المبدأ التجريبي
ابن رشد.رضي الله عنه

زهير قوطرش في الأربعاء ٠٧ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أبن رشد.


الدين الإسلامي، الذي مرجعيته كتاب الله عز وجل. جاء مفصلا، لم يترك صغيرة أو كبيرة من مواضيع الحلال والحرام إلا وبينها للناس. فصلها رب العزة على علم منه، لأنه يعلم احتياجاتات هذا الانسان ، ويعلم نوع الإشكاليات التي ستعترض مسيرته في الحياة الدنيا. وترك لنا رب العزة المجال مفتوحا ،لنبحث ونفكر ونقرر من خلال التجربة للوصول الى الحقيقة النسبية. فهمها السلف المتنورين , ولم يفهم ذلك الخلف المتأخرين ، فوقعنا في شر جمودنا ،وتخلفنا ،ولم يتخلف السلف انذاك أمث&Ccecedil;ل ابن رشد وغيرهم من الذين ساهموا في بناء هذا العالم وقاوموا أنذاك الفكر المتعصب والنظرة الجبرية ،وقالوا بحرية الاختيار للانسان . حاربهتهم بذلك الكنيسة الظلامية ،وحاربهم رجال الدين من المسلمين (تلاقت الاهداف والمصالح) كما يحارب أهل القرآن الآن من قبل المؤسسة الدينية النقلية بدون العقل. فتحية الى ذكراهم العاطرة.
أحببت أن أنقل إلى أهل القرآن، موقف أحد هؤلاء السلف المتنورين، والذين سطع نجمهم في العالم، احتراما وتقديرا لجهوده في بناء صرح الحضارة العالمية، ومع كل أسف ما زال البعض في عالمنا الإسلامي يعتبره من الزنادقة. (لأنهم هم الزنادقة وهم من المشركين) وهو " ابن رشد." رضي الله عنه.
وسوف أقدم بعض من تصوراته، التي ما زالت وستبقى دليلاً ثابتا ،على فكره المتنور ومنهجه ،الذي ما زلنا بأمس الحاجة إليه ،وخاصة في كيفية معالجة الإشكاليات في زمنه ، متحررا من قيود معاصريه من السلف ،الذين أرادوا للفكر الإسلامي آنذاك أن يتحجر كما تحجرت عقولهم و أفكارهم.
المداواة بالخمر.

لقد قرر ابن رشد جواز التدواي ب(الشراب) لقد ذكر الخمر مرارا كدواء لعدة إمراض خصوصا منها ما يتطلب علاجه نوعاً من التخدير فيقرر أنه "ليس هاهنا شيء يقوم مقام الشراب، وإن كانت الشريعة قد حرمته، فإن صاحب هذه الحال في معنى الميتة للمضطر" ويفصل القول في الموضوع في رسالته في الترياق فيقول"وفي هذه الحال يرجع الفقيه إلى الطبيب فمن جهة، والفقيه إلى الطبيب من جهة. أما رجوع الفقيه إلى الطبيب فمن جهة أن الفقيه يأخذ من الطبيب مقدار الاضطرار فيحلل أو يحرم لقوله تعالى
في كتابه العزيز "وقد فصل لكم ما حرم عليكم، إلا ما اضطررتم إليه" الأنعام/119
والطبيب يأخذ من الفقيه مقدار الحرمية فيأمر بالدواء أو يتجنبه إلى غيره".

دور المرأة في عملية التناسل.

ومن الامور التي ناقشها ابن رشد و تدخل فيها ، معتمدا على المبدأ التجريبي الذي كان هو رائده، في عصر الظلام والانحطاط الأوربي.كما كان شأنه في علم الفلك. مسألة دور كل من المرأة والرجل في تكون الجنين.ذلك أن جالينوس كان يرى أن السائل الذي يخرج من رحم المرأة له نفس الدور الذي لمني الرجل في تكوين الجنين.أما أرسطو فقد كان يرى أن ما يفرزه رحم المرأة من سوائل لادور له في الحمل وأن مني الرجل هو وحده الذي يرجع إليه الجنين. يقول في هذا المقام ابن رشد مايلي:
"وأما أنا فمذ سمعت كلام أرسطو لم أزل أتعمد جس ذلك فوجدت التجربة صحيحة ،وألفيت أكثر الحمل الذي بهذه الصفة إنما يكون بالذكورة. وسألت النساء عن ذلك فأخبرتتي أيضا بذلك، أعني أنهن كثيرا ما يحملن دون أن تكون منهن لذة" وهنا لابد لنا من التنويه أن الطب القديم أنذاك لم يكن قد اكتشف بعد أن عملية الحمل هي ننيجة لقاح ما بين مني الرجل وبويضة تسقط في رحم المرأة من المبيض. ولذلك كان عدم شعور المرآة بلذة الجماع يعني عدم خروج المني منها كما يخرج من الرجل حين اللذة. وقد أستنج ابن رشد بناء على الوسائل المعرفية آنذاك في قوله" مما يشهد إن مني المرأة ليس هيولي(مادة للمولود) أن نساء كثيرة يحملن دون أن ينزلن بالمني كما قلنا. وأيضاً فإنا نجد الرحم تقذف بالمني الي خارج وتجذب مني الرجل إلى داخل، وهذا كله مما يدل على أن مني المرآة رطوبة فضلية تسيل عند اللذة كما يسيل اللعاب من فم الجائع المبصر إلى الطعام.ومن الدليل عندي أن مني الرجل يتنزل منزلة الفاعل أن الأعضاء لما كانت إنما تتغذى بالحرارة الغريزية القلبية ،وكانت هذه الحرارة هي الآلة الأولى للنفس الانسانية الغاذية وجب ضرورة أن تكون هي الآلة الأولى للقوة المكونة، فلذلك ما يلزم ضرورة أن يكون في مني الرجل أو في الدم الذي في الرحم جزء كبير من هذه الحرارة الغريزية،وليس يمكن أن يكون هذا إلا في المني لموضع الحرارة والرطوبة الموجود فيه" ابن رشد الكليات في الطب.
بغض النظر عن صحة نظرية ابن رشد أنذاك أو عدم صحتها ،ولكنها أرست المبدأ التجريبي ،الذي أمرنا به الله عز وجل لكي نكتشف ما في الافاق والانفس .هذا المبدأ العظيم الذي كان اساس الحضارة الاوربية، وابتعادنا عنه كان السبب في تخلف المسلمين.
من كل ذلك نجد أن هاجس الدفاع عن وحدة الحقيقة وتكامل المعرفة هو الهاجس الذي كان يشكل ثابتاً مركزياً في فكر ابن رشد. ذلك إلى جانب الفضيلة الخلقية التي تقتضي تقدير القدماء على ما خلفوه للخلف من معارف قابلة للنقد ،وقابلة للتغير . لقد كان السلف من امثال ابن رشد يعتبر المعرفة ملك للانسانية ،ولم يتورع أنذاك من دراسة وتلخيص أفكار سلفه من من علماء الحضارة الاغريقة وغيرها بدون تقديس لافكارهم التي كانت تحتمل الخطأ أو الصواب . واعتمد مبدأ ارسطوطاليس في قوله" فكل من قال شيئاً على طريق البحث والنظر،أخطأ فيه أو اصاب يجب أن يشكر" .

اجمالي القراءات 7474