المرأة في عقوبة القصاص في القتل والجراحات

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٠ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


المرأة في عقوبة القصاص في القتل والجراحات

تشريع العقوبات للمرأة 

كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى )

 أولا : فى الاسلام فى تدبر قرآنى :

1 ـ أخبر رب العزة جل وعلا أن تشريع قتل النفس بالنفس قد كتبه الله سبحانه وتعالى على بنى إسرائيل في التوراة ، فقال جل وعلا : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) المائدة :45 ، لم يقل كتبنا عليكم ، وإنما " كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ " وجاء ذلك في معرض الحديث عن اليهود والتوراة (المائدة  42 : 46)..

2 ـ أما الذي نزل تشريعاً خاصاً بنا فهو قوله سبحانه وتعالى لنا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ  وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة  178 : 179  ).

أي ان الله سبحانه وتعالى قد حصر القصاص ــ أي قتل الجاني ــ في حالات محدودة : هي ان يكون القاتل والقتيل متكافئين في الحرية والجنس ، فالحر إذا قتل حراً يُقتل به ، والعبد إذا قتل عبداً يُقتل به ، والأنثى إذا قتلت أنثى تقتل بها ، هذا إذا لم يرض اهل القتيل او القتيلة بدفع أهل القاتل الدية لهم ، وفيما عدا ذلك (أي الأحوال الثلاثة السابقة) تكون الدية بدلاً عن القصاص ، وأيضا تكون الدية فى الحالات الثلاثة إذا رضى بها أهل القتيل بديلا عن القصاص . وبهذا يكون شرع الاسلام قد سبق الاتجاهات الحديثة فى إلغاء جزئى لعقوبة الاعدام . وذلك هو التخفيف الذي جعله رب العزة رحمة ، وحذر من اعتدى بعد ذلك بالعذاب الأليم ، وعلى ذلك فالرجل إذا قتل امرأة ، او العكس فالحكم بالدية وليس القصاص ، لعدم التكافؤ بين القاتل والمقتول ، فإذا قتل رجل رجلاً او امرأة امرأة يتعين القصاص إلا إذا رضى اهل القتيل بأخذ الدية ، وبعد أخذ الدية إذا اعتدى اهل القتيل او إذا استمر القاتل في عدوانه تحتم إجراء القصاص عليه قتلاً حفظاً لحياة النفوس ، وذلك معنى قوله تعالى (فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ...

3 ـ ما عدا القتل فالقصاص واجب فى الجراحات ، إلا عندما يتنازل المجنى عليه عن حقه ، كما هو مذكور فى التوراة : (  وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ) (45) المائدة ) . وهذا يسرى على الجانى ذكرا كان أو أُنثى .  

ثانيا :

فى الدين السُنّى

1 ـ إختلفت مواقف أئمة الدين السُنّى :

1 / 1 : الحيرة والعجب قوله جل وعلا : (  كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ  ) .

1 / 2 : الجُرأة على إبطال الحكم ، مفضلاً أن يأخذ آية المائدة (45) عن قتل النفس بالنفس بدون تحديد ، مع وضوح القرآن في كونها تشريعاً في التوراة مكتوباً على أصحابها ، ومع اختصاص آيتي سورة البقرة (178 : 179) بالتشريع الخاص بنا فقال : ( كتب عليكم ).

1 / 3 :  وبعضهم قال ــ طبقاً لطبيعته الذكورية أن الرجل لا يُقتل بالمرأة ، وتوقف عند هذا ، دون أن يقول : المرأة لا تُقتل بالرجل .

2 ـ على أن هناك بعض الآراء الإيجابية :

2 / 1 : الشافعى قد بدأ بإثارة الموضوع فى كتابه ( الأم ) وأوجب بأن الرجل إذا قتل المرأة عمداً ، او إذا قتلته عمداً وجب القصاص من الجاني بقتله ، لأنهما متكافئان بالحرية والإسلام ، وقاس الشافعي على القتل سائر الجراحات ...

2 / 2 : وصنع البخاري ومسلم رواية تزعم أن يهوديا قتل جارية واعترف بقتلها فأمر النبي بقتله بنفس الطريقة التي قتل بها الجارية .

3 ـ وبدأ مالك بإثارة موضوع دية الجنين إذا سقط بجناية من بطن أمه ، وقد اتى في الموطأ بروايتين حكم فيها النبي بدية على من أسقط جنين امرأة بأن يدفع دية قدرها عبد أو امة. وأضاف أبوحنيفة أن تكون دية الجنين بدلاً عن العبد او الأمة ــ غرامة مالية خمسمائة درهم او خمسين ديناراً ، او ما قيمته نصف عشر دية الرجل او المرأة ، وقدّرها بالإبل خمساً من الإبل او مائة من الشاة ، واشترط الشافعي حسبما يروي عنه تلميذه المزني ــ ان يكون الجنين قد تبينت ملامحه ، وليس مجرد مضغة أو علقة ــ في بداية التكوين ، اما إذا كان الجنين لجارية فإن ديته عُشر قيمة امه يوم وقعت الجناية عليها ، ونقل البخاري ومسلم احاديث مالك في دية الجنين ، وأضافا إليها روايات أخرى ، ثم اتخذت المذاهب فيما بعد من دية الجنين ميدانا للتفريع والاختلاف ، حسب حالة الجنين وحال امه ... وهو خلاف شرحه يطول .

4 ـ ودية المرأة المقتولة جعلوها نصف دية الرجل ...!!! قال هذا فقهاء المذاهب الأربعة ، هذا إذا كانت مسلمة ، اما إذا كانت من اهل الكتاب فهي نصف دية المرأة المسلمة ، وان كان بعضهم يرى ان دية أهل الكتاب مثل دية المسلمين ، وهي قضية خلافية ، إذ كانوا في حيرة بين نصوص القرآن التي لا ترى فارقاً بين حقوق الناس من جميع الملل والنحل وبين واقع العصور الوسطى المليء بالتعصب الديني ...

ولذلك ابتدعوا حد الردة وهو يخالف تشريع القرآن وما كان عليه نبي الإسلام عليه السلام ، وأفتى الشافعي بقتل المرأة المرتدة ، وسار على أثره فقهاء المالكية والحنابلة بينما رأى الأحناف أنه لا يجب قتلها .

ثالثا :

عرض لبعض ما قاله القرطبى من أقوال السابقين واختلافاتهم فى الآية الكريمة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) البقرة  178 ) :

 قال : ( فيه سبع عشرة مسألة:
الأولى:  .. وقال الشعبي في قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} قال: أنزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا فقالوا، نقتل بعبدنا فلان بن فلان، وبأمتنا فلانة بنت فلان، ونحوه عن قتادة.)

(  الثالثة: صورة القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله والانقياد لقصاصه المشروع، وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قاتل وليه وترك التعدي على غيره، كما كانت العرب تتعدى فتقتل غير القاتل، وهو معنى قوله عليه السلام: «إن من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة رجل قتل غير قاتله ورجل قتل في الحرم ورجل أخذ بذحول الجاهلية». قال الشعبي وقتادة وغيرهما: إن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كان فيه عز ومنعة فقتل لهم عبد، قتله عبد قوم آخرين قالوا: لا نقتل به إلا حرا، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، وإذا قتل لهم وضيع قالوا: لا نقتل به إلا شريفا، )

(  الخامسة: قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} الآية. اختلف في تأويلها، فقالت طائفة: جاءت الآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه، فبينت حكم الحر إذا قتل حرا، والعبد إذا قتل عبدا، والأنثى إذا قتلت أنثى، ولم تتعرض لاحد النوعين إذا قتل الأخر، فالآية محكمة وفيها إجمال يبينه قوله تعالى: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، وبينه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة، قاله مجاهد، وذكره أبو عبيد عن ابن عباس. وروي عن ابن عباس أيضا أنها منسوخة بآية المائدة وهو قول أهل العراق.)

( السادسة: قال الكوفيون والثوري: يقتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، واحتجوا بقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} فعم، وقوله: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، قالوا: والذمي مع المسلم متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاص وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد، فإن الذمي محقون الدم على التأبيد، والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقق ذلك أن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه. واتفق أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى على أن الحر يقتل بالعبد كما يقتل العبد به، وهو قول داود، وروي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب وقتادة وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة. والجمهور من العلماء لا يقتلون الحر بالعبد، للتنويع والتقسيم في الآية.وقال أبو ثور: لما اتفق جميعهم على أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفوس كانت النفوس أحرى بذلك، ومن فرق منهم بين ذلك فقد ناقض. وأيضا فالإجماع فيمن قتل عبدا خطأ أنه ليس عليه إلا القيمة، فكما لم يشبه الحر في الخطأ لم يشبهه في العمد. وأيضا فإن العبد سلعة من السلع يباع ويشترى، ويتصرف فيه الحر كيف شاء، فلا مساواة بينه وبين الحر ولا مقاومة.)

( السابعة: والجمهور أيضا على أنه لا يقتل مسلم بكافر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يقتل مسلم بكافر» أخرجه البخاري عن علي بن أبي طالب.  )

( الثامنة: روي عن علي بن أبي طالب والحسن بن أبي الحسن البصري أن الآية نزلت مبينة حكم المذكورين، ليدل ذلك على الفرق بينهم وبين أن يقتل حر عبدا أو عبد حرا، أو ذكر أنثى أو أنثى ذكرا، وقالا: إذا قتل رجل امرأة فإن أراد أولياؤها قتلوا صاحبهم ووفوا أولياءه نصف الدية، وإن أرادوا استحيوه وأخذوا منه دية المرأة. وإذا قتلت امرأة رجلا فإن أراد أولياؤه قتلها قتلوها وأخذوا نصف الدية، وإلا أخذوا دية صاحبهم واستحيوها. روى هذا الشعبي عن علي، ولا يصح، لأن الشعبي لم يلق عليا. وقد روى الحكم عن علي وعبد الله قالا: إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو بها قود، وهذا يعارض رواية الشعبي عن علي. وأجمع العلماء على أن الأعور والأشل إذا قتل رجلا سالم الأعضاء أنه ليس لوليه أن يقتل الأعور، ويأخذ منه نصف الدية من أجل أنه قتل ذا عينين وهو أعور، وقتل ذا يدين وهو أشل، فهذا يدل على أن النفس مكافيه للنفس، ويكافئ الطفل فيها الكبير... وإذا قتل الحر العبد، فإن أراد سيد العبد قتل وأعطى دية الحر إلا قيمة العبد، وإن شاء استحيا وأخذ قيمة العبد، هذا مذكور عن، علي والحسن، وقد أنكر ذلك عنهم أيضا.)

( التاسعة: وأجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، والجمهور لا يرون الرجوع بشيء. وفرقة ترى الاتباع بفضل الديات. قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور: وكذلك القصاص بينهما فيما دون النفس.
وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة: لا قصاص بينهما فيما دون النفس بالنفس وإنما هو في النفس بالنفس، وهما محجوجان بإلحاق ما دون النفس بالنفس على طريق الأخرى والأولى، على ما تقدم.)

( العاشرة: قال ابن العربي: ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا: يقتل الحر بعبد نفسه، ورووا في ذلك حديثا عن الحسن عن سمرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قتل عبده قتلناه» وهو حديث ضعيف ..  

( الحادية عشرة: روى الدارقطني وأبو عيسى الترمذي عن سراقة بن مالك قال: حضرت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقيد الأب من ابنه، ولا يقيد الابن من أبيه. قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه من حديث سراقة إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بصحيح ..  وقال ابن المنذر: اختلف أهل العلم في الرجل يقتل ابنه عمدا، فقالت طائفة: لا قود عليه وعليه ديته، وهذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن عطاء ومجاهد.وقال مالك وابن نافع وابن عبد الحكم: يقتل به. ) .

نكتفى بهذا رحمة بالقارىء .!
اجمالي القراءات 1452