انخفاض الدولار و الاقتصاد العالمي

عمر أبو رصاع في الخميس ٠٤ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في غضون عامين واصل الدولار الأمريكي تراجعه المستمر امام اليورو و بعد ان كان الدولار اعلى قيمة من اليورو وصل الاسبوع الفائت سعر صرف اليورو امام الدولار إلى 1.414 دولار

يسهم انخفاض سعر الدولار الامريكي هذه الايام في اشعال الاسعار العالمية خصوصاً في البلدان التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار بطريقة مباشرة او غير مباشرة كدول الخليج العربي و مصر و الأردن ، باختصار الاقتصاد العربي كله مرتبط بالدولار سواء بربط سعر الصرف او بارتباطه طبيعياً بسعر برميل النفط فالتناسب بين سعر النفط و سعر صرف الدولار تناسب عكسي أي كلما انخفض سعر صرف الدولار ارتفع سعر برميل النفط ليوازي قيمته على العملات الأخرى بأسعار صرفها امام الدولار.

البعض ربما لا يفهم دلالات سعر الصرف و كثيراً ما نسمع كلام غير علمي عن سعر الصرف مؤداه أن ارتفاع سعر صرف عملة بلد ما أماما الدولار يعني ان اقتصادها قوي ، بطبيعة الحال هذا كلام غير صحيح و غير علمي ، سعر صرف أي عملة يتحدد بالطلب و العرض عليها و المهم هو تغيرات سعر الصرف ارتفاعاً و انخفاضاً ليس سعر الصرف نفسه كذلك قوة الطلب العالمي عليه ، مثلاً
الدولار يعادل 0.71 دينار اردني
فهل معنى ذلك ان الاقتصاد الأردني افضل من الامريكي او الدينار اقوى من الدولار؟!
بطبيعة الحال لا
قوة اي عملة تستند لعوامل كثيرة منها:
1- حجم الطلب و القبول العالمي لها و عليها ، فعملات كالدولار و اليورو و الين تتمتع بقبول عالمي اينما ذهبنا في العالم هناك قبول لها و ثقة بأسعار صرفها أيضاً تتمتع بطلب عليها و ذلك بهدف استعمالها في الدفع في اطار التجارة العالمية ، الحقيقة هذا العامل و رغم كل شيء لا يزال تحت تأثيره الدولار الأمريكي هو العملة الأكثر قبولاً و استعمالاً و طلباً في العالم حتى بعد المنافسة القوية لليورو ، الكثير من الناس يسألون لماذا تطبع الولايات المتحدة الكثير من الأوراق النقدية و تمول بالعجز و الحقيقة ان الولايات المتحدة لو لم تفعل ذلك فسيقفز سعر صرف الدولار بجنون ، ذلك أن الطلب العالمي على الدولار اعلى من العرض و بالتالي لا بد ان اردنا ان نحافظ على سعر الصرف كما هو التعويض بكميات نقد جديدة تجعل كمية الطلب توازي كمية العرض .

2- حجم اقتصاد الدولة نفسها ، فالولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اكبر اقتصاد في العالم و سوقها يعادل 30% من مجمل السوق العالمي كله ، هذا الحجم الاقتصادي الهائل هو عبارة عن وزن و ثقل اقتصادي يدعم قيمة الدولار فعملة اي اقتصاد قوتها الحقيقية بالاقتصاد الذي تستند إليه اي اقتصادها هي حجم التداول المحلي و سعر الانتاج السنوي او الناتج المحلي الاجمالي.

3- ميزان المدفوعات
و يشمل ميزان المدفوعات حركة انتقال الأموال من وإلى الاقتصاد و أهم مكوناته الميزان التجاري كذلك التحويلات الرأسمالية كشراء الأسهم و الأدوات المالية كشراء اذونات الخزينة .
يعتبر ميزان المدفوعات الأمريكي أهم ميزان مدفوعات في العالم و عليه تستند ركائز رئيسة لهذا الاقتصاد العالمي ، صحيح ان الميزان التجاري الامريكي يعاني من عجز مزمن إلا انه يقابل بتغطية كبيرة نسبياً من التحويلات الرأسمالية التي تتدفق على الولايات المتحدة على شكل استثمارات مباشرة او مالية في اسواق الاسهم و الأهم سندات و اذونات الخزينة الأمريكية ، كذلك الطلب العالمي الخارجي على الدولار من قبل البنوك المركزية و الأفراد و المؤسسات سواء كإحتياطيات أو لأهداف التبادل و المعاملات كله يمثل اضافات على الطلب لعالمي على الدولار.

من المهم هنا الإشارة إلى ان اقتصاديات مصدرة للولايات المتحدة رئيسة كالاتحاد الاوربي و اليابان و الصين تشتري كميات كبيرة جدا من الدولارات لتحافظ على سعر صرفه كذلك اذونات الخزينة الامريكية فالصين مثلاً لديها اكبر احتياطي عالمي خارجي من الدولار الأمريكية ، اما لماذا تفعل هذه الدول ذلك فلأنها معنية ان تحافظ على سعر صرف الدولار فإنخفاض سعر صرف الدولار معناه ارتفاع اسعار سلع و خدمات هذه الدول في الاسواق الامريكية و العالمية و بالتالي تراجع قوتها في المنافسة
مثال :
لو ان الدولار انخفض للنصف على سبيل المثال فالسيارة الألمانية التي كانت تباع في أمريكا ب 20000 دولار سيصبح ثمنها 40000 دولار و هذا معناه انها اصبحت غالية في الاسواق الامريكية و قوتها في المنافسة اضعف امام المنتج الأمريكي الذي لن يرتفع سعره بمقدار الضعف مهما بلغت نسبة التضخم الناتجة عن انخفاض سعر صرف الدولار.

انخفاض سعر الدولار ينتج مؤخراً في العالم عن قرار البنك المركزي الأمريكي تخفيض اسعار الفائدة التي يدفعها على أذونات الخزينة الامريكية
و هذه وسيلة تستعملها الحكومة لأهداف اقتصادية و تعمل آليتها مجردة على النحو التالي:

1- يخفض البنك المركزي سعر الفائدة الممنوحة على الأذونات ، وهذه الاذونات هي عبارة عن صكوك مدتها في العادة 3 اشهر عبارة عن دين على الحكومة الامريكية تشتريها المؤسسات والبنوك و الدول و تلتزم بموجبها الحكومة الامريكية باعادة المبلغ قيمة الصك زائداً نسبة الفائدة المقررة على هذه الاشهر الثلاثة ، و تعتبر اذونات الخزينة من أعلى الاصول المالية سيولة لانها سهلة البيع و قصيرة الأجل و مضمونة لدرجة عالية جدا جدا كونها صادرة عن البنك المركزي الامريكي.

2- تخفيض سعر الفائدة على اذونات الخزينة الأمريكية يؤدي لتسيل الكثير من الأذونات بسبب انخفاض الفائدة عليها.

3- ارتفاع نسبة السيولة يؤدي إلى زيادة الكمية المعروضة من الدولارات في الاسواق و بالتالي إلى انخفاض سعر صرف الدولار و انخفاض سعر الفائدة الدائنة و المدينة في البنوك.

ما هي أثار انخفاض سعر صرف الدولار ؟
الحقيقة لتراجع سعر صرف الدولار آثار كثيرة جداً و متداخلة للغاية ، لعلنا نحاول باختصار ان نركز على اهمها و ابرزها قدر الإماكن.
بطبيعة الحال تراجع الدولار معناه كما سبق و اشرنا ارتفاع القوة التنافسية للسلع الامريكية امام الاجنبية سواء في السوق الامريكي او خارجه حيث تكون السلع المنافسه مقومة بالدولار الامريكي أغلى و بالتالي تقل تنافسيتها ، بمعنى آخر يؤثر انخفاض سعر صرف الدولار سلباً على كل المصدرين العالميين من خارج امريكا و على رأس القائمة الاتحاد الأوربي و اليابان و الصين و هذا ما حذا باليابان إلى تخفيض سعر عملتها ايضاً أمام اليورو للحد من اثر تراجع سعر صرف الدولار على صادراتها.
من ناحية أخرى يؤدي انخفاض سعر صرف الدولار إلى تضخم في الأسعار في الولايات المتحدة و الدول الأخرى و بشكل خاص في اسعار المواد الخام وعلى رأسها النفط مما يحد من الإستيراد و الاستهلاك و بالتالي من عجز الميزان التجاري الامريكي ، و يرجع المحللون سبب خفض البنك المركزي الامريكي ( مجلس الاتحاد الفدرالي) لسعر الفائدة على الأذونات إلى ارتفاع نسبة الاستهلالك في الاسواق الامريكية و الأداء السيء لقروض الاسكان و ازمتها الكبرى لقطاع الانشاءات و بالتالي ارتفاع العجز في ميزان المدفوعات الذي يجب خفضه من ناحية و تخفيض فائدة القروض الداخلية من ناحية ثانية لاعطاء دفعة مشجعة للاستثمار بسبب انخفاض سعر الفائدة الدائنة على القروض.
من ناحية اخرى يسهم في تعزيز ارتفاع اليورو و تراجع الدولار رفع سعر الفائدة الأوربية على أذوناتها في محاولة لتقليص الفجوة بينها و بين مثيلتها الامريكية إلى أقل من نقطة واحدة .
فيما تكسب منطقة اليورو ثقة اكبر بعملتها الموحدة على حساب الدولار و تحاول ان ترفع من تنافسيتها كمنطقة جاذبة للاستثمار في مقابل الولايات المتحدة التي لا تزال تعطي عائدات أعلى على الودائع بحكم الفارق بين الفائدة على الأذونات الامريكية و مثيلتها الاوربية بشكل اساسي ، وهذا خلل ترى اوربا ان عليها ان تتعامل معه و تصل إلى توازن بسعر الفائدة على الأذونات مساو لمثيله الأمريكي كما اشار وزير المالية الألماني مايكل غلوس مقللاً من اهمية تغيرات اسعار الصراف قائلاً ان منطقة الاتحاد تستطيع التعايش مع ارتفاع اليورو .
بالنسبة للمنطقة العربية لا تزال منطقة الخليج على نحو غريب متمسكة بالارتباط بالدولار الامريكي عدا الكويت التي اتخذت قرار بتخفيض سعر عملتها امام الدولار للحد من آثار تراجع الدولار على شكل تخضخم سعري فيما تستفيد منطقة الخليج و المناطق العربية من ارتفاع سعر النفط طالما واصل الدولار هبوطه حيث تنمو العوائد المالية على النفط السلعة الاساسية العربية المصدرة و اتوقع ان يواصل سعر برميل النفط صعوده و سط التوقعات باستمرار نمو الطلب العالمي خصوصاً في منطقة شرق و وسط اسيا من ناحية و تراجع الدولار من ناحية أخرى إلى ان يتجاوز حاجز المئة دولار.

الملاحظ أيضاً استمرار ارتفاع المؤشر العام للأسعار عربياً بشكل عام محدثاً تضخم سعري (مستورد في اغليه من الاقتصاد العالمي) يزيد من ازمة ذوي الدخل المحدود وسط سياسات اقتصادية تتجاهل تنامي الفجوة بين الفقراء و الاغنياء ، و تزداد هذه الازمة في الدول التي لا تعتمد على العائدات النفطية بشكل مباشر فمن المتوقع ان يواصل التضخم السعري العالمي مسيرته فيما نتوقع ايضاً ان تواصل الحكومات سياسة التطنيش تجاه ذوي الدخل المحدود و الاستمرار في سياسات التنمية غير العادلة في التوزيع على حساب الشرائح الفقيرة التي يتآكل دخلها الحقيقي بتراجع قيمته الشرائية

للحديث بقايا
عمر أبو رصاع

اجمالي القراءات 14924