الإذاعة الامازيغية المركزية بين مقاربات الماضي و الوعي الهوياتي الجديد

مهدي مالك في الأربعاء ٠٧ - أغسطس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

 

 

الإذاعة الامازيغية المركزية بين مقاربات الماضي  و الوعي الهوياتي الجديد

مقدمة متواضعة                                               

ظلت الإذاعة الامازيغية المركزية لعقود طويلة الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي تتحدث باللغة الامازيغية عبر فروعها الثلاث أي الريفية و الأطلسية و السوسية حيث ان هذه الفروع اختزلت الفنون و الاذاب من الحكايات و الامثال و التاريخ الجهوي الخ من هذه الخصوصيات الفريدة من نوعها .

 و كذلك ظلت الإذاعة الامازيغية المركزية وسيلة لتصريف سياسة السلطة و مواقفها منذ سنة 1956 الى الان حيث ان هذا المعطى هو طبيعي للغاية لان الإذاعة الامازيغية المركزية تدخل في اطار ما يسمى بالاعلام العمومي و التابع بشكل مباشر للدولة كما في اعرق الدول في الديمقراطية و في الحداثة مثل فرنسا باعتبارها مستعمرة سابقة للمغرب و التي لها اعلام عمومي و اعلام خصوصي من خلال الإذاعات و القنوات التلفزيونية الخ بمعنى ان مبدئ الاستقلالية الإعلامية  لا يوجد في دول الغرب المسيحي الا بنسب قليلة للغاية و ما بالك في دولنا الإسلامية حيث هناك ثلاث طابوهات كبرى  لا يجوز الاقتراب منها او تناولها و هي الدين ببعده الأيديولوجي من طبيعة الحال و السياسة و الجنس ..

لقد تاسست الإذاعة الامازيغة المركزية سنة 1938 أي في عهد الاستعمار و في عهد اخضاع القبائل الامازيغية لهذا الواقع الجديد بالحديد و النار طيلة اكثر من 20 سنة من المقاومة الفعلية حيث غالبا كانت الإذاعة الامازيغية  وسيلة لبث الأغاني و الاخبار في ساعة من الزمن حسب ما سمعته منذ سنوات و استمر هذا الوضع بعد الاستقلال حيث ان السلطة لم تقم باي اجراء ضد هذه الإذاعة الناطقة بفروع اللغة الامازيغية باعتبارها من ثمار ما يصطلح عليه بالظهير البربري بل تعاملت السلطة معها بمنطق ذكي لان السلطة تعرف وقتها أي في سنة 1956 ان اغلب سكان المغرب لا يعرفون لغة الضاد بشكل كبير و الدراجة بشكل اقل من ذلك بمعنى ان اللغة الغالبة وقتها هي الامازيغية بدون ادنى شك .

غير ان السلطة قد جعلت من الإذاعة الامازيغية المركزية بدون هوية ثقافية امازيغية على الاطلاق لان السلطة آنذاك كانت تريد اماتة الامازيغية بكل ابعادها الثقافية و الدينية و السياسية بغية تحقيق التعريب الشامل و سلفية ما يصطلح عليه بالحركة الوطنية.

ان الجدير بالذكر ان سلفية الحركة الوطنية كانت موجهة الى الامازيغيين اكثر من غيرهم بحكم انهم اكثر حفاظا على الإسلام و على اخلاقه السامية لمدة قرون من الزمان حتى دخلت التاثيرات الأولى من المشرق العربي الى المغرب سنة 1930 فتاسست الحركة الوطنية و خطابها الرافض للهوية الامازيغية بصريح العبارة باعتبارها نعرة جاهلية ما انزل الله بها من سلطان أي ان سلفية الحركة الوطنية كانت تستهدف تطويع الامازيغيين بعد سنة 1956 و جعلهم يكفرون كل ما يتعلق بهويتهم الاصيلة بسبب  التاويل الأيديولوجي لديننا الإسلامي الحنيف بكل الموضوعية و الأمانة العلمية.......

الى صلب الموضوع                              

و هكذا بدات الإذاعة الامازيغية بعد سنة 1956 في مسار يطبعه الظلام و الانتقال عبر الاساطير و الخرافات في ظل موقف السلطة المعلن من الامازيغية حيث ظلت الإذاعة الامازيغية مجالا لما اسميه بايديولوجية التخلف القروي و سلفية الحركة الوطنية و الوهابية بعد سنة 1979 لانني شرحت وجهة نظري المتواضعة حول تدبير الحقل الديني الرسمي في كتابي الأخير .

لقد كنت شرحت في العديد من المقالات و في سيرتي الذاتية بعمق ما اقصد بايديولوجية التخلف القروي التي تحتقر النساء و المعاقين سواء في القرى او في المدن كما حدث في قصتي مع هذه الأيديولوجية الجاهلة او حدث للمئات مثلي و مثل أي انسان قد وجد العديد من العراقيل منعته من التقدم في مسار حياته الشخصية و العملية لان هذه الأيديولوجية الحقيرة نشات في البادية المغربية بعزل عن القيم الامازيغية الاصيلة من قبيل الديمقراطية و العلمانية أي التمييز الإيجابي بين الدين و الشأن العام للقبائل الامازيغية الى سنة 1956 حيث ان الكل يعرف ماذا اقصده .

فان أيديولوجية التخلف القروي تم زرعها داخل الإذاعة الامازيغية منذ سنة 1956 بهدف جعل الامازيغية بجلال قدرها شيئا قرويا  لا علاقة له بالتقدم او بتسيير شؤون البلاد بل له علاقة بالتخلف بمختلف مظاهره و ابعاده...

ان ما يعزز اعتقادي المتواضع في هذا السياق هو سماح السلطة في نهاية المطاف بتاسيس حزب الحركة الشعبية في سنة 1958 على أساس الامازيغية بدون اية مرجعية اصيلة و على أساس البادية المغربية كمجال ظل مهمش الى الامس القريب حيث لعل نموذج قرية انفكو بالاطلس المتوسط قد اختزل كل شيء ........

و في سنة 1974 أصبحت الإذاعة الامازيغية المركزية تبث على مدار 12 ساعة يوميا حيث لا اعرف ما هو السياق التاريخي لذلك القرار من الأعلى خصوصا اننا نعرف جميعا ان أوائل سبعينات القرن الماضي قد شهد محاولتان للانقلاب على الراحل الحسن الثاني من تدبير الضباط الامازيغيين الذين لا علاقة لهم باية حركة ثقافية امازيغية داخل المغرب او داخل الجزائر على الاطلاق في اعتقادي المتواضع.

 و امام هذا الغموض في السياق التاريخي لذلك القرار افتح باب التاويلات الممكنة من قبيل ان الراحل الحسن الثاني كان في سنة 1974 يخطط للمسيرة الخضراء التي انطلقت كما هو معلوم في 6 نونبر 1975 حيث ربما يدخل ذلك القرار في اطار استقطاب اعداد كبيرة من الامازيغيين للمشاركة في هذا الحدث التاريخي لكن هذا التاويل هو ضعيف بسبب  نسب بث الإذاعة الامازيغية على الصعيد الوطني قد وصلت الى 20 في المائة حسب ما قاله الأستاذ احمد عصيد في كتابه تدبير الشأن الامازيغي الصادر عن المرصد الامازيغي للحقوق و الحريات سنة 2008 ادا أتذكرجيدا....

 و من قبيل ان الراحل الحسن الثاني قد أراد من خلال زيادة عدد ساعات بث الإذاعة الامازيغية الى 12 ساعة الى القول آنذاك ان المغرب لا يتوفر على مسالة تحت اسم المسالة الثقافية الامازيغية على الاطلاق لان الحسن الثاني قد صرح بذلك للصحافة الفرنسية أوائل ثمانينات القرن الماضي على خليفة انطلاق الربيع الامازيغي بالجزائر في ابريل سنة 1980 بمعنى ان هذه تبقى مجرد تاويلات ممكنة لكن الإذاعة الامازيغية بقيت على حالها المتخلف بإرادة حازمة من السلطة العليا..

انني انطلقت في الاستماع للإذاعة الامازيغية صيف سنة 1996 حيث كنت ابن

 13 سنة و عاشق لفن الروايس و تعلمت من خلال الإذاعة الامازيغية أسماء الروايس و الرايسات القدماء و الجدد وقتها مع العلم ان في بيتنا توجد أشرطة صوتية او الفيديو للروايس و الرايسات و بالتحديد الرايس احمد اوطالب المزوضي و الرايسة فاطمة تاباعمرانت الخ .

ان من ذكرياتي مع الإذاعة الامازيغية في تلك الفترة كنت استمع لبرامج الأستاذ مصطفى ايت عبد الرحمان الترفيهية حسب ذلك السياق على كل حال و برامج الأستاذ الغني عن التعريف عبد الله طالب علي و هو الان المدير العام للإذاعة الامازيغية و القناة الامازيغية حيث انني اتواصل معه عبر الايميل في أمور و أخرى.

 و انني اقدر هذا المناضل الامازيغي منذ سنة 1996 باعتباره ناضل منذ ولوجه للإذاعة الامازيغية منذ ثمانينات القرن الماضي من اجل الثقافة الامازيغية و هو وجه معروف في التلفزة المغربية منذ سنة 1994 اذ كان احد مقدمي لما يسمى بنشرة اللهجات ...

و  وقتها أي سنة 1996 كان يقدم الأستاذ طالب علي برنامج التحيا بين الاهل و الاحباب و الأصدقاء عبر الهاتف مباشرة و برنامج اخر حول الشعر الامازيغي اذا أتذكر جيدا الخ من برامجه المتميزة وقتها و الان  من خلال برنامج سمازيغ اوال او تمزيغ القول .

انني أتذكر صوت المرحوم احمد امغار الجميل و هو مقدم  برامج الفترة السوسية آنذاك من الثامنة مساءا الى منتصف الليل .

انني أتذكر صوت المرحوم محمد امزار اذا كتبت اسمه جيدا حيث كان يقدم برامج فكرية و ثقافية بميزان ذلك العهد الظالم بالنسبة للامازيغية بشموليتها لان الإذاعة الامازيغية كانت ممنوعة آنذاك من تناول موضوع الحقوق الثقافية و اللغوية الامازيغية باي شكل من اشكال او بث أغاني فن الروايس او فن المجموعات العصرية المتعلقة بهذا الموضوع الهوياتي الهام  ....

انني أتذكر صوت الأستاذة فاطمة عاميد التي تقدم برامج الاسرة و الصحة وقتها ...

و بعد خطاب اجدير التاريخي و احداث المعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2001 انطلقت الإذاعة الامازيغية في مسار التحديث و رفع عدد ساعات البث من 12 ساعة الى 16 ساعة في يوم 18 نونبر 2005 أي عيد الاستقلال السعيد عبر ادخال شباب  من الحركة الامازيغية بعدها السياسي على الخصوص أي الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي  مثل الأستاذ براهيم باوش و الأستاذ الحسين بوالزيت و الأستاذ رشيد بوقسيم و الأستاذة نادية السوسي من الشبكة الامازيغية من اجل المواطنة على ما اعتقده و الأستاذة زهرة ارجدال و الأستاذة فاطمة اكبوض و الأستاذة امينة اوبلا و دون نسيان الأستاذ إلحبيب العسري الذي اصبح فيما بعد مدير إذاعة اكادير الجهوية حسب ما سمعته .....

و هنا ينبغي التذكير بالمرحوم العسري حماد امزال  الذي توفي في مارس 2012 و كان له برنامج قديم في الإذاعة الامازيغية اسمه ابارز ن ايت ؤمارك أي ساحة اهل الغناء و الذي عاد الى البث  حوالي 2006 تقريبا رحمه الله ..

و  هنا ينبغي التذكير بالمرجومة الأستاذة حادة اوعبو من الاطلس المتوسط و المعروفة في التنشيط الإذاعي منذ سنوات عديدة بالاذاعة الامازيغية في الفترة الأطلسية و كانت ممثلة امازيغية رائعة في مجموعة من المسلسلات و الأفلام بالقناة الامازيغية منذ انطلاقتها سنة 2010 ..........

و هنا ينبغي التنويه بالاستاذ محمد مستاوي الغني عن التعريف على محهوداته العظيمة داخل الإذاعة الامازيغية و خارجها منذ عقود من الزمان لاجل ثقافتنا الاصيلة حيث عندما رايته امامي فجاة في المعرض الدولي للنشر و الكتاب بالرباط صيف 2023 شعرت بوقع المفاجأة على جسدي و اقسم بالله لان هذا الرجل قد ضحى بكل ما يملكه من اجل نصل الى هذا المستوى الجميل من الشعور الهوياتي الوطني ...

توقيع المهدي مالك    

اجمالي القراءات 612