مرض الفصام الديني
مشروع للنقاش

زهير قوطرش في الإثنين ١٠ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً



مشروع للنقاش .
مرض الفصام الديني( الانسان السليم والمريض في نفس الوقت)
قد يتسائل البعض عن معنى هذا العنوان،ويستحضر الذاكرة،ويبدا بالتفكير المجرد ، كيف يمكن أن يكون الانسان السليم والمعافى مريضاً في نفس الوقت.. كما سيفكر البعض ، فكرت أنا ولسنوات طويلة وذلك عندما بدأت رحلتي في الكشف عن الانسان ، هذا المخلوق الذي كرمه رب العالمين عز وجل ،وسخر له ما في السموات والأرض، بعد أن وهبه نفخة أو نفحة الروح التي بها اكتملت إنسانيته ،وعلمه الاسماء كلها ، لتبدا رحلته في هذا &Ccededil;لعالم ،رحلة الكشف عن الافاق والانفس . هذا الانسان الذي عاش حياته البدائية معتمداً على قواه العضلية لتأمين استمراريته في الحياة ،ومارس القليل من التجارب التي دفعته الحاجة إليها ، بحيث بدأت تتولد لديه المعارف البدائية والتي تراكمت بدورها مع مرور الزمن وبفعل الزمن الى أن بدأ الانسان باستخدام الامكانيات العقلية ليطور ويبني ويكتشف ما في الأرض والسماء من أشياء مسخرة له... استخدمها في بناء وتطوير الحياة الانسانية كما أرادها الله عز وجل في مشروعه الرباني الذي من أجله خلق هذا المخلوق ، الذي يختلف في صفاته وامكانياته عن بقية المخلوقات.وهبه الحرية والاختيار ،وهذه الصفة جعلته يكتسب علومه ومعارفه خلال مسيرة حياته ، وكانت الحرية التي في الحقيقة هي ظاهرة وليست شيئاً . هي الاساس والمحرك للابداع الانساني ( مع كل أسف فقدناها في عالمنا الاسلامي) وحتى يكون الانسان حراً لابد أن يكون مخيراً بين ضدين ، أي أن يكون لديه مجالاً للنفي والاثبات، أي بلغة العصر لابد من وجود الفكر والفكر المضاد ، وبلغة قناة الجزيرة الرأي والرأي الأخر. الايمان والكفر. ولعبت هذه الحرية في مسيرة المعرفة الانسانية الصاعدة والنسبية والمتجهة نحو المطلق دورا هاما ، بحيث شكلت معرفة تراكمت كماً وكيفاً في كل نواحي الحياة الانسانية. وكانت كلما ازدادت معارفه بالمقدرات ، ترقى الانسان وخفت عنده صفة الجبرية . وازدادت معرفته بقوانين الطبيعة والاجتماع والاقتصاد وغيرها.
هذا الانسان هو في الحقية مادة وروح. إن تصرفات الانسان الخارجية هي مرآة تدل على حالة الروح أو النفس. وهذا ما نلاحظه عند البعض من الناس وهم كثر مع كل اسف .متذمرين، مزاجيين،أرائهم فيها تضارب ، يحاولون التهرب من كل شيئ بمنطق قاصر وتبريري ، عقيدتهم وراثية ،وعباداتهم إن وجدت هي بحكم العادة ، إن قرأ كتابه لا يتدبر فيه، بل لتمرير الاجزاء وإقناع النفس بأنه فعل شيئا وكأنه مجبر عليه ،محكوم بعقل لا يريد أن يفكر فيه ، يترك للأخرين حرية أن يفكروا عنه. معتد بثقافته السطحية والمتخلفة. لايرى من الآلوان إلا الابيض والاسود ، تتحكم فيه الأفكار الشيطانية ، من طبيعته العنف في بيته وحتى في مجتمعه.هذا الانسان لو حللنا نفسيته لوجدنا أنه مصاب بداء الفصام .ونستطيع تسميته عند المسلمين بداء الفصام الديني. وهو التناقض الذي اصيب به مابين النص ،والمورث ،والواقع.
كيف هذا؟ الصحة النفسية كما أكد بعض علماء النفس هي الاساس ، وهي التي في الكثير من الاحيان سبب صحة أو مرض الجسد ،والديانات كلها جاءت بالدرجة الاولى للهداية ومعالجة الامراض النفسية الانسانية. والصحة النفسية لا تاتي إلا بالابداع.... ليس الابداع في العمل، ولكن بمساعدة الأخرين لتحسين ظروف معيشتهم ومساعدتهم على تجاوز ألامهم ومصائبهم والأهم من ذلك تغير ثقافتهم الظلامية التي أثقلت عليهم حياتهم، هذه المساعدة المبنية على الوعي ، أي أساعد عن وعي وأعرف لماذا أساعد؟ ألم يقل عيسى عليه السلام (أعملوا على صحة أرواحكم ،والله هو طبيبكم)، الجسم حتى يكون قوياً لابد له من جهاز مناعة قوية ، لأنه إذا فقد المناعة يموت فوراً.والصحة النفسية لديها مناعة ،ومناعتها في ممارستها الابداع في عمل الخير، في عباداتها ،في فهمها الواعي لدينها ،في تدبر قرآنها أو كتابها كما قال عز وجل ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للعالمين) وقوله عز وجل (قل هو للذين أمنوا هدى وشفاء) ، وإيمانها المطلق بعدالته وعنايته. هذه هي أدوية تقوية المناعة عند النفس الانسانية. و التي تجعلها تتحدى الصعاب ،وتتحدى الألم ،وتتحدى المصائب.وتعطينا السعادة ،والسعادة ليست بتحقيق الاهداف الدنيوية ،أو المكاسب الدنيوية ، هذه المكاسب تحقق لنا السرور الآني فقط . أما السعادة هي في القناعة بأن الله عز وجل وهب الحياة التي نشكره عليها دائما ،لأنها هي القيمة الحقيقة التي تصنع السعادة .فلا سعادة حقيقة بدون إيمان حقيقي وراسخ. من كل هذه المقدمة أحببت أن أصل الى قضية هامة ألا وهي موضوع المرض النفسي عند اغلب أفراد الامة الاسلامية الذي يسميه علماء أو أطباء علم النفس بالازدواجية أو أنفصام الشخصية ،وهذه الازدواجية عند افراد الامة الاسلامية كانت ومازالت السبب في الخلط الثقافي مابين ما جاء في كتاب الله عز وجل من ايات بينات تدعوا الانسان الى الايمان الحقيقي الواعي ، وتدفعه لاقتحام مجال الافاق والانفس، وبين تراث تواكلي حال بينه وبين استخدام عقله ومقدراته ليكون حاملاً لرسالة التوحيد من جهة وشاهدا على الناس من جهة أخرى. ولهذا السبب نحن امام مشاهد غريبة في عالمنا الاسلامي وسلوكيات غير متزنة ،وكيف لا !!!!! نقرأ في كتابنا أننا مكلفون ببناء ايماننا على دراسة الكون ،ومع ذلك نعيش ونحن محجوبون عن الكون ونواميسه وقواه. نتهم غيرنا من الامم بأن رسالتها مادية محدودة قوامها الباطل والهوى.... ونرى بأم أعيننا أن هذه الامم يسابقون الريح نشاطاً وعزماً. يدعي علماؤنا بأننا الامة الوحيدة التي أعزها الله بكتابه، والواقع الذي يقرأه المسلم ويراه على أرض الواقع ،أن عزنا في الدنيا ما هو إلا من المساعدات التي يقدمها لنا أولئك الذين اتهمناهم بالشرك والكفر. وعزنا بكتابنا تحول الى ذل ، لاعتمادنا على لهو الحديث الموحى من رب العالمين كما يدعون . والذي بدونه لايمكننا أن نفهم كتابنا ، ندعي أن ديننا دين الرحمة والعدل ،ونرى على امتداد العالم الاسلامي افكاراً وهابية وغيرها تدعوا الى القتل العشوائي حتى بين المسلمين الابرياء ، معتمدة على الاحاديث الناسخة لآيات القرآن أيات الرحمة والعدل والقسط . نتهم الامم الأخرى بانها فرقت دينها الى مذاهب وشيع ، ...... ونرى على أرض الواقع أننا أكثر الامم فرقة وتمزقاً حتى وصل الى حد الاقتتال والتصفية البدنية،والتصفية النفسية. كل هذه الامور السابق ذكرها ، جعلت من هذه الامة ، أمة مريضة بمرض الانفصام الديني والازدواجية الثقافية.وصار الانسان المسلم معافى في بدنه نسبياً ، ولكنه عليل النفس والروح، حتى ولو تظاهر بعكس ذلك فأفعاله وتصرفاته الخارجية كما ذكرت هي مرآة لهذا المرض الخبيث.
كيف نعالج هذا المرض.
مع كل أسف قد يقول البعض من مثقفي هذه الامة ،أن السبب هو في الابتعاد عن الدين، أو العلة في الدين ، أو في الابتعاد عن القرآن ، أو في دمج الدين بالسلطة السياسية ، أو السبب المؤامرة الخارجية التي تريد بالمسلمين أن يبقوا على تخلفهم ومرضهم النفسي هذا.
كل هذه المقولات هي من نوع المنطق التبريري ، لايمت الى الواقع والحل بصلة. سأدع كل المبررات ، لكي أركز على الحل المطروح من قبل أهل القرآن ، ألا وهو العودة الى كتاب الله كمنهج وحيد ، والذي في حال تدبره سوف تتغير ثقافة الامة الاسلامية وسنكون في الطليعة. لأنه كتاب هداية وفيه من الدوافع التي تحفز الإنسان على الكشف في الافاق والأنفس ، وهنا يكمن الحل!!!!!! الى حد ما هذا فيه شيء من الصحة لكن ، فهم القرآن بشكل مجرد بدون الاستفادة من العلوم الأخرى والمعارف الانسانية التي هي نتاج تجارب وعمل مضني وتراكم معرفي ، نكون بذلك واهمين جداً. فالعلاقة مابين القرآن وبقية العلوم الكونية علاقة جدلية لا انفصام فيها على الاطلاق. لكن المشكل
مع كل أسف ، في أن القرآن أصبح صعب فهمه على المثقفين ، فكيف والحال عند الاميين الذين بلغت نسبتهم بين المسلمين بحدود 60% . كم التقيت بخريجي الجامعات من المسلمين والذين أكدوا لي أنهم حتى ولو قرأوا القرآن فأنهم في الحقيقة لايستطيعون فهم مقاصده ،وتفسير أياته ،كون تفسير مقاصد الايات بحاجة الى شروح مقاربة تأخذ بعين الاعتبار اسباب النزول وتاريخة النص.وإن قرأوه فأنهم يقرأونه من اجل التعبد ،وتحصيل الثواب.وإن عادوا الى التفاسير القديمة اصطدموا بلهو الحديث ،والتاسخ والمنسوخ ،ألخ.....
ما العمل:
صحيح ما جاء في قول الله عز وجل بانه، أي القرآن شفاء للمؤمنين... لكن هذا الشفاء لن يتحقق إلا بعد أن يفهم المؤمنون كتابهم كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، بالعمل المضني والمستمر لشرح مااستطاع شرحه للناس ، وتطبيق ذلك على الواقع العملي. فهل نستطيع نحن اهل القرآن القيام بهذه المهمة الصعبة والسهلة في ايصالها الآن الى كل مسلم من خلال الامكانيات المتاحة لنا. نعم نحن بحاجة الى فهم جديد للقرآن ،حسب متطلبات العصر ، لايكفي أن نتهم السلف ومشايخ الحسبة في أنهم ضللوا الامة ، علينا ان نضع منهجا حديدا لتغير البنية الثقافية القرآنية ،وذلك من خلال شرح القران وتفسيره ،بلغة سهلة يستطيع معها أي مستوى من المستويات الثقافية المختلفة أدراك مقاصد الايات . وكيفية ترجمتها على أرض الواقع بغض النظر عن التراث الموروث.بدون ذلك سنبقى ندور في حلفة مفرغة من الاتهامات المتبادلة.والحقيقة التي يجب أن لاتغيب عنا ،أن اهل القرآن السلف ، كانوا عبارة عن مبادرات فردية ، غير مؤسسة على نهج جمعي، وذلك لعدم توفر الامكانيات.اما اليوم فالانترنيت هو المؤسسة الجامعة ، البعيدة عن الحزبية والتحزب، من خلالها يستطيع المثقف بحرية إيصال المعلومة ، بدون خوف أو وجل، وكما طرح بعض الأخوة جزاهم الله خيراً فتح باب أسموه لهو الحديث، فأنني اقترح أيضاً مقابل ذلك فتح باب للمختصين من اهل القرآن أسمه التفسير المبسط أو الشرح المبسط لكتاب الله، أنا أعلم إن هذه التجربة سوف تثير زوبعة كبيرة من قبل المؤسسة الدينية، لكن لابد منها إذا كنا صادقين في توجهاتنا ، وهذا هو أقصر الطرق لتغير ثقافة المجتمع. هذه رؤية فقط أترك لكم أيضاً العمل على اضافة الاراء البناءة ، ولنبدأ بمنهجية واضحة المعالم وهذا هو الطريق الاسلم . وشكراً.

اجمالي القراءات 13119