حقوق السوريين في خوف أقل

محمد عبد المجيد في الثلاثاء ٠٥ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أوسلو في 5 يناير 2008

كان شاباً في الرابعة والثلاثين من عمره تم تغييرُ الدستور في دقائق معدودة ليناسب عمرَه العرشي، فتدخل اللغةَ العربيةَ كلمةٌ جديدةٌ هي قَصْري ( نسبة إلى سيّد القصر ) لكنها مشتقة من قاصر وفقاً للدستور قبل تعديله.
كان السباق على أشدّه، فــ( أعمامُه)، أي رجال الوالد الراحل، رحمه الله، يريدون الاحتفاظَ بالوصاية. وجنرالات الاستخبارات يملكون ورقة التخويف من غضب وتمرد الشعب، لذلك فكعكتهم في الوصاية أكبر من كعكة الأعمام.
والشعب الطيب الذي كان كلُّ بيتٍ فيه مشروع انقلاب، يقوم بكتابة وثيقة تمليك من زعيم راحل إلى زعيم قادم دون المرور على ربيع دمشق.
تكبر صُوَر الرئيس الشاب في الميادين والشوارع وعلى نوافذ السيارات وفوق رأس كل صاحب محل، فتكبر رهبة السلطةُ في عيون أبناء الشعب.
المعادلة الطبيعيةُ في العلاقة بين الحاكم والمحكوم يتحدد لها وقتٌ معيّن، فإما أن يصنع الشعبُ الزعيمَ، أو يتولى الزعيمُ اعادةَ صناعةِ الشعب.
إما أنْ يقنع الشعبُ قائدَه أنه يعمل في خدمتهم، أو يقتنع أبناءُ البلدِ بأنهم في خدمة السيد.
وظهرت النتيجة في أقبية السجون والمعتقلات، وأقنعت أجهزةُ الاستخبارات السورية طبيبَ العيون الشاب أنَّ السوريين أخطر عليه من قوات الاحتلال في الجولان، وأن السلطة المُطلقة لزائر الفجر هي لحماية النظام، وأنَّ مجلس الشعب الذي وافق بالاجماع على نضوج فخامة (ابن الرئيس) ليصبح (الرئيس الابن) لم يوافق بالاجماع أيضا(!!) على أن الشعب السوري ناضح ويستحق الكرامة والحرية والاستقلال.
السلطة في سوريا أصبحت موزعة بالتساوي بين الحرس القديم والرئيس الشاب وأسرة الرئيس وأجهزة الاستخبارات، وكل طرف يدّعي أنه صاحب الحق الأوحد في امتلاك رقبة الشعب السوري.
لا مانع من تقسيم أحلام القادة المغتربين، فأن يعود عبد الحليم خدام أو رفعت الأسد أو يهرب فاروق الشرع ثم يحلم بالعودة زعيما فلن يغير من الأمر شيئا، بل قد يَمُدّ في عمر النظام لأنَّ أحلامَ الذين لا يخاطبون كرامةَ شعوبهم لا تختلف عن أحلام من يدوسون بأحذيتهم عليها، ومن اشترك في السلطة ثم غادر القصرَ وأراد العودةَ إليه مُحَرّراً يساهم في الواقع في اطالة عُمْر النظام.
الرهان هنا على غضب الشعب السوري، فالرئيس الشاب والرؤساء الفرعيون لممتلكات وأصول شركة سوريا لصناعة الاستبداد، وأجهزة الاستخبارات يؤكدون أن السوريين غير قادرين على الغضب، فقبضة السيد تُلَوّح من شرفة قصره ليتحول من ربيع دمشق إلى خريفها، ووسائل التعذيب أكثر ديجيتالية من قبل، ومن كان قادرا على تصفح موقع للمعارضة السورية على النت في مقهى بقلب عاصمة الأمويين فليتبوأ مقعده لدى ضابط أقرب أو أبعد مخفر شرطة تمهيدا لاضافة صفحة جديدة في فصل البحث عن المفقودين في تاريخ سورية الحبيبة.
الاختفاء القسري لغة لا تنتهي مفرداتها فهي ليست في كتب النحو والصرف والقواميس، إنما هي تخرج من أي فرع من فروع أجهزة الأمن، ليلا أو نهارا، فتصطدم بالمواطن الطيب الباحث عن مكان لبلده تحت الشمس فيتم نقله فورا إلى ما وراء الشمس.
المواطن عبد المجيد مجبور يتم اعتقاله من أمام محله في مدينة اللاذقية. لعله لم يعترف بأي تهمة وجهها إليه ضابط الأمن، وبعد أيام يتم اعتقال والده عبد القادر مجبور وهو من مواليد 1950.
المواطن عبد اللطيف بن سمير البحر من مواليد 1984 ولم يكن قد بلغ عامه الثاني والعشرين عندما اعتقلته أجهزة الأمن دون دون توجيه تهمة إليه!
فالمواطن المسكين الذي ظن أن حياته المليئة بالبؤس والمرض وآلام العظام والعجز في الأجزاء السفلى قد تنتهي إلى شفاء في يوم ما، لكن سلطات الأمن قد تحاول اقناعه أن أقبية سجونها هي العلاج الطبيعي. يبحث عنه أهله، وبكل الأدب والاحترام والابتسامة المخابراتية الشهيرة تأتي الجملة الأكثر شهرة: لا نعرف أين هو، ولكننا سنبذل الجهد للعثور عليه!
إنها الجملة التوأم لما يقوله زائر الفجر: نحتاج إليك في زيارة قصيرة لمخفر الأمن وستعود بإذن الله بعد ساعتين!
مع ملاحظة أن (بإذن الله) هنا ليست دينية لكنها استخباراتية، ويمكن أيضا استخدامها في أي موقف، حتى تاجر المخدرات يقول بأن البضاعة ستصل (بإذن الله)!
الاعتقال التعسفي هو الدرس الأول الذي يتلقاه المواطن ليتقوص ظهره قبل أن يلهبه السوط، لكنه الدرس الأخير الذي لا تتعلمه السلطة عندما يقوم مواطن بتكسير صورة السيد الرئيس في أحد الميادين الكبرى في ربيع دمشق الذي لم يأت بعد، وتنشر افتتاحيات الصحف خبر تحرير الوطن، ونَصّ البيان رقم واحد.
اللبنانيون يفشلون في اختيارهم الرئيس، والسوريون ينجحون في اختيار الرئيس إياهم.
مواد الدستور السوري كلها تُحَرّم وتمنع امتهان كرامة المواطن لكنها مثل قرارات الأمم المتحدة بالنسبة لاسرائيل.. لا أسمع .. لا أرى!
مطالب السوريين متواضعة إلى درجة الملهاة الكوميدية، فهم لا يطلبون أكثر من خوف أقل، وأجهزة الاستخبارات لا تطلب منهم أقل من خوف أكثر.
أما نحن فنطالب بتحرير الشعب والرئيس والمواطن والعقل والقلب، أعني قلب العروبة النابض. تبّاً للصمت فهو الاحتلال الثاني للوطن السجن.

اجمالي القراءات 10088