البخاري يُضَعِّفُ أحاديث مسلم!

سامر إسلامبولي في الأربعاء ١٥ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

البخاري يُضَعِّفُ أحاديث مسلم!
جمعتنا مناسبة مع بعض الأخوة ،فدار بيننا أحاديث في مختلف المواضيع،حتى وصلنا إلى موضوع ديني، فاستدل أحد الحضور على رأيه بحديث من البخاري ومسلم، وكان هذا الموضوع؛ هو إمكانية وقوع السحر على النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
فقلت له :إن هذا الرأي يخالف القرآن ؟
فقال :المسألة ثابتة في البخاري ومسلم .
قلت : وهل يمكن للحديث أن يخالف القرآن ؟
قال : ومن قال لك إن الحديث يخالف القرآن ؟ بل من الممكن أن يأتي الحديث يخصص القرآن، أو ينس&IcirIcirc; بعضاً من مفهوم الآية.
قلت : المحدِّثون يعدُّون ثبوت الحديث إنما هو على طريق الظن ،والذوق،فكيف الظني ينسخ القطعي الذي هو القرآن!؟.
قال : ومن قال لك إن الحديث يثبت ظناً ،أو خاضعاً لذوق المحدث ،إن الحديث يخضع لعلم الجرح والتعديل ،وهو علم له معايير وقواعد .
قلت: عجباً ! منذ متى صار معرفة ِسيَر الناس ،وأحوالهم ،علماً له معايير وقواعد !؟.
قال : هذا شيء اختص الله عز وجل به الأمة الإسلامية، وقد قال المحدِّثون لولا الإسناد لهلك الدين ،ولقال من شاء بما يشاء.
قلت : إن العلم هو مجموعة قواعد وقوانين يتم البرهنة عليها من الواقع والفلسفة، فتصير معياراً ،ًوميزاناً، يستخدمها العلماء في بناء الحضارة، على صعيد الآفاق والأنفس ،فهل الإسناد هو علم بهذا المفهوم؟
قال : نعم ،إنه علم ، وإلا لماذا أمضى وأفنى المحدِّثون عمرهم في دراسة الحديث!؟
قلت : عجباً من استدلالك هذا !! منذ متى كان الإدمان على شيء يُصِّيرُه علماً !؟
قال : يا أخي إن الأمة تلقت أحاديث البخاري ومسلم بالقَبول ، وحصل على ذلك إجماع . قلت : إن هذه إشاعة انتشرت بين المسلمين ، فالأمة لم تتقبل أحاديث البخاري ومسلم بالقَبول ، ولم تُسَلِّم لكل ما رووه ، وقد قام فئة من المحدثين بنقدهما، مثل الدار قطني، وغيره . بل أزيدك علماً ومعرفة ! إن البخاري نفسه رفض مجموعة من أحاديث مسلم ، ومسلم رفض مجموعة من أحاديث البخاري .
قال : وكيف ذلك !؟
قلت : إن البخاري وضع شروطاً لصحة الحديث ، منها ،أن يعاصر الراوي من يروي عنه ، ويلتقي به ولو مرة واحدة ،مع التصريح بذلك . أما مسلم فلم يشترط المقابلة واللقاء بين الرواة ، وإنما يكفي المعاصرة مع عدم التصريح بانتفاء اللقاء بينهما ، أي السكوت عن الأمر .
وهذا الاختلاف بين البخاري ومسلم ترتب عليه في الواقع رفض البخاري لمجموعة كبيرة من الأحاديث التي أخرجها مسلم لعدم تحقق شرطه بها ، وبالتالي تكون هذه الأحاديث التي انفرد مسلم بها ضعيفة عند البخاري حسب شرطه . وبهذا العمل يكون البخاري هو أول من ضَعَّف ورَدَّ أحاديث تلميذه مسلم ! فكيف تقول بأن الأمة تلقتهما بالقَبول !؟ أما مسلم فقد جرح الراوي ( عِكرمة مولى ابن عباس ) ورَدَّ حديثه إتباعاً لرأي المحدثين المختصين بالجرح والتعديل ، ولكن البخاري ترجح عنده عدالة ( عكرمة ) فروى عنه أحاديث كثيرة ؛ وهذا العمل من البخاري ترتب عليه أن يرفض مسلم كل أحاديث عكرمة، ويُضَعِّفُها ، وبذلك يكون أول واحد يرفض ويطعن بمجموعة من أحاديث شيخه البخاري ، ومن هذا الوجه ظهرت الأحاديث التي انفرد بها البخاري عن مسلم ، ومسلم عن البخاري . والانفراد بالحديث لأحدهما، دليل على ضعف الحديث عند الآخر .
مع العلم أنك لو حللت شَرطَي البخاري ومسلم، لوجدت أنهما مخالفان للمنطق، ولا وزن لهما البتة ، لأن شرط البخاري، اللقاء مرة واحدة بين الرواة لا يعطي الثقة والمصداقية لكل أحاديث وأخبار الراوي ،لاحتمال وقوع الكذب ،واستغلال اللقاء الوحيد، ووضع الأحاديث، أما شرط مسلم بالمعاصرة مع عدم التصريح بانتفاء اللقاء ، فهو عجيب وغريب! منذ متى كان عدم التصريح بانتفاء حصول شيء دليل على حصوله!؟ فموضوع الجرح والتعديل، وتصحيح الحديث أو تضعيفه، يخضع لمِزاج وذوق المحدِّث ،ومستواه الثقافي، وولاؤه السياسي ، ومن هذا الوجه نلاحظ أن الإمام فلان ثقة، إلاَّ إذا روى أحاديث متعلقة بآل البيت ،فإنه يتساهل بروايتها ، فيرفضها الآخرون !!.
قال : إن كلامك هذا اتهام لأئمة الحديث بالكذب والوضع للحديث النبوي ، وأنهم يصححون الحديث حسب مزاجهم وذوقهم !؟
قلت : إن هذا ليس كلامي ، اسمع كلام أحد أئمة الحديث الكبار وهو العلامة ( التهانوي ) فقد ذكر في كتابه ( قواعد في علم الحديث ) تحقيق (أبو غدة) ما يلي :
(( لاشك أن أصول التصحيح والتضعيف ظنية ، مدارها على ذوق المحدث والمجتهد غالباً ، فلا لوم على محدث ومجتهد يخالف فيها غيره من المحدثين والمجتهدين ، ألا ترى مسلماً قد خالف البخاري في بعض الأصول ...))
.
قال: ولكن يا أخي إن الرواة الذين رووا الحديث هم ذاتهم رووا القرآن ، فكيف ترفض روايتهم للحديث ، وتقبل روايتهم للقرآن !؟
قلت : يا أخي إن أمرك عجيب وغريب ، من قال لك إن القرآن اعتمد على رواة معينين ومحددين !؟ أخبرني بأسماء رواة القرآن ؟ وأين السند له ؟ إن القرآن تم نقله عن طريق التواتر ، الذي هو ظاهرة ثقافية، وذاكرة اجتماعية، تَعالَت على السند ، وقد شارك فيها الكفار من أمثال أبو جهل وأبو لهب ، وذلك عندما سكتوا والتزموا جانب الصمت ، ولم ينقضوا النص القرآني، أو يطعنوا فيه ، مع حاجتهم لنقضه، لكسب الصراع، وإثارة الإشكاليات والشبهات، لصد الناس عن الإيمان به !! ومع ذلك لم يَرِد في التاريخ أنهم طعنوا في النص القرآني ، بل وَرَدَ شهادات صدق أدلوا بها فيما بينهم على مصداقية وصحة النص القرآني ونسبته إلى الله عز وجل ، لذا ،عرض هذه الإشكالية وتكرارها لا مبرر له ،فوصول القرآن إلينا لا نَدين به للرواة ، ولا فضل لهم أبداً ، ولا يصح قياسه على مادة الحديث النبوي ، وهذا واضح وصريح في الواقع ، فمادة النص القرآني مختلفة تماماً عن مادة الحديث النبوي .
قلت :هل أفهم من كلامك إن ما يسمى علم الإسناد والحديث ، ليس علماً ولا قيمة له !؟
قلت : نعم ، إنه خدعة وَوَهم ،شغلوا به المسلمين قروناً طويلة، وصدوهم عن التفاعل مع القرآن !.
قال : هل أفهم من كلامك أن كل الأحاديث النبوية كذب!؟
قلت : لا، لم أقل ذلك ، وإنما قلت : إن الوضع والكذب على لسان النبي صلى الله عليه وآله قد فشا بعد وفاته، نتيجة الصراع السياسي ، والوعظ والإرشاد ، واختراق الثقافة الإسلامية من قبل أهل الكتاب ، والثقافات الوافدة للإسلام ، كل ذلك، وغيره، ساهم في اختراع وافتراء الحديث النبوي .
قال : وما الحل إذاً ، لمعرفة الأحاديث النبوية ،أليس الإسناد هو الأساس !؟
قلت : أساس معرفة صحة الحديث النبوي هو القرآن والعلم أولاً ، فإن وافق متن الحديث القرآن، وانسجم معه بين يديه لا يتجاوزه ، يتم النظر في سنده ، فإن صح على غلبة الظن ننسبه إلى النبي ، وإن لم يصح سنده ، ننسبه إلى الحكماء والعلماء ، ويكون قولاً أو حكمةً صواباً ،وهذا الحديث الصحيح متناً وسنداً ، ما ينبغي أن يكون مصدراً تشريعياً ، وإنما هو تابع للقرآن، مع استغناء القرآن عنه ، ولا مانع من روايته بعد الاستدلال بالقرآن على المسألة المعنية بالدراسة، والتنويه على أنه ليس برهاناً أو مصدراً شرعياً . قال : لقد قلبت مفاهيمي كلها ، وأنا الآن بحاجة إلى فرمتة وتحديث لكل أنظمتي المعرفية .

اجمالي القراءات 51079