أنواع الزواج : زواج المتعة

آحمد صبحي منصور في السبت ١٣ - مايو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً




أنواع الزواج : زواج المتعة

أولا : زواج المتعة فى الدين السنى :

1 ـ زواج المتعة هو الزواج المؤقت المحدد بمدة ، وقد أثار جدلاً كبيراً في القرن الثاني للهجرة ، وقد اشتعل الجدل رويداً حتى أصبح مشكلة تكاثفت فيها الآراء والأحاديث المتعارضة بين أهل السنة والشيعة.

2 ـ وقد بدأ مالك في الموطأ برواية حديث عن (على ) يخبر فيه أن النبي نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، كما أخبر ان عمر في خلافته غضب عندما سمع ان أحد الصحابة (ربيعة بن أبي امية) قد تزوج متعة بإحدى النساء ، وقال محمد الشيباني في تعليقه ان المتعة مكروهة ولا ينبغي ، وأن النبي نهى عنها ، وهذا رأي أبي حنيفة..

3 ـ أما الشافعي فقد اعتبر كل زواج مؤقت فاسدا منهياً عنه ، إلا ان هذا النكاح الفاسد لا يجعل الرجل والمرأة في حالة إحصان ، وإن أصابها بالوطأ فلها المهر ، ورأى الشافعي أن الرجل إذا أراد أن يكون الزواج مؤقتا دون ان يصرح به فإن ذلك لا يفسد النكاح ، ثم روى الشافعي حديثين فقط في تحريم زواج المتعة ، أحدهما منسوب لعلي والآخر منسوب لسيرة الجهني..

4 ـ وبعدها تكاثرت الأحاديث عندهم بين تحريم وإباحة ، ويكفي ان نقرأ في البخاري العنوان التالي ( باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة آخراً) أي انه أباحها أولا ، ثم نهى عنها اخيراً ، مما يعكس الاختلاف بين الأحاديث بين تحليل وتحريم ، أما مسلم فقد كتب تحت عنوان (باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نُسخ ثم أبيح ثم نُسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة) كتب تحت هذا العنوان احاديث تفيد ان النبي أباح ذلك الزواج مرتين ونهى عنه مرتين ..

5 ـ ويلاحظ ان تحليل وتحريم زواج المتعة عندهم تكرر سبع مرات ، وذلك من خلال الأحاديث التي رويت منذ القرن الثالث الهجري ــ في غزوة خيبر في شهر المحرم سنة 7هــ وفي عمرة القضاء في ذي الحجة سنة سبع ، وفي يوم الفتح في رمضان سنة ثمان من الهجرة ، وفي غزوة حنين في شوال سنة ثمان ، وفي غزوة اوطاس بعد غزوة حنين في نفس الشهر والسنة ، وفي تبوك في رجب سنة تسع ، وفي حجة الوداع في ذى الحجة سنة عشر وكل لك خلال ثلاث سنوات فقط كانت فيها "متعة النساء" تتعرض للتحريم والإباحة، بل إنها طبقاً لتلك الأحاديث كانت تحل وتحرم خلال شهر واحد فقط ، إذ أنه بين غزوة حنين وفتح مكة حوالى شهر ، وبين غزوة اوطاس وعزوة حنين عدة أيام  . وهذا اللامعقول تكفلت الاختلافات الفقهية بوضعه خلال اختراع الأحاديث ، الأمر الذي يظهر منه عمق الخلاف الفقهي في موضوع زواج المتعة .  

ثانيا : زواج المتعة فى رؤية قرآنية  

نحتكم للقرآن الكريم في موضوع زواج المتعة ، ولتبسيط الموضوع فإننا نضعه على شكل سؤال وجواب..

(س):ــ المدافعون عن زواج المتعة يستدلون بقوله سبحانه وتعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) النساء :24 ، ويقولون أنه ذكر لفظ " المتعة" وذكر "الأجر" ، وذلك ما يتردد في زواج المتعة ، فهذه حجة قرآنية على جواز زواج المتعة ..؟.

(ج) : ــ كلا .. لأن القرآن الكريم في هذه الآية يتحدث عن الزواج إجمالاً ، ويقول (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) أي بعد المحرمات في الزواج ، يجوز لنا ان نتزوج بمن شئنا زواجا صحيحا ، والشرط في هذا الزواج ان يحتوي على مهر او صداق او أجر مقابل الاستمتاع بالزوجة.   (س) :ــ ولكن القرآن لا يتحدث هنا عن الصداق وإنما يذكر الأجر ويقول (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) فهل يطلق لفظ الأجر على المهر ..؟

 (ج) :ــ نعم ، بل هو الغالب في كلام القرآن عن الصداق والمهر ، فالله سبحانه وتعالى يقول عن صداق او مهر الجارية (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)النساء :25 ، ويقول عن زواج المؤمنة وزواج الكتابية (...إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) المائدة :5 ، وقال عن زواج وصداق المؤمنة المهاجرة (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الممتحنة :10 ، وأكثر من ذلك قال تعالى عن زواج النبي نفسه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) الأجزاب:50 ، أي دفعت مهورهن . أي أن الأجر في الزواج يعني الصداق والمهر ، وليس هناك مجال لاستعمال الأجر والاجور في موضوع الزواج غير الصداق والمهر ..

(س) :ــ إذن ليس هناك في القرآن ما يعرف بزواج المتعة طالما أن المتعة في قوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) مرتبطة بالزواج ، والأجر في الآية يعني المهر..؟

(ج):ــ القرآن الكريم يتحدث عن الزواج الشرعي الحلال ، وذكر أنواع الخلل في الزواج الشرعي وحذّر من ذلك ، كما حذر من الزنا واتخاذ الخدن أو المحظيات أو العشيقات ، وذلك في سياق التشريع القرآني عن الزواج ..

(س):ــ إذن ما هو الفرق بين الزواج الشرعي المتعارف عليه وزواج المتعة المختلف فيه ..؟

(ج) :ــ الزواج الشرعي المتعارف عليه يكون مطلقا بدون تحديد مدة للزواج ، اما زواج المتعة فهو محدد بمدة يتفق عليها الطرفان ، وهذا أساس الخلاف..

(س):ــ وهل يجوز في الزواج الشرعي أن يتفق الطرفان على تحديد مدة للزواج ..؟

(ج):ــ الأصل في الزواج هو التراضي والاتفاق ، حتى من الفتاة البكر التي تخجل من التصريح برأيها ، والقرآن الكريم أحال الكثير من القضايا في الزواج إلى التراضي والاتفاق :

1 ـ فالمهر حق للزوجة ولكن إذا رضيت الزوجة مختارة بالتنازل للزوج عن جزء من المهر جاز ذلك يقول تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) النساء :4 ، أي انه يجوز بالتراضي والاتفاق ان تتنازل الزوجة عن بعض الصداق ، هذا مع كون الصداق فريضة لازمة واجبة على الزوج ، قال عنها سبحانه وتعالى (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ ) الأحزاب:50 ، ويجوز أيضا أن يتراضى الطرفان على زيادة فوق المهر ، والله تعالى يقول ( .. فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) النساء :24 ، فإذا تراضى الطرفان على جزء زائد على فريضة الصداق كان ذلك ملزماً لأنه تم عن تراضٍ واتفاق .

2 ـ وإذا تراضى رجل وامرأة على الزواج وأراد ولى الزوجة منع ذلك الزواج أو أراد (عضل المرأة) فإن القرآن الكريم يمنع ذلك العضل طالما تراضى الرجل والمرأة على الزواج بالمعروف ، يقول الله سبحانه وتعالى (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة :232 ، أي أن التراضي في عقد الزواج بين الطرفين يسري فوق إرادة ولي امر الزوجة .

3 ـ وحتى بعد حدوث الطلاق ووجود طفل رضيع فإن فطام الطفل ينبغي أن يكون بالتراضي والتشاور بين الأب والأم ن يقول سبحانه وتعالى (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة: 233 .

4 ـ ولا يؤخذ التشريع من القصص القرآنى ، ولكن على سبيل الإستئناس نذكر أهمية ذلك التراضي فى قصة زواج موسى من بنت العبد الصالح ، إذ تراضيا على ان يدفع موسى المهر عملاً لدى صهره لمدة ثماني سنوات يمكن ان تزيد إلى عشرة (القصص :27) .

5 ـ وفوق ذلك كله فإن القاعدة القرآنية العامة تأمر بالوفاء بالعقود. قال جل وعلا فى خطاب مباشر للمؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ....) المائدة :1 . وتأسيساً على هذه القاعدة التشريعية فإن العقد مُلزمُّ للمتعاقدين. بالتالى : فإذا تراضى الطرفان على شرط في عقد الزواج أصبح ذلك الشرط ملزما للزوجين ، لأن ذلك في إطار الزواج الشرعي وليس إخلالاً بالشروط والأركان الأساسية في الزواج مثل المهر ورضى الزوجين ، والعلانية والشهود وكون الزوجة ليست من المحرمات ، وكونه زواجاً صحيحاً وليس سفاحاً ولا اتخاذ أخذان أي عشيقان ، ويتبعه كل تشريعات الزواج وما يلحق به من نفقه وقوامه ومعاشرة زوجية وإلحاق النسب ، وإذا مات وهي في عصمته ترثه ، والعكس صحيح . وعليه فإن اتفاق الزوجين على تحديد مدة للزواج لا يقدح في صحة الزواج خصوصا وأن قوله تعالى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) جاء عاما فيما يقع عليه التراضي ، سواء كان التراضي على جزء زائد فوق المهر او على المؤخر او كان على شيء آخر في إطار المباحات مثل تحديد مدة للزواج ..

(س):ــ إذن على هذا فإننى لا أستطيع ان اتفق مع أي امرأة على أن اتزوجها لمدة ساعة ثم اطلقها بعد الخلوة الشرعية ، ويكون ذلك زواجاً شرعياً..

(ج):ــ لكي يكون الزواج شرعيا إسلاميا لابد من مراعاة الشرع الاسلامى في كل شيء ، فقبل عقد الزواج لابد من ان تكون العروس من خارج المحرمات المنصوص عليهن في سورة النساء (11 : 24 ) ومنها ان تكون بريئة الرحم من أي زواج سابق ، أي انتهت عدتها إذا كانت مطلقة أو أرملة .. ولابد ان تكون عفيفة غير متهمة بالزنا لأنه يحرم زواج المتهمة بالزنا والتي لم تتب عنه (النور:3). وإذا كانت خالية من كل الموانع الشرعية أصبحت صالحة للزواج الشرعي إذا دفع مهرها لأنه فريضة وحق للزوجة ، فإذا تم عقد الزواج واشترط فيه تحديد مدة معينة وكانت ساعة زمن كما تقول ، ودخل بها ، ثم انتهى الزواج بعد هذه الساعة فإن الشرع يتطلب الحقوق والالتزامات الآتية :

1ــ أن تظل في بيته ينفق عليها طيلة مدة العدة للتأكد إن كانت حاملاً أم لا .والعدة  ثلاث حيضات للتي تحيض وثلاثة أشهر للتي لا تحيض واليائس من المحيض ، ثم إذا ظهر انها حامل امتدت عدتها إلى ان تضع الحمل تحت رعايته ونفقته ، وإذا انجبت طفلا كان عليه نفقته ونفقتها إذا كانت ترضع الطفل ، بما في ذلك الطعام والسكن ، وبعد العدة واكتمالها تصبح المرأة صالحة للزواج مرة أخرى ، ولكن في كل الأحوال يكون للمطلقة بعد ذلك حق المتعة ، وهو مبلغ من المال يحدد حسب العُرف ، قال عنه جل وعلا : (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة:241 ، ثم إن حقها في المتعة لا ينفي حقوقها الأخرى إذا كان لها مؤخر صداق ، وتلك الحقوق التي للزوجة والمطلقة قد حصّنها القرآن الكريم  بسياج هائل من التحذيرات والتنبيهات حتى لا تتعرض للانتهاك . أي ان ساعة زمن من زواج ما يسمى بالمتعة ، او الزواج الذي ينتهي بعد مدة قصيرة تترتب عليه آثار جانبية خطيرة بعد المهر ، تنتهي ساعة المتعة وتستمر بعدها شهور طويلة من المعاناة ، لأن ذلك هو الزواج الشرعي وأحكامه ..

( س ) إذن ليس الحديث عن زواج متعة بالكيفية التي يتراشق فيها السنة والشيعة بالأحاديث والأخبار والفتاوي ولكن الحديث عن الزواج الشرعي وحقوق المرأة فيه او، والتي ضاعت بين فقهاء السنة والشيعة ..

( ج ): نعم .  
 
 
اجمالي القراءات 2144