الساعة قائمة إلى مرساها
يوم القيامة بين التكذيب و الإيمان

Abo Al Adham في الأحد ٠٩ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 الفصل الرابع
يوم القيامة بين التكذيب و الإيمان

 المكذبون بيوم الدين لم يتركوا كلمة عنه الا وآثاروها والمصدقون به قالوآ آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب وقالوا ايضا ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ )( سورة آل عمران الاية 8 و 9 ) فهم يحافظون على ايمانهم بيوم الدين ويطلبون من الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه فجمع الناس قائم واليوم الذي لا ريب فيه قائم فالله يجمعهم من آقصاها الى ادناها كل ساعة ويحشرهم في ارض البعث ليوم قيامتهم القائم فيقومون لرب العالمين الذي اعد لكل منهم كتابه فمنهم من يأخذه بيمينه اي بقوته فبعضهم يجده ابيضا ناصعا فهو لم يقدم شيئا فلم يدرك بعد من الدنيا شيئا وهم اصحاب اليمين وبعضهم وهو القليل يجده قد امتلأ خيرا وهم السابقون ، ومنهم من يأخذه بشماله اي متخاذلا في أخذه ويتمنى لو لم يأخذ كتابه ولم يدري ما حسابه.
هذا ما يعتقده المؤمنون بالبعث فهم يؤمنون انه قائم ولاريب فيه ( وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ )
اما المكذبون بيوم القيامة فهم فريقان الفريق الاول يكفر ويكذب كمبدأ فهو لا يؤمن به اطلاقا فهذا الفريق هم المغضوب عليهم وهذا الفريق لا فائدة من الكلام معهم فقد يئسوا من الاخرة اي لا يؤمنون بشئ اسمه الاخرة فاذا سمعوا احدا يتحدث عن الاخرة سخروا منه مستهزئين بما يقول فكيف نقول لهم ان الساعة قائمة وهم لا يؤمنون بشئ اسمه الساعة فقد اختصر القرآن الحديث عن هذا الفريق قائلا ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ )( سورة البقرة الاية 6 و 7 ) ونهى المؤمنين عن تولي هذا الفريق فقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ )( سورة الممتحنة الاية 13 ) إنهم يئسوا من الاخرة فليس في قاموسهم كلمة اسمها الاخرة
ولكن الفريق الثاني الذين يؤمنون بالاخرة المؤجلة ويكفرون بقيامها الان وان المقبورين لم يبعثوا بعد فهم لم ييأسوا من الاخرة و إنما فقط يئسوا من أصحاب القبور يئسوا ان يصدقوا انهم جميعا الان لدى الرحمن محضرون كلا حس ما قدم او اخر والمؤمنون بالاخرة المؤجلة سماهم الله في هذه الاية كفارا ( كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ )( سورة الممتحنة الاية 13 )
وهؤلاء الكفار بان الساعة قائمة انهم يؤمنون بالساعة كمبدأ عام ولم يشفع لهم ايمانهم بانهم سيبعثون طالما لم يؤمنوا بالساعة القائمة الان فالفريق الاول مغضوب عليهم والفريق الثاني ضالون حيث ان ايمانهم ناقص ولابد ان يكتمل ليكون ايمانا كاملا ليوم الدين الواقع لا الذي سيقع وقد اسلفنا ان صاحب الجنتين كان مؤمنا بمبدأ البعث والساعة ولم يؤمن بانها قائمة فكان ضالا ومشركا كما اسلفنا بيانه في الفصل الثاني بعنوان ( الساعة قائمة وأثارها قائمة ) من هذه الرسالة ، وقد قال ما أظن الساعة قائمة فقوله الساعة يفيد الايمان بالساعة لانه لو لم يؤمن بالساعة والاخرة اساسا لقال وما اظن ساعة قائمة أما كلمة الساعة بلام التعريف فهذا معناه انه يؤمن بالساعة النائمة التي ستقوم بعد عمر طويل ورغم هذا الايمان سماه صاحبه كافرا و مشركا وعندما ادرك ذلك سما نفسه مشركا وقال ياليتني لم اشرك بربي احدا ويقول ربنا ايضا عن الفريق الثاني من المكذبين بيوم القيامة ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ )( سورة البقرة الاية 8 و 9 ) هؤلاء الضالون يطمئنون الى ايمانهم بالله واليوم الاخر ولكنهم لا ايمان لهم فقد اقسموا من قبل وقالوا ( وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ )( سورة النحل الاية 38 )
انهم قالوا لا يبعث الله من يموت ولم يقولوا ( لم ) التي تفيد الماضي ولا قالوا ( لن ) التي تفيد المستقبل وانما قالوا ( لا ) التي تفيد المضارع لي لا يبعث الان من يموت وانما سيبعث فيما بعد ورغم ان هذا القَسم ( وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ ) يفيد بوضوح ايمانهم بالله واليوم الاخر الا انه سماهم في الاية التالية الذين كفروا قال تعالى ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ )( سورة النحل الاية 39 )
والذي جعلهم رغم ايمانهم بالله واليوم الاخر يكفرون برسالة خاتم النبيين فهو قيام الساعة الان وان جميع الاموات السابقين الان جميعهم لدى الرحمن محضرون وكلا يحيا في مصيره الابدي وكانوا يتبارون الحجج فمرة يقول احدهم ( أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا )( سورة مريم الاية 66 ) كقول الدائن للمدين ائذا ما جئتك فسوف آخذ حقي او كقولك عن طفل صغير ائذا ما صعد المنبر فسوف يقوم خطيبا.
وقالوا في جملتهم ويقص علينا الرحمن كلامهم ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ )( سورة الواقعة الاية 45 و 46 ) الرحمن يقول كانوا قبل ذلك اي كانوا واصبحوا مبعوثين وكانوا قبل البعث ( وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ )( سورة الواقعة الاية 47 )
وقد اسلفنا عن كان من قبل فكان فعل ماضي و قلنا انها بلغة القرآن تفيد الاستمرارية فإذا كنا ترابا فنحن تراب الان
اي ونحن تراب و عظام تخبروننا اننا مبعوثون ( أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ )( سورة الواقعة الاية 48 ) وهل هذا المبدأ ينطبق على أبائنا الاولين و ان كان ينطبق على ابائنا الاولين فأين هم ؟؟ هل تستطيعون الاتيان بهم ( إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )( سورة الدخان من الاية 34 الى 36 ) ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )( سورة الجاثية الاية 25 ) ويقول المولى كلامه الحق الذي لا شك فيه ( قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ )( سورة الواقعة الاية 49 و 50 )
( لَمَجْمُوعُونَ إِلَى ) كأن مدير بنك التسليف اصدر قرارا وقام بإبلاغه لأمناء الجمعيات الزراعية ان أجمعوا الحبوب الى أخر يوليو فهل يتوقفون عن جمع الحبوب حتى يأتي يوم لشهر يوليو ثم يقومون بجمع الحبوب في هذا اليوم. أم يقومون بالجمع من اول يوم صدر اليهم الامر ( إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ) وهو اخر يوليو مع الفارق بين أمر الله تعالى وأمر مدير بنك التسليف حيث أن الله يقوم بنفسه بالجمع ( إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ) فهو معلوم له وحده ولم ولن يطلع عليه احدا وهو يوم مرسى الساعة الذي سبق ان اسلفناه في هذه الرساله
ولم يكتف المكذبون بالبعث القائم بما ذكرنا بل انهم قالوا تأتينا الساعة وهذا يفيد ايمانهم بالساعة ولكنهم يكفرون بأتيانها لهم وهم على الدنيا ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ) ولم يقولوا تأتينا الساعة لانهم مؤمنون بالساعة وبأنها ستأتي ولكنها غير قائمة الان وقد اقررنا في الفرق بين كلمة لا و كلمة لن ، وقولهم الساعة اعتراف ضمني بالايمان و لاعتقادهم انها لا تأتي عليهم سماهم ربنا الذين كفروا فرد عليهم المولى تعالى في نفس الاية قائلا ( قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )( سورة سبأ الاية 3 )
ولم يكتفوا بذلك بل انكروا على رسول الله إخبارهم بأن الميت الممزق كل ممزق هو الان في حياته الاخره واعتبروا ذلك خلقا جديدا علما بانه لم يخبرهم في اي موضع انه خلقا جديدا وانما بعث ، والبعث يأتي من عدم فالمبعوث كائن موجود فالله تعالى يبعث رسلا من الناس ومن الملائكة ووقت بعث الرسول يكون قد خلق من زمن بعيد وشتان بين الخلق والبعث فالله سبحانه وتعالى يبعثنا من مرقدنا الكائن في الارض الغيبيه ولم يخلقنا خلقا جديدا وانما خلقنا في الازل البعيد و آودعنا المستودع وجعل لنا المستقر المؤقت في الارض الدنيا ( وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )( سورة الانعام الاية 98 ) وهم يصرون على ان الخلق جديد طالما بعد الموت. فيقولون لبعضهم هل نخبركم بمن يدعي انكم اذا قتلتم و قطعتم وتمثل باجسادكم كل ذلك يحدث لكم و انتم في خلق اخر جديد لا تدرون بشئ عن هذا الجسد ما هذا الإدعاء الا إفتراء على الله ، وهنا نعرف أنهم مؤمنون بالله ثم يقولون او قد يكون مجنونا والله يقول الحق ان الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ )( سورة سبأ الاية 7 و 8 )
هذا وقد عرضنا صورة مصغرة من المكذبين بيوم القيامة فالمغضوب عليهم يكذبون بالساعة والضالون يكذبون بقيامها الان و يؤجلونها و الامة المغضوب عليها قائمة والامة الضاله قائمة
والامة المؤمنة بالساعة القائمة قائمة أليس كذلك ( لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ )( سورة آل عمران الاية 113 ) وجميع هذه الامم قال عنها الرحمن ( وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) فكيف يكون المحضر لدى الرحمن غائبا
وعن منكري قيام الساعة قال تعالى ( وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ )( سورة الرعد الاية 5 ) إنهم يقولون نكون ترابا في قبورنا ثم في حينه نكون خلقا جديدا ...
يتبع
الفصل الخامس
الأجداث والقبور

اجمالي القراءات 21899