ابو هريرة
شيخ المضيرة

محمد المصرى في الإثنين ١٠ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

قمت بتلخيص كتاب شيخ المضيرة للشيخ محمود ابو رية وهذة بعض مقتطفات منة قد تلقى الضوء على حقيقة ابو هريرة

أبو هريرة الاختلاف في اسمه: لم يختلف الناس في اسم أحد في الجاهلية والاسلام، مثل ما اختلفوا في اسم " أبى هريرة " فلا يعرف على التحقيق اسمه الذى سماه به أهله ليدعى بين الناس به، وكذلك اختلفوا في اسم أبيه اختلافا كثيرا. قال النووي: اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولا. وقال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبي&arin;يه أربعة وأربعون قولا مذكورة الكنى للحاكم وقد ذكر ذلك ابن حجر في الاصابة (99 ج7).

لما سمع أبو هريرة ببعثة النبي وانتشار دعوته وانتصاره على أعدائه قدم إليه صلوات الله عليه وهو بخيبر كما قدم غيره من الدوسيين الاشعريين وكان ذلك بعد أن تخطى الثلاثين من عمره، وذلك بعد ما افتتحوها - كما ذكر هو نفسه في قوله: أتيت رسول الله وهو بخيبر بعدما افتتحوها (ص 31 ج 6 و 391 و 397 ج 7 من فتح الباري وص 436 ج 2 سير أعلام النبلاء الذهبي وص 102 ج 8 من البداية والنهاية). قال ابن سعد في طبقاته وهو يتكلم عن غزوة خيبر: وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة وقدم الطفيل بن عمرو وقدم الاشعريون ورسول الله بخيبر فلحقوه بها فكلم رسول الله أصحابه فيهم أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا (ص 78 ج 1).
ولما رأى كثرة مغانم هذه الغزوة جاشت مطامعه وطلب من رسول الله أن يسهم له، ثم تدخل فيما لا يعنيه، فطلب من النبي أن لا يسهم لابان بن سعيد ابن العاص الذى كان ممن خاضوا غمار هذه الغزوة. فانبرى له أبان بن سعيد وأغلظ له في القول وأهانه، لانه لم يكن من الذين اصطلوا بنار الغزو ولا اشترك في الجهاد - فكيف تطمع نفسه في أن يشارك في المغانم
مفتاح شخصيته وإن ما بدا من أبى هريرة في خيبر، وكشف به - من أول يوم - عن مكنون مطامعه، وخفى مآربه، وحقيقة نفسه، ثم ما وقع منه وهو في الصفة، لمما يصح أن يجعله المؤرخ (مفتاحا لشخصيته). ولا ريب في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أسقطه من عينه، فلم يقم له من يومئذ وزنا، ووضعه بين أصحابه في المكان الذى يليق به - وآية ذلك أنه صلوات الله عليه لم يؤاخذ أبانا بما أغلظ له في القول
كان أبو هريرة صريحا في الابانة عن سبب صحبته للنبى فلم يقل إنه قد صاحبه للمحبة أو للهداية كغيره، من الذين كانوا يسلمون وإنما قال: إنه صاحبه على (ملء بطنه(
ففى حديث رواه أحمد والشيخان عن الزهري عن عبد الرحمن بن الاعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنى كنت امرأ مسكينا أصحب رسول الله على ملء بطني (ص 271 و 272 ج 13 من فتح الباري والاعرج هو تلميذ أبى هريرة(
حياة أبى هريرة بعد إسلامه في المدينة: لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد فتح خيبر رجع معه أبو هريرة فيمن رجعوا - كان الظن أن يتخذ سبيله وهو بالمدينة إلى السعي في مناكب الارض ليأكل من رزق الله، إما بالصفق في الاسواق، أو بالزرع في الارض، كما كان يفعل غيره. لكى يعيش عيشة كريمة، ولكنه تنكب طريق العمل واتخذ سبيله إلى مثابة ليس لمن يؤمها أي عمل إلا أن يتلقى ما تجود به نفوس المحسنين من فضلاتهم وصدقاتهم
ومن يقرأ ما صرح به أبو هريرة مرارا عن نفسه، وما وصف من سوء حاله، يتبين له أن معيشته كانت ضنكا أيام إقامته بالمدينة في عهد النبي، حتى لقد بلغ من شدة بؤسه وفاقته، أن كان يصرع من الجوع، حتى وصف بعضهم هذا الصرع بالجنون
سكنه في الصفة أما المثابة التى لجأ إليها أبو هريرة، ورضى بها مقاما له فهى الصفة (الصفة موقع مظلل في مؤخرة مسجد النبي بالمدينة من الجهة الشمالية، وأهلها الذين يتخذونها سكنا لهم هم - كما قال أبو الفداء في تاريخه المختصر -: أناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر ينامون على عهد رسول الله في المسجد ويظلون فيه - وكانت صفة المسجد مثواهم، فنسبوا إليها - وكان إذا تعشى رسول الله يدعو طائفة منهم يتعشون معه أو يفرق طائفة منهم على الصحابة ليعشوهم، وكانوا يكثرون فيها ويقلون بسبب من يتزوج منهم أو يسافر أو يعمل في الارض - اللهم إلا أبو هريرة فقد ظل فيها لا يبرحها إلى أن انتقل منها إلى البحرين)
وروى البخاري عنه قال: لقد رأيتنى وإنى لاخر فيما بين منبر رسول الله إلى حجرة عائشة مغشيا على فيجئ الجائى فيضع رجله على عنقي ويرى أنى مجنون وما بى من جنون ! ما بى إلا جوع (ص 259 و 260 ج 13 من فتح الباري)
والاخبار كثيرة عن حياته وهو في الصفة فنكتفي بما أوردناه هنا منها، وليس القصد من نقلها أن نعيب على أبى هريرة فقره الذى اعترف به، كما فهم بعض الاغبياء، فليس في الفقر من عيب وإنما لنبين ناحية من تاريخه لا بد أن تعرف. أين كان المزود وهو يتلوى من الجوع ؟ على أن مما لا يقضى الانسان منه عجبا، أن أبا هريرة بينما يصف هنا ما ناله من الجوع هذا الوصف الذى يرق له قلب الشحيح، إذ به يزعم في ناحية أخرى أنه كن له مزود فيه بقية من تمر فمسها النبي صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة وقال له: كل من هذا المزود (سنتعرض لقصة المزود فيما بعد) ما شئت في أي وقت، فأصبح به غنيا عن الناس، وظل يأكل منه حياة النبي صلى الله عليه وآله وحياة أبى بكر وحياة عمر، وحياة عثمان إلى أن أغارت جيوش الشام على المدينة بعد قتل عثمان فانتهبته، وقد حسب أبو هريرة ما أكله من مزوده في هذه الفترة فوجده مئتى وسق ! فانظر إلى هذه الغرائب بغير أن تحدثك نفسك بالاعتراض عليها أو الشك فيها، لان أبا هريرة لا تنقضي عجائبه ! ثم إنه يعد من الصحابة الذين يحرم أن يتجه إليهم أي نقد ! وهنا يبدو سؤال: هل يا ترى ظل هذا المزود معلقا بحقوه عند ما أقصى إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي، أو تركه أبو هريرة ليأكل منه غيره من أهل الصفة حتى يعود فيأخذه ؟ ولعلنا نجد من يتفضل بالجواب، ويكون له من الله حسن الثواب، ومن الناس ومنا الثناء المستطاب
نهم أبى هريرة: لشخصية أبى هريرة نواح كثيرة منها نهمه الشديد للطعام، ومن أجل ذلك كان - كما علمت - يتكفف الابواب ويستكف الناس (1)، وهذا النهم كان له ولا ريب أثر بعيد في حياته، وقد لازمته هذه الصفة طول عمره حتى لقد جاءت الرواية أنه لما نشب القتال في صفين بين على رضى الله عنه وبين معاوية - كان يأكل على مائدة معاوية الفاخرة، ويصلى وراء على، وإذا احتدم القتال لزم الجبل (ص 64 ج 1 شذرات الذهب في تاريخ من ذهب لابن العماد الحنبلى)
شيخ المضيرة كان أبو هريرة يلقب (بشيخ المضيرة) وهو صنف من الطعام كان مشهورا بين أطعمة معاوية الفاخرة. وقد نالت هذه المضيرة من عنايه الكتاب والشعراء ما لم ينله صنف آخر من الطعام، وظلوا يتندرون بها، ويغمزونه قرونا طويلة من أجلها
وقال الزمخشري في ربيع الابرار: وكان أبو هريرة يعجبه المضيرة فيأكلها مع معاوية، وإذا حضرت الصلاة، صلى خلف على، فإذا قيل له في ذلك قال: مضيرة معاوية أدسم، والصلاة خلف على أفضل، وكان يقال له: شيخ المضيرة. وله في أساس البلاغة: على مع الحال المضيرة، خير من معاوية مع المضيرة. وفى شذرات الذهب في أخبار من ذهب للعماد الحنبلى (ص 64 ج 1). وكان أبو هريرة يصلى خلف على ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال ويقول: الصلاة خلف على أتم، وسماط معاوية أدسم، وترك القتال أسلم. وقد أورد هذا الخبر كذلك برهان الحلبي في السيرة الحلبية (ص 397 ج 3)
وعقد بديع الزمان الهمذانى مقامة خاصة بين مقاماته سماها (المقامة المضيرية) غمز فيها أبا هريرة غمزة أليمة فقال: حدثنا عيسى بن هشام، قال: كنت في البصرة ومعى أبو الفتح الاسكندرى، رجل الفصاحة، يدعوها فتجيبه، والبلاغة يأمرها فتطيعه، وحضرنا معه دعوة بعض التجار فقدمت إلينا مضيرة، تثنى على الحضارة، وتترجرج في الغضارة وتؤذن بالسلامة - وتشهد لمعاوية بالامامة
وفى الحلية لابي نعيم (ص 380 / 1 حلية الاولياء) أن أبا هريرة كان في سفر فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلى فقال إنى صائم ! فلما كادوا يفرغون، جاء فجعل يأكل الطعام فنظر القوم إلى رسولهم ! فقال: ما تنظرون ! قد والله أخبرني أنه صائم. فقال أبو هريرة صدق. إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر فأنا مفطر في تخفيف الله صائم في تضعيف الله. وهذا الخبر أورده ابن كثير بتغيير في بعض الالفاظ (ص 111 ج 8 من البداية والنهاية).
وفى خاص الخاص للثعالبي (ص 43): كان أبو هريرة يقول ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخبز، وما رأيت فارسا أحسن من زبد على تمر وفى البداية والنهاية أن أبا هريرة كان يقول: اللهم ارزقني ضرسا طحونا، ومعدة هضوما ودبرا نثورا. وقد أورد هذ الخبر الزمخشري في ربيع الابرار (ص 113 ج 8 وص 125 وكتاب روض الاخبار المنتخب من ربيع الابرار)
وإليك حديثا رواه مسلم عن أبى هريرة نأتى به هنا لانه يتصل بموضوعنا: شر الطعام طعام الوليمة، يمنعها من يأتيها " أي بغير دعوة " ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ! أي أنك إذا لم تجب الدعوة إلى الولائم لتتملا منها فقد عصيت الله ورسوله، بهذا يقضى أبو هريرة بمقتضى أحكام شريعته في الطعام
إقصاء أبى هريرة إلى البحرين ومدة صحبته للنبى صلى الله عليه وسلم بينا لك من قبل كيف كانت حياة أبى هريرة وهو من أهل الصفة بالمدينة، ولكى تعرف ماذا كانت حياته بعدها، نسوق إليك نبأ ذلك لكى يتصل الحديث عن حياته كلها بعضه ببعض. لبث أبو هريرة في الصفة يعانى فيها ما يعانى كما وصف ذلك بلسانه زمنا يبتدئ من شهر صفر سنة 7 ه‍ وهو الشهر الذى وقعت فيه غزوة خيبر - وينتهى إلى شهر ذى القعدة سنة 8 ه‍ ثم انتقل بعد ذلك إلى البحرين وبذلك يكون قد قضى بالمدينة: سنة واحدة وتسعة أشهر (هذه المدة مقدرة على اعتبار أن وقعة خيبر كانت في شهر صفر سنة 7 ه‍ كما هو المشهور ولو نحن أخذنا بما روى ابن سعد في طبقاته من أن هذه الوقعة كانت في جمادى الاولى لكانت مدة صحبة أبى هريرة للنبى أقل من عام ونصف عام)
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي الى البحرين ، وبعث معه نفرا كان فهم (أبو هريرة) فقال له العلاء: فانظر ماذا تحب ؟ فقال: تجعلني أؤذن لك، ولا تسبقني بآمين، فأعطاه ذلك
على رغم اعتراف أبى هريرة نفسه بأن النبي قد بعثه إلى البحرين كما مر بك، وأنه رأى بعينه حرب المرتدين هناك مع العلاء وزعمه بأنه شاهد الخوارق التى وقعت من العلاء في هذه الحرب كخوضه لخليج البحر، وسيره بفرسه على وجه الماء.. الخ ما خرف به وتلوته قريبا - ثم شهادته على قدامة عندما شرب الخمر وهو في البحرين - على رغم ذلك كله وغيره. من الادلة القاطعة، والقرائن الصحيحة التى تقطع بوجوده في البحرين من يوم أن ذهب مع العلاء بن الحضرمي - يأتي ابن حجر الذى يقولون عنه بأنه أمير المؤمنين في الحديث فيروى من مزاعم أبى هريرة هذا الخبر بغير مناقشة ولا اعتراض، كأنه من الاخبار الصحيحة كعادتهم في تصديق كل صحابي فيما يرويه مهما كان، على حين أنه ينادى على نفسه بأنه كذب محض وهذا الخبر هو: " قدمت ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات ! أدور معه في بيوت نسائه ! وأخدمه - وأغزو معه وأحج فكنت أعلم الناس بحديثه
ومن كان عنده دليل صحيح يثبت عودته من البحرين إلى المدينة في عهد النبي فليبده، ونحن لا نجد ما يمنع من تصديقه. أما ما زعمه هو وروته عنه كتب السنة، من أنه أقام مع النبي حتى مات أو صحب النبي صلى الله عليه وآله حتى مات ! فهذا كله محض افتراء منه وممن رووه عنه. ولا يمكن لعاقل أن يستمع إليه، أو يعول عليه. اللهم إلا إذا كان قد فقد عقله ومنطقه. * * * يتبين مما ذكرنا آنفا أن أبا هريرة قدم من بلاده على النبي وهو بخيبر سنة 7 ه‍ وأن النبي بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين بعد منصرفه من الجعرانة (ص 70 و 77 ج 4 ق 2 من طبقات ابن سعد) بعد أن قسم مغانم خيبر، وكان ذلك في شهر ذى القعدة سنة 8 ه‍ وبذلك تكون مدة إقامته بجوار النبي - مقيما مع أهل الصفة تبتدئ من شهر صفر سنة 7 ه‍ وتنتهى في شهر ذى القعدة سنة 8 ه‍، وإذا حسبناها وجدنا أنها لا تزيد على سنة واحدة وتسعة أشهر فقط ! وهاك نص ما قاله أبو هريرة في ذلك ونقله ابن سعد في طبقاته الكبرى (ص 77 ج 4 ق 2) عن سالم مولى بنى نصر قال: سمعت أبا هريرة يقول: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وآله مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه بى خيرا، فلما فصلنا قال لى: إن رسول الله قد أوصاني بك خيرا، فانظر ماذا تحب ؟ قال قلت: تجعلني أؤذن لك ولا تسبقني بآمين. فأعطاني ذلك: وقد جاء هذا الخبر بحرفه في الاصابة لابن حجر العسقلاني (ص 204 ج 7) وإليك نص ما قاله: " بعثنى رسول الله مع العلاء بن الحضرمي فأوصاه بى خيرا، فقال لى: ما تحب ؟ قلت: أؤذن لك ولا تسبقني بأذانى. ولما ذهب إلى البحرين، كان عمله هناك (التأذين) كما طلب هو، ولو أن العلاء كان يأنس من أبى هريرة القدرة على أداء أي عمل دينى، لما قال له: انظر ماذا تحب ؟ وكذلك لو كان النبي يعلم منه أنه كفى للقيام بأى أمر من أمور الدين لقال للعلاء وهو يوصيه: إنى أرسله معك ليعلم الناس دينهم، كما كان يرسل غيره مثل معاذ بن جبل وابن مسعود، وأبى موسى الاشعري - الذى أسلم مع أبى هريرة في وقت واحد - وغيرهم - ليعلموا الناس دينهم ! (قال الغزالي في المستصفى إنه قد تواتر أن الرسول صلى الله عليه وآله كان لا ينفذ أمراءه وقضاته ورسله وسعاته إلى الاطراف إلا لقبض الصدقات وحل العهود وتبليغ أحكام الشرع (ص 96 ج 1). وليس أبو هريرة من هؤلاء جميعا في شئ). ويخلص من ذلك كله، أن أبا هريرة لم يكن كما قلنا يفقه شيئا من أمور الدين ينفع الناس به في زمن النبي صلى الله عليه وآله وزمن أبى بكر وعمر وعثمان وسنثبت ذلك بأدلة قوية أخرى فيما بعد إن شاء الله. أما التأذين الذى كان يحسنه مع العلاء بن الحضرمي، وظل يؤدية إلى زمن مروان بن الحكم الذى كان واليا لمعاوية على المدينة بعد سنة 41 ه‍ التى تم فيها الغلب للطليق معاوية. فيبدو أن إحسان أبى هريره له إنما جاءه، لانه كان يجيد الحداء في زمن شبابه أيام خدمته لابن عفان وبسرة ابنة غزوان - وبذلك يثبت ثبوتا قاطعا صحة ما حققه ابن سعد في طبقاته وغيره من أن أبا هريرة لم يظهر بالفتوى والتحديث إلا بعد مقتل عثمان - وسنأتيك بما ذكره ابن سعد وغيره في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله. ومن الادلة القوية التى نسوقها لاثبات وجود أبى هريرة في البحرين
الله قد حرمه نعمة الشجاعة وخلقه جبانا رعديدا، ولقد كان هذا الجبن من أسباب إبعاده عن المدينة إلى البحرين ! وقد حاول مرة أن يخرج على جبنه ويتشبه بالرجال وينازل الابطال فذهب يحارب في غزوة مؤتة التى وقعت في ج الادبار ولاذ بالفرار، ولما عيروه بفعلته هذه لم يجد جوابا يدفع به عن نفسه واستخذى ! ولو أنت رجعت إلى كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (نقلنا هذا الخبر عن المخطوطة الموجودة بدار الكتب المصرية والمسجلة برقم 617 (حديث) لوجدت في الصفحة الثانية عشرة من الجزء الثاني - أن أبا هريرة يعترف بهذا الفرار ويتوارى منه خجلا حتى من ابن عمه، ولا يدرى ماذا يقول له ! وهاك ما جاء في هذه الصفحة: عن الاعرج (الاعرج صاحب أبى هريرة هو عبد الرحمن بن هرمز ويكنى أبا داود مولى محمد بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب خرج إلى الاسكندرية فأقام بها حتى توفى سنة 117 ه‍ - ص 205 من كتاب المعارف لابن قتيبة) عن أبى هريرة قال: لقد كان بينى وبين ابن عم لى كلام فقال: إلا فرارك يوم مؤتة ؟ فما دريت أي شئ أقوله له مادى الاول سنة 8 ه‍ - وما كاد يسمع صليل السيوف ويرى لمعان الاسنة حتى غلب عليه طبعه فجبن وهلع وولى
بل كان يذهب إلى مكان عزيز من النبي (بين منبره وحجرة عائشة) فيتماوت ويمثل مشهدا تشمئز منه النفوس الابية، وتنفر منه الطباع الكريمة. وهذا المشهد كان لا يفتأ يأتيه في هذا المكان العزيز من النبي - إنما كان ولا جرم مما يؤذى النبي، ويبعث في نفسه الاسى - أن يكون بين من ينتمون إليه، ويحسبون عليه، من يبدو أمام الناس كل يوم في هذه الصورة المزرية المشينة ! وما نذكره هنا ليس من عندنا، ولا نفتري عليه به، وإنما هو أمر ثابت لا ريب فيه وذلك باعتراف أبى هريرة نفسه، فقد روى البخاري عنه هذا الحديث " لقد رأيتنى وإنى لاخر فيما بين منبر رسول الله إلى حجرة عائشة مغشيا على فيجئ الجائى فيضع رجله على عنقي ويرى أنى مجنون ! وما بى من جنون ! ما بى إلا الجوع (ص 259 و 260 ج 13 من فتح الباري) ". ولا ريب في أنهم ما كانوا ليفعلوا ذلك معه إلا استهانة به، وازدراء له، إذ لو كان له حرمة عندهم، أو مكانة لديهم، لاشفقوا عليه وأعانوه ولم يطأوا عنقه ! ولما رأى النبي ذلك كله منه أراد أن يؤدبه بأدبه العالي ويردعه لكى يقلع عن هذه العادة الذميمة فنصع له أول الامر بأن يزور الناس غبا ولكن غلبته نفسه، واستعصت عليه طبيعته، فلم يستمع إلى هذه النصيحة الغالية واتبع هواه
ونذكر هنا أن عمر قد ولاه على البحرين سنة 20 ه‍ (كما روى الطبري وبعد ذلك بلغ عمر عنه أشياء تخل بأمانة الوالى فعزله وولى مكانه عثمان بن أبى العاص الثقفى - ولما عاد وجد معه لبيت المال أربعمائة ألف فقال له: أظلمت أحدا ؟ فقال لا. قال: فما جئت لنفسك ؟ قال: عشرين ألفا. قال: من أين أصبتها ؟ قال كنت أتجر. قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه
اجعل الآخر في بيت المال (ص 338 ج 2 تاريخ الذهبي الكبير. وص 444 ج 2 من سير أعلام النبلاء للذهبي) ثم أمر عمر بأن يقبض منه عشرة آلاف وفي رواية اثنا عشر ألفا. ورواية ابن سعد في طبقاته عن أبى هريرة أن عمر قال له: عدوا لله وللاسلام. وفى رواية عدوا لله ولكتابه. سرقت مال الله. وفى رواية: أسرقت مال الله ؟ (ص 59 و 60 ج 4 قسم 2) وقد روى البلاذرى مثل ذلك في فتوح البلدان (ص 82 طبع أوربا). وفى رواية أن عمر قال: هل علمت من حين أنى استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار. قال: كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال: قد حسبت لك رزقك ومؤونتك، وهذا فضل فأده، قال: ليس لك ذلك، قال له عمر: بلى والله: وأوجع ظهرك. ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه، ثم قال له: إيت بها. قال: احتسبتها عند الله. قال: ذلك لو أخذتها (من حلال !) وأديتها طائعا، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبى الناس لك ؟ لا لله ولا للمسلمين. ما رجعت بك أميمة (أميمة هي أم أبى هريرة والرجع والرجيع، والروث. والمعنى: ما روثت بك أمك لتكون واليا وأميرا وإنما تغوطت بك لترعى الحمير) إلا لرعية الحمر (والحمر هي الحمير)
أخذ أبى هريرة عن كعب الاحبار: ما كاد أبو هريرة يرجع إلى المدينة معزولا عن ولايته بالبحرين حتى تلقفه الحبر الاكبر كعب الاحبار اليهودي، وأخذ يلقنه من إسرائيلياته، ويدس له من خرافاته، وكان المسلمون يرجعون إليه فيما يجهلون، ربخاصة بعد أن قال لقيس ابن خرشة هذه الاكذوبة: " ما من الارض شبر إلا مكتوب في التوراة التى أنزل على موسى ما يكون عليه، وما يخرج منه. (رواه الطبراني والبيهقي في الدلائل) " ومن أجل ذلك هرع أبو هريرة إليه، ليأخذ منه ويتتلمذ عليه، وسال سيل روايتهما، ولا سيما بعد أن خلا الجو لهما، بموت عمر واختفاء درته. ولا يزال هذا السيل يتدفق بالاحاديث الخرافية
كثرت أحاديث أبى هريرة بعد وفاة عمر وذهاب الدرة، إذ أصبح لا يخشى أحدا بعده - وكان عمر يخيف الناس، ومن قول أبى هريرة في ذلك: إنى لاحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي - كما رواه عنه ابن عجلان. وعن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض عمر، كنا نخاف السياط (ص 433 و 434 ج 2 أعلام النبلاء). وكان يقول: أفكنت محدثكم بهذه الاحاديث وعمر حى ؟ أما والله لايقنت أن المخفقة ستباشر ظهرى (يقول ذلك لان هذه المخفقة قد باشرت ظهره مرارا حتى في عهد النبي " ص 34 - 1 مسلم " وبعد عهد النبي عندما عزله عمر عن البحرين فقد ضربه حتى أدمى ظهره)، وفى رواية: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته
لم يظهر أبو هريرة إلا بعد الفتنة: ذكرنا لك من قبل أن أبا هريرة لم يكن له أي شأن في زمن النبي صلى الله عليه وآله ولا في زمن الخلفاء الاربعة من بعده، وأنه لم يستطع أن يفتح فاه بحديث عن النبي إلا بعد موت عمر، ولم يجرؤ على الفتيا أو يلفظ بكلمة في الدين إلا بعد أن توفى عثمان - أي بعد الفتنة الكبرى كما قرر ذلك كبار المؤرخين، أما إكثاره من التحديث عن رسول الله وإسرافه في ذلك، فلم يكن إلا في عهد بنى أمية بعد أن خلا له الجو، وأصبح من دعاتهم وأنصارهم. وإليك ما قاله ابن سعد في طبقاته وهو يترجم لعبدالله بن عباس (ص 124 ج 2 ق 2 طبعة ليدن وص 336 ج 2 من تاريخ الذهبي الكبير وص 437 ج 2 من سير أعلام النبلاء و 223 ج 3 من نفس المصدر وارجع إلى كتابنا " أضواء على السنة المحمدية " الطبعة الثالثة لكى تعرف من كانوا يفتون على عهد رسول الله وعهد صاحبيه أبى بكر وعمر فإنك لا تجد منهم أبا هريرة إذ كان كما قلنا مغمورا لا يعرفه أحد)
كان من إنكار عائشة على أبى هريرة الذى ذكره ابن قتيبة آنفا أنها قالت له يوما: إنك لتحدث حديثا ما سمعته من النبي صلى الله عليه وآله، أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار ! فقال لها - كما روى البخاري وابن سعد وابن كثير وغيرهم: شغلك عنه صلى الله عليه وآله المرآة والمكحلة - وفى رواية: ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكني أرى ذلك شغلك. ورواية الذهبي أن عائشة قالت له: أكثرت يا أبا هريرة على رسول الله، فكان جوابه: ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة، ولا المدهن (ص 435 ج 2 سير أعلام للذهبي).وما كان أبو هريرة ليستطيع أن يفتح فاه بكلمة من هذه العبارات النابية التى يخاطب بها عائشة أم المؤمنين، لولا أنه كان حينئذ تحت ظل الحماية الاموية والدولة كلها تؤيده
قصة المزود: قال: كنا مع رسول الله في سفر (أي سفر يا مولانا) فقال: يا أبا هريرة، أمعك شئ ؟ قلت: تمر في مزود، قال: جئ به، فأخرجت تمرا قال: فمسه ودعا فيه، ثم قال: ادع عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكل الجيش كله (يا سلام !) وبقى من تمر معى في المزود: فقال يا أبا هريرة: إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك ولا تكفه، قال: فأكلت منه حياة النبي، وأكلت منه حياة أبى بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها فلما قتل عثمان انتهب ما في يدى ! وانتهب المزود ! ألا أخبركم كم أكلت منه ؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق
ولما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال (ص 16 ج 7 البداية والنهاية): أصبت ووفقت، أشهد ! لسمعت رسول الله يقول: أشد أمتى حبا لى، قوم يأتون من بعدى يؤمنون بى، ولم يرونى - يصدقون بما جاء في الورق المعلق، فقلت: أي ورق ؟ حتى رأيت المصاحف ! فأعجب ذلك عثمان وأمر لابي هريرة بعشرة آلاف.
وهذا الحديث من غرائبه، وهو ينطق ولا ريب أنه ابن ساعته كالحديث الذى قبله، وأنهما من كيسه ! وأخرج ابن عساكر وابن عدى والخطيب البغدادي عنه (أبو هريرة) قال: سمعت رسول الله يقول: إن الله ائتمن على وحيه ثلاثة: أنا وجبريل ومعاوية ! ورواية أخرى (ص 1 ج 8 البداية والنهاية) عنه مرفوعا، الامناء ثلاثة: جبريل وأنا، ومعاوية .

وبعد كل هذا نقول ابو هريرة الصحابى الجليل وناخذ منة ديننا

الا تعقلون؟

اجمالي القراءات 41222