دراسة قرآنية لفهم ضرّ أيوب
قصة أيوب عليه السلام و الشيطان

dalou baldou في الإثنين ٠٦ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمان الرحيم
قصص الأنبياء في القرآن الكريم هي نموذج لنا لأنهم بشر مثلنا ، فلو جعل الله الأنبياء و الرسل
مختلفين عنا، أي ملائكة أو جن ،لقلنا إنّ ما حدث معه ذلك ، لأنه مختلف عنا و ليس بشرا مثلنا،
أيوب مسّه ضُر، و ليس مرض و الضّر الذي مسه كان من الشيطان .
( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )
و الشيطان أسلوبه مع البشر ينقسم إلى درجات عبارة عن ترددات صوتيه و اهتزازات ومخيلات صورية :
أولا : الوسوسة ، على فترات ، لكل الناس ، المؤمن وغيره ، تردد خفيف .
و تعني كلمة وسواس باللسان الاعجمي السواحلي : قلق تكتب wasiwasi
ثانيا : الهمزات ، إذا حذفنا حرف الميم يبقى هزّات بمعنى ترددات صوتية متوسطة إلى عالية ، لكل الناس ، منهم المؤمنون ، على فترات ، أو ما نسميه التحفيز
الهمز يكون بعد الوسوسة ، مثلا يوسوس الشيطان لشخص أن يسرق حتى يقتنع ، ثم يقترب من السرقة هناك يأتي الهمز بمعنى قليل من التحفيز لينفذ السرقة ، أو مثلا، آدم وسوس له الشيطان حتى اقتنع بالأكل من الشجرة فعندما يصل لحافة التنفيذ يقوم الشيطان بهمزه أي يهزّه قليلا حتى ينفّذ المعصية .
ثالثا : النّزغ ، و يحدث لكل الناس حتى المؤمنين ، على فترات ، على حسب الظروف .
و هي تحدث بين شخصين أو بين جماعتين أو طائفتين ، يقوم الشيطان بالّنزغ بينهم ، فيوقع بينهم العداوة من خلال كلامهم أو أفعالهم، فيوهم شخص أو جماعة ، أنّ ما قاله الآخر يقصد به كذا وفعله ينوي به لكَ كذا ، فيوقع بينهم فتنة وعداوة
مثل العداوة التي وقعت بين ، يوسف و أبيه و إخوته .
( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (100) يوسف
نلاحظ : نزغ بيني و بين إخوتي ، ولم يقل وسوس بيني و بين إخوتي
وأيضا ، لتفادي النزغ يجب اختيار الالفاظ و المصطلحات و قول التي هي أحسن .
( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) 53 الاسراء، نلاحظ ينزغ بينهم وليس لهم .
وعلينا اجتناب كثير من الظن الذي بعضه إثم، و تجنب الجوسسة و الغيبة ،لا نتكلم بغيابه ، و الشيطان بارع في إحضار الشخص بينما تتكلم عنه
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ )(12

رابعا : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ )
فعل أمر استفزز، أي أذن له الله بذلك الفعل ، أما تؤزّهم أزّا فهو فعل مضارع لـفعل الامر إستفزز
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا )(83)
الأزيز ، أزًّا ، تردد صوتي بمستوى عال يسبب اهتزازات قوية زائد خيال بصري تحدث أيضا في الرؤى ، أجلب عليهم بخيلك بمعنى أذن له الله بالوصول إلى المخيلة، فيتخيل المصاب بأشياء غير واقعية ، مثلما يُعمل به في السّحر
(قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ) (66
ويحدث الأزيز أو الاستفزاز عقابا من الله للكافرين والمعرضين فقط ، و يكون قرين على مدار الساعات و الأيام ، وليس على فترات .
وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) (83)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ )(124)
نلاحظ : استفزز من استطعت ، لأن الاستطاعة تكون على الكافرين و لا يشمل الذاكرين الله
فيصاب بـ : قلق ، شكّ ،اضطراب ، ضنك ، ضيق ، توتّر ، ثمّ مرض نفسي فأدوية اكتئاب و أطبّاء
أو تناول المخدرات و أحيانا يؤدّي إلى الانتحار . وعلاجه الحقيقي هو الرجوع إلى الله، ولا ينفع إن كان الشخص غنيا أو فقيرا ، كل ذلك عقاب من الله لعله يرجع و يتوب، نلاحظ في بعض الامراء و الأغنياء و المشاهير كيف يتناولون المخدرات و ينتحرون
خامسا: طواف الشيطان ، ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (20)
نلاحظ : إن الذين اتّقوا ، فالتذكّر يكون سهل مقارنة بمن هو غير متّقي
كما تبيّن الشيطان يطوف ، يترصد المتّقين الذين نسوا ، فيمسّهم ، فيتذكّروا و يبصروا ، فهو لا استطاعة على الذاكرين الله ،هي علاقة مترابطة ، مثال : نفترض أن الإيمان بالله هو الضوء و الكفر بالله هو الظلام ، فعندما تشعل ضوء في غرفة مظلمة يختفي الظلام و عندما نطفأ الضوء يظهر الظلام ، كذلك يفعل الشيطان مع الناس ، كافر يأتيه الشيطان ، مؤمن ينصرف عنه ، هنا أقصد درجة الاستفزاز فقط

سادسا : التخبّط من المس ، عمل السحر
( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ)
فهنا تشبيه فقال : كما .
أمّا ما يُقصَد في الآية ، الذي يتخبطه الشيطان من المس ، فهم الذين عُمل لهم عمل سحر .
فالشيطان يخدم السّحر المعمول .
مثال من قصة النبي أيوب ، أصابه شيطان بمس داخلي ، و سبّب له عذاب و نصب
( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )
النصب هو امتصاص الطاقة أو تفريغ شحنة الطاقة من الجسم ، بمعنى كان الشيطان ينصب من طاقة أيوب عليه السلام
وأيضا هناك نصب من طاقتنا من خلال حياتنا اليومية من تعب و مشقة
المؤمن إذا فرغت عنده الطاقة ، ينصب الطاقة من الله ، من خلال الصلاة
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) (8 )

لمذا أيوب عليه السلام أصابه السّحر ؟
( وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ )(84
نلاحظ : ومن الشياطين من ...... و أيوب
قبل قصة أيوب ، تكلمت الآيات في سورة الأنبياء عن سليمان و ملكه وعن الشياطين ، مباشرة الآية التي بعدها ذكرت قصة أيوب ، نلاحظ علاقة سليمان و الشيطان و أيوب

سورة الأنعام (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
نلاحظ : ذكر سليمان و بعده أيوب
في سورة ص أيضا :
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42
نلاحظ : ولقد فتنا سليمان .... والشياطين كل بناء........واذكر عبدنا أيوب

علما بأن السحر ظهر في زمن سليمان
( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )( 102) البقرة
نلاحظ : يتعلمون السحر، ما يفرقون به بين المرء وزوجه .
ثم نلاحظ بالنسبة لأيوب :( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ) (84) الأنبياء
في قصة أيوب : آتيناه أهله و مثلهم معهم

نستنتج أن أيوب عليه السلام أصابه الضّر، أي تعرّض لعمل سحر، و فرّقوا بينه وبين أهله ، بسبب السحر ثم صبر حتى فرّج الله عنه . و أزال الله عنه السحر و الشيطان فآتاه الله أهله
نلاحظ : كلمة الضر استُعمِلت بالنسبة للسّحر (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)
و في نداء أيوب قال: ( نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ )
والله يكشف الضر (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ )
كما تبين ، إزالة المس الشيطاني و السحر عن طريق الركض بالرجل ومغتسل بارد و شراب
،علما بأن الشيطان مخلوق من نار ، و عدو النار هو الماء .أمّا الركض فربّما لإخراج الشيطان منه .
( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (44
أي وهب الله له أهله ومثلهم معهم أي زاد له الله من الأهل مضاعفا، فإذا كان له مثلا خمسة أولاد أصبح لديه عشرة .
وغفر له الحنث، من خلال الضرب بالضغث ، أي شيء نستطيع ضغطه باليد
و هو فعل معنوي ، مثل ضرب موسى البحر بالعصا
والله أعلم

اجمالي القراءات 2389