توابع الطلاق : النفقة

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٥ - يوليو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

توابع الطلاق : النفقة  

أولا :

 فى الاسلام من وجهة نظر قرآنية :

  اثناء الزواج :

النفقة على الزوجة والأولاد من واجب الزوج ، وأهم شرط في القوامة عليها . قال جل وعلا : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (34)  النساء ).

اثناء الطلاق وهى فى العدّة

1 ـ ويستمر الانفاق على الزوجة فترة العدة حين تكون مطلّقةً ، فإذا ظهر أنها حامل يستمر الانفاق عليها ، فإذا وضعت يستمر فى الانفاق عليها وعلى إرضاع الوليد حولين كاملين لمن يريد إتمام الرضاعة .

2 ـ قال جل وعلا : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) الطلاق ) .

2 ـ المستفاد هنا :

2 / 1 : حقها فى السكن ، وسبق فى نفس السورة تحريم إخراجها منه بإعتبارها صاحبة السكن أو ( بيوتهن ) . قال جل وعلا : ( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (1) الطلاق ) . إخراجهن من بيوتهن وهنّ فى العدة هو إعتداء على حدود الله جل وعلا . والحدود فى المصطلح القرآنى يعنى الشرع الإلهى ، والذى يتعداها ويعتدى يظلم نفسه ، فالزوج هنا ظلم نفسه قبل أن يظلمها !.

2 / 2 : تحريم الإضرار بهن والتضييق عليهن ، وهو إعتداء حذّر منه رب العزة جل وعلا فقال : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) البقرة ). نلاحظ هنا أن النهى التشريعى بقوله جل وعلا :  ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) يتكون من أربع كلمات فقط ، تلاها تحذير هائل بأكثر من ثلاثين كلمة : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) البقرة ). نفس الوضع ، فالزوج هنا ظلم نفسه قبل أن يظلمها !.

2 / 3 : ونفس الوضع : تحديد مقدر النفقة هو بالمعروف المتعارف عليه أن عدل ، والمناسب للوضع ، وبالتشاور . ولا يكلف الله جل وعلا نفسا إلا وسعها.

2 / 4 : الوعد الالهى بأنه سيجعل بعد عسر يسرأ .

3 ـ وقال جل وعلا : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة ).

المستفاد هنا :

3 / 1 : أن التشريع هنا عمّن تم إنفصالها نهائيا بوضع الحمل ، ولها منه طفل ، ويقوم الزوج ( أو من يقوم مقامه ) بالانفاق عليها وعلى الرضيع طيلة مدة الرضاعة ، ويشمل هذا الاقامة والكسوة والمعيشة . ثم هو ملزم بالانفاق على الطفل وحده بعدها ، سواء تزوجت أو بقيت بدون زواج .

3 / 2 : تحديد النفقة هو بالمعروف المتعارف عليه أن عدل ، والمناسب للوضع ، وبالتشاور . ولا يكلف الله جل وعلا نفسا إلا وسعها.

3 / 3 : عدم الاضرار لأى من الطرفين .

3 / 4 : التحذير الضمنى بأنه جل وعلا بصير بما يعملون .

 4 ـ يتأكّد مما سبق أن منهج الاسلام في تشريع النفقة  ــ كالعادة ــ مرتبط بمنهجه العام في تقوية الضمير الخلقي والتقوى والخشية من الله تعالى ، بالإضافة إلى ربط النفقة بالقوامة أو المسئولية ، مع الاغراء بأن يبدل الله تعالى الُعسر باليُسر والرزق الوفير ليحث الزوج على العناية بالنفقة على طليقته وابنه عند الرضاع ورعايتها له ـ طمعا فى فضل الله جل وعلا .

ثانيا :

فى الدين السُنّى

 1 ـ منع مالك فى الموطّأ أن تكون للأمة المملوكة نفقة حتى لو كانت حاملا ، قال : ( لَيْسَ عَلَى حُرٍّ وَلاَ عَبْدٍ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً وَلاَ عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَ حُرَّةً طَلاَقًا بَائِنًا نَفَقَةٌ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً- إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ . قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لاِبْنِهِ وَهُوَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَلاَ عَلَى عَبْدٍ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ). المملوكة إذا طلقها زوجها الحُرُّ أو العبد ليس لها نفقة إذا كان الطلاق بائنا ، أى نهائيا حسب شريعتهم . وحتى إذا كانت حاملا فلا نفقة لها . بقسوة قلبه لم يسأل مالك نفسه فكيف تعيش ؟ . ثم هذه العبارة الغامضة المتناقضة : ( وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لاِبْنِهِ وَهُوَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ ) . كيف يكون حُرّا وهو عبد لقوم آخرين ؟ . ثم قوله : ( وَلاَ عَلَى عَبْدٍ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ). عبد ينفق من ماله على ما يملكه سيده .!! الأصل عندهم أن العبد لا يملك مالا أساسا فكيف ينفق من ماله على ما يملك سيده ؟ وما صلة هذا بالنفقة على الزوجة . كأن أم كلثوم تقول له : حيّرت قلبى معاك .!

 2 ـ كان الشافعى أرحم من شيخه مالك .

تحت عنوان (النفقة على النساء ) قال الشافعي ان على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف ، أي النفقة التي لمثلها حسب عُرف البلد ، وأيضا الكسوة ، فإذا عجز الرجل عن نفقة المرأة يتم التفريق بينهما. وأن عليه النفقة إلى أن تنتهى علاقتهما بالموت او بانتهاء عدة الطلاق .. وإن كانت مكانتها تتطلب خادما فعليه ان ينفق على خادم لها ، وإذا غاب عنها فعليه نفقتها في غيابه ، وعليها ان ترجع عليه بنفقها عند السلطان ، ولا تتأثر فرضية النفقة بكون الزوجة كتابية أو جارية . وان تأخرت نفقتها عليه كان مديناً بهد النفقة لها ، وان أصبح مفلساً وتجمع عليه الغرماء فيصح أن تكون زوجته منهم . وأسهب الشافعي في الحديث عن وجوب نفقة المرأة وتقدير النفقة ومتى تجب النفقة ومتى لا تجب ، وما إذا عجز الرجل عن نفقة امرأته ، وسكنى المطلقات ونفقتهن . وعادة الشافعي في " الأم " أن يكرر ويوجز ويفصل ، ولكنه فيما يفعل فتح أبوابا للاجتهاد (والاختلاف) بين الفقهاء في عصره والعصور اللاحقة . لذلك فإن الأبواب الذي بدأ الشافعي بالحديث فيها كانت أهم قضايا النفقة في المجالين : الفتوى والأحاديث .

3 ـ لذا تشعب الخلاف بعد الشافعى. وكعادتهم السيئة تبارزوا بالأحاديث المصنوعة ، واهم موضوعات الخلاف كانت في أنواع نفقة الزوجية من الطعام والكسوة والسكن ، وهل تفرض النفقة بحسب حال الزوج أو الزوجة او حالهما حسب اليُسر أو العُسر ، كما بحثوا هل تقدر النفقة بالحبوب والقماش أو بقيمة ذلك نقداً ، ومتى يشترط وجوب النفقة على الزوج ، وهل تثبت النفقة قبل المطالبة بها ام لا ..؟ ومتى تسقط النفقة ..؟ .

4 ـ إلا إنهم اتفقوا على أنه ليس للمعتدة الأرملة نفقه على الزوج إذ قد مات ، ولكن تجب النفقة على المطلِّق لزوجته في عدتها ، وان اختلفوا حسب أحوال الطلاق من بائن ورجعي ، ، وأحوالها ان كانت ناشزاً في العدة إلى آخر ذلك . كما بحثوا وجوب النفقة على الزوج الغائب والحكم بذلك وأخذ كفيل بالنفقة ، ثمإذا عجز الزوج عن النفقة كان لها الحق في طلب الطلاق منه ، واختلفوا في نوعية الطلاقة وموقف السلطان ونوعية العجز ونوعية النفقات المطلوبة ، ثم بحثوا النفقة على الأولاد وخدم الزوجة والأولاد إذا كان ذلك لهم .

5 ـ وإنصافا لهم نقول إن تشريعاتهم كانت ــ في اغلبها ــ مع حق المرأة في النفقة المناسبة لوضعها ومكانتها ، وحقها في طلب الطلاق إذا عجز عن تلبية احتياجاتها .

اجمالي القراءات 1694