مناقشة هادئة لقضية الإسناد فى الحديث

عبداللطيف سعيد في الثلاثاء ٠٣ - أكتوبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مناقشة هادئة لقضية الإسناد في الحديث
يعتبر الإسناد في الحديث حجر الزاوية فى علم الحديث و عن طريقه يعتقد معظم المسلمين في صحة الحديث من عدمه ، فإلى أي مدى يعتبر الأسناد موافقا للقرآن الكريم أو منافيا له ؟؟، وإلى أي مدى يعتبر موافقا للعقل أو منافيا له؟؟ ،أو بمعنى آخر هل يكفى الإسناد دليلا لا يقبل الشك لكى تقول إن ا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث أو لم يقله ؟؟ بمعنى آخر هل تسطتيع أن تصل الى درجة اليقين فى نسبة أى قول للرسول عن طريق الإسناد؟؟.
* للإجابة على كل هذه التساؤلات اسمح لي القارئ العزيز أن أصحبك معى فى هذه الرحلة العلمية راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه ويهدينا إلى سواء السبيل إنه نعم المولى ونعم النصير..
قبل الدخول فى الموضوع نعطى مثلا توضيحيا من خلال كتاب البخاري، ونختار هذا الحديث ونعتذر للقارئ الكريم على إيراد مثل هذا الخبر الكاذب عن النبى وأهل بيته والذى كرمهم الله فى كتابه العزيز.
يقول البخارى فى كتابه صحيح البخارى ( حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنى عبدالصمد قال حدثنى شعبة قال حدثنى ابوبكر بن حفص قال سمعت أبا سلمة يقول : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبى صلى الله عليه وسلم فدعت بإناء نحرا من صاع فاغتسلت وافاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب ) إلى هنا إنتهى البخارى من ايراد هذا الحديث الذى ينسبه زورا وبهتانا إلى النبي ونسائه أمهات المؤمنين
في هذا الحديث العجيب المذكور فى البخارى ينقسم إلى قسمين القسم الأول هو مايعرف بالسند وهم سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث وهم: الأول عبدا لله بن محمد ، والثانى هو عبدالصمد والثالث هو شعبة والرابع هو أبوبكر بن حفص والخامس هو أبو سلمة وهو راوى هذا الحديث هؤلاء هم سلسلة الرواة وهم خمسة .
والقسم الثانى وهو مايعرف بالمتن وهو نص الحديث وهو : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبى صلى الله عليه وسلم فدعت بإناء نحرا من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب )
ويلاحظ هنا أن أبا سلمة راوي الحديث تحاشى ذكر اسم أخو عائشة والذي كان حجة لأبى سلمة للدخول على عائشة ومشاهدتها وهى تغتسل فلماذا هذا الإهمال المتعمد من قبل ابى سلمة ...؟ وهل هذه هى الدقة والتمحيص فى النقل والذى صدعوا رؤسنا بها .. إذن فلماذ لم يذكر اسمه..؟ وهل هذه الطريقة تعتبر علمية ..؟ الإجابة واضحة.
موقف القرآن الكريم من موضوع الإسناد:
الإسناد له اتجاهان :
الأول: هو شهادة الراوى على سماع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من فلان عن فلان حتى يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثانى:هو شهادة المعاصرين للراوى عن الراوى نفسه، وبهذا فهو ينطبق عليه(الإسناد) ما ينطبق على الشهادة .
فالشهادة كما أوضحها رب العزة فى القرآن الكريم هى المشاهدة والمعايشة والسماع من المصدر نفسه، ونستخلص هذا المعنى من القرآن الكريم فى قوله تعالى عن عيسى بن مريم ( وإذا قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس أتخذونى وأمى آلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن اقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك أنك انت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن أعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد ) المائدة 116- 117

إذا فإن مفهوم الشهادة وفقا للآيات السابقة وغيرها هو المعايشة حتى وإن كان الذى يشهد من الأنبياء ( الذين ذكر القرآن لهم علم الغيب) حيث أن الله سبحانه وتعالى اعطى بعض الأنبياءعلم الغيب وليس منهم النبى عليه الصلاة والسلام يقول الله سبحانه وتعالى فىالكتاب العزيز عن النبى (قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب..) الأنعام 50 واقرأ أيضا هود31 ، الأعراف 188 وغيرها
الشهادة فى المعاملات:
يوجب القرأن الكريم فى الشهادة أن يتم كتابة الشهادة وتدوينها وتدوين الشهود حتى ولو كان المبلغ صغيرا أو كبيرا اقرأ معى قول الله سبحانه وتعالى ( ولا تسأموا أن تكتبوا صغيرا أو كبيرا إلى أجله ) "البقرة 282"
فهل يجوز قبول شهادات غير مكتوبة فيما يخص الحلال والحرام عبر اجيال لم نرى منهم واحد ولم نعايشهم؟.
والمقارنة هنا واجبة ولازمة إذا كان القرآن فى مجال حفظ أقل الديون مقدارا أوجب الكتابة بعبارة (ولا تسأموا أن تكتبوا صغيرا أو كبيرا ..) فمعنى ذلك أنه من الأوجب عدم قبول شهادات غير مكتوبة فى الشأن الدينى لمدى خطورته.. أو بمعنى آخر أيهما أخطر على المجتمع ؟، أن يضيع عليك مبلغ قليل من المال (بسبب عدم الكتابة ) أو أن يصلك أقوال منسوبة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشكوك فى صحتها وتشكل كما يعتقد معظم الناس جزء من الدين (الحلال والحرام)؟.
الأسناد والقضاء
هل الإسناد يعترف به فى اى نظام قضائى ...؟
بمعنى آخر هل التثبت من اى واقعة يمكن أن يتم عن طريق الإسناد...؟
للإجابة على هذا السؤال إقرأ معى هذه القصة القصيرة جدا . مع الإعتذار عما يرد فيها من شخصيات تتشابه مع فيلم الأرض .

[في بلدة بسيطة من الريف المصرى استيقظت القرية على صراخ الفلاح محمد ابوسويلم معلنا سرقة جاموسته وتوجهت اصابع الإتهام إلى فلاح آخر من نفس القرية وهو دياب. تم القبض عليه وأودع السجن وبدأت المحاكمة ، استدعى القاضى شهود الإثبات ، وتم النداء على الشاهد الأول سأله القاضى هل رأيت الواقعة فقال لا ولكنى سمعت من زيد اسقط القاضى شهادة الشاهد الأول وإستدعى الشاهد الثانى فسأله القاضى هل رأيت الوقعة فقال لا ولكنى سمعت من عمر فأسقط القاضى شهادته وإستدعى الشاهد الثالث (عمر) وقال له القاضى هل رأيت الواقعة فقال لا ولكنى سمعت من محروس استدعى القاضى الشاهد الرابع محروس فوجده قد مات ، فأسقط القاضى جميع الشهادات السابقة وافرج عن المتهم دياب ] . انتهى
هذا ماحدث فى شأن دنيوى بسيط تم اسقاط جميع الشهادات السماعية فهل دين الله اهون علينا من سرقة جاموسة فى الريف المصرى ...؟ ما لكم كيف تحكمون ...؟.
بمعنى آخر ما هو الأولى بالحماية والتثبت سرقة جاموسة فى الريف المصرى ام اقوال منسوبة للنبى صلى الله عليه وسلم ... ؟
ولكن الأخطر من كل هذا، والأكثر بلاهة وإغتيالا للعقل الذى كرمنا به الله تعالى . هو ان يتم مناقشة مثل هذه الأمور عبر أزمنة طويلة كما فعل البخارى الذى بحث قضايا خطيرة ( حلال وحرام ) وهى تبعد عنه ب 250 عام وأصدر أحكاما نهائية غير قابلة للطعن والاستئناف والنقض ، وعلينا ان نتقبلها ونبلعها بلا مناقشة .
وإلا اعتبرت خارج عن الدين والعياذ بالله ،وتتم محاكمتك عن طريق هذا الأفك المنسوب زورا للنبى عليه الصلاة والسلام .
ومما سبق يتضح لنا ان إسناد قول لشخص يسنده لشخص آخر ويسنده هذا الشخص لشخص آخر عبر سلسلة من الرواة هو مخالف للقرآن الكريم الذى توعد الله بحفظه ومخالف للعقل الذى كرمنا به الله وامرنا باستخدامه في قوله تعالى ( افلا يعقلون ) وعدم تركه ليصدأ .ومخالف لأى نظام قضائى .
وفى النهاية فإن رفض الأقوال المنسوبة زور للنبى عن طريق مايسمى بالاسناد هو دفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم ( لعدم قبولنا الزيف عليه ) وإنتصارا للقرآن الكريم وهو الرسالة التى حملها الرسول عليه الصلاة والسلام للعالم ولا ننسى ان الله وصف كتابه القرآن الكريم بإنه تام – كامل- مبين- القول الفصل.... ومعناه انه لا يحتاج لأي كتب أخرى معه وخاصة عندما يكون مشكوك فى صحتها وتحوى إهانات للنبى صلى الله عليه وسلم .
وهناك سؤال اخير من هو اكثر حبا للنبى عليه السلام .... ؟
الذى يقبل عليه الزيف والكذب لإنه لا يريد ان يصطدم مع البشر الذين كتبوا هذا الهراء..؟
ام الذى لا يقبل الكذب على النبى ويبرئه من كل مانسب اليه عن طريق الخطأ..؟
هدانا الله وهداكم لصراطه المستقيم ( القرآن الكريم) .



اجمالي القراءات 15039