أ.د. عبدالرزاق منصور على
علم الكتاب والمسرح

د. عبد الرزاق علي في الإثنين ٢٧ - فبراير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

علم الكتاب والمسرح
أ.د. عبدالرزاق منصور على

مقدمه لابد منها: فى عام 1981,, قام العالم اليابانى هيديو كوداما بإخترع فكرة الطابعه التى تنسخ صورا ثلاثية الأبعاد ثم قام الأمريكى تشك هول بتطويرالفكره وإستخدامها عمليا فى عام1988 – وجدير بالذكر أن التطوير مستمرمنذ بداية التصويربأفلام أسود وأبيض ثم الألوان وحتى الآن- ومعنى ذلك أن كل معلومات الجسم الذى يتم تصويره تكون مسجله ومخزنه لتشمل كل أبعاد الجسم وبالتالى ينعكس ذلك على الصوره- أما الذى توصلنا لطباعته ونسخه حتى الآن هو ثلاثة أبعاد فقط من الصوره. أما باقى الأبعاد الأخرى للصوره فلم يتم التوصل لها مثل مشاعر الصوره ووعيها والمؤثرات الزمانيه والمكانيه للصوره. ولتقريب الفكره نعطى مثلا واقعيا عن أغنيه أحببتها أو فيلم سينمائى تأثرت به- فحين تسمع الأغنيه أو ترى الفيلم مثلا فقد تستفز ذاكرتك لتستحضر أحداثا وقعت لك وتتوارد مشاعرك القديمه المصاحبه للأغنيه أو الفيلم- معنى ذلك أن الذاكره تسجل كل أبعاد الصوره وليست الأبعاد الثلاثيه التى نعرفها والتى توصلنا لطباعتها ونسخها أخيرا - وهذا يدفعنا للسؤال المنطقى لماذا لايتم إستخراج ونسخ الصوره بكل أبعادها لتشمل مثلا المشاعر والوعى؟ والإجابه على هذا السؤال يكمن فى أن الأجهزه الموجوده حتى الآن لم يصل بها التقدم العلمى والتقنى لتأتى وتنسخ لنا كل أبعاد الصوره لتصبح كما يقولون صوره" من لحم ودم" بمعنى صوره مشخصه من لحم ودم وحركه ومشاعر ووعى ويمكن التفاعل معها مثل شخصيات المسرح التى تشاهدها فى الواقع -أى ليست صورة فيديو سينمائيه. ولكن هل يمكن أن يحدث هذا, أى تأتى الصوره أونسخة الطباعه مشخصه واقعيا أمامنا مثل شخصيات المسرح؟ أعتقد أنه إحتمال فى الدنيا وبالتأكيد سيحدث فى الآخره.
ففى الدنيا حدثت البروفه لنقل النسخه المجسمه والتى تحمل أكثر من ثلاثة أبعاد فى عهد سليمان عليه السلام- وكما يحكى القرآن الكريم (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)-النمل 40- فالرجل العالم (الذى عنده علم من الكتاب) تمكن من نقل نسخه من قصر ملكة سبأ فى زمن قياسى أقل من ثانيه (طرفة عين)- أى أننا بالعلم يمكن أن نصل لهذه النقله العلميه التقنيه.
أما فى الآخره فستكون الصوره مشخصه بكل الأبعاد, أى من لحم ودم ومشاعر ووعى وحركه وتفاعل ومؤثرات خارجيه. ونستشف ذلك من قوله تعالى(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)-الكهف 49- أى ستأتى الأعمال حاضره مشخصه بكل أبعاد الصوره والمؤثرات ويمكن التفاعل مع شخصياتها. فإذا كانت الدنيا مسرحا كبيرا كما وصفها يوسف وهبى فإن الآخره ستكون مسرحا أكبر وأعظم- وقد يتساءل أحدنا مستنكرا بل الأعمال ستعرض فى صور فيديو سينمائيه- وأرد على ذلك بالتالى:
1- لوكانت صورا سينمائيه لاستخدم القرآن الكريم كلمة (رأوا) - أو (شاهدوا) بدلا من (وجدوا) ماعملوا حاضرا. مثل قولنا أن فلانا موجود, أى حاضر بنفسه وبجسمه.
2- الإنسان وصفه الله تعالى بكثرة الجدل (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)-الكهف 54- وبحكم الجدال والفهلوه فقد يدعى أحدنا ويقول بأن صورالأعمال المعروضه هى مفبركه وفوتوشوب (لوكانت سينمائيه) وأنه لم يرتكب مثل هذه الأفعال!- وكأن الله تعالى يعلم بهذه المبررات التى يمكن أن يسوقها الفرد منا. فعقب القرآن الكريم على قوله تعالى "وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا" بقوله "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"- أى أنه لاحجه لك أيها الإِنسان فلا مجال لأى ظلم لأن المشهد سيكون مشهدا تشخيصيا حقيقيا مسرحيا وليس سينمائيا حتى تتحقق العداله المطلقه لكل الناس, والله تعالى أعلى وأعلم.
اجمالي القراءات 1095