الرّدّ على أحاديث ( الباروكة ) وغيرها

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٣٠ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

الرّدّ على أحاديث ( الباروكة ) وغيرها
القسم الثانى من الباب الثالث : التشريعات الاجتماعية
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
الرّدّ على أحاديث ( الباروكة ) وغيرها
أولا :
1 ـ كعادتهم فى هدم تشريعات الاسلام يحرفون المعنى القرآنى للأية ثم يصنعون أحاديث شيطانية . ، والشافعى هو الذى أرسى هذا فى ( الرسالة ) . . وإشتهر عنه تحريف معنى قوله جل وعلا : ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .
2 ـ إن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه الآية الكريمة في تشريع الفيء ، وهو ما يفىء للمسلمين من أموال بطريق غير القتال ، يقول جل وعلا : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " الحشر : 7 ) .
2 / 1 ـ سياق الآيات قلبها وبعدها يؤكد على خصوصية التشريع في الفيء وتوزيعه على الفقراء ، وأنه لا بد أن ينتهي الأغنياء عن التطلع للأخذ من هذا البند حتى لا يكون المال دولة بينهم ( يتداولونه بينهم ) فيزداد ثراؤهم ، ويتحولون من أغنياء الى مترفين يتحكمون فى الثروة والسلطة ، ويصبحون إرهاصا بتدمير المجتمع .
2 / 2 ـ ويؤكد ذلك ما جاء فيما بعد عن موقف المنافقين الأغنياء وطمعهم فى الصدقات التي لا حق لهم فيها . عن ثرائهم قال جل وعلا : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) التوبة )( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) وجاء بعدها تشريع توزيع الصدقة : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)التوبة).
3 ـ إنتشر هذا التأويل المحرف لمعنى الآية من القرن الثالث الهجري بجهد الحنابلة ، وقد ذكر البخاري هذا الحديث ــ بالمناسبة ــ في تعليقه على سورة الحشر التي وردت فيها الآية ، ولا يزال هذا التأويل الفاسد للآية ــ على فساده ــ هو الحجة المفضلة للمتشددين فى حُجيّة الدين السُّنى .
ثانيا
1 ـ ذكر البخاري حديث لعن الموصلات في موضع آخر تحت عنوان : ( لا تطيع المراة زوجها في معصية ..) .
2 ـ أمّا ( مسلم ) فقد اهتم أكثر بالموضوع ، فذكره تحت باب " تحريم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمتوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله " ، وذكر حديث عبد الله بن مسعود الذي ذكره البخاري وإلى جانبه كل الأحاديث الأخرى التفصيلية في لعن كل من تقترب من تزيين وجهها بحجة أن ذلك تغيير في خلق الله ، وينقل احاديث أخرى عن شيوخ الحنابلة تحت عنوان (باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات) وفيه الحديث المشهور الذي يزعم ان النبي قال : صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها .." ) . وهو بهذا يكفر بالقرآن الكريم الذى يؤكد أن النبى محمدا عليه السلام ليس له أن يتكلم فى الغيب ولا يعرفه : ( الأعراف 188 ، الأنعام 50 ، الأحقاف 9 ، الجن 26 : 27 ، الأنبياء 111) .
3 ـ و( مسلم ) يقول "حدثني فلان " ، وترجع إلى تاريخ فلان هذا فتجده أبا بكر بن أبي شيبة او عثمان ابن أبي شيبة تو محمد بن المثني او ابن نمير ، وغيرهم من رءوس الحنابلة الذين بعثهم الخليفة المتوكل الى ( الآفاق ) لنشر دين السُنة فسيطروا على عوام المتدينين الطموحين للتكسب بالدين .
4 ـ ونسترجع ما ذكره إبن الجوزى فى تاريخ المنتظم فى احداث عام 234 : ( وفي هذه السنة‏ أظهر المتوكل السنة ونشر الحديث ..) ( وفيها‏:‏ أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين . وكان فيهم مصعب الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل وإبراهيم بن عبد الله الهروي وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة وكانا من حفاظ الناس ، فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس،وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية ، ( أى رؤية الله فى يوم القيامة خلافا لرأى المعتزلة ) . فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور ، ووضع له منبر ، فاجتمع عليه نحوا من ثلاثين ألفًا ‏.‏ وجلس أبو بكر بن أبي شيبة فى مجلس الرصافة فاجتمع عليه نحوا من ثلاثين ألفا .) ويقول ابن الجوزى أيضا : ( في سنة أربع وثلاثين ومائتين نهى المتوكل عن الكلام في القرآن ، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سامراء منهم‏:‏ محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وابنا أبي شيبة ، ومصعب الزبيري . وأمرهم أن يحدثوا . ووصلهم ‏.‏ ) أى أعطاهم الأموال.
ثالثا :
على أنه من المضحك أن يقال أن إزالة الشعر الزائد من الوجه يعتبر تغييرا لخلق الله.
1 : فلماذا لا يقولون هذا عن إزالة الشعر الزائد من الأعضاء الداخلية والتناسلية للذكر والأنثى نفس التهمة ..؟ وهل حلق الحاج شعره وتقصيره يعتبر تغييرا لخلق الله ؟ . وليس حلق الرجل لحيته حراما عندهم ، فلماذا لا يعتبرونه تغييرا لخلق الله ؟
2 ـ الأهم من هذا إنهم يوجبون الختان على الذكور والإناث ، وصنع البخارى حديثا مُضحكا جعل فيه ابراهيم عليه السلام يختتن ب ( قدُّوم ) وهو فى الثمانين من عمره ، وطبعا لا تتساءل الناس لماذا ظل بلا ختان الى أن بلغ هذا السّن ـ إذا كان الختان فرضا إسلاميا ومن معالم ملة ابراهيم ، ولم يتساءل أحدهم كيف يمكن لشيخ فى هذا السّن أن يختتن بالقدوم . وهل يستطيع بشر أن يختتن بالقدوم حتى لو إبتلع كيلو ( بنج ) .! .. المهم إنهم جعلوا الختان فريضة . وهو وفق دينهم أكبر تغيير فى ( خلق الله ) ، لأن شعر الوجه يعود ، أما ما يتم قطعه فلا يعود ولا فى أحلام اليقظة .!!
رابعا :
قضية تغيير خلق الله قرآنيا أبعد ما يكون عن عقلية السنيين ـ إذا كانوا يعقلون .!
هم على نفس الطريقة يؤولون قوله سبحانه وتعالى عن مكر إبليس بالبشر " وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ " النساء :119 ، ويجعلون إزالة الشعر الزائد استجابة لأوامر إبليس بتغيير خلق الله . ونردُّ عليهم بالقرآن الكريم :
1 ـ إن الله جل وعلا قد فطر الأنفس البشرية فى عالم الغيب على أنه لا إله إلا الله ، وأخذ عليها العهد ، وذكرهم وحذرهم مقدما من أن يأتوا يوم القيامة ويعتذرون بمتابعتهم لما وجدوا عليه آباءهم : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)الأعراف ). ويوم القيامة سيذكّرهم بهذا العهد وتلك الفطرة ، وكيف أن الشيطان أضلهم جيلا بعد جيل بأحاديثه الشيطانية : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) يس )
2 ـ بعد خلق الأنفس وتصويرها كان خلق آدم والأمر الالهى للملائكة بالسجود له : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف ). رفض إبليس وقال متوعدا بنى آدم ( وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) (119) النساء ).
3 ـ إبليس توعدنا بتغيير ( خلق الله ) وليس بتبديل خلق الله . لأن الفطرة التى خلقنا الله جل وعلا بها يستحيل تبديلها . ان الله تعالى قد خلق الناس على الفطرة أي الإيمان به سبحانه وتعالى وحده إلاها واحداً لا شريك له ، وتلك هي الفطرة التي قال عنها جل وعلا : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الروم : 30 ). يستحيل تبديل الفطرة لتكون إنكار لوجود الخالق جل وعلا . ولكن ينجح الشيطان فقط فى تغييرها ، بأن يزين لأتباعه الاعتقاد في آلهة أخرى مع الله ، فيحولهم من الفطرة الأصلية لخلق الله ، إلى تغيير لهذه الفطرة .
4 ـ القصص القرآنى عن كل الكافرين ـ من قوم نوح وحتى العرب ــ يؤكّد أن الكافرين مع إختلاف الزمان والمكان واللسان كانوا يؤمنون بالله جل وعلا ، ولكن يؤمنون بآلهتهم أيضا . والمطلوب منهم أن يؤمنوا بالله جل وعلا ( وحده )، وقالها قوم عاد للنبى هود عليه السلام : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) (70) الأعراف )، وحتى قريش كانت تنفر من ذكر الله جل وعلا ( وحده ) فى القرآن الكريم ( وحده ) : ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) الاسراء ) ، فالكافرون المشركون لا يؤمنون بالله جل وعلا إلّا وهم مشركون ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) يوسف ) ، وسيقال لأهل النار: ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ) ِ (12) غافر ) وعند الاهلاك يتذكر الكافر فطرته ، قال جل وعلا : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)غافر ) .
5 ـ إنكار الفطرة وزعم الالحاد بإنكار الخالق أُكذوبة كبرى . مهما بلغ كفر أحدهم وإلحاده فهو عند الضرر يتضرع لربه جل وعلا ، تخيل ملحدا من هؤلاء وقفت فى حلقه شوكة سمك ، أو أصابته أزمة قلبية ، سرعان ما يرجع الى فطرته متضرعا لربه جل وعلا . والآيات القرآنية فى ذلك كثيرة ، نكتفى منها بقوله جل وعلا عن فرعون: ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ) . .
ودائما : صدق الله العظيم .!
اجمالي القراءات 1767