ثقافة الكيل بمكيالين ..

عمرو اسماعيل في الخميس ١٥ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


من عجائب مجتمعاتنا انها هي من ابتدعت الكيل بمكيالين ثم تصرخ متهمة الآخرين انها هي التي تفعل ذلك .. فنحن نتهم الآخرين بالعنصرية رغم اننا أكثر شعوب الارض عنصرية ..

أقمنا الدنيا ولم نقعدها علي رسم كاريكاتوري أهبل بدعوي إهانة الرسول وأحرقنا السفارات و هددنا رعايا هذه الدول بالقتل وفجرنا كنائس غير المسلمين في العراق و هاجمناها بالحجارة في لبنان .. رغم أننا نهين كل أتباع الأديان الأخري يوميا وعلنا في وسائل إعلامنا و مطبوعاتنا ونسميهم أولاد القردة والخنازير ونقول أن كتبهم المقدسة محرفة وندعو عليهم علنا بعد كل صلاة أن ييتم الله اولادهم ونستهزيء علنا وبشغف وإعجاب تام بكل مقدساتهم ونمنع أتباع دياناتهم من أن تطأ أرجلهم أماكننا المقدسة وكأنهم مخلوقات نجسه .. ونطلق علي القتل والذبح علي الطريقة الاسلامية مقاومة عندما يحدث في العراق .. وعندما يحدث نفس الشيء في السعودية أو مصر نسميه أرهابا وضلالا ..

نقول ان اهل الكتاب في مجتمعاتنا تمتعوا ومازالوا يتمتعون بحقوقهم رغم اننا نعتبرهم في قرارة انفسنا بل ونردد هذه المقولة علنا اهل ذمة يجب ان يدفعوا الجزية ولا يحق لهم الوصول للمراكز الحساسة في بلاد هي في الحقيقة بلادهم الاصلية.
لا يا سادة يجب ان نعي ان الكراهية طريق ذو اتجاهين والعنصرية كذلك .. يجب ان نعي ان سياسة الكيل بمكيالين هي سياسة مذمومة سواء مارسناها نحن او مارستها أمريكا أو الغرب.
يجب ان نعي اننا عندما نعترض علي اليهود لأنهم يعتقدون انهم شعب الله المختار فيجب ان نتوقف في نفس الوقت عن ترديد اننا خير أمة أخرجت للناس.
يجب ان نعترف أن ما يحدث في العراق من قتل للمدنيين و العراقيين الغلابة وخطف الاجانب ونحرهم هو ارهاب تماما مثله مثل ما يحدث في السعودية أو مصر ..
أما المشكلة الكبري فهي محاولة انكار الحقيقة ان ما يحدث من عنف و تطرف وقتل ونحر ليست هي ظاهرة عابرة وليدة افكار شاذة لقلة من الشباب .. لا يا سادة ان مايطلق عليه ارهاب هو وليد ثقافة ساكني القبور المنتشرة بين عدد كبير من الشباب و خاصة في الجزيرة العربية وللأسف تؤيدهم بطريقة غير مباشرة المؤسسة الدينية الرسمية ليس فقط في السعودية ولكن في معظم الدول العربية لأن هذه المؤسسات لاتملك الشجاعة الكافية لتفنيد الافكار والفتاوي التي يعتمد عليها هؤلاء القتلة بدءا من بن لادن الي الظواهري  الي أتباعهما في معظم الدول العربية ..إلي من حرقوا السفارات في دمشق وبيروت .. رجال الدين سواء في السعودية او في الازهر غير قادرين الا علي اطلاق شعارات عامة من قبيل ان الاسلام دين الرحمة ولا يبيح قتل المستأمنين (مما يوحي بموافقتهم الضمنية علي انهم كفار و مشركين) .. الي غير هذا الكلام .. ولكن مواجهة فتاوي و افكار ساكني القبور من أمثال ابن القيم وابن تيمية والمودودي وسيد قطب فهذا ما لايقدر عليه هؤلاء الشيوخ الذين يجيدون التقية خوفا من أولياء نعمتهم وهم بذلك يشجعون امثال المقرن و المهاجر وأبو جلمبو علي افعالهم الشنيعة التي جعلت كل شعوب الارض تكره كل ما هو عربي او اسلامي .. لماذا لا نواجه الحقيقة ان شعوب العالم فقدت كل تعاطف مع قضايانا بعد كل أعمال العنف التي نمارسها و علنا علي شاشات التليفزيون .. وأن الرسومات الكريهة في الدانمارك في الحقيقة لا تمثل الرسول بقدر ما تمثل الانطباع الذي خلقناه بأنفسنا في عقول الآخرين بتصرفاتنا و ميلنا نحو العنف وقهرنا للمرأة ورفضنا المبطن والعلني للآخر وعدم احترامنا لحقوق الإنسان ...
وقد ساقني حسن الحظ أو سوءه الي منتدي يتبادل فيه انصار هؤلاء المتطرفين الافكار ويطلق علي نفسه انصار الاسلام!!!! فرأيت العجب و تأكدت ان القضاء علي هذه الآفة يحتاج الي جهود مضنية ليست فقط أمنية ولكن الأهم ثقافية ودينية .. القضاء علي هذه الآفة لن يتم الا بقراءة جديدة للدين الاسلامي تتفق والعصر الذي نعيشه ونتخلص من خلالها الي الابد من قراءة ساكني القبور التي أورثتنا هذا التخلف والعنف و القسوة وألا ستكون النهاية ليست فقط لشعوبنا ولكن الاخطر للدين الاسلامي نفسه.
وأليكم عينة بسيطة من الافكار التي يتداولها مؤيدي هذا التطرف وأعتذر مقدما عن فظاظتها و قسوتها ولكن ان لم نواجه الحقيقة فلا أمل في الاصلاح :


"يقول الشيخ سلمان العودة  وهو علم الآن في السعودية ومرجع - وفقه الله  كما يقولون عنه وأقول عاقبه الله عما يقول - في إحدى محاضراته ( قبل أن يسجن ) في معرض رده على من زعم ان الجهاد للدفاع عن النفس فقط (( إن الحيوانات تدافع عن نفسها فهل يحتاج الدفاع عن النفس الى تشريع ))
نقول إننا نختلف مع هؤلاء القوم في علة القتال ،، وفي تفصيل علة القتل

فالذي نهي عن قتله ،، الذين لا يكونوا أهل قتال ،، وغير مهيئين له ،، ولا يقدرون عليه ،، ولا يطيقونه ،، فلا خوف منهم ،،

وعلة عدم قتل الاصناف المستثناة ،،، لانها مال للمسلمين ،،،،،،،،،، فاما يكونوا سبايا او عبيد ،، ....... )

هل هناك أكثر من هذا .. أن هؤلاء يعتبرون كل غير المسلمين ان كانوا قادرين علي القتال أعداء وجب قتلهم او ان يستسلموا ويصبحوا أهل ذمة يدفعون الجزية و الخراج أما الاطفال و النساء فلا يقتلون لأنه مال مشروع للمسلمين .. سبايا وعبيد؟!!!!!!!!!!!!!!!
وتأكيدا لهذا الكلام يقولون (والكافر الحربي الذي لا يقبل حكم الاسلام ولا دفع الجزية دمه مباح ،، ولا يعصمه الا دخوله الاسلام او قبوله حكم الاسلام ودفع الجزية ،، فختى لو لم يقاتل ،، وترك القتال ،،، لكن رفض حكم الاسلام ،، فدمه مباح ،، ما لم يكن هناك عهد او أمان .......


والاصل الذي استقرت عليه الشريعة في دماء الكفار هو الحل والاباحة ............. أما لفظ الحربي او اهل الحرب فهو لفظ عام يطلق على كل الكفار بكل اصنافهم الذين ليس لهم ذمة وعهد او أمان

لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ فإذا قالوا ‏‏ لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم ‏}‏ ‏,‏ وقوله ‏:‏ ‏{‏ كل المسلم على المسلم حرام ‏:‏ دمه وماله وعرضه ‏}

‏ وقد اتفق الفقهاء على أنه لا دية للحربي ‏;‏ لأنه لا عصمة له ويشمل الحربي الرجال والنساء والاطفال وكل كافر ليس له ذمة او عهد او امان.

ويقول الامام ابو بكر السرخسي في شرح السير الكبير (4/50 وما بعدها )

قال‏:‏ لا ينبغي أن يقتل النساء من أهل الحرب ولا الصبيان ولا المجانين ولا الشيخ الفاني .... ثم قال : بل منفعة المسلمين في إبقائهم ليكونوا أرقاء للمسلمين فإن قاتل واحد من هؤلاء فلا بأس بقتله .....

وبذا يقول ابن العربي في احكام القرآن (1/154 في مسألة استثناء الذي لا يطيق القتال من القتل .

الجواب : أنا إنما تركناهم مع قيام المبيح بهم لأجل ما عارض الأمر من منفعة أو مصلحة ‏:‏

أما المنفعة فالاسترقاق فيمن يسترق ‏;‏ فيكون مالا وخدما ‏,‏ وهي الغنيمة التي أحلها الله تعالى لنا من بين الأمم ‏.‏
ويقول الامام ابن القيم في زاد المعاد 3/158

فصار اهل الارض : مسلم مؤمن به ( اي بالرسول عليه الصلاة والسلام )

ومسالم له آمن ( يقصد اهل الذمة والعهد

وخائف محارب ( يقصد ما تبقى من الكفار بكل انواعهم واصنافهم ) أ هـ

ولا شك ان سبب قتال الكفر هو كفرهم ،، اما اهل الذمة ،، فقبولهم لحكم الاسلام يستثنيهم من هذا الامر ،،،،،،،)))))))

هذه عينة بسيطة من فكر وفتاوي ساكني القبور التي يعتمد عليها شيوخ الرعب والقتل والتي لا يجرؤ رجال المؤسسات الدينية الرسمية علي مناقشتها علنا لأنهم يدرسونها في المدارس والجامعات الدينية ويؤمنون بها
ولكنهم خوفا من سيف الحاكم أو طمعا في ذهبه يجيدون اللف والدوران .
الحقيقة يا سادة أنه لن يمكن القضاء علي التطرف و الارهاب الا بالقضاء علي فكر وثقافة ساكني القبور التي تتحكم في عقول و قلوب الكثيرين من شبابنا الذين ينشرون الرعب والقتل ويساعدهم في ذلك من يمارسون التقية من فقهاء السلطة.
أن الحقيقة المرة التي يجب ان نواجهها جميعا اننا في مفترق طرق مثلما كانت اوروبا في القرن الثامن عشر .... نجحت اوروبا في القضاء علي سيطرة الكنيسة فتقدمت .. وأن لم ننجح في القضاء علي فكر ساكني القبور وأعادة قراءة الدين بفكر الأحياء في القرن الواحد والعشرين .. فلا أمل لنا .... سيضطر العالم كله حينئذ أن يتعامل معنا كما تعامل مع هتلر .. بعد أن تنتشر السوم الكاريكاتيرية لاستثارتنا وإثبات عنصريتنا وميلنا للعنف وممارسته .. نحن لنا حق الاختيار ومصيرنا يعتمد علي هذا الاختيار .

اجمالي القراءات 11215