أ.د.عبدالرزاق منصورعلى
الحياه الطيبه وفك الشفرة

د. عبد الرزاق علي في الأربعاء ٢٢ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


الحياه الطيبه وفك الشفرة

أ.د.عبدالرزاق منصورعلى


يتبارى الناس فى هذه الحياة الدنيا للحصول على السعاده ويسلكون العديد من الطرق لتوهم الحصول عليها فمنهم من يراها فى إقتناء المجوهرات والتحف الثمينه والبعض يراها فى تملك المنزل الفخم ذى الأثاث الفاخر وأخرون يؤكدون أن السعاده هى أن تتبوأ المنصب الرفيع الذى يشاراليه بالبنان بينما يحسبها أخرون بمقدار أرصدتك فى البنوك. والحقيقه أن كل هذه الأشياء قد تضفى نوعا من السعاده الظاهريه المؤقته التى يتعود عليها الانسان وبمرور الوقت يفقد الإحساس بسعادتها. إذن ماهى السعاده الدائمه أو الحقيقيه؟ أعتقد أنها أسلوب الحياه الذى يعيشه ويرتضيه الفرد منا, مثل كونك تعيش فى طمأنينه وسلام مع نفسك ومع الآخرين ويتحقق ذلك بالإيمان والإخلاص لله وحده وعدم إتخاذ (الحجر أوالبشر أوالرسل) وسيله من دون الله,, مرورا بمساعدة الفقراء المحتاجين والمظلومين وثقتك فى نفسك لتفجير الطاقات البناءه داخلك والتى تساعدك فى التغلب على صعوبات الحياه- وعدم الإسراف فى أى شيئ(الأكل- الشرب-الفرح- الحزن- التفكير-الخ) إلى اليقين بأن كل شيئ - له بدايه فحتما  ومنطقيا لابد أن تكون له نهايه- وهذه المنظومه المتوازنه هى التى عبر عنها القرآن الكريم بكلمة "الحياه الطيبه" –(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)-النحل97-

فكرة ومنظومة "الحياه الطيبه" هى التى يتبناها الطب النفسى بداية من جلسات التحليل النفسي إلى طرق العلاج التى تبدأ من العلاج السلوكي المعرفي مرورا بالعلاج الإنساني إلى العلاج التكاملي الشامل. والغرض النهائى من كل هذه الوسائل هو سبر أغوار النفس البشريه وإعادة ضبط إيقاعها مع نغمة الحياه الطيبه, مثلما نقوم بضبط برامج الحاسوب بتبريد الجهازحينما يهنج وإعادة تشغيل الحاسوب. وهذا هو نفس الهدف من إعادة صياغة برامج المخ بوسائل التحليل النفسى وبالتالى تحديد خطط العلاج النفسى. فأكابرالمجرمين والطغاه لاتنخدع بمظاهرهم التى قد تبدو وكأن حياتهم هانئه بل على العكس إنها أتعس مما تتخيل بدليل أنه بعد أداء جريمته يذهب للخماره كى يحاول أن ينسى جريمته وهو الذى يتظاهر للناس بالشخص الهادئ المتزن الذى لايعبأ بأى شيئ وهو يحترق من داخله بسبب المواد الكيميائيه التى تفرز فى الجسم كرد فعل على زيادة تحفز وتأهب الجهاز العصبى السمبثاوى وعلى المدى الطويل من الإجرام تتجمع نواتج الإحتراق الكيميائى البطيئ والمستمر لتؤدى إلى اختلال كيمياء الجسم والتى بدورها تؤدى الى اضطراب أحد التفاعلات الكيميائيه الهامه داخل الحمض النووى والمعروف علميا بإسم "دى إن إيه ميثايلاشن":

 “DNA-Methylation”- 

”وهذا التفاعل يتضمن تنظيم وإضافة ماده كيميائيه للجينات تسمى " مجموعة الميثيل "

“Methyl group"

وهذه الماده مثل الغشاوه التى تغطى على عين الجينات. فلا يستطيع الجين أن يؤدى وظيفته على الوجه الصحيح مثل تعطل طابعة الحاسوب فتنتج نسخا أو صورا مشوهه أوتنسخ عددا أكثر أو أقل من النسخ التى تمت برمجتها عليه وهو مايطلق عليه علميا إسم عدم قدرة الجين على "التعبير عن نفسه". وهذا الإضطراب يؤدى للتشويش على منظومة فك الشفره الجينيه وترجمتها, والنتيجه الحتميه لكل هذا الخلل الجينى هو:

 إنهيارالمناعه الداخليه للفرد وما ينتج عنها من تأثيرات على خلايا جسمه وبرامج حمايتها من كافة الأمراض الخطيره وعلى رأسها السرطان وضعف جهازالمناعه ووقوع الفرد فريسه للأمراض النفسيه-
في السنوات القليلة الماضية ، بحثت العديد من الدراسات العلاقة بين عملية "ميثايلاشن -الحمض النووى(تفاعل مجموعه الميثايل الكيميائيه  مع جينات الحمض النووى)  وعوامل وأسلوب نمط الحياة مثل; السلوك والضغط العصبى والتغذية والنشاط البدني وعادات العمل والتدخين وإستهلاك الكحول. وأوضحت الأبحاث أن نمط الحياه الخاطئ والسلوك السئ والغير منضبط لايؤدى فقط للخلل الكيميائى للحمض النووى والتشويش على أداء ووظيفة الجينات فى الفرد بل قد يورث هذا الخلل فى الجينات للأبناء والأحفاد!. تأمل معى قوله تعالى (بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)-البقره81-  أى أن الخطيئه وتكرارها تلقى بظلالها وآثارها السيئه على الإنسان وكأن الفرد أصبح أسيرا لهذه الخطيئه والتى تتجاوزمضاعفاتها على الحمض النووى للفرد فيمتد ضررها لتحيط بأبنائه وأحفاده. ومن هنا نفهم مغزى دعوة نوح لإبادة الكافرين من قومه مبررا ذلك بأن أبناءهم وأحفادهم سيكتسبون صفة الفجروالكفر من آبائهم.

 (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)-نوح26,27-

والخلاصه: أهمية هذا التفاعل (عملية الميثايلاشن) تكمن فى أنه يعمل على تعديل نسبة نسخ الجينات للتعبير عن نفسها وبعباره أخرى فهو يعمل على فك شفرة الجين لتترجم الى منظومة عمل لتنفيذ محتوى الشفره الجينيه ، ومعظم هذه التغييرات تميل إلى إعادة نسخها فى كل جيل. .وتشيرالأبحاث إلى إمكانية تأثير هذه الظاهرة على الأجيال المتعاقبة على أنها وراثة جينية عبر الأجيال. من المتوقع أن تساعد عملية "الميثايلاشن" في تفسير كيفية تعديل التعبير الجيني من خلال نمط الحياة والعوامل البيئية الكيميائية مثل السلوكيات والنظام الغذائي الصحي وممارسة الرياضة وعوامل الخطر المؤثره علينا.

References

1. Morgan DK, Whitelaw E. The case for transgenerational epigenetic inheritance in humans. Mumm Genome. 2008;19(6):394–397. [PubMed] [Google Scholar]

2. Chao MJ, Ramagopalan SV, Herrera BM, Lincoln MR, Dyment DA, Sadovnick AD, Ebers GC. Epigenetics in multiple sclerosis susceptibility: difference in transgenerational risk localizes to the major histocompatibility complex. Hum Mol Genet. 2009;18(2):261–266. [PubMed] [Google Scholar]ز

3.  Daxinger L, Whitelaw E. Transgenerational epigenetic inheritance: more questions than answers. Genome Res. 2010;20(12):1623–1628. [PMC free article] [PubMed] [Google Scholar] 

4. Skinner MK, Manikkam M, Guerrero-Bosagna C. Epigenetic transgenerational actions of environmental factors in disease etiology. Trends Endocrinol Metab. 2010;21(4):214–222. [PMC free article] [PubMed] [Google Scholar

 
اجمالي القراءات 1083