لمحة عن : ( الفقيه الحزين الخائف ) الحسن البصرى ( 21 : 110 هجرية ) :

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٣ - فبراير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

لمحة عن : ( الفقيه الحزين الخائف ) الحسن البصرى ( 21 : 110 هجرية ) :

مقدمة :

1 ـ سبقت لنا مقالة بحثية عن سعيد بن المسيب بعنوان ( الفقيه الناقم ). نتوقف الآن مع الحسن البصرى الفقيه الحزين الخائف . كلاهما

1 / 1 : عاش عصر الظلم والاستبداد ودولة الخوف

1 / 2 : من مواليد المدينة قبيل مقتل عمر ،

1 / 3 : كلاهما من أئمة التابعين.   

2 ـ ولكن : بينما إستقر سعيد بن المسيب في المدينة الى موته فقد إنتقل الحسن البصرى عام 37 الى البصرة ، فانتسب اليها ( الحسن البصرى ).  ، وعانى سعيد بن المسيب من الأمويين ، ونجا منهم سعيد بن المسيب ، لظروف خاصة به ، فقد كان سعيد بن المسيب كبير الفقهاء فى عصره ، وهو من قريش ، وقد إتخذ موقفا صريحا معاديا للأمويين ، بينما كان الحسن البصرى من الموالى ، لا يخشاه الأمويون ، علاوة على شهرته بالابتعاد عن الحكّام . . توفى سعيد بن المسيب عام 94 ، بينما توفى الحسن البصرى عام 110 .

3 ـ كان الحسن البصرى من أشهر الشخصيات فى العصر الأموى ، ولكن التأريخ له جرى فى العصر العباسى ، واشهر من أرّخ له ابن سعد فى الطبقات الكبرى ، ونقل الروايات عن شيخه الواقدى. ثم نقل اللاحقون عن ابن سعد ، وأهمهم ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ).

4 ـ تأثر التأريخ للحسن البصرى بآراء العصر العباسى المتنوعة . منها المتوارث من العصر الأموى مثل ( فلسفة الجبرية والقدرية ) ولنا فيها مقال منشور هنا .  والجديد فى رفع الاضطهاد عن الموالى الذين اقاموا الدولة العباسية . ومنها كراهية العباسيين للبصرة وإنعكس هذا على ( الحسن البصرى )، علاوة على الإختلاف من موقف الحسن البصرى من الثورة على الحكام . وانعكست هذه الاتجاهات فى الروايات عن الحسن البصرى ، ومنها أحداث وأقاويل و( أحاديث ).

5 ـ ونتوقف مع القضايا الأساس فى التأريخ للحسن البصرى .

أولا : الحسن البصرى إمام البكائين ( أهل الحزن )  

1 ـ عن الحزن صفة اساس فيه قالوا  :  ( كان الحسن رجلا محزونا ) ( قال : ‏ نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال‏:‏ لا أقبل منكم شيئًا‏.‏ ) (  لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك التشنج‏.‏) (  بكى الحسن فقيل له‏:‏ ما يبكيك قال‏:‏ أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي‏.‏) .

2 ـ لنا بحث قديم منشور هنا عن ( البكّائين ) وانتشارهم فى أواخر العصر الأموى وأوائل العصر العباسى ، وقد جعلوا من البكاء شريعة دينية عندهم ، يتنافسون فيه . وقلنا إنهم المثقفون المتدينون الذين اصابهم الإحباط ، لا يقدرون على مواجهة الظلم بالسلاح ولا الهجرة . فكان البكاء متنفسا لهم . وقد أرّخ لهم ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ).

3 ـ الحسن البصرى هو إمامهم ، وربما كان السبب هو الكوارث التى شهدها ، وقد عاصر قتل عثمان عام 35 ، ثم رحل الى البصرة عام 37 ، ليشهد وهو فى العراق الفتنة الكبرى ( على وطلحة والزبير وعائشة ) ثم الفتنة الكبرى الثانية ( عبد الله بن الزبير ، عبد الملك بن مروان ، والشيعة والخوارج )، وعاصر طغيان الحجاج فى العراق .

ثانيا : الثورة على ظلم الحكام :

معركة ( دير الجماجم   )

1 ـ الحجاج والى العراق أرسل القائد عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس بجيش للغزو شرقا ، وضم الجيش آلافا من ( القُرّاء ) أى اهل الثقافة الدينية ، وكانوا ناقمين على الحجاج ، وقد إستطاعوا التأثير على القائد إبن الأشعث فاستدار بجيشه راجعا ليحارب الحجاج . حاول الخليفة عبد الملك بن مروان تفادى الأمر ولو بعزل الحجاج ، ولكن الثوار رفضوا ، فأعطى الحجاج تفويضا بالتصرف معهم كيف شاء . دارت  معركة ( دير الجماجم  ) عام 83 بين الكوفة والبصرة ،  وانتهت بانتصار الحجاج الذى أمعن فى قتل الأسرى فسميت المعركة ب ( دير الجماجم ) بسبب تلال الجماجم . وبسبب هذه المعركة آوى المثقفون الى البكاء ، وانتشرت موجة البكّائين .

2 ـ وقتها كان الحسن البصرى مشهورا، وهناك روايات تقول إن إبن الأشعث أكره الحسن البصرى على الانضمام اليه ، فخرج معهم ثم قفز الى النهر وهرب منهم .

3 ـ هذه المعركة أظهرت رأيه فى منع الثورة على الحُكّام الظالمين . هناك روايات تؤكّد أن الحسن البصرى نهى عن الانضمام الى ابن الأشعث ، كما كان ضد الحجاج والأمويين ، وكان يقول :

3 / 1 : ( أرى ان لا تقاتلوه ، فانها ان تكن عقوبة من الله فما انتم برادي عقوبة اللهباسيافكم ، وان يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) .

3 / 2 : ( لا  تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ) .

3 / 3 : ( يا ايها الناس انهوالله ما سلط اللهالحجاجعليكم الاعقوبة ، فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف ، ولكن عليكم السكينة والتضرع ).

3 / 4 : ( لو ان الناس اذا ابتلوا منقبل سلطانهم صبروا ما لبثوا ان يفرج عنهم ، ولكنهم يجزعون الى السيف فيوكلون اليه،  فوالله ما جاءوا بيوم خير قط ) .

3 / 5 : ( كان الحسن اذا قيلله الا تخرج فتغير؟  قال: إن الله انما يغير بالتوبة ولا يغير بالسيف )

تعليل موقف الحسن البصرى

1 ـ رأى الحسن البصرى الاضطهاد الذى أوقعه الأمويون بسعيد بن المسيب المخزومى القرشى لأنه جرؤ على المعارضة . فكيف إذا عارضهم مولى مثله . كما رأى ما فعله الحجاج بمثقفى الموالى مثل سعيد بن جبير وغيره . لقد إشتهر الأمويون بالتعصب للعرب ضد غيرهم خصوصا الموالى ، وإشتهر الحجاج والى العراق باضطهاد الموالى وكراهيتهم . ولا نلوم الحسن البصرى فأبوه ( يسار) . كان من سبى ( ميسان  ) جىء به الى المدينة فاشترتهالربيع بنت النضر عمة انس بن مالك فاعتقته .  وتزوج يسار من إمرأة من السبى ، وأنجبا الحسن . ( البصرى ).

2 ـ  كان خوف ( المولى : الحسن البصرى ) من الحجاج شديدا . تقول رواية : ( قيل للحسن : الا تدخل على الامراء فتامرهم بالمعروف وتنهاهمعن المنكر ؟ قال : ليس للمؤمن ان يذل نفسه ، إن سيوفهم لتسبق السنتنا ، اذا تكلمنا قالوابسيوفهم هكذا ووصف لنا بيده ضربا  .).

3 ـ وقد دسّ الحجاج جواسيسه فى مجلس الحسن البصرى ، فكان الحسن يوصى أصحابه سرّا  : ( إحترسوامن الناس بسوء الظن ).  

ثالثا : آثاره العلمية

1 ـ الثابت أنه لا تدوين فى العصر الأموى ، وأن التدوين بدأ بموطّا مالك فى الحديث والفقه وبسيرة ابن إسحاق . ثم انتشر فى العصر العباسى ، وزعموا أن له كتبا ألّفها . يزعم أحدهم انه اخذ كتب الحسن فنسخها ثم ردها عليه ، ورواية أخرى عجيبة يزعم صاحبها : ( بعثت الى عبد الله بن الحسن بن ابي الحسنابعث لي بكتب ابيك ، فبعث الي انه لما ثقل قال اجمعها لي فجمعتها له وما ندري ما يصنعبها فاتيته بها فقال للخادم استجري التنور ثم امر بها فاحرقت غير صحيفة واحدة .. ) ، وهذا تعليل ظريف لعدم وجود كتب للحسن البصرى .

2 ـ لم يكن فى العصر الأموى سوى الروايات الشفهية فى موضوعات مختلفة . ولكنهم فى العصر العباسى صنعوا أحاديث ومناقب ومرويات نسبوها لأعلام العصر الأموى بعد موتهم ينسبونها زورا وبهتانا للنبى محمد عليه السلام ،  ومنها روايات فى تأريخهم للحسن البصرى بسبب شهرته وخصومته للأمويين . ونضع بعض ملاحظات :

2 / 1 :  نسبوا له أحاديث ، رفعوها للنبى ، وبعضها بلا إسناد  .

2 / 2 ـ من المبالغات التى أسندوها له قوله : ( لولا الميثاق الذي اخذه الله على اهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسالونعنه ) . وهو أصل لأكذوبة حديث البلعوم لآبى هريرة : إنه لو تكلم بجراب العلم الذى يخفيه لانقطع منه البلعوم .!

2 / 3  ـ مع إن إبن سعد أكّد أن الحسن البصرى ( لم يسمع من أبى هريرة ) فقد جعلوا له أحاديث يرويها عن أبى هريرة ، ومنها أحاديث غيبيات مثل : ( كان موسى نبي اللهصلى الله عليه وسلم لا يغتسل الا مستترا ) ، ومنه حديث ( قال الحسن حدثنا ابو هريرة قال عهد الي رسولالله صلى الله عليه وسلم ثلاثا الغسل يوم الجمعة والوتر قبل النوم وصيام ثلاثة اياممن كل شهر ). أى إن النبى كان مختصّا بأبى هريرة .  

2 / 4 ـ إختلفوا فى الأحاديث التى صنعوها ونسبوها له فقالوا ( الحسن يحدثنا الحديثيختلف فيزيد في الحديث وينقص منه ولكن المعنى واحد  ) ( كان الحسن يحدث بالحديث والمعاني  ).

2 / 5 : ومنها زعمهم أن الحسن سُئل : ( أرأيتما تفتي الناس اشياء سمعته ام برأيك ؟ فقال الحسن : لا والله ما كل ما نفتي به سمعناهولكن رأينا خير لهم من رأيهم لانفسهم . ).

2 / 6 : ومنها أقوال مضطربة ، مثل قول بعضهم : (  قال حدثت الحسن بحديث فاذا هو يحدث به قال قلت يا ابا سعيد منحدثكم قال لا ادري قال قلت انا حدثتكم به .).

3 ـ الأعجب من هذا أن ابن سعد ذكر قولا منسوبا للحسن البصرى ، ثم تحول لاحقا الى حديث منسوب للنبى . يقول ابن سعد ( قال اخبرناعفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال كثرة الضحك مما يميتالقلب . ). جعلوا هذا القول حديثا ، زعموا إنها هي وصية النبي لأبى هريرة  : «ولا تُكثرِ الضَّحِكَ، فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تميتُ القلبَ» هذا فى سنن الترمذى وابن ماجه . وصححه الألبانى .

ممنوع الضحك ..ومساء الفُل .!      

اجمالي القراءات 2334