ألا له الخلق والأمر
أفلا يتدبرون القرءآن أم على قلوب أقفالها

محمد صادق في الثلاثاء ١٥ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

                                بسم اللــه الرحمـــــن الرحيم
                                       ألا له الخلق والأمر

لقد أنزل اللــه تعالى القرءان على عبده ورسوله وخاتم أنبيائه – عليه السلام – لكى يتلوه على الناس، وأمرنا أن نتبعه لا سواه " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه " و " اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء".
ثم حذرنا فقال " ومن لم يحكم بما أنزل اللــه فأولئك هم الdil;لكافرون". ولهذا أمرنا اللــه أن نتدبره " كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا ءاياته وليتذكر أولوا الألباب " ونفهم من هذه الآيات وغيرها أن لا نترك الغبار يعلو نسخ القرءآن الموجودة فى كل دار فينطبق علينا قول الرسول يوم القيامة " يا رب ان قومى اتخذوا هذا القرءآن مهجورا ".
فعلينا ليس قراءة القرءآن الكريم فحسب، بل ونتدبر معانيه والتعمق فى تفهمه، ثم تطبيق أوامره عن علم وثقة وإيمان أكيد. إنه قرءانا عربيا مفصلا وفيه تبيان لكل شيئ ويقص أحسن القصص. وهذا ما وعدنا به الخالق، فوعد اللــه حق ومن أصدق من اللــه قيلا... فهو الذى سنه وأنزله ولن تجد لسنة اللــه تبديلا.

التكوين والتشريع...
" ... ألا له الخلق والأمر تبارك اللــه رب العالمين"
لقد أوصلنا القرءان الكريم لنتيجة وهى الترابط بين الخلق والأمر، أو التكوين والتشريع. لنتعرف من هذا الترابط حقيقة إمانية وهى أن الذى خلق الكون وخطط تكوينه يظل هو الموجه الحقيقىالذى يضع منهج الحياة. لذلك ابرز اللــه سبحانه هذه الحقيقة واضحة فى نصوص عديدة ليوضح لنا أن ميدأ الحكم والأمر أو التشريع والتقنين ليس من اختصاص أحد من البشر، بل هو مرتبط بإرادة الخالق. لأن التشريع هو صورة من صور العلاقة بين الخالق والخلق وأن هذه العلاقة هى الوسيلة العملية التى تعبر عن العبودية والتبعية بين الانسان وربه، أو بمعنى آخر، أن توضع شهادة لا إلاه إلا اللــه فى موضعها العقيدى والتنفيذى الكامل الصحيح فى دين اللــه.
وإن تدخل أى طرف آخر فى تنظيم ووضع منهج الحياة بشتى فروعها معناه اشتراك فى العلاقة مع اللــه، والتى تؤدى الى صورة من صور التبعية والعبادة لغير اللــه. لذلك وضحها اللــه سبحانه فقال " ...ان الحكم الا للــه أمر ألا تعبدوا الا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " وعلى هذا وضحت الآيات القرءانية معنى اعطاء صلاحية الحكم والتشريع لغير اللــه، فسمت هذا كفرا وفسوقا وظلما، وسمت الذين يمارسون التشريع والتقنين بغير ما أنزل اللــه .. طواغيت وأصناما يعبدون من دون اللــه فقال " ... ومن لم يحكم بما أنزل اللــه فأولئك هم الكافرون" فماذا أنزل اللــه فقال " كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحميد".
فما وصف هذا الكتاب ... اللــه سبحانه منزل هذا الكتاب قد وصفه فى الكتاب نفسه وبكلمات منه عز وجل فكان ..
" ...والذى أنزل إليك من ربك هو الحق... " الرعد:1
" اللــه الذى أنزل الكتاب بالحق والميزان ..." الشورى: 17
"... قد جاءكم من اللــه نور وكتاب مبين " المائدة: 15
الر تلك ءايات الكتاب الحكيم " يونس: 1

ومن رحمة اللــه تعالى قد فصل وصف هذا الكتاب تفصيلا آخر لحكمة بالغة ... فكان ...
" الحمد للــه الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا " الكهف: 1
" تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا" الفرقان:1
" نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرءآن..." يوسف:3
"...ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا" الفرقان:33
المعلم المقتدر...
الرحمــن .علم القرءآن.خلق الانسان. علمه البيان
المعلم المقتدر .. الرحمان الرحيم .. عندما قررت سنته أن سيأتى هدى ونور للبشر فمن إتبع هذا الهدى والنور فلا خوف عليهم ولا يحزنون... كان لابد من وضع قاعدة للبشر يتم على أساسها العقاب والثواب، ولكن صفة الرحمان العدل فقد فصل هذا الهدى تفصيلا ووضع له الأساس الذى يساعد البشر على اتباع هذا النور فكانت أساسيات هذا الهدى.. فى كتاب اللــه المنزل القرءآن الكريم هى..
"... وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به... " البقرة:231
" ...ما فرطنا فى الكتاب من شيئ... " الأنعام: 38
"... وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين" يونس:37
" الر كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" هود: 1
"... وكل شيئ فصلناه تفصيلا" الاسراء: 12
" ولقد ضربنا للناس فى هذا القرءآن من كل مثل..." الروم:58
" أللــه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى..." الزمر: 23
" ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر" القمر:17

ولم يكتفى اللــه جل جلاله بذلك ولكن وضع أساس العبودية والصلة بين البشر وربهم فحدد لهم ماذا يتبعون إنه حكيم خبير وعادل فقال..
" وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه..." الأنعام: 155
" والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين" الأعراف:170
" إن الذين يتلون كتاب اللــه وأقاموا الصلاة....يرجون تجارة لن تبور" فاطر: 29
فهو كتاب مبارك نتلوه ونتمسك به ونتبعه، وهذا أمر اللــه لا جدال فيه.

ثم نجد أنه سبحانه وتعالى، قد أمر رسوله بالاتباع والاستمساك بهذا الذى أوحى إليه.. "فاستمسك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم" وأمره أيضا بالانذار بهذا الذى أوحى إليه " وأوحى إلى هذا القرءآن لأنذركم به ومن بلغ". فمن هؤلاء الذين سيتلقون هذا الانذار ..." إنما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمان بالغيب" يس:11
فكان هذا الانذار مشروط .. بالاتباع . وخشية الرحمان بالغيب حتى يتحقق وعد اللــه، المغفرة والأجر الكريم.
الرحمــن الذى علم القرءآن كتب على نفسه الرحمة ومن صفاته سبحانه العدل المطلق لذلك ألقى تبعية العبادة والصلة بالخالق على عاتق كل نفس، فجاء يخاطبها مباشرة ويوضح الموازين الذى ستحاسب عليها هذه النفس يوم الميعاد، فحدد المسؤلية بكلمات واضحة الدلالة ليس لها أى تأويل أو تحوير غير المعنى الظاهر البسيط القاطع...
" يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت... " النحل:111
" واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ... " البقرة:48
" وكل انســان ألزمناه طائره فى عنقه..." الاسراء:13

والتحذير الشديد الذى يجب على كل مسلم أن يلتفت إليه ويتأمل فيه جيدا لأن يوم الميعاد لا رجعة فيه ولا خلة ولا شفاعة.. يوم عسير .. يوم الحسلب.
" يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ للــه" الانفطار:19
" أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت فى جنب اللــه... " الزمر:56
وأترك هنا التعليق على ما هو جنب اللــه للقارئ ليتدبر ويتأمل...!

الرحمان الذى علم القرءآن هو الذى خلق الانسان وعلمه البيان، لا يرضى لعباده الكفر والعصيان ويريد أن يشملهم برحمته. وبما أنه يعلم ما تخفى الصدور وما يعلنون وعلمه يسبق كل زمان، وأراد برحمته أن يوجه العباد الى عدم اعطاء الفرصة لابليس ان يأخذ منهم نصيبا فرضه ابليس على نفسه أمام الخالق المدبر. لأجل ذلك حذرنا جميعا فقال " أولم يكفهم انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ان فى ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون". العنكبوت:51
معنى هذا أن اللــه يريد من عباده ان يتبعوا فقط كتابه الذى انزل على رسوله وإلينا ويحذرنا من الاغفال عن حق اللــه واتباع السبل فيفرق عن سبيله فجاء الأمر قاطع وصريح "كتاب أنزلناه إليك ليدبروا ءاياته وليتذكر أولوا الألباب". ص:29

مما سبق، نجد أن تحديد المنهج قد وضح وتحديد الاتباع تأكد وعلمنا اللــه سبحانه بمسؤليتنا تجاه خالقنا ثم حذرنا وأصدر أمره الصريح بالتدبر. والتدبر مسؤلية كل نفس التى ستجادل عن نفسها يوم الحساب ولا تملك اى نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ للــه الواحد القهار.

أنزل القرءآن على الرسول محمد عليه السلام، وأمره ربه بتلاوته على الناس وفى نفس الوقت أمره بالاستمساك بالذى أوحى إليه - القرءآن – ووصفه اللــه بأنه صراط مستقيم. وكان ليس بكاف أن يتبع ما أوحى إليه ولكن يستمسك به، والاستمساك هنا للتشدد فى الاتباع. وبعد كل ذلك كان الختام حتى نتعظ ونتذكر ونعقل، حتى لا يرسب التلميذ فى الامتحان فما كان من المعلم إلا ان أراد له النجاح فجاء بالسؤال الذى سنسأل به ، جاء مقدما قبل الامتحان.. لا رحمة بعد هذا .. ولا عدل أكثر من ذلك، فحسم اللــه كل هذا بقوله:" وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ". الزخرف:44

نلاحظ ان هذه الآية 44 من سورة الزخرف قد جائت مباشرة بعد الأمر بالاستمساك بالذى أوحى الى الرسول، ونلاحظ ايضا فى الآية 44، ان الذكر قد جاء للرسول ولقومه (الناس أجمعين) وكلمة تسئلون شملت الكل، جميع العباد بما فيهم الرسل والأنبياء، كل أمام الرحمان لا ينطق الا لمن ارتضى له القول. فبماذا سنسأل؟ الرحمان معلم القرءآن يريد أن ننجح فى الامتحان فأعطانا الاجابة فقال:
" أفلا يتدبرون القرءآن أم على قلوب أقفالها". محمد:24
فهل سننجح ... هل سنتبع الذكر ونخشى الرحمان بالغيب ونمر بجهنم مجرد ورودا ونقى أنفسنا وأهلينا النار الذى وقودها الناس والحجارة...!
ولنا بقية إن كان فى العمر بقية................واللــه أعلم

اجمالي القراءات 16987