الحاسة الفاتـــــرة
الخالق يقررها ويريدها أسوة حسنة

يحي فوزي نشاشبي في السبت ٠٦ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الخالق يقررها ويريدها أسوة حسنة
لكن المخلــوق يرى غير ذلك!!!

ولنا أن نتأمل ما يقرره لنا الله العظيم وهو يقول لنا : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) سورة الأحزاب – 21- بل إن هناك ما هو أخطر :وهو عندما نتأمل ما ورد في القرآن من كلمة " سنة " نلاحظ أنها ذكرت مرات عديدة وتعني أنها قانون وضعه الله لا يتأثر ولا يؤثر فيه شئ وهو قانون لا يتحول ولا يتبدل .
نعم عندما نتأمل كل ذلك نفاجأ بموقفنا وبردنا له أي للخالق: ولسان حالنا وموقفننا يقول : بل إن لنا في رسول الله السنة الحسنة وليس الأسوة . وهكذا لم نتورع في أن أقدمنا على إجراء هذه العملية الجراحية التصحيحية لمشيئة الله فأضفنا كلمة سنة إلى المخلوق بعد أن انتزعناها وألغينا إضافتها إلى الخالق سبحانه وتعالى كما هي في الأصل ، وأما عن كلمة أسوة التي قررها الخالق لنا وأرادها فلم نبق لها وزنا وأفرغناها من معناها وبقيت كلمة تتلى ليس إلا ، وصيرنا مصيرها كالكلمات .
وأنا في الحقيقة أتوقع ردودا من القراء الكرام مفادها أننا نتداول كلمة – سنة – تجاوزا فقط ، وأننا نعلم أن السنة هي سنة الله ، وسنة الله هي القوانين التي وضعها الله والتي ليس لها تبديل ولا تحويل . وأننا غير مخالفين تعاليم الله الذي يقول لنا بأن لنا في رسوله أسوة حسنة ينبغي لنا اعتبارها واتباعها لنكون بالتالي اتبعنا الرسول في ما أراده الله لا غير ، وأظن أن بيت القصيد يكمن هنا : وهو أن مخالفتنا لو اقتصرت على تعويض كلمة أسوة بكلمة سنة ربما تكون مخالفة غير خطيرة ما دمنا نتبع الرسول في أقواله وتصرفاته ومواقفه التي لا تصطدم بحديث الخالق ، إلا أن الواقع ينبئ بعكس ذلك مع الأسف الشديد .
بل إن الأدهى في الأمر هو أننا بعد كل ما فعلناه لم نتورع وزدنا للطين بلة عندما اتهمنا الرسول محمدا بما اتهمناه من مواقف مصطدمة بالحديث المنزل عليه في تلك الليلة المباركة .
وهل عندما نكون فعلنا كل هذا وقد فعلناه وعن نية وسبق إصرار ؟ هل نكون من الذين يرجون الله واليوم الآخر ومن الذاكرين الله كثيرا ؟
(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) سورة الأحزاب – 21-



الحاسة الفاتـــــرة


(( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)) رقم 06 – الصافات –
(( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ)) رقم 16- الحجر –
(( فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)) رقم 75 و76 – الواقعة.
(( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . رقم06- ق -
(( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.)) رقم 32- الأعراف –
(( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.)) رقم 07 – سورة الكهف –
(( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ(116)بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. )) 116 و117- سورة البقرة –
((بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.)) رقم 101 – سورة الأنعام -


التعليــــــق

من المتوقع أن العلماء المهتمين وأصحاب دراية بالحواس وإمكانية تنشيطها أو بعثها وتنميتها سيجمعون على أن للجمال حاسته ، وهذا ما نرجو تأكيده .
ومن المتفق عليه أن فعل : زين ، وكلمة زينة ،تتولد منهما صفات أخرى متكاملة متجانسة كالجمال والجميل والحسن والإحسان والزخرف والإبداع وما إلى ذلك .
ومن البديهي أيضا أن هذه الصفات لا تكون موجودة إلا بفضل حاستي السمع والبصر وربما أخرى كالشم ؟
وإذا حصل الاتفاق على ما تقدم ذكره ، فعندها كم يجمل ويحسن بنا أن نتأمل معا الآيات القرآنية التي أنزلها الله البديع على رسوله محمد عليه الصلاة لنلاحظ ونلمس قيمة ووزن تلك الكلمات ومنها :
زينا السماء بزينة الكواكب.
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين .
بديع السماوات والأرض.
والملاحظة الكبرى هي أننا نحن المسلمين الذين تلقوا القرآن الكريم نادرا ما نظهر أدنى اهتمام بالأمر ونادرا ما نلتفت إلى السماء الدنيا التي اهتم بها الله الخالق فزينها بزينة الكواكب لعباده ، وبتلك البروج التي جعلها الله في السماء والتي زينها للناظرين ، ونادرا ما تسترعي انتباهنا أو فضولنا ماهية مواقع النجوم التي شكلت ذلك القسم الرهيب .

وإذا حدث أن بذل أحدنا الجهد فولى وجهه شطر السماء فبكيفية شاردة سارحة وبـبصر حسير وبقلوب لاهية في ما هو أقل شأنا تتبعها تعليقات أو ما يشبه تسبيحات وتمتمات باهتة .
ولعله من المفارقات أو من الحالات التي تحمل كثيرا من الهجاء لنا وبأسلوب كاركاتوري ساخر أن العلم تقدم خطوات لايستهان بها في مجال التحديق في ملكوت الله وفي غزو الفضاء وفي اكتشاف المجرات وفي المسافات التي لا تقاس إلا بالسنوات الضوئية ، وفي تلك المشاريع وذلك الطموح اللامتناهي لاسيما للوقوف على كيفية بداية الخلق ، بل وهناك تساؤلات ودراسات عن الفترة التي سبقت الإنفجار الأعظم ( ذكر السماوات وكيف كانت رتقا ففتقناها ) ومع ذلك فلم يؤثر ذلك فينا ، ولم نهتم بالمكتسبات أو المكتشفات المذهلة التي حققه غيرنا من عباد الله ، وأما المذهل الآخر فهو تصرفاتنا ومواقفنا التي تلمح أو تصرح بأننا غير معنيين وغير مطالبين .
وإذا حدث أن قرأ أحدنا أو شاهد على الشاشة أو سمع شيئا عن أخبار تلك الرحلات عبر الفضاء الواسع التي حققها غيرنا من غير المسلمين أو تلك المشاريع التي يخطط لها للمستقبل القريب أو البعيد ، فإننا نكون في الغالب قرأنا أو شاهدنا أو سمعنا ذلك بحواس فاترة ، بل إن لسان حال مواقفنا المصابة بالذهول وبمسحة من ورع لا لون ولا طعم له ولا محل له من الإعراب ، تلمح أو تصرح بما يلي :

01) أين هي هذه السماء التي زينها الله بزينة الكواكب ؟ ولماذا يا تـرى
فعل الله ذلك ؟
02) من أين لنا أن ندرك ماهية تلك البروج التي جعلها الله فـــي السماء وزينها للناظرين ؟


03) هيهات لنا أن نرقى إلى مستوى الناظرين إلى ما خلق الله وأبدع وزين ؟
04) إن صفات : زينة ، وجمال ، وحسن ، وإبداع ، وإتقان ، وكمال ، وتنسيق،
وتناسق ، ودقة ، وفنون جميلة ، وألحان ، محبوسة كلها في قفـــص
الإتهام ، إلى أن تثبت براءتها التي لا يرجى لها ذلك بل لا نـرى لها بصيص أمل .
ولنرجع إلى الآية رقم (12) في سورة الحجر حيث قال الله : (( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ))
عندما نتأمل مثل هذه الآيات ، ألا يتبادر إلى الذهن اليقظ أن هذا الكون كله عبارة عن لوحة أو لوحات فنية ومن صنع أيادي البديع وأن الجمال هنا هو غاية مقصودة ؟ لاسيما وأن الله يقول (( وزيناها للناظرين )) ؟

وعندما يرى الله العلي الخبير أن هناك فعلا كثيرين من عباده مهتمون بهذه اللوحات الرائعة التي تأخذ الباب ذوي الألباب دون غيرهم ، نعم عندما يرى الله ذلك ومع ذلك فهم من عباده الذين لم يبلّغوا بعد وحيه المنزل على رسوله للعالمين .
وعندما يرى الله العلي الخبير في نفس الوقت أن عباده الذين بلغهم وحيه المنزل وهم يتلونه أناء الليل وأطراف النهار ما زالوا في طور التلاوة ولما يبلغوا سن التمييز وسن الرشد وما زالوا بعيدين عن مؤهلات التدبر ، وما زالوا لم يستثمروا تلك النتائج المذهلة التي بلغها العلم بفضل العلماء الذين لم يبلغوا بعد ذلك الحديث المنزل .
وعندما يثبت الواقع أننا نحن المسلمين الذين بلغنا القرآن ما زلنا نفتقر إلى العزم وإلى ثقافة التمتع بالزينة والإبداع والحسن والجمال والإتقان والدقة والكمال ، وما زال نظرنا حسيرا ، وما زلنا لم نرق إلى درجة الناظرين الذين من أجلهم زين الله السماء بزينة الكواكب .
وعندما يثبت الواقع أننا نحن المسلمين ما زلنا لم نع الدرس من سيدنا ابراهيم عليه السلام الذي كان جادا في الأمر وكان لنا أسوة حسنة ، ولأمر ما اتخذه الله خليلا .
وعندما يكون كل ذلك كذلــك ،
ألا يتبادر إلى الذهن ذلك السؤال المحير :
فبأي عين يا ترى يرى الله أولئــك وهؤلاء من عباده ؟

اجمالي القراءات 11182