نظرات في بحث حقيقة المباهلة

رضا البطاوى البطاوى في الثلاثاء ١١ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


نظرات في بحث حقيقة المباهلة
المؤلف إبراهيم بن صالح الحميضي والبحث يدور حول حكم المباهلة حيث قال :
"احتوى القرآن الكريم على أفضل الأساليب، وأحكم المناهج، وأقوى الحجج في الجدال مع المخالفين من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وغيرهم ومن المناهج التي سلكها القرآن الكريم في معاملة المخالفين المبطلين المباهلة؛ فقد أمر الله تعالى بها نبيه (ص)حينما جادله نصارى نجران في أمر عيسى (ص) فلم يقبلوا الحق الذي جاء به من عند الله تعالى وأصروا على باطلهم وضلالهم ونظرا لكثرة الخلاف في هذا العصر مع الأسف وقلة العلم أسيء استخدام هذا المنهج، فأخذ بعض الناس يدعو إلى المباهلة من غير معرفة لضوابطها وفقه لأحكامها ولذلك أحببت أن أطرق هذا الموضوع من خلال ما أنزل الله تعالى فيه من آيات في سورة آل عمران، وما ذكره أهل العلم من المفسرين وغيرهم حول هذه الآيات"
وقد استهل البحث بتعريف المباهلة فقال :
" تعريف المباهلة:
قال ابن منظور: «البهل: اللعن، وبهله الله بهلا أي: لعنه، وباهل القوم بعضهم بعضا وتباهلوا وابتهلوا: تلاعنوا، والمباهلة: الملاعنة، يقال: باهلت فلانا: أي لاعنته» وقال الراغب الأصفهاني: «والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه، والتضرع؛ نحو قوله عز وجل: [ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين] (آل عمران )، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أن الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن»
والخلاصة: أن معنى المباهلة في اللغة: الدعاء باللعنة بتضرع واجتهاد وبعد التأمل في الآية الكريمة: [فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين] (آل عمران )
وما ورد في تفسيرها من الأحاديث والآثار، ومن خلال ما سبق من كلام أهل اللغة يتبين أن المراد بالمباهلة الشرعية:
هي أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء مصطحبين أبناءهم ونساءهم فيدعون الله تعالى أن يحل لعنته وعقوبته بالكاذب من الفريقين "
ومن ثم المباهلة بناء على ما قاله الحميضى دعاء بلعنة الكاذب من الفريقين وقد تحدث عن المباهلة في القرآن في مسألة ألوهية عيسى (ص) فقال :
"المباهلة في القرآن الكريم:
سلك القرآن الكريم هذا الأسلوب المباهلة في مجادلة المشركين المبطلين الذين يتكبرون عن قبول الحق، ويصرون على باطلهم وضلالهم مع قيام الحجة عليهم، وظهور الحق لهم؛ حيث أمر الله تعالى نبيه (ص)أن يباهل نصارى نجران حينما جادلوه في أمر عيسى (ص)فلم يقبلوا الحق الذي جاء به من عند الله تعالى بل أصروا على عقيدتهم الفاسدة، ومقولتهم الباطلة في عيسى (ص)قال تعالى:
[إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين] (آل عمران )"
والخطأ هو تحديد الفريق النصرانى بنصارى نجران في اليمن ومضمون الآية يدل على أنهم نصارى المدينة وإلا كيف سيأتى أولادهم وزوجاتهم من اليمن للمباهلة ؟
وتحدث عن سبب نزول الآيات فقال :
" سبب نزول الآيات:
قال الواحدي: «قال المفسرون: قدم وفد نجران، وكانوا ستين راكبا على رسول الله (ص)وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم؛ فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمه عبد المسيح، والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده فقدموا على رسول الله (ص)ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات ، جباب وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب ، يقول من رآهم من أصحاب رسول الله (ص)ما رأينا وفدا مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله (ص)فقال رسول الله (ص)دعوهم فصلوا إلى المشرق فكلم السيد والعاقب رسول الله (ص)فقال لهما رسول الله (ص)أسلما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما، منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: إن لم يكن عيسى ولدا لله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعا في عيسى، فقال لهما النبي (ص)ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى! قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا: لا، قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث، قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟ قالوا: بلى! قال:
فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا، فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آيه منها» "
الرواية باطلة لخطأين :
الأول دخول الكفار المسجد وهو ما لا يجوز لغير المسلمين كما قال تعالى :
" لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا"
الثانى صلاة الكفار النصارى داخل مسجد المسلمين وترديدهم الشرك فيه وهو ما يخالف أن البيوت تبنة لذكر الله وهو وحى الله المنزل فقط على محمد(ص) كما قال تعالى :
"فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله".
وهذا هو سبب منع صلاة الكفار فى المسجد الحرام باعتباره أصل المساجد كما قال تعالى :
"إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"
ثم قال الحميضى :
"وأخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: [إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون] (آل عمران: )، وذلك أن رهطا من أهل نجران قدموا على محمد (ص)وكان فيهم السيد والعاقب، فقالوا لمحمد (ص)ما شأنك تذكر صاحبنا؟ فقال: من هو؟ قالوا: عيسى؛ تزعم أنه عبد الله، فقال محمد (ص)أجل! إنه عبد الله قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده، فجاء جبريل (ص)بأمر ربنا السميع العليم، فقال: قل لهم إذا أتوك: [إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم] (آل عمران: ) إلى آخر الآية وكان وفودهم على النبي (ص)في السنة التاسعة من الهجرة، كما ذكر ابن كثير "
وكل هذه الأحاديث التى ذكرها الحميضى كاذبة تتعارض مع مطالبة الله بجمع الناس وأولادهم وزوجاتهم فهذا معناه ان يكون هذا الفريق ساكن في المدينة أو أجوارها على أقل تقدير وليست تبعد مئات الأميال عنها كنجران اليمن
وشرح الآيات فقال :
" عرض إجمالي للآيات:
في هذه الآيات الكريمة يقول الله تعالى منكرا على النصارى الذين يزعمون أن عيسى (ص)إله أو ابن إله: [إن مثل عيسى عند الله] (آل عمران )، في قدرته سبحانه على خلقه من غير أب [كمثل آدم] (آل عمران ) ؛ حيث خلقه جل وعلا من غير أب ولا أم، بل [خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون] (آل عمران: )؛ فالذي خلق آدم من غير أب ولا أم قادر على أن يخلق عيسى (ص)من غير أب بطريق الأولى والأحرى فإن كانت شبهتكم في ادعائكم بنوة عيسى (ص)أنه خلق من غير أب فإن آدم أحق بذلك منه وأولى؛ لأنه خلق من غير أم ولا أب، ومع ذلك فقد اتفق الناس كلهم على أنه عبد من عباد الله، وأن دعوى بنوته باطلة؛ فدعوى ذلك في عيسى أشد بطلانا وأظهر فسادا» وهذا من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه» "
وهذا الأسلوب من الأقيسة الإضمارية التي استخدمها القرآن الكريم في مجادلة الخصم، «وهي التي تحذف فيها إحدى المقدمات مع وجود ما ينبئ عن المحذوف» ثم بين سبحانه وتعالى أن ما ذكره في شأن عيسى (ص)وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه هو القول الحق الذي لا ريب فيه، لا كما يزعم النصارى من أنه إله أو ابن إله؛ كما نهى سبحانه رسوله (ص)أن يشك في أمر عيسى (ص)بعدما جاءه البلاغ المبين من ربه عز وجل
وتوجيه الخطاب للنبي (ص)مع استحالة وقوع الشك منه له فائدتان: إحداهما: أنه (ص)إذا سمع مثل هذا الخطاب تحركت منه الأريحية فيزداد في الثبات على اليقين نورا على نور والثانية: أن السامع يتنبه بهذا الخطاب على أمر عظيم، فينزع وينزجر عما يورث الامتراء؛ لأنه (ص)مع جلالته وعلو قدره خوطب بمثل هذا فكيف بغيره؟ وقيل الخطاب للنبي (ص)والمراد أمته ثم أمر الله تعالى رسوله (ص)أن يباهل من جادله في شأن عيسى (ص)بعد قيام الحجة عليه، وظهور الحق له بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة؛ «وذلك بأن يحضر هو وأهله وأبناؤه، وهم يحضرون بأهلهم وأبنائهم ثم يدعون الله تعالى أن ينزل عقوبته ولعنته على الكاذبين» » وإنما ضم رسول الله (ص)إلى النفس الأبناء والنساء مع أن القصد من المباهلة تبين الصادق من الكاذب وهو مختص به وبمن يباهله؛ لأن ذلك أتم في الدلالة على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، وأكمل نكاية بالعدو، وأوفر إضرارا به لو تمت المباهلة» ثم أكد سبحانه وتعالى صدق ما قصه وأخبر به من أمر عيسى (ص)وأنه هو الحق الذي لا جدال فيه، لا ما يدعيه النصارى وغيرهم،مبينا سبحانه أنه هو المتفرد بالربوبية المستحق للألوهية، وأنه هو العزيز في ملكه، الحكيم في تدبيره وفي ختام الآيات هدد الله تعالى نصارى نجران الضالين إن هم أعرضوا عن الحق بعدما تبين لهم في هذه الآيات البينات التي سمعوها فلم يرجعوا عن دينهم الباطل وقولهم الفاسد، مبينا أنه عليم بهم، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء، بل يحصيها عليهم ثم يجازيهم بها وقد أخرج البخاري في صحيحه عن حذيفة أنه قال: «جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله (ص)يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما: لا تفعل؛ فوالله لئن كان نبيا فلاعنا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وأبعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا، فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف له أصحاب النبي (ص)فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح! فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» هذا أمين هذه الأمة» وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير : «أن النبي (ص)لما أمر بملاعنتهم دعاهم إلى ذلك، فقالوا: يا أبا القاسم! دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما تريد أن تفعل فيما دعوتنا إليه، ثم انصرفوا عنه، ثم خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم؛ فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا النبي (ص)فقالوا: يا أبا القاسم! قد رأينا ألا نلاعنك، ونتركك على دينك، ونرجع على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا، فإنكم عندنا رضى» وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله تعالى: [فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم] (آل عمران: ): «فأخذ النبي (ص)بيد الحسن و الحسين و فاطمة، وقال لعلي: اتبعنا، فخرج معهم، فلم يخرج يومئذ النصارى، وقالوا: إنا نخاف أن يكون هذا هو النبي (ص)وليس دعوة النبي (ص)كغيرها، فتخلفوا عنه يومئذ، فقال النبي (ص)لو خرجوا لاحترقوا، فصالحوه على صلح: على أن له عليهم ثمانين ألفا، فما عجزت الدراهم ففي العروض: الحلة بأربعين، وعلى أنه له عليهم ثلاثا وثلاثين درعا، وثلاثا وثلاثين بعيرا، وأربعة وثلاثين فرسا غازية كل سنة، وأن رسول الله (ص)ضامن لها حتى نؤديها إليهم»
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص قال: «ولما نزلت هذه الآية: [فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم] (آل عمران: ) دعا رسول الله (ص)عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي» "
والخطأ وصف أبو عبيدة بالأمانة وحده وهذا يعنى أن بقية المسلمين خونة وهو ما لا يقوله مسلم فى حق المسلمين الآخرين لأن المفروض أن يقول القائل وأشدهم أى وأعظمهم أمانة فلان
والخطأ الثانى أن أهله هم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وهو ما يخالف أن اهله هم والديه وأولاده وزوجاته كما قال تعالى فى أهل نوح(ص):
" احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول "
فما سبق القول فيهم هم زوجته وابنه الكافرين وهو ما يعنى أن ألهل الزوجات ولأولاد والأبوين إن وجدا
وفى الحديث لا توجد زوجاته (ص) وهو ما يعنى أن الحديث كاذب
وتحدث الرجل عن كون المباهلة خاصة بالنبى(ص) أم بأى مسلم فقال :
" هل المباهلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
المباهلة ليست خاصة بالنبي (ص)بل هي عامة لجميع الأمة إلى قيام الساعة، كما أنها ليست خاصة مع النصارى، بل هي عامة مع كل مخالف، إذا قامت عليه الحجة وظهر له الحق، فلم يرجع عن قوله، بل أصر على ضلاله وعناده قال ابن القيم في فوائد قصة نصارى نجران: «ومنها أن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة، وقد أمر الله سبحانه بذلك رسوله، ولم يقل: إن ذلك ليس لأمتك من بعدك، ودعا إليه ابن عمه عبد الله بن عباس لمن أنكر عليه بعض مسائل الفروع ، ولم ينكر عليه الصحابة، ودعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين ولم ينكر ذلك عليه ، وهذا من تمام الحجة» قلت: وقد دعا إليها أيضا ابن مسعود فقد أخرج النسائي عنه أنه قال: «من شاء لأعنته ما أنزلت: [وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن] (الطلاق )، إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها، إذا وضعت المتوفى عنها زوجها فقد حلت» كما دعا إليها ابن القيم بعض من خالفه في مسائل صفات الله تعالى فلم يجبه إلى ذلك، وخاف سوء العاقبة وممن دعا إليها أيضا الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ حيث قال في إحدى رسائله:
«وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسوله (ص)وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دعوته إلى المباهلة» وقال الحافظ ابن حجر في فوائد قصة أهل نجران:
«وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة، وقد دعا ابن عباس إلى ذلك، ثم الأوزاعي، ووقع ذلك لجماعة من العلماء» وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية: هل المباهلة خاصة بين الرسول (ص)والنصارى؟
فأجابت بأنها ليست خاصة به (ص)مع النصارى، بل حكمها عام له وأمته مع النصارى وغيرهم "
والمباهلة جائزة فى كل عصر عند تمسك فريق بقول باطل وإصراره عليه دون النظر فى الحجج والبراهين وهى العلم الذى قال الله فيه :
"فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم"
ثم تحدث الحميضى عن شروط المباهلة فقال :
" شروط المباهلة:
يشترط للمباهلة شروط خمسة لا بد من توافرها قبل أن يقدم الإنسان عليها، وقد اجتهدت في استنباط هذه الشروط من القرآن الكريم، والأحاديث، والآثار الواردة في قصة نصارى نجران، وكلام بعض العلماء على هذه الواقعة، ثم عرضتها على فضيلة الشيخ محمد العثيمين فأقرها، وهي كما يلي:
- إخلاص النية لله تعالى فإن المباهلة دعاء وتضرع إلى الله تعالى كما تقدم، ولا بد لقبول الدعاء من إخلاص النية فيه لله تعالى كما هو الشأن في جميع العبادات، فلا يجوز أن يكون الغرض منها الرغبة في الغلبة، والانتصار للهوى، أو حب الظهور وانتشار الصيت، بل تكون للدفاع عن الحق وأهله، وإظهار الحق، والدعوة إلى الله تعالى والذب عن دينه
- العلم؛ فإن المباهلة لا بد أن يسبقها حوار وجدال، ولا جدال بلا علم، والمجادل الجاهل يفسد أكثر مما يصلح ، وقد ذم الله تعالى المجادل بغير علم فقال: [ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير] (الحج ) كما ذم الله أهل الكتاب لمحاجتهم بغير علم فقال تعالى:
[يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون * ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون] (آل عمران) قال القرطبي: «في الآية دليل على المنع عن الجدال لمن لا علم له ولا
تحقيق عنده»
- أن يكون طالب المباهلة من أهل الصلاح والتقى؛ إذ إنها دعاء، ومن أعظم أسباب قبول الدعاء الاستجابة لله تعالى بفعل الطاعات واجتناب المحرمات كما قال تعالى: [وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون] (البقرة: )
- أن تكون بعد إقامة الحجة على المخالف، وإظهار الحق له بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة؛ فإذا أصر على رأيه وبقي على ضلاله وعناده، ولم يقبل الحق، ولم تجد معه المحاورة والمناقشة؛ فعند ذلك يأتي دور المباهلة، وتقدم قول ابن القيم
«إن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة» وبهذا يتبين خطأ من يلجأ إلى المباهلة بسبب ضعف أدلته وانقطاع حجته، وعدم قدرته على إقناع خصمه وتفنيد أدلته والرد على شبهته، وأن هذا المنهج خلاف ما جاء في الكتاب والسنة
- أن تكون المباهلة في أمر مهم من أمور الدين، ويرجى في إقامتها حصول مصلحة للإسلام والمسلمين، أو دفع مفسدة كذلك
قال الدواني : «إنها (أي المباهلة) لا تجوز إلا في أمر مهم شرعا وقع فيه اشتباه وعناد لا يفسر دفعه إلا بالمباهلة، فيشترط كونها بعد إقامة الحجة، والسعي في إزالة الشبهة وتقديم النصح والإنذار، وعدم نفع ذلك، ومساس الضرورة إليها» ، فلا ينبغي أن يدعو الإنسان إليها في كل مسألة يقع فيها الخلاف، ويسوغ فيها الاجتهاد كما يفعل بعض الجهال، وتأمل قول الله تعالى: [ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين] (آل عمران )؛ أفرأيت من ذهب إلى رأي ظهرت له قوته، وبانت له رجاحته معتمدا على أدلة ثبتت عنده صحتها، وبدت له صراحتها، هل يعد كاذبا مبطلا ظالما تجب مباهلته والقضاء عليه وملاعنته؟"
وكل هذه الشروط تخالف كتاب الله عدا شرط إصرار فريق على الباطل ومضيه فى الجدال رغم إعلام الفريق الأخر به بالحجج والبراهين الدالة على البطلان وهى العلم الذى قال تعالى فيه:
"فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم"
وتحدث عن المباهلة فيما أسموه الفروع وهى تسمية باطلة فقال :
"وأما ما ورد عن ابن عباس وابن مسعود والأوزاعي من دعوتهم للمباهلة في مسائل الفروع؛ فقد سألت فضيلة الشيخ محمد العثيمين عن ذلك فقال: إنه اجتهاد منهم "
وبالقطع المباهلة تكون بين أهل الأديان الأخرى والمسلمين
وتحدث عن عاقبة وهى نتيجة المباهلة فقال :
"عاقبة المباهلة:
قال ابن حجر: «ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلا لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة، وقد وقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين» وقد دلت السنة على ذلك؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس قال: «ولو خرج الذين يباهلون رسول الله (ص)لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا» وقال صديق حسن خان القنوجي: «أردت المباهلة في ذلك الباب يعني باب صفات الله تعالى مع بعضهم فلم يقم المخالف غير شهرين حتى مات»
ومما وقع أيضا في هذا العصر: أن المتنبئ غلام أحمد القادياني الذي ظهر في شبه القارة الهندية في القرن المنصرم باهل أحد العلماء الذين ناقشوه وناظروه وأظهروا كذبه وبطلان دعوته، وهو الشيخ الجليل ثناء الله الأمرتسري، فأهلك الله عز وجل المتنبئ الكذاب بعد سنة من مباهلته، وبقي الشيخ ثناء الله بعده قريبا من أربعين سنة، يهدم بنيان القاديانية ويجتث جذورها» ""
وحكاية أن نتيجة المباهلة موت الذى على الباطل أولا كلام فارغ لا أساس به لأن النتيجة هى اللعنة وهى دخول النار كما قال تعالى :
"ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"
اجمالي القراءات 829