تخاريف ..ماذا لو عاد سيدنا جبريل من تقاعده؟

عمرو اسماعيل في الأحد ٢١ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


سألت نفسي هذا السؤال التخريفي من قبل وحاولت الإجابة وأعيد طرحه لعلني أحصل علي إجابة أفضل .. فقد تقاعد جبريل عليه السلام منذ ألف وربعمائة عام بعد إتمام القرآن الكريم .. هكذا نؤمن نحن المسلمون أو هكذا أعتقد وقد أكون مخطئا ..
ولكن وهو سؤال افتراضي ليس إلا .. من عقل يخرف كثيرا الآن .. ماذا لو قرر الله ولا راد لمشيئته أن يعيد جبريل من تقاعده .. وذلك لما وصل اليه حال العالم من تقاتل وتصارع مفتعل بين الأديان .. وكل أصحاب دين يتهمون أتباع الأديان الأخري أنهم حرفوه .. وكل أتباع دين يصرون أن دينهم هو الحق ولا حق غيره .. وكل أتباع دين يدعون الي حوار من نوع حوار الطرشان لأن كل طرف يريد حوارا بشروطه .. وكل طرف في الحقيقة لا يعترف بالطرف الآخر ثم يدعو الي حوار ليس له أي معني لأنه لا توجد أي أرضية مشتركة كما حدث في رسالة علماء المسلمين الي الفاتيكان ورد الفاتيكان عليها ..
ماذا لو شاء الله ولا راد لمشيئته أن يعيد ارسال جبريل ليوحي لانسان ما .. بالحلول النهائية لهذا الصراع المفتعل .. وليعيد تأكيد ما اراده الله من خلقه .. إعمار الارض .. وازدهارها .. مكارم الأخلاق .. السلام والعدل والحرية والمساواة .. وفوق كل شيء التوحيد بالله .. من خلال تعددية البشر وفهمهم لوحدانية الله ... تأكيدا لقوله تعالي :
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"
إنه سؤال افتراضي .. ماذا لو عاد جبريل عليه السلام من تقاعده بناءا علي مشيئة الله التي لا راد لها ؟
هل سيصدق البشر هذه العودة ؟
وبأي لغة سوف يوحي جبريل عليه السلام لمن بختاره الله من خلقه ليحمل الأمانة ويبلغها للناس ؟
الإجابة المنطقية إلا إن أراد الله عكس ذلك .. وحينها لن يكون هناك ردا لمشيئته ..هي أن البشر لن يصدقوا من قد يوحي اليه جبريل .. وقد يقتلونه أو يحاولون ذلك .. خاصة أنه من المحتمل أن اللغة التي سيوحي بها اليه جبريل هي الانجليزية ... فهي أكثر لغة فهما وتدواولا في العالم .. وقد يكون هذا الانسان علي معرفة جيدة جدا بتكنولوجيا المعلومات ليسهل عليه نشر رسالته .. ماذا لو ؟ وهو سؤال افتراضي .. اختار الله مثلا بيل جيتس ليرسل له جبريل ليوحي له كيف يحل مشكلة تقاتل وتصارع الأديان .. ويجمع البشر حوله ليقيم العدل والتسامح والمساواة في هذا العالم .. الذي يتقاتل فيه البشر ويهدرون دماء الأبرياء بلا اي مبرر .. ويموت فيه الملايين من الجوع .. بينما يعاني فيه ملايين أخري من الأثار الضارة للتخمه ..
هل تتوقعون أن يصدقه أحد ؟..
هل تتوقعون أن تعصمه ملايينه وإنسانيته وتبرعاته من أن يقتل علي أيدي متعصبي جميع الأديان .. ..
إن الله لا يحتاج أن يعيد جبريل من تقاعده .. ليقنع بشرا قاسيا بقدرته ..
فالله في الحقيقة ومنذ تقاعد جبريل عليه السلام .. يوحي لكل إنسان خير من خلقه مايفيد الانسانية .. ..
إن كل إنجاز خير ساهم فيه انسان من اي دين كان ومن أي شعب كان هو دليل علي قدرة الله ورغبته في أن يسود العدل والتسامح والازدهار علي الأرض .. رغم أنه ترك للإنسان حرية الاختيار بين الخير والشر .. كحكمة وأساس للحساب يوم الدين ..
إن كل عمل خير ساهم فيه انسان بعد أن بعث الله رسله وأنبياءه ورسالاته للإنسان في فترة مراهقته الحضارية .. هو وحي من الله وتفعيلا لإرادته وقدرته .. ..
كل إنجاز علمي في الشرق والغرب أفاد البشرية هو وحي من الله وتفعيلا لإرادته ..
وكل دعوة للسلام و نبذ العنف والقتل والحروب وإهدار الدماء .. هي وحي من الله وتفعيلا لإرادته .. ..
أن دعوة ابراهام لينكولن لتحرير العبيد هي وحي من الله ونجاحه في ذلك هي مشيئة الله .. ودعوة غاندي ونيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينج لنبذ العنف والنضال السلمي لنيل الاستقلال والحقوق المدنية ... هي وحي من الله وتنفيذا لإرادته ومشيئته ..
ونجاح كل علماء الطب من أي دين أو ملة أو شعب في اكتشاف اسباب الأمراض وكشف طرق علاجها هي وحي من الله لإنقاذ البشرية ..
وكل إنجاز علمي حققته البشرية وأفادها في كل المجالات هو إرادة الله وهبها لمن يعمل ويحاول ويجد ويجتهد بصرف النظر عن دينه أو جنسه أو لون بشرته ... ..
أما من ينشرون الخراب والدمار وعدم المساواة والقهر والظلم في العالم .. لأي سبب كان .. فهم من تغلب الشيطان علي عقولهم مهما ادعوا .. ومهما قدموا من تبريرات .. كل من حمل السلاح ليقهر خلق الله علي مايريد .. مهما كان المبرر والشعار الذي رفعه هو إنسان تلاعب بعقله وقلبه الشيطان .. هو يعمل عكس ما قالت له الآية الكريمة "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ( صدق الله العظيم "الحجرات: 13".



وكما يقول حسن حنفي وأوافقه الراي تماما واعتبر كلامه نوعا من الوحي من الله قد لا يعرف صاحبه ذلك: :
الدولة التي تمثل جوهر الرسالات السماوية كلها .. ليست هى الدولة الثيوقراطية التي يحكمها رجال الدين باسم الله أو الدولة التى تطبق الشريعة الإسلامية، ولكنها الدولة التى تكفل المصالح العامة لجميع القاطنين فيها بصرف النظر عن أصولهم العرقية والطائفية واللغوية والثقافية ...
هى الدولة الديموقراطية التى تنشأ السلطة فيها باختيار حر من الناس عن طريق البيعة كما قال الفقهاء "الإمامة عقد وبيعة واختيار". ويمكن مبايعة أى إنسان إذ "لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى". ليست نظاما ملكيا يستمد سلطته من الوراثة ولا نظاما عسكريا يستمد سلطته من "الانقلاب العسكرى". لا هى سلطة قريش ولا الجيش.
وهى الدولة التعاونية التى تقوم على التعاون المتبادل بين الأفراد والفئات والتى تذوب فيها الفوارق بين الطبقات، فللفقراء حق فى أموال الأغنياء (والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). وفى المال حق غير الزكاة "ليس منا من بات شبعان وجاره طاو". وقد أثنى القرآن على علىّ فى آية (ويؤثرون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا). العمل وحده مصدر القيمة. وهو معنى تحريم الربا الذى يولد فيه المال المال بلا جهد وعرق أو زيادة إنتاج. وفى الحديث "الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه".
هذه الدولة إذن هي دولة عصرية تقوم على المواطنة والولاء للوطن الواحد. وهى الدولة التعددية التى تقوم على حق الاختلاف فى العقيدة والمذهب والرأى واللسان. وهذا الحلم ليس حلما طوباويا بل وجد فى التاريخ في بعض فتراته وفى بعض الدول الإسلامية فى آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا حيث يساهم الإسلام فى بناء الدولة على وحدانية الله ووحدة الأمة.
هى دولة الأحلاف السلمية وعدم الاعتداء بين الشعوب. فقد خلق الله الناس شعوبا وقبائل للتعارف والإثراء المتبادل ..).
هى الدولة التى تجمع دول العالم كله فى تجمع واحد وفى ميثاق واحد مثل "ميثاق المدينة" كما تحاول الأمم المتحدة وميثاقها الآن لولا سيطرة الدول الكبرى على الصغرى، وحق "الفيتو"، واستفراد أقوى دولة بها كما تفعل الآن الولايات المتحدة الأمريكية..
اللهم ارحمنا برحمتك .. و ووفق البشر جميعا لما فيه جوهر رسالتك ودعوتك لهم جميعا ... أن يكونوا شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتراحموا ويتعاونوا ... بدلا من أن يتقاتلوا ويتناحروا .. ,وأن يكون خيرهم وأكرمهم .. أتقاهم .. ممن يحملون رسالتك ودعوتك ويفهمونها ويطبقونها ..
نحن لا نحتاج حوارا بين الأديان من نوع حوار الطرشان ..بل نحتاج تعايشا وعقدا اجتماعيا .. أن يقبل كل إنسان حق أخيه الإنسان أن يؤمن بما يصدقه قلبه وعقله .. طالما لايمارس العنف وقهر الآخرين علي ما يؤمن به .. نحن لا نحتاج حوارا .. فكل بما يؤمن به فرح .. وكل يؤمن أن إيمانه هذا هو الطريق الي الجنة .. ولن يغير معتقده مهما فعل الطرف الآخر .. فدعونا من حوار لن يؤدي الي نتيجة ... بل سيؤدي الي مزيد من الصراع والعنف .. فكل طرف سيعتبر هذا الحوار نوعا من الإهانة لدينه .. فلن يعترف اليهودي بالمسيح ولن يعترف المسيحي بمحمد .. وكل دين يعتبر ما قبله محرفا .. والصراع بين الأديان التي توصف بأنها سماوية هو أكثر سخونة من الصراع مع الأديان التي توصف أنها أرضية ..لماذا لأن كل دين من هذه الأديان يريد أن يحتكر السماء لنفسه .. ويحتكر الله لنفسه .. رغم أن الله واحد ورحمن ورحيم ومحبة وهو إله الجميع .. وهو بلا شك ليس إلها عنصريا .. يفضل شعبا علي آخر وجنسا دون سواه ..
لن يعود سيدنا جبريل من تقاعده ليصلح ما فعله الانسان في نفسه عندما أخذ الدين الي منحني قاتل .. وحوله من هدفه الأهم الإيمان بالله .. ونشر الحب والعدل ومكارم الأخلاق الي سبب للتصارع والتقاتل ..
لا نريد حوارا ... بل نريد تعايشا واحتراما متبادلا ..
لنا الله جميعا

اجمالي القراءات 12504