الذكى الذى أملاه .
"من بين عشرات السفاحين الذين أهلكوا الحرث و النسل يتمتع هولاكو بمكانة خاصة فى تاريخنا الاسلامي و العربي ، فهو السفاح الذى اطاح بالدولة العباسبة ، والذى قتل فى بغداد سنة 656 هـ ما يقرب من 2 مليون نسمة.
انه سجل دموي يستحق عليه هولاكو – بلا شك- كراهيتنا واحتقارنا ، ولكن المسئولية لا يتحملها هولاكو وحده .. !
اللوم ينبغى أولا ان يوجه الى امير المؤمنين المستعصم بالله العباسي ، الذى حمل أمانة المسلمين ففرط فيها، والذى مازال بعضنا يذرف الدموع حزنا عليه ، وعلى الخلافة العباسية التى تمثل حتى الآن حلما من أحلام اليقظة لدى بعض الناس فى عصرنا..
وقد وصفه المؤرخ ابن طباطبا بقوله : "كان مستضعف الرأى ، ضعيف البطش ، قليل الخبرة بالمملكة ، مطموعا فيه ، وكان زمانه ينقضي فى سماع الأغاني و التفرج على المساخر.. وكان اصحابه مستوين عليه ، وكلهم جهال من أراذل العوام".
وقد يقال : ان المؤرخ ابن طباطبا كان شيعى المذهب ، يتحامل على الخليفة المستعصم المشهور بتعصبه لأهل السنة ، إلا أن مؤرخا سنيا موثوقا فيه مثل ابن كثير يتفق مع ابن طباطبا فى رأيه يقول عنه : " كان محبا لجمع المال ، ومن ذلك أنه استحل الوديعة التى استودعها اياه الناصر داود المعظم ، وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار ، فاستقبح هذا من مثل الخليفة".
وأدى نهم الخليفة بالمال وحرصه عليه الى ان عرض الخلافة للخطر حين هددها المغول ، اذ انه قطع عن الجنود ارزاقهم فى وقت هو احوج ما يكون اليهم فيه.
يقول ابن كثير انه " صرف الجيوش ومنع عنهم ارزاقهم حتى كانوا يتسولون على ابواب المساجد وفى الاسواق وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الاسلام وأهله ".
على ان شح الخليفة المستعصم بالاموال على الجند فى وقت حاجته لهم يقابله فى الناحية الاخرى اسرافه الشديد فى الانفاق على خدمه واتباعه من الظلمة الذين يأكلون أموال الناس ، وكان أولئك الخدم من الجهال واراذل العامة و المماليك الذين صعد بهم الزمن الردئ ، فى عصر انحلال الدولة العباسية ، فاحتكروا الثروة بينما عاش العلماء والاشراف يتضورون جوعا.
ولنضرب أمثلة تاريخية على ما جرى فى اواخر الدولة العباسية ، حين أغدقت الأموال على الخدم فأصبحوا اعجوبة فى الثراء ، ومنهم :
1- علاء الدين الطبرسي الظاهرى ، كان دخله من أملاكه نحو 300 ألف دينار، وكانت له دار لم يكن ببغداد مثلها ، وحين تزوج دفع صداقا قدره 20 الف دينار .. ووهب له الخليفة المستنصر ليلة زفافه 100 الف دينار، وألحقه بأكابر الدولة ، ومنحه صنيعة كانت تدر له دخلا يزيد على 200 الف دينار سنويا.
2- مجاهد الدويدار ، قيل عن أملاكه : إنها كانت "مما يتعذر ضبطه على الحساب".. وفى ليلة زفافه حصل على هدايامن الجواهر و الذهب ما يزيد على 300 الف دينار ، وكان ايراده السنوي من مزارعه وأملاكه اكثر من 500 الف دينار، وكان ايراده السنوي من مزارعه اكثر من 500 الف دينار.
3- عبد الغني بن فاخر ، شيخ الفراشين فى قصر الخلافة ، كانت داره تشمل عدة حجرات ، وفى كل حجرة جارية وخادمة وخادم، ثم رتب لكل جارية عملا ، فواحدة لطعامه ، واخرى لشرابه ، واخرى لفراشه ، واخرى غسالة واخرى طباخة..
وفى المقابل كان أعظم العلماء وقتها لا يتقاضى احدهم اكثر من 12 دينار شهريا فحسب وذلك هو المرتب الذى كان ياخذه علماء المدرسة المستنصرية. وابن القوتى و ابن الساعي اشهر مؤرخى هذا العصر كان كلاهما يأخذ راتبا شهريا قدره عشرة دنانير !! فأين اولئك من شيخ الفراسين فى قصر الخلافة؟!
وفى ذلك الوضع المقلوب لابد ان تكتمل الصورة المقيتة لأى امبراطورية فارسية ، أو بيزنطية أو رومانية او عباسية ، لابد ان تتفشى الرشوة ، وتكثر مصادر الاموال ، وتتفاقم الاضطرابات الداخلية ، مع الانحلال الخلقى ، والانشغال بالتوافه عن الخطر الذى يدق الابواب.
يقول الغساني صاحب كتاب "العسجد المسبوك" يصف السلطة العباسية فى أواخر أيامها " واهتموا بالاقطاعات و المكاسب ، وأهملوا النظر فى المصالح الكلية ، واشتغلوا بما لا يجوز من الأمور الدنيوية ، واشتد ظلم العمال – اى الحكام- واشتغلوا بتحصيل الاموال . و الملك قد يدوم مع الكفر ، ولكن لا يدوم مع الظلم".
صدقت ياغساني : الملك قد يدوم مع الكفر لكن لا يدوم مع الظلم .."
فالقاعدة الالهية تقول "واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا" (سورة الاسراء 16). . و لا يمكن ان يحل التدمير الا اذا استشرى الظلم "وماكان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون" (سورة هود 117) .
ولكن أمير المؤمنين المستعصم العباسي لم يستوعب الدرس ، ولم يعرف ام عقوبة الفساد مستمرة ، وان تنوعت اساليبها..
وقد رأى الخليفة المستعصم بنفسه طرفا من ذلك قبل ان يقتله المغول رفسا بأقدامهم ..!!
يقول الهمذاني فى كتابه : "جامع التواريخ" ان هولاكو بعد ان اقتحم بغداد دخل قصر الخلافة وأشار باحضار الخليفة المستعصم وقال له : انت مضيف وحن الضيوف .. فهيا احضر ما يليق بنا .. فأحضر الخليفة وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس ، فلم يلتفت اليها هولاكو ، ومنحها للحاضرين ، وقال للخليفة ، ان الأموال التى تملكها على وجه الأرض ظاهرة ، وهى ملك لعبيدنا ، لكن اذكر ما تملكة من الدفائن ما هى وأين توجد ؟"
فاعترق الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر ، فحفروا الأرض حتى وجدوه كان مليئا بالذهب الاحمر ، وكان كله سبائك ، تزن الواحدة مائة مثقال" .
واستحق الخليفة احتقار هولاكو السفاح الدموى ، اذ تعجب هولاكو كيف يكون للخليفة كل هذه الكنور ثم يبخل على الجنود بأرزاقهم ؟!!
زلم ينس هولاكو ان يذكر ذلك فى منشوره الذى ارسله الى حاكم دمشق ينذره بالتسليم ويخوفه من مصير الخليفة العباسي وماحدث لبغداد ، ويقول فيه عن الخليفة المستعصم : "واستحضرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب ، فواقعه الندم ، و استوجب منا العدم ، وكان قد جمع ذخائر نفيسة ، وكانت نفسه خسيسة ، فجمع المال ، ولم يعبأ بالرجال .."
وقد أورد المقريزي خطاب هولاكو بالتفصيل ..
ونعود الى الهمذاني وهو يروى ذلك اللقاء بين هولاكو و الخليفة فى قصر الخلافة ، فيقول : ان هولاكو أمر باحصاء نساء الخليفة فبلغن سبعمائة زوجة وسرية و ألف خادمة..
وتضرع له الخليفة قائلا : من على بأهل حرمي اللائي لم تطلع عليهن الشمس و القمر .."
يقول الهمذاني : "وقصاري القول أن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون ، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل".
وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنور التى ورثها هولاكو من الخليفة العباسي ، فإنه صهرها جميعا فى سبائك وأقام لها قلعة محكمة فى أذربيجان.
لقد كان هولاكو – ذلك الهمجي السفاح- يعي تماما أنه عقاب الهي للخلافة العباسية و الحكام الظلمة فى المنطقة ، وحرص على ابراز هذا المعني فى رسائله الى الحكام ، يقول فى رسالته الى حاكم دمشق : إنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى ، وقتلنا فرسانها ، وهدمنا بنيانها ، وأسرنا سكانها..
ويقول فى رسالته الى السطان قطز فى مصر .. " يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها .. أنا نحن جند الله فى أرضه ، خلقنا من سخطه ، وسلطنا على من حل به غضبه .. فإنكم "أكلتم الحرام، ولا تعفون عن كلام ، وخنتم العهود والايمان ، وفشا فيكم العقوق و العصيان، وقد ثبت عندكم انا نحن الكفرة ، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة".
وربما استفاد قطز من هذه الرسالة ، فكف المماليك عن الظلم واستعاد شعوره الديني ..
وفى غمرة عين جالوت ، حين أوشك جنوده على الفرار صرخ "وا اسلاماه" و ألقى بخوذته ، ونزل للمعركة بنفسه .. فكان الانتصار..
هكذا تقوم الدول و تنهار ، وأساس الانهيار يبدأ من الداخل ، وفى يأتي تدخل خارجي ليعجل بالسقوط ولكن يظل الانهيار الداخلى هو بداية النهاية و عاملها الاكبر ..
ويأتى الانهيار الداخلى حين تتكون طبقة مترفة تتحكم فى الثورة ، وفى الجماهير ، فتنشر الظلم و الانحلال وتحيل حياة الاكثرية الى جحيم تهون فيه الحياة، ويتضاءل معه الفوارق بين الحياة و الموت.
والقرآن الكريم يضع العلاج فى تشريعاته الاقتصادية التى تمنع تركز المال فى يد فئة واحدة.
ويأمر فى الوقت نفسه بالزكاة فى سبيل الله ، بل يأتي الأمر أحيانا فى صورة التهديد ، كقوله تعالى : "وانفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله لا يحب المحسنين" (سورة البقرة 195).
ومعناه انه اذا لم يكن هناك انفاق في سبيل الله فالتهلكة هى المقابل ، واذا كان هناك انفاق فى سبيل الله فلا مجال اذن لتركز المال فى طبقة قليلة العدد يتحول ثراؤها الى ترف.
ويقول تعالى مهددا المسلمين فى عصر الرسول : "هأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " (سورة محمد 38).
لقد أساء المستعصم فى تعامله مع خدمه واتباعه ، فأغدق عليهم فى المناسبات بمئات الألوف من الدنانير ، فى وقت يتضور فيه العلماء والشرفاء جوعا .. أبعد هذا تظل نلعن هولاكو وحده " ؟!!
وفى نفس الكتاب صفحة 175 تحت عنوان "الخلافات فى الكلاميات والفقهيات" كتب الغزالى :
إننى أذكر هذا الكلام وبين يدي فتوى اصدرها الأزهر الشريف حسما لفتن جديدة اشعلها فتية اغرار ، باسم اقامة السنة وتحت عنوان السلفية ..
وقد توسعت الفتوى فى شرح الأحكام والأدلة ، حتى تسد الطرق أمام أصحاب الشغب و الغرض :
السيد الاستاذ رئيس لجنة الفتوى- الأزهر الشريف ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد..
فهل من انكر السنة باستقلال السنة باثبات الايجاب والتحريم يعد كافرا أم لا ، نرجو الافادة بالرأى مع الاستدلال ..وشكرا ..
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ..
وبعد .
تنقسم الأحكام عند الجمهور الى خمسة أقسام ..
1- الواجب : وهو ما يثبت طلبه من المكلف ، بنص صريح قطعى الثبوت وقطعي الدلالة . (بمعني ان له معنى واحد فلا يختلف فى معناه المجتهدون) من كتاب الله او سنة رسوله المتواترة.
2- المحرم : هو ما طلب الشارع من المكلف تركه ، بدليل قطعى الثبوت وقطعى الدلالة ، من كتاب الله او سنة رسوله المتواترة.
3- المندوب : ما طلي الشارع فعله طلبا غير حتم ولا جازم ، يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
4- المكروه : ما طلب الشارع تركه طلبا غير حتم ، ويثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
5- المباح : ما خير المكلف بين فعله وتركه ، او لم يرد دليل فيه بالتحريم.
وتنقسم السنة الى : متواترة و آحادية .
فالمتواترة هى مارواها جمع عن جمع يستحل او يبعد ان يتفقوا على الكذب. قال الحازمي فى شروط الآئمة الخمسة ص 37 : "واثبات التواتر فى الحديث عسر جدا"
وقال الشاطبي فى الجزء الأول من الاعتصام ص 135 : "أعوز ان يوجد حديث متواتر و اختلاف علماء السنة على ثبوته و عدده ، يرى الجمهور ان من أنكر استقلال السنة المتواترة باثبات واجب او محرم فقد كفر – اقول : أغلب السنن العملية متواترة ..
والسنة الأحادية : هى ما رواه عدد دون التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم – وقد اختلف العلماء فى استقلال السنة الأحادية باثبات واجب او محرم فقد كفر – اقول : أغلب السنن العملي متواترة..
والسنة الأحادية : هى ما رواه عدد دون التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم – وقد اختلف العلماء فى استقلال السنة الأحادية بثبات واجب او محرم . فذهل الشافعية ومن تبعهم الى ان من انكر ذلك فى الاحكام العملية كالصلاة والصوم والحج و الزكاة فهو كافر. ومن انكر ذلك فى الاحكام العلمية كالالاهيات و الرسالات واخبار الآخرة والغيبيات فهو غير كافر. لأن الاحكام العلمية لا تثبت الا بدليل قطعى من كتاب الله او سنة رسوله المتواتر. وذهب الحنفية ومن تبعهم الى ان سنة الاحادية لا تستقل الا باثبات واجب او محرم سواء كان الواجب علميا او عمليا ، فعليه فلا يفكر منكرها.
والى هذا ذهي علماء اصول الفقه الحنفية. فقال البزدوى "دعوى علم اليقين بأحاديث الأحاد باطلة " لأن خبر الآحاد محتمل لا محالة ولا يقين مع الاحتمال ، ومن أنكر ذلك فقد سفه نفسه و اضل عقله".
وبهذا أخذ الامام محمد عبده و الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمود ابو دقيقة.
يقول المرحوم الامام محمد عبده "القرآن الكريم هو الدليل الوحيد الذى يعتمد عليه الاسلام فى دعوته ، أما ما عداه فيما ورد فى الاحاديث سواء صح سندها او اشتهر ام ضعف ، فليس مما يوجب القطع. كما ذكر الشيخ شلتوت فى كتابه "الاسلام عقيدة وشريعة" قوله (ان الظن يلحق بالسنة من جهة الورود "السند"، ومن جهة الدلالة "المعني" كالشبه فى اتصاله والاحتمال فى دلالته ) ويرى الامام الشاطبي فى كتابه "الموافقات" ان السنة لا تستقل باثبات الواجب و المحرم لأن وظيفتها فقط تخصيص عام القرآن وتقييد مطلقه وتفسير مجمله ، ويجب ان يكون ذلك بالاحاديث المتواترة لا الاحادية.
ويؤيد آراء من سبق ذكرهم ما جاء فى صحيح البخاري فى باب الوصية (وصية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته):
عن طلحة بن مصرف قال : سألت بن أبي أوفى .. هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : لا ..قلت .. كيف تكتب عن الناس الوصية ، أوأمروا بها ولم يوص ؟ قال : وصى بكتاب الله .
قال ابن حجر فى شرح الحديث (اى التمسك به و العمل بمقتضاه ، و لعله اشار الى قوله صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله) .
واقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه فيه تبيان لكل شيئ ، اما بطريق النص او بطريق الاستنباط ، فاذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما امرهم به . وحديث سليمان الفارسي عن النبي (ص) : الحلال ما احله الله فى كتابه ، و الحرام ما حرمه الله فى كتابه ، ما سكت عنه فهو عفو لكم
وأجاب الشاطبي عما أوره الجمهور عليه ( أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم ) بأن المراد من وجوب طاعة الرسول انما هو فى تخصصه للعام وتقييده للمطلق و تفسيره للمجمل ، وذلك بالحديث المتواتر.
وان كل ما جاء به النبي (ص) يجب ان يكون من القرآن لقول عائشة رضى الله عنها عن النبي( كان خلقه القرآن )
وان معنى قوله تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ ) ان السنة داخلة فى الجملة. وأكد الشاطبي ذلك بقوله تعالى : (مافرطنا فى الكتاب من شيئ ) .
وقد رد على ما استدل به الجمهور مما روى عن النبي (ص) قوله : (يوشك احدكم ان يقول : هذا كتاب الله ما كان من حلال فيه احللناه ،وما كان من حرام فيه حرمناه : الا من بلغنى منه حديث فكذب به فقد كذب الله رسوله ) بان من بين رواة هذا الحديث يزيد بن الحباب وهو كثير الخطأ ولذلك لم يرو عنه الشيخان حديثا واحدا ، وجاء بمسلم الثبوت والتحرير ..(خبر الواحد لا يفيد اليقين ، و لا فرق في ذلك بين أحاديث الصحيحين وغيرهما).
ومما سبق يتضح ان الايجاب و التحريم لا يثبتان الا بالدليل اليقيني القطعى : الثبوت و الدلالة ، وهذا بالنسبة للسنة لا يتحقق الا بالاحاديث المتواترة . وحيث انها تكاد تكون غير معلومة لعدم اتفاق العلماء عليها فإن السنة لا تستقل باثبات الايجاب و التحريم الا ان تكون فعلية او تنضاف الى القرآن الكريم.
وعلى هذا فمن أنكر استقلال السنة باثبات الايجاب و التحريم فهو منكر لشيئ اختلف فيه الآئمة ، و لايعد مما علم بالضرورة ، فلا يعد كافرا ).
ونحن نورد هذه الفتوى لنواجه بها جملة من الاخبار الواردة فى العقيدة تكاد توهم التجسيم وعلماؤنا يقبلون فى أمور العقيدة الا المتواتر .
هذا ما قاله الغزالى فى كتاباته ، وهو الزعيم الروحي الأول للفكر السني المعاصر، وهذا ما قاله الأزهر، وهو المؤسسة الدينية الأشهر فى عالمنا المعاصر ، عن د. صبحي منصور وعن عقيدته ومنهجه ، فهل يعقل ان يتطاول بعد الاقزام من الكتاب بعد ذلك عليه وعلى تاريخه وعلى أفكاره لا لشيئ الا سعيا لشهرة او للعب دور بطولة فى مسرحية هزلية .






اجمالي القراءات 24523