المرأة عورة فى الدين السُّنّى

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠١ - فبراير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

المرأة عورة فى الدين السُّنّى
القسم الثانى من الباب الثالث : التشريعات الاجتماعية
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
المرأة عورة فى الدين السُّنّى
أولا : مصطلح ( عورة ) فى القرآن الكريم
1 ـ جاءت كلمة عورة مرتين لتصف البيوت المكشوفة غير الحصينة وقت الحرب ، وذلك في معرض اعتذار المنافقين وهربهم من المواجهة أثناء حصار الأحزاب المشركين للمدينة " يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً " الأحزاب : 13 ).
2 ـ وجاءت كلمة عورة مرتين في تشريع إباحة النظر للطفل في زينة النساء ، والطفل هنا اسم جنس يدل على عموم الأطفال : ( الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) النور :31 )، وجاء في نفس السورة تشريع الاستئذان للطفل والرقيق على الرجال والنساء داخل البيوت في أوقات الراحة والنوم : ( مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ النور : 58 ) . والواضح أن "العورة" هي جزء من الرجل والمرأة ، ولذلك يجب سترها ، ومع احتمال أن تنكشف أثناء النوم كان التشريع القرآني في وجوب تعليم الأطفال الاستئذان على الكبار في أوقات العورات الثلاث ، فإذا بلغ الأطفال مبلغ الرجال وأدركوا معاني الالتقاء الجنسي وماذا يعنيه جسد المرأة بالنسبة للرجل كان عليهم الاستئذان من خارج البيوت كالكبار تماما (النور 59) ..
3 ـ بهذا فليست العورة قصرا على النساء ، بل تشمل الرجال ، وليست قصرا على البشر بل تشمل البيوت ، وفى كل الأحوال تعنى ما ينبغى ستره .
ثانيا : الحنابلة و ( عورة المرأة )
1 ـ الشافعي هو أول من استعمل مصطلح العورة ليدل على جسد المرأة ، وذلك في معرض حديثه عن زي المرأة في الصلاة ووجوب ألّا يظهر منها إلا وجهها وكفّاها ، وما عدا ذلك فهو "عورة" .
2 ـ توقف ابن حنبل في " احكام النساء " بالتفصيل والتقعيد في موضوع عورة المرأة ، فأتى بالجديد والغريب ، والذي لم يعد حتى الآن جديداً ولا غريباً ، ومن مفهومه الخاص للعورة أبدى ابن حنبل مفهومه لزينة المرأة وزيّها..
2 / 1 : فعن قوله جل وعلا : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) يقول عن المرأة في السوق أن كل شيء فيها عورة ، وجهها وكفّاها ، وعلى ذلك فلا يرى التاجر منها في السوق شيئاً ، بل انها إذا كانت مطلقة ، فإن طليقها لا يجوز له ان يأكل معها ولا ان ينظر إليها او إلى كفّيها . وفي حديث آخر ــ أو فتوى له ــ يؤكد على ان كل شيء في المرأة عورة حتى لو كانت عجوزاً ، وحتى لو كان ظُفْر يدها، بل إنه يوجب عليها ان تغطي حذاءها لأنه يصف قدميها ، ثم يتسامح في ان تكشف المرأة رأسها امام زوجها في البيت إذا لم يكن معهما أحد .
2 / 2 : وتناول ابن حنبل تفصيلات أخرى حكم فيها بالتشدد والحظر ، مثل منع العم من النظر إلى زينة ابنة أخيه " حتى لا يصفها لابنه " ، ومنع الخادم والعبد والخصي من النظر إلى شعر سيدته ، او إلى وجهها وكفيها أو أن يأكل معها ، وذلك مع ان القرآن الكريم ذكر العبيد والخدم ضمن المسموح لهم برؤية زينة المرأة مع الزوج والأرحام (النور 31) ، بل انه حظر أن تنظر المرأة من اهل الكتاب على المسلمة ، ولا يحل للمسلمة أن تكشف رأسها امام اليهودية والنصرانية .
تأثير إبن حنبل
1 ـ وفتاوى ابن حنبل تأثر بها مجتمع الحنابلة في عصره فصاغوا على مثالها أحاديث نسبوها للنبي ، ونقلها عنهم البخاري مثل حديث " لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها " . وأحد الرواة الذين اخذ عنهم البخاري هو عمر بن حفص بن غياث ، من أتباع ابن حنبل ، ومعنى الحديث هو النهي لأي امرأة أن تصف محاسن امرأة أخرى لزوجها ، وهذا يذكرنا بفتوى ابن حنبل في تحريم نظر العم لابنة أخيه مخافة أن يصفها لابنه ، أي ابن عمها .
2 ـ تأثر ( مسلم ) أكثر بالحنابلة ، فهو يروي عن أبي بكر بن أبي شيبة الحديث القائل : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضى الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضى المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد. ) . وواضح أنه حديث متأثر بالشذوذ الجنسى الذى شاع فى العصر العباسي بين الرجال ، وبين النساء أيضاً .
إبن الجوزى وفقه العورة
1 ـ إبن الجوزي ( ت 597 ) هو الفقيه الأكبر للحنابلة في القرن السادس الهجري ، وقد اهتم بحديث " لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها .... " وشرحه ، كما أورد ما قيل في تحريم السابقين لتبرج المرأة وسيرها في الشارع ، وأفتى بأن مجرد خروجها من بيتها فتنة ، فإذا تصنّعت في مشيتها ليرى الناس محاسنها فقد اكتسبت إثما فوق إثم . وأتى بأحاديث تمدح المتسربلات من النساء أي اللائي يرتدين الثياب الطويلة ، مما يدل على أن بعض " الكاسيات العاريات " كنّ يرتدين أزياء قصيرة حينئذ .
2 ـ وعلى نفس المنوال أتى ابن الجوزي بأحاديث ــ لم يعرفها شيخه ابن حنبل ــ في نهي المرأة عن قشر الوجه والوشم ، ومنها " يا معشر النساء إياكنّ وقشر الوجه " وحديث " كان رسول الله يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والمستوشمة والواصلة والموصولة " أي أضاف النساء إلى فنون الماكياج طريقة جديدة غير الوشم والباروكة ، وهي تقشير الجلد ليكون اكثر بياضا ، فكان الفقهاء لهن بالمرصاد ، إذ اطلقوا عليهن أحاديث اللعن لتضاف إلى قائمة الأحاديث السابقة ، ومن كلام ابن الجوزي نعرف ان تقشير الوجه كان يتم ببعض الأدوية ويمكن بذلك إزالة الكُلف في الوجه ، وهنا يتراجع ابن الجوزي فيبيح ذلك ان كانت الزوجة تفعله لزوجها ، ويأتي بحديث تقول فيه عائشة يؤكد ذلك . ورواة تلك الأحاديث ــ حسبما يقول (الداهية) ابن الجوزي ــ لم يرد ذكرهن في طبقات ابن سعد ، وهو أول من أفرد مجلداً كاملاً عن النساء الصحابيات والتابعيات ، ولم يكن فيهن ام جليلة ، وكرمية بنت همام ، وآمنة وتحية الراسبية .أى اخترعهن إبن الجوزى . إبن الجوزى كان أكبر مؤلف فى عصره ، وأشهر قصّاص فى العصر العباسى كله ، وأعتبره أكبر كذاب أيضا . نقول هذا من معايشة لكل مؤلفاته .
3 ـ وناقش ابن الجوزي ــ كابن حنبل ــ نظرة النصرانية واليهودية للمسلمة ، ونظرة المحارم للمرأة ، ويؤيده في إباحة نظر المحارم إلى وجه المرأة وكفيها وتحريم نظر الكتابية للمرأة المسلمة في الحمّام ، وهذه التفصيلات في كتاب " أحكام النساء " إلا انه يقول في حزن في كتابه تلبيس إبليس " وقد ينكشف من الحرة ما يبطل صلاتها وتستهين ). أي ينكشف عنقها او أصابع قدميها ، وهذه من العورات ، عندهم بالطبع ، وحينئذ تبطل صلاتها ــ عندهم بالطبع ــ كأنهم اخذوا تفويضاً من الله تعالى بقبول او عدم قبول الصلاة من النساء.
فى العصر المملوكى :
إبن تيمية ( 728 )
1 ـ في رسالة ( الحجاب ) يرى جواز ان تُبدي المرأة زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم ، وأما الزينة الباطنة فلا يراها إلا الزوج والمحارم ، ويرى أن الجلباب يعني النقاب وتغطية الرأس والوجه ، وتلك رؤيته لمعنى قوله تعالى " يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ " الأحزاب: 59 ، وعليه فلا يحل للأجانب إلا النظر للثياب الخارجية للمرأة .
2 ـ وقال ان المرأة لو صلّت وحدها كانت مأمورة بارتداء الخمار ، وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها إذا لم يكن معها أحد غير الزوج .
3 ـ ويؤكد على أن المرأة كلها عورة ، ولهذا كان عليها أن تستتر .
4 ـ وعن النظر للمرأة يرى أنه مع وجود ستر الوجه بالنقاب فما بقي إلا الثياب الظاهرة التي يجوز نظر الأجانب إليها . ونشكره على هذا التسامح ..!
الذهبى ( شمس الدين عثمان بن قيماز ) ت 747
كان إماما فى التاريخ والحديث وهو صاحب ( ميزان الاعتدال ) فى رواة الأحاديث . وفى كتابه ( الكبائر ) يجعل منها تلك "الموضات" التي اخترعها النساء من التشبه بالرجال في الزي ، وارتداء المرأة الثوب الرقيق ، وإظهارها الزينة واللؤلؤ تحت النقاب مع التعطر ، وذكر (موضات ) نسائية مثل توسيع الإكمام وتطويلها .... مع التبرج الزائد ، أي أن النقاب لم يفلح في تنشئة المرأة على التقوى ، بل على العكس أعطاها رخصة الانحلال الخلقي ، إذ كنّ يمشين ــ حسب ما يقول الذهبي ــ " متبخترات مميلات لاكتافهن يمتشطن المشطة المبلاء وهي مشطة البغايا )
ماذا عن النقاب والانحلال ؟
1 ـ نجح الفقهاء في سجن المرأة داخل النقاب ، وكان سجنا ظاهرياً تنتقل به المرأة في دروب الانحلال كيف شاءت ، ويصل إليها ــ بالنقاب ــ العشاق إلى داخل البيوت كيف شاءوا ، والحياة الاجتماعية في العصرين المملوكي والعباسي تحوي الكثير من الشواهد على ذلك.
2 ـ وإذا كان ابن حنبل قد أفتى بأن مكسب الماشطة (الكوافيرة) حرام ، فإن اعمال الماشطات اتسعت واتسع رزقهن (الحرام) ، إذ لم يعد أمام المرأة (بعد حجبها عن التعلم والسمو والتفاعل السليم مع المجتمع) إلا التركيز على الغرائز ، والتفنن في أساليب الفتنة والكيد والحياة السرية داخل البيوت بكل ما تعنيه من انحلال وشذوذ ، وبحيث كانت للماشطة والبلاّنة وظائف أخرى في تسهيل الدعارة والعشق الاختياري.
3 ـ وباتساع مهام الماشطة والبلاّنة احترف بعض الرجال مهمة الماشطة للنساء ، وليس هذا افتراءً بل هو ما عرفه العصر المملوكي وذكره الفقيه ابن الحاج في كتابه "المدخل" في معرض "انفتاح" المرأة على التجار وأصحاب الحرف ، وعدَّ منهم "المزين" ـو الحلاق ، فقال ان المزين مفاسده كثيرة في تعامله مع المرأة ، لأنه ليس كالكتاني او السقّا الذي تتعامل معه المرأة من غير ان تجتمع به ويخلوا بها ، ولكن المزين يباشر تزيين المرأة في بيتها ، وقد لا يكون معهما أحد فتعظم المفاسد ويكثر الخطر . ثم أفتى إبن الحاج بأنه لا يحل للمزين أن يدخل للمرأة إلا إذا كان معه زوج او محـْرم او جماعة من النساء ، وأن يكون ثقة أمينا فلا ينظر أثناء تزيينه للمرأة إلا لموضع الضرورة ..!
أهم المصادر
البخاري 3/262 ، 267 ، 199 ، مسلم 6/165 : 168 ، 1/ 183 ،
ابن حنبل : أحكام النساء 11 : 17 ، 27 : 46
ابن الجوزي : احكام النساء 15 ، 70 ، 93 ، 98 ، 41 ، 27 ، 69 ، تلبيس ابليس 389
ابن تيمية : الحجاب : 9 ، 10 ، 12 ، 17 ، 24 ، 28 ، 14 ، 16 ، 34 ، 30 ..
الذهبي : الكبائر 145 : 147 طــ بيروت
ابن الحاج : المدخل 4/105
اجمالي القراءات 2228